الرئيس المصري يكشف عن فكرة «خارج الصندوق» لتنمية مصر

السيسي: يمكن تأهيل 10 ملايين أسرة خلال عقد لمواجهة التحديات التي تواجهها البلاد

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلقي كلمته في حفل تخرج أقيم أمس لطلبة من الكليتين البحرية والدفاع الجوي في القاهرة (رويترز)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلقي كلمته في حفل تخرج أقيم أمس لطلبة من الكليتين البحرية والدفاع الجوي في القاهرة (رويترز)
TT

الرئيس المصري يكشف عن فكرة «خارج الصندوق» لتنمية مصر

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلقي كلمته في حفل تخرج أقيم أمس لطلبة من الكليتين البحرية والدفاع الجوي في القاهرة (رويترز)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلقي كلمته في حفل تخرج أقيم أمس لطلبة من الكليتين البحرية والدفاع الجوي في القاهرة (رويترز)

في طرح وصف بأنه «خارج الصندوق»، كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن فكرة طموحة لتنمية المجتمع المصري، من خلال استغلال فترة التجنيد الإلزامي في مصر، مشيرا إلى أن التأهيل الجيد خلال هذه الفترة سيسفر عن وجود نحو 10 ملايين شاب مؤهل وأسرهم لمواجهة التحديات التي تواجهها مصر بعد عقد واحد فقط، وهو ما وصفته دوائر سياسية واقتصادية مصرية بـ«الفكر خارج الصندوق، الذي تحتاجه الدولة المصرية بشكل ضروري خلال المرحلة الحالية».
ووفقا لآخر إحصاء مصري، تجاوز عدد سكان مصر 89 مليونا قبل أسبوعين، لتحتل مصر المرتبة الـ15 على مستوى العالم من حيث عدد السكان، والأولى في الشرق الأوسط، والثانية أفريقيا بعد نيجيريا. لكن الدولة عانت من انخفاض حاد في اقتصادها ومواردها عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، بسبب التقلبات الحادة في المشهد السياسي، والانفلات الأمني، وأحداث العنف التي دفعت الاستثمار الأجنبي إلى الهروب من السوق المصرية، إضافة إلى انخفاض حاد في سعر العملة المحلية أمام الدولار.
ويوضح خبراء سياسيون واقتصاديون لـ«الشرق الأوسط» أن هناك عوامل كثيرة تؤثر سلبا على خطط التنمية المصرية، مؤكدين أنه رغم «الثروة البشرية» التي تتمتع بها مصر، فإن «تلك القوة البشرية لا تستغل بصورة صحيحة، كما أنها - في أغلبها - غير مؤهلة بصورة كافية للقفز بعجلة الإنتاج والنمو».
وبحسب تصريحات متكررة للإدارة والقيادة المصرية، فإن «دور الشباب» يعد أساسيا في خطوات مصر نحو المستقبل، خاصة أن نسبة الشباب في المجتمع المصري تبلغ نحو 41 في المائة، وفقا لأرقام رسمية، أي ما يتجاوز 45 مليون فرد. لكن انتقادات توجه دائما إلى الحكومة بعدم قدرتها على استخدام الشباب بصورة صحيحة، سواء من حيث التعليم أو التأهيل، أو التشغيل أو الرعاية الصحية، أو حتى «الاحتواء السياسي»، وهو ما يؤدي إلى فقدان أهم «رؤوس القدرة» في نمو الاقتصاد المصري.
وخلال حفل تخرج أقيم أمس لطلبة من الكليتين البحرية والدفاع الجوي في القاهرة، ألقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كلمة مطولة، طرح خلالها فكرة وصفها مراقبون سياسيون بأنها «خارج الصندوق التقليدي»، تهدف إلى استغلال فترة التجنيد الإلزامي في مصر لتأهيل الشباب. وقال السيسي مخاطبا الطلبة: «أنتم الجيل الجديد الذي سيتحمل مسؤولية الحفاظ على هذا الوطن شعبه وأرضه، وأرغب في القول إن المهمة التي تقومون بها مقدسة حقيقة من جميع الأوجه». وأضاف موضحا: «أريد أن أشرح هذا بتفصيل أكثر، حيث تستقبل القوات المسلحة والشرطة المدنية تقريبا كل عام ما يقرب من مليون شاب مصري. ولو تمت البرامج المعمول بها على مستوى القوات المسلحة والشرطة المدنية للشباب الذي يلتحق بالخدمة المدنية، سواء الموجود بالخدمة لسنة أو اثنتين أو ثلاث، وتم الاهتمام باللياقة الصحية والتغذية، واللياقة البدنية والتدريب الجيد ليس فقط للقتال، ولكن للدفاع عن الوطن.. تصوروا لو تم تخريج كل عام ما يقرب من المليون بعد الاهتمام البالغ الذي تلقوه، فكم من شاب متخرج سيكوّن أسرة؟ وكم شابا سيعمل، وكيف ستكون طريقة عمله؟ وكم من شاب متخرج سيصبح لديه حجم الوعي الكافي؟ (...) وأقول مرة أخرى، إنه يلتحق بالخدمة الوطنية ما يقرب من مليون جندي أو شاب مصري، تصورا ماذا سيحدث لو تم الاهتمام بهم بصورة كاملة؟».
وأضاف مخاطبا قادة الجيش والضباط: «لو قدرتم حجم هذه المهمة والمسؤولية وبذلتم فيها جهدا ليس عاديا، فسيصبح لدينا خلال 10 سنوات في مصر 10 ملايين شاب أو أسرة، تمت إعادة أو تحسين الولاء لديهم والانتماء للوطن والوعي بالتحديات والمخاطر التي نمر بها. وأرجو أن ننتبه لهذه النقطة وتصبح برامجنا في القوات المسلحة والشرطة تركز على هذا المفهوم، بالإضافة إلى البناء العسكري الذي يتم بناؤه لأبناء مصر».
ورغم أن البعض ذهب إلى تفسير كلمة السيسي بأنها تقتصر على برامج لترسيخ مفاهيم «الوطنية والانتماء»، فإن مصدرا مصريا رفيعا أكد لـ«الشرق الأوسط» أن التفسير يتعدى ذلك، موضحا في تعليق مقتضب أن «البرامج ستكون شاملة لتأهيل الشباب المصري لتحمل أعباء المستقبل، وستشمل أجزاء فنية كذلك».
ورحبت دوائر سياسية واقتصادية بالطرح الذي كشف عنه الرئيس المصري، موضحة لـ«الشرق الأوسط» أن «التعليم المصري وحده غير كاف في المرحلة الحالية لتأهيل الشباب، وتعديل المنظومة التعليمية يحتاج إلى سنوات طويلة، بينما الوضع المصري الحرج اقتصاديا لا يحتمل مثل ذلك الانتظار، بل نحتاج إلى أفكار غير تقليدية لإعادة التأهيل الشامل، مثل ما طرحه السيسي».
وانخفض نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي بشكل حاد من 5.1 في المائة في عام 2010، إلى 1.8 في المائة فقط في عام 2011، لكنه ارتفع قليلا في السنوات اللاحقة، واستقر حول معدل 2.2 في المائة حتى العام الماضي.
وفي شهر مايو (أيار) الماضي، قال وزير التخطيط المصري أشرف العربي إنه من المتوقع أن تحقق مصر نموا اقتصاديا يبلغ ثلاثة في المائة في المتوسط في النصف الثاني من السنة المالية الحالية 2014 - 2015، موضحا أن مصر تستهدف نموا للناتج المحلي الإجمالي يتراوح بين خمسة وستة في المائة في العام المالي المقبل، وهو ما يتجاوز مستويات ما قبل «25 يناير». وتعزز النظرة الدولية الطموحات المصرية، حيث قال مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي، في شهر مايو الماضي أيضا، إن «الإصلاحات الاقتصادية التي تنتهجها مصر بدأت تؤتي ثمارها، والنمو يتعزز.. لكن البلد ما زال يواجه وضعا صعبا»، مؤكدا أن الحكومة المصرية تتحرك في الاتجاه الصحيح، ومتوقعا نمو الاقتصاد بنسبة 4 في المائة هذا العام؛ أي ما يقارب مثلي مستوى العام الماضي.
وفي مطلع الشهر الحالي، أكد تقرير لصندوق النقد عن مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي أنه يبقي على توقعه بنمو الاقتصاد المصري 4 في المائة في العام الحالي، موضحا أن ذلك يعود إلى «خطط استقرار أداء الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية واسعة النطاق، التي من شأنها زيادة الثقة في الاقتصاد المصري». كما أشار إلى أن «المضي قدما في تلك الإصلاحات، وتلقي التمويل الخارجي، هما أهم المطالب لتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق النمو المستدام وخلق وظائف جديدة».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».