علاجات إلكترونية لالتهاب المفاصل

غرسات تحت الجلد لتحفيز الأعصاب

الغرسة الإلكترونية    ---   تحفيز العصب المبهم
الغرسة الإلكترونية --- تحفيز العصب المبهم
TT

علاجات إلكترونية لالتهاب المفاصل

الغرسة الإلكترونية    ---   تحفيز العصب المبهم
الغرسة الإلكترونية --- تحفيز العصب المبهم

يعكف العلماء الأميركيون على إجراء دراسات معمقة يأملون أن تؤكد أفضلية أداء العلاجات الإلكترونية وتفوقها على العلاجات الدوائية للأمراض الالتهابية.
ويشير الباحثون إلى النجاح الذي حققته السيدة مونيك روبرويك، التي عانت في الماضي من التهاب مفاصلٍ مضنٍ كان يمنعها من السير بسهولة في الغرفة رغم تناولها لأفضل الأدوية. ولكن غرسة إلكترونية زُرعت تحت جلدها قبل عشر سنوات مكّنتها من التخلّص من كلّ الأدوية والاستمرار بحياتها دون آلام حتّى أصيبت أخيراً بمرضٍ فيروسي تسبب في انتعاش التهاب المفاصل لديها من جديد.
ونقلت إيلي دولغن في مقال نشره موقع مجلة جمعية المهندسين الكهربائيين الأميركية، عن د. فريدا كوبمان، طبيبة متخصصة بالتهاب المفاصل في المركز الطبي الأكاديمي التابع لجامعة أمستردام، وصفها لاستراحة روبرويك الطويلة من المرض بالـ«مثيرة جداً للإعجاب» والنادرة بين مرضى التهاب المفاصل. تسلّط تجربة المريضة الضوء على الإمكانات الهائلة التي يتمتّع بها ما يُعرف بطبّ الإلكترونيات الحيوية، أو العلاجات الإلكترونية، هذا المجال الناشئ لعلاج الأمراض التي كانت غالباً تعالج بواسطة الأدوية التقليدية المتوفرة.
ولكنّ روبرويك كانت مريضة استثنائية أيضاً. ففي تجربة شملت 17 شخصاً قادتها كوبمان لاختبار ما إذا كانت عملية تحوير أنماط الإرسال الكهربائي في النظام العصبي قد تسهم في تخفيف الالتهابات والآلام الناتجة عن التهاب المفاصل، حقّقت روبرويك وحدها تراجعاً ملحوظاً ومستداماً في حدّة مرضها، بحسب ورقة بحثية نُشرت عام 2016.

غرسات إلكترونية

تُزرع غرسة «ست بوينت» SetPoint بجانب العصب المبهم vagus nerve الذي يمتدّ من الدماغ نزولاً حتّى أعصاب الطحال وأعضاء حيوية أخرى.
قد تكون الدراسات التجريبية كالتي أجرتها كوبمان مهمّة، ولكنّ اليقين العلمي يتطلّب تجارب عشوائية تشمل عيّنات كاذبة. وقريباً، سيتمكّن الأطبّاء، وعلماء الأعصاب، ومهندسو البيولوجيا من تكوين فهمٍ أفضل عن أداء الإلكترونيات العلاجية.
ومن المزمع أن تقدّم شركة «ست بوينت ميديكال» التي رعت تجربة كوبمان الأولى، في أواخر هذا العام تقريراً يستعرض النتائج الأولية لدراسة «ريسيت آر آي»، التي تُعدّ أوّل معاينة واسعة النطاق لاستخدام التحفيز العصبي في علاج أحد أمراض المناعة الذاتية. وكما التجربة الأولى، تستهدف دراسة «ريسيت آر آي». العصب المبهم، الموصل الأوّل للاتصال بين الدماغ والجسم، في محاولة لمحاربة الالتهابات.
يمكن القول إنّ التوقعات مرتفعة؛ فرغم أنّ الأجهزة التي تسخّر النبضات الكهربائية باتت منتشرة في عالم الطب، تركّز هذه المنصّات جميعها على الدوائر العصبية التي تؤثر بشكلٍ مباشر على الأنسجة المريضة. وعلى سبيل المثال، تساعد المحفّزات الدماغية العميقة في تخفيف أعراض مرض باركينسون من خلال قرصنة مركز السيطرة الحركية في الدماغ. في مقال علمي نُشر عام 2002. تحدّث كيفن تريسي عمّا أسماه «ردّ الفعل الالتهابي» «inflammatory reflex”، أي الشبكة العصبية التي تنظّم بشكلٍ غير مباشر ردود الأفعال المناعية على الإصابات والأمراض من خلال العصب المبهم والأعضاء المرتبطة به.

تنشيط الأعصاب

وكان تريسي، جرّاح الأعصاب السابق الذي يترأس معاهد فينشتاين للأبحاث الطبية في مانهاست، نيويورك، أوّل من بيّن أنّ تنشيط العصب المبهم في الفئران يمكن أن يثبط إفراز الجزيئات ذات الإرسال المناعي. لاحقاً، ربط جرّاح الأعصاب السابق التأثير بإرسالات العصب المبهم التي تتجه إلى الطحال، وهو عضو الجسم بحجم قبضة اليد موجود في المعدة حيث تنشط الخلايا المناعية. وفي عام 2007. شارك تريسي في تأسيس شركة «ست بوينت» لاستخدام هذا العلاج في العيادات.
أعادت الشركة بداية تحديد هدف غرسة استخدمت في الماضي للسيطرة على النوبات لدى مرضى الصرع. عزّزت «ست بوينت» معايير التحفيز بالاعتماد على دراسات على القوارض قبل إعطاء الأجهزة للمرضى ومنهم روبرويك. حصلت الأخيرة والمشاركون الآخرون في التجربة على مولّد نبضات بحجم الكعكة زُرع جراحياً داخل صدورهم، تفرّع منه سلكٌ امتدّ على طول الجهة اليسرى من العنق حيث التفّ قطبٌ كهربائي حول العصب المبهم. أصدر الجهاز ذبذبات تنشيطية طفيفة لمدّة دقيقة كاملة أربع مرّات كلّ يوم.
في ذلك الوقت، قلق بول بيتر تاك، عالم مناعي ورائد أعمال في مجال التقنيات الحيوية شارك في التجربة مع كوبمان، من رفض مرضى الالتهاب العصبي الخضوع لجراحة وفكرة زراعة غرسة تحت جلدهم. ولكن بعد الإعلان عن الدراسة على التلفزيون الهولندي، انبهر تاك بعدد الطلبات التي قدّمها مرضى تعبوا من الأدوية والحقن. يقول تاك: «لم أخطّط لهذا البحث السوقي. لقد تفاجأت بأنّ الكثير من المرضى يفضلون عملية جراحية واحدة ونهائية».
خرجت الدراسة بنتائج واعدة ولكنّ الجهاز نفسه كان مرهقاً، مما دفع «ست بوينت» إلى تعديل المنصّة وتقليصها إلى ناقلٍ عصبي بحجم حبّة الفستق مجهّز بأقطاب كهربائية مدمجة وبطارية تُشحن لاسلكياً موظّبة جميعها في قالبٍ سيليكوني يستقر مباشرة على العصب المبهم في العنق. من جهته، وصف ديفيد تشرنوف، رئيس القسم الطبي في «ست بوينت»، الأمر «بالانتقال من استخدام سيارة قديمة إلى أخرى من نوع تسلا - لقد أعيد تصميم الجهاز بالكامل».
وثبُتت سلامة استخدام هذا الجهاز في تجربة صغيرة أجريت عام 2018. اليوم، دخلت دراسة «ريست آر آي». التي شملت 250 شخصاً لم يحصل نصفهم على تنشيط كهربائي في أوّل 12 أسبوعاً بعد زرع الغرسة، مرحلة تقييم الفعالية. وإذا ثبتت فعاليتها، قد نشهد تجارب على أمراض مناعية ذاتية أخرى.
تعمل شركات أخرى حالياً على اختبار أجهزة تستهدف أعصاباً أقرب إلى مركز التنشيط المناعي - أي في «الجزء الفعّال من الجسم»، كما وصفها كريستوف فام، رئيس شركة «غالفاني بيو إلكترونيكس» البريطانية. يحاجج فام بأنّ مقاربة تعريض العضو الأساسي للتنشيط العصبي ستفتح المجال أمام تحويرٍ عصبي أكثر دقّة، ولاستهداف المرض دون تأثير تحفيز العصب المبهم على أماكن أخرى غير معنية.
واليوم، يعمل «غالفاني»، في مشروع مشترك بين «ألفابيت» من «غوغل» وشركة «جي إس كي». المتخصصة في الصناعات الدوائية، على تقييم محفّز العصب الطحالي المزروع في عدد محدود من مرضى الالتهاب العصبي. بدورها، تعمل شركة أخرى اسمها «ساكند ويف سيستمز» في مينيابوليس، على اختبار ما إذا كانت الموجات فوق الصوتية الموجّهة على الطحال تستطيع تقديم تأثيرات التسكين المناعي نفسها ولكن دون عبء التدخّل الجراحي. تتوقّع الشركتان الإعلان عن أوّل البيانات البشرية هذا العام.
يقول جين سيفيليكو، عالم متخصص بالتقنيات العصبية في جامعة نورث إيسترن، بوسطن، والذي أشرف سابقاً على جهود بحثية في مجال الإلكترونيات الحيوية في معاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة: «التعديل العصبي في أوجّه. والتحكّم بالنسيج العصبي بدقّة زمانية ومكانية سيكون الطريق إلى علاج أو تحوير الكثير من الأوضاع المرضية». وتأمل «ست بوينت» ومعها الكثير من الشركات الأخرى أن تثبت صحّة كلامه خلال هذا العام.


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة
TT

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

إن مسألة ما إذا كان الانحباس الحراري العالمي يتسارع، هي مسألة مثيرة للجدال بشدة بين علماء المناخ، ففي حين زعم ​​البعض أن معدل الانحباس الحراري الحالي -الذي بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق في العام الماضي- يرتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة انبعاثات الوقود الأحفوري وبالتالي يتماشى مع نماذج المناخ الحالية؛ يُحذر آخرون من أن الأرض أضحت أكثر حساسية لتأثيرات الوقود الأحفوري مما كان يُعتقد سابقاً، وأن البشرية تتجه نحو نقاط تَحوّل لا يمكن العودة منها.

وتيرة ارتفاع الحرارة أقل داخل مومباي والقاهرة

في دراسة حديثة، زادت مجموعة من الباحثين من جامعة ملبورن تعقيد هذا النقاش من خلال تحليل معدلات الانحباس الحراري في جميع أنحاء العالم والأسباب المحتملة للاختلافات الإقليمية.

النتيجة الرئيسية التي توصلوا إليها: تزداد حرارة الكرة الأرضية بمعدل أسرع، لكن هذا التسارع يحدث بشكل غير متساوٍ. ولكن من المثير للدهشة أن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مع التركيزات الكبيرة من الفقر -المدن الكبرى مثل القاهرة ومومباي-ـ ترتفع درجة حرارتها ببطء أكثر من المراكز الحضرية في أوروبا وأميركا الشمالية.

دقائق الهباء الجوي تعكس أشعة الشمس

لماذا؟ وجد الباحثون أن الكمية الكبيرة من دقائق الهباء الجوي في الهواء في المدن شديدة التلوث تعكس ضوء الشمس إلى الفضاء، وعلى الأقل في الأمد القريب، يمكن أن يكون لها تأثير تبريدي صافٍ على السكان.

وأشادت إديث دي جوزمان، المتخصصة في سياسة التكيف في مركز لوسكين للابتكار بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، بالباحثين، على عملهم.

وأكد مؤلفو الورقة البحثية أن النتيجة لا ينبغي أن تؤخذ على أنها علامة جيدة. فمن ناحية، من المرجح أن تكون مؤقتة فقط. وثانياً، تأتي الحماية، كما هي، فقط من الملوثات الضارة. ووافقت دي جوزمان على هذا الاستنتاج، قائلةً إن الاحترار المتسارع يعني أن «السكان الذين هم بالفعل عُرضة بشكل صارخ لمجموعة متنوعة من الظلم البيئي والمناخي سوف يكونون أكثر عرضة للخطر».

التخلص من التلوث الجوي يزيد الحرارة

ومع تطور البلدان اقتصادياً، تميل حكوماتها إلى تبني سياسات لتنقية البيئة من التلوث، ولكن مع صفاء الهواء، سوف تتعرض الفئات السكانية الضعيفة لخطر التعرض للحرارة الشديدة. وقد قدم كريستوفر شوالم، مدير برنامج المخاطر في مركز «وودويل لأبحاث المناخ»، مثال الصين، حيث بدأت الحكومة في تجهيز محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بتقنيات الحد من الانبعاثات مثل أجهزة التنظيف، لمنع السخام من التسرب من المنشأة. وقال إن مثل هذه التدابير جيدة لجودة الهواء، لكنها ستسمح بتسرب مزيد من الحرارة من الشمس.

الفقر يزيد تأثيرات ارتفاع الحرارة

وسوف يكون الأكثر تضرراً هم أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى مكيفات الهواء والمناطق المظللة. وأضاف شوالم: «كلما كنت أكثر فقراً، ارتفعت درجة الحرارة، حيث تكون الحرارة استعارة لجميع أشكال اضطراب المناخ».

وأوضح شوالم أن المجتمع العلمي لديه نحو ثلاثين نموذجاً مناخياً متطوراً للغاية يُنظر إليه بشكل جماعي على أنه «لجنة من الخبراء» حول مسار الانحباس الحراري العالمي. يعتقد أن دراسة الاحترار المتسارع مفيدة لأنها يمكن أن تساعد البلدان على التخطيط لتدابير التكيف مع المناخ وفهم مدى واقعية أهداف سياسة المناخ الحالية -أو عدمها.

تغيرات مناخية مؤثرة

في العام الماضي، لم يحقق العالم أهداف الانبعاثات من اتفاقية باريس لعام 2015، وهو في طريقه لفعل نفس الشيء هذا العام. أصبح العلماء أكثر صراحةً بشأن ما تسمى وفاة التزام اتفاقية باريس بالحفاظ على العالم دون زيادة في درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت)، في محاولات لإجبار صناع السياسات على التعامل مع حتمية موجات الحر المتفاقمة والأحداث الجوية المتطرفة القادمة.

يقدم مؤلفو ورقة ملبورن رؤى مطلوبة بشدة حول شكل المستقبل وكيف يجب على الدول الاستعداد: «يجب أن تشجع نتائجهم «استراتيجيات التكيف مع المناخ المستهدفة» الموجهة إلى أفقر المجتمعات الحضرية في جميع أنحاء العالم.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».