دونالد سذرلاند يفتح كتاب الذكريات: هوليوود عاشت في السبعينات فترة لن تتكرر

الممثل الكندي المخضرم رئيس دولة فاشية في سلسلة «ألعاب الجوع»

دور رئيس أميركا في «ألعاب الجوع»
دور رئيس أميركا في «ألعاب الجوع»
TT

دونالد سذرلاند يفتح كتاب الذكريات: هوليوود عاشت في السبعينات فترة لن تتكرر

دور رئيس أميركا في «ألعاب الجوع»
دور رئيس أميركا في «ألعاب الجوع»

في السابع عشر من هذا الشهر احتفل الممثل دونالد سذرلاند بعيد ميلاده الثمانين، إذ كان وُلد في بلدة كندية اسمها سانت جون (مقاطعة نيو برونزويك). ‬
«لعبة الجوع: موكينغجاي 2»، الجزء الرابع من المسلسل المعروف الذي يؤدي فيه دور رئيس جمهورية، مبرمج للعرض في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
لكن قبله، لديه فيلمان جديدان آخران: «منبوذ» أمام ديمي مور وابنه كيفر سذرلاند و«باسماتي بلوز» لجانب سكوت باكولا وبري لارسون. السن المعمّرة لدونالد سذرلاند لا تمنعه من النشاط: «أنا مخضرم في هذه المهنة، لكني ما زلت أحب التمثيل. كلما خرجت من تمثيل فيلم أتطلع لتمثيل فيلم آخر» يقول وهو جالس في غرفة استأجرت للمقابلات في فندق على الضفة الشمالية من نهر التامز.
ينظر من النافذة إلى المشهد الهادئ خارجها ويقول:
«لي تاريخ هنا. هل تعلم؟».
لم أكن أعلم.
فيكمل: «سنة 1956 أتيت إلى لندن لدراسة الدراما في (أكاديمية لندن للموسيقى والفنون الدرامية) ومثلت فيما بعد أول فيلم لي هنا».
* أعتقد أنك مثلت مسرحيات هنا قبل ذلك.
- نعم ظهرت على مسارح صغيرة في الوست إند. ومثلت فيلمين نحو سنة 1963. عمليًا مثلت عدّة أفلام هنا قبل أن أغادر إلى لوس أنجليس.
* كانت أدوارك الأولى أفلام رعب على ما أعتقد.
- صحيح. مثلت دورًا مزدوجًا في فيلم اسمه «قلعة الموتى الأحياء» وقمت بمبارزة نفسي. أنا جندي وساحر شرير وفي أحد المشاهد نتقاتل (يضحك).
على الغالب أنه حسنا فعل بالانتقال إلى هوليوود. كل أفلامه البريطانية (أربعة معروفة) لم تتقدّم به ولا خطوة إلى الأمام. في هوليوود سارع بالمشاركة سنة 1965 في فيلم درامي حول صراع بين كابتن غواصة (رتشارد ودمارك) ومساعده (سدني بواتييه). كان دوره صغيرًا جدًّا لكنه كان منصّة وثب منها إلى دور رئيسي في الفيلم الحربي الآخر «الدزينة القذرة» لروبرت ألدريتش. البطولة كانت للي مارفن، لكن الأدوار الأخرى كانت كلها متساوية توزّعت عليه وعلى تشارلز برونسون وجيم براون وجون كازافيتيز وجورج كندي من بين آخرين.
* هل كوّن «الدزينة القذرة» اسمك؟ هل أصبحت معروفًا بسببه؟
- أصبحت معروفًا أكثر. هذا ما تستطيع أن تقوله، لكني لم أصبح معروفًا على نحو واسع. أقول إنه ساعدني في استقبال عروض أخرى. ليس أنها كلها كانت أدوارًا رئيسية، لكن كان لدي دائمًا الشعور بأنني أتقدّم في مهنتي وأنني سأصل يومًا إلى بطولة فيلم ما. وهذا ما حصل.
* تقصد البوليسي «كلوت»؟
- نعم ولو أني أعتقد أني لم أحصل على بطولة هذا الفيلم إلا بسبب دوري في فيلم «ماش». هل تذكره؟
* طبعًا. لكنه كان دورًا كوميديًا والأدوار الكوميدية صعبة كما يقولون.
- ليس إذا لعبتها جديّا. أنا وإليوت غولد وتوم سكيريت مثلنا أدوارنا من دون أن نظهر أننا نود إضحاك أحد. الفيلم كان طريفًا لكننا لم نكن طريفين. في الواقع ما زلت لا أدري لماذا نجح ذلك الفيلم فجأة. سعيد بأنه فعل.
* ثم كان «كلوت» مع جين فوندا… أخبرني كيف تجد التجربة الآن؟
- «كلوت» كان صعبًا من حيث أنه كان بطولة مطلقة. لم يكن الفيلم الأول الذي لعبت بطولته. كان ذلك فيلما آخر في الواقع…
يبحث عن عنوانه في الذاكرة فأسعفه:
* «أليكس في بلاد العجائب»؟
- تمامًا. كان فيلما مستقلاً مثيرًا للاهتمام. وجد حياة قصيرة في المهرجانات. لكن «كلوت» كان إنتاجًا هوليووديًا رئيسيًا وكان من بطولة جين فوندا أيضًا. كانت فرصتي الجيد لكي أترك انطباعًا إيجابيًا.

مع فيلليني
كان «كلوت» (وهو اسم شخصية التحري التي أداها سذرلاند) واحدًا من تلك القمم التي توزّعت على مراحل عدّة. في مقابلها كان عليه أن ينتقل بين أفلام لا تحقق له طموحات أعلى لكنها كانت مجدية كمجموعات من أعمال متباينة. سنة 1973، عام واحد بعد ذلك الفيلم الذي حققه ألان ج. باكولا، وجد نفسه يعود إلى الكوميديا في «ستيليارد بلوز»، ثم يلتقي بإليوت غولد في «جواسيس» ويسبر غور فيلمين منسيين هما «لايدي آيس» لجانب جنيفر أونيل و«رعد غريب» الذي تم تصويره وإنتاجه في كندا.
لكن الفترة ذاتها شهدت بعض أفضل أداءاته.
* أحد أجمل أفلام تلك الفترة لك، إلى جانب «كلوت»، فيلم تشويقي آخر هو «لا تنظر الآن» وبعده مثلت «يوم الجراد» وكلاهما لمخرج بريطاني (نيكولاس روغ وجون شليسنجر). هل كان ذلك بمثابة تغيير مطلوب؟
- أي فيلم يحمل قيمة فنية هو تغيير مطلوب لأي ممثل. في تلك الآونة ونحن نتحدث عن مطلع السبعينات كانت هوليوود تعيش فترة لم تتكرر فيما بعد. تفتقدها اليوم. فترة كان فيها المخرجون يستطيعون إيجاد الدعم الكامل لأفلام تستدعي التفكير. ليس أنني مثلت كل فيلم من هذه الفئة، لكن كان نصيبي لا بأس به.
* هل أخبرك فديريكو فيلليني عندما اختارك سنة 1976 لبطولة فيلمه «كازانوفا» لماذا اختارك أنت تحديدًا؟
- ربما. لا أذكر. ربما قال شيئا مثل أنه شاهدني في هذا الفيلم أو في ذلك الفيلم وأعجب بتمثيلي فاختارني. لا أذكر. لكني أذكر أنني أدركت منذ البداية ما يخططه لهذه الشخصية ولذلك زاد حماسي للعمل معه. كان يريد أن يسخر من هذه الشخصية ومن مرحلتها لكن حتى ولو لم يكن يريد ذلك لكنت قبلت التمثيل تحت إدارته. لا يمكن لأي ممثل أن يقول لا للعمل مع مخرج مثل فيلليني.
* هل مثلت فيلما ندمت عليه؟
- نعم. هناك أفلام أتمنى لو أنني لم أقم بها. كذلك أفعال أندم عليها. لكني لا أعتقد أنني أريد أن أجيب عن هذا السؤال بطرح أمثلة. سيبدو الأمر مسيئًا لجهود الآخرين. لكن نعم… هناك أفلام أندم على اشتراكي بها.
* من مزايا وجهك أنه يختلف. يقع بين الوجوه الجميلة وتلك التي تراها دومًا في الأفلام الشريرة… عذرًا لا أقصد النقد. لكن أيامها على الأقل كان مختلفًا…
- طبعًا. سأحكي لك قصّة: ذات مرّة كنت في الطائرة في رحلة قصيرة وتقدمت مني المضيفة وقالت: «أنت دونالد سذرلاند»، قلت نعم. قالت بعفوية لا تغيب عن بالي: «لا تبدو قبيحًا كما في الأفلام» (ضحك).
* قبل أن أنتقل إلى الحاضر… تلك الأفلام مع إليوت غولد وجين فوندا وتحت إدارة مخرجين مثل روبرت التمان وباكولا وبول مازورسكي في تلك الآونة اعتبرت مناوئة للنظام الاجتماعي والسياسي. سخرية من الحرب، إدانة لفساد في موقع سياسي، شخصية لرجل يعيش خارج النظام في «أليكس في بلاد العجائب»… هل كنت تتبع هذا الاتجاه عن قصد؟
- لا. ليس عن قصد. كنت مدركًا لوجود هذه الرسائل التي تحملها هذه الأفلام والكثير غيرها في تلك الفترة، لكني لم أمثلها لأنها هكذا. مثلتها لأسباب أخرى. إما لأنني أردت العمل مع مخرج معيّن وإما لأنني أحببت الفكرة أو لأنني كنت مفلسًا (يضحك). لكني معك، تشكل الآن مجموعة من الأعمال المعادية للفكرة السائدة من أن كل شيء على ما يرام.
*..لكن كل شيء ليس على ما يرام في سلسلة «ألعاب الجوع»، أليس كذلك؟ أقصد أنك تؤدي رئيس دولة فاشية يريد قمع الانتفاضات التي تقع في بلده بالقوّة.
- صحيح. لا أتابع الأخبار كثيرًا ولا أتخيل تمثيل شخصية تشبه شخصية واقعية. لا أضع نصب عيني شخصية ما، لكنها شخصية فاشية. هذا صحيح.

دوافع درامية
سلسلة «ألعاب الجوع» في أجزائها الأربعة حتى الآن، هي نظرة خيالية على مستقبل أميركا بعد عقود. حسب رواية سوزان كولينز (المؤلفة بدورها من عدة أجزاء): هناك الأثرياء الذين يعيشون في المدينة، وباقي الناس الذين فرض عليهم العيش خارجها تحت وطأة الحاجة والفقر ولا يستطيعون دخول المدن. في كل سنة تقام ألعاب قتال يتم اختيار لاعبيها من 12 إقليما ومنح جائزة للثنائي الذي ينتصر على الجميع ضمن سلسلة من أفعال القتل المبرمجة. كاتنيس (جنيفر لورنس) لم تربح الجولات الأولى فقط، بل تحوّلت إلى قائد ثوري يتصدّى للنظام الفاشي.
* دور سذرلاند كبر كثيرًا من مجرد مشاهد قليلة في الجزأين الأول والثاني، إلى حضور مشهود في الجزأين اللاحقين. ما السبب؟
- أعتقد أن ذلك لدوافع مبررة. دوافع درامية. الحكاية وصلت إلى منطقة لا بد فيها من دفع الأحداث إلى المجابهة. سنو (اسم شخصيته) هو حاكم أميركي لا يمكن له استيعاب أي تغيير يطرأ على النظام الذي يتولّى رئاسته. كان لا بد من تكبير حجم اشتراكي للدلالة على الأزمة التي تطرأ على الفيلم وتزداد وقعًا جزءًا وراء جزء.
* كيف تفسر سنو؟
- أعطيه أعذارًا. هو على رأس نظام كان قائمًا قبله وعليه أن يحافظ عليه حين يمضي عنه. إنه ليس نظامًا مثاليًا. لو نظرت إلى الولايات المتحدة الآن وفي الواقع تجد أن هناك وضعًا جائرًا بحق قطاع كبير من الناس: الخدمات الاجتماعية لم تتطوّر، التعويضات الاجتماعية لم ترتفع لتناسب الغلاء. كلنا نجهد في سبيل حياة أفضل بعضنا أكثر من بعض. والرؤساء الذين هم أمثال سنو عليهم أن يفعلوا قدر جهدهم لإبقاء الأمور تحت السيطرة. إنها بيروقراطية الغرب من أيام الرومان.
* ما تفسيرك لنجاح هذه السلسلة؟
- بسيط: يلتقي وأسئلة الناس الحاضرة حول مستقبلهم ومستقبل أولادهم. إنه بالطبع خيالي ومستقبلي وليس فيلما واقعيًا. لكن رسالته واقعية. تدفع الناس لكي تفكر فيما سيكون الأمر عليه. أعرف أن الكثير من المشاهدين في أميركا على الأقل، يعتقدون أن الأمور في الواقع قد تصل إلى ما يقترح الفيلم أنها ستصل إليه.
* بعد خمسين سنة من العمل… بماذا تفسّر سر استمرارك؟
- في البداية كان الشغف. هذا كان يمكن أن يفتر بعد حين، لكنه استمر ولا يزال مستمرًا إلى اليوم. كل شخص في عمله إذا لم يتمتع بحب ما يقوم به لن يمضي بعيدًا فيه. لن يحقق الاستمرار ولا النجاح. الشغف هو كلمة السر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».