لم يكن هناك الكثير مما يدعو للإثارة في تعادل تشيلسي بدون أهداف مع ليفربول في الجولة الماضية من مسابقة الدوري، لكن مشاركة اللاعب الجديد ميخايلو مودريك في الشوط الثاني أزالت ملل المباراة. وأظهر الجناح الأوكراني، الذي بدا متجها إلى آرسنال قبل اختيار تشيلسي، بعض المهارات الرائعة خلال مشاركته القصيرة وبدا أنه اللاعب الأقرب لتسجيل هدف الفوز في صفوف تشيلسي على ملعب أنفيلد. وأبدى المدرب غراهام بوتر إعجابه بأداء مودريك البالغ من العمر 22 عاماً بينما قال المحلل في قناة سكاي سبورتس غاري نيفيل «رؤية مودريك لمدة عشر دقائق، لا أود أن ألعب ضده!».
وقبل انتقال مودريك إلى تشيلسي، كان اللغز الذي يواجه مسؤولي نادي شاختار دونيتسك الأوكراني يتمثل في أن مودريك لم يحصل على فرصة كافية للعب مع الفريق الأول، بالنسبة للاعب في مثل عمره. كان ذلك في صيف عام 2021. ولم يكن المديران الفنيان السابقان للفريق، باولو فونسيكا ولويس كاسترو، مقتنعين بأنه يستحق الحصول على فرصة المشاركة مع الفريق الأول. لكن في المقابل، كان مجلس إدارة النادي ينظر إلى مودريك على أنه لاعب يمتلك قدرات وفنيات هائلة تؤهله للحصول على جائزة أفضل لاعب في العالم يوما ما! وفي ملعب التدريب، كان ينظر إلى مودريك دائما على أنه لاعب سريع للغاية ويمتلك مهارات كبيرة، ولا يمكن لأي شخص على الإطلاق أن يتوقع ما سيقوم به. ورغم أن عيد ميلاده العشرين كان قد مر منذ فترة طويلة، لكنه لم يلعب سوى سبع مباريات فقط مع شاختار دونيتسك، و21 مباراة أخرى على سبيل الإعارة، ولم يسجل بعد أي هدف مع الفريق الأول.
أثبت مودريك للجميع أن دوري الأبطال هو بطولته المفضلة (غيتي)
وأخيرا، وجد شاختار دونيتسك ضالته في المدير الفني الإيطالي روبرتو دي زيربي، الذي تمكن أخيرا من استغلال الموهبة الكبيرة لهذا اللاعب الشاب، فلم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى اقتنع دي زيربي تماما بأن مودريك لاعب رائع وسيكون له مستقبل كبير، وأخبر اللاعب الشاب بأنه يثق به تماما. كان دي زيربي قد دفع بمودريك في التشكيلة الأساسية لشاختار دونيتسك في مباراتين في الدوري الأوكراني الممتاز، قبل أن يشركه كبديل في المباراة الحاسمة أمام موناكو في ملحق الصعود لدوري أبطال أوروبا. لم يكن أمام مودريك سوى ثماني دقائق من الوقت الأصلي للمباراة، بالإضافة إلى الوقت الإضافي، لكي يحدث الفارق، لكنه تمكن خلال هذا الوقت القصير من خلق الكثير من المشاكل والمتاعب للنادي الفرنسي من الجهة اليسرى، وكان صاحب التمريرة العرضية التي اصطدمت بمدافع موناكو، روبن أغويلار، ودخلت المرمى، ليقود فريقه للتأهل إلى دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا.
وبعد سبعة عشر شهرا فقط، انتقل مودريك إلى تشيلسي مقابل 89 مليون جنيه إسترليني، لتكون هذه واحدة من أكثر رحلات الصعود إلى القمة إثارة في تاريخ كرة القدم. لقد استغل مودريك الفرصة التي منحها له دي زيربي، الذي لم يستمر طويلا في قيادة النادي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، ولم يستسلم أبدا. وبعد إحدى مباريات شاختار دونيتسك في دوري أبطال أوروبا الخريف الماضي، قال أحد لاعبي الفريق المنافس إن مودريك أفضل لاعب واجهه على الإطلاق.
لقد أصبح الأمر مختلفا تماما عما كان عليه في موسم 2020 - 2021، عندما رحل مودريك عن شاختار على سبيل الإعارة للمرة الثانية. أمضى مودريك النصف الأول من ذلك الموسم مع نادي ديسنا تشيرنيهيف، الذي يلعب في الدوري الأوكراني الممتاز. لم يخسر ديسنا تشيرنيهيف سوى مباراتين فقط خلال الفترة التي لعبها معه مودريك، وكان من الواضح للاعبي هذا الفريق أن مودريك يمتلك قدرات وفنيات هائلة.
يقول إيهور ليتوفكا، حارس مرمى ديسنا في ذلك الوقت: «لقد كان يركز بشكل كامل على كرة القدم. وكان يتدرب حتى في يوم العطلة؛ وكان يتدرب بمفرده بعد نهاية الحصص التدريبية. كان ينزل إلى أرض الملعب بمفرده ويأخذ الكرات معه ويتدرب على التسديد والمراوغة. وبعد ذلك، كان يذهب إلى المدير الفني ويطلب منه أن يخبره عن رأيه فيما قدمه في المباراة السابقة، ويراجع الإحصائيات. كان ذلك مهما جدا بالنسبة له». وبعد عام من عودة مودريك إلى شاختار، أصبح ديسنا ضحية للعدوان الروسي، حيث دمر ملعب الفريق بالكامل تقريباً. يقول ليتوفكا، الذي يحاول استئناف مسيرته الكروية في كرواتيا، عن مودريك: «إنه يمتلك سرعة مذهلة، ويجيد المراوغة بطريقة تذكرني برونالدينيو».
ويأمل تشيلسي أن يواصل مودريك التألق في صفوفه، خاصةً أنه طور أداءه بشكل لافت للأنظار وأصبح يجيد إحراز الأهداف أيضاً، حيث سجل هدفين في مرمى سلتيك وهدفا في مرمى لايبزيغ في دور المجموعات بدوري أبطال أوروبا هذا الموسم. كما تألق في مباراتي فريقه أمام ريال مدريد، وقدم نفس المستويات القوية التي جعلت جمهور النادي الملكي يصفق له على ملعب «سانتياغو برنابيو» في الموسم السابق. كان ذلك بعد 10 أسابيع من مباراة موناكو، وأثبت مودريك للجميع أن دوري أبطال أوروبا هو بطولته المفضلة التي يقدم فيها أفضل مستوياته.
وفي حين كان المديرون الفنيون لشاختار يتسمون بالبطء فيما يتعلق بمنح مودريك التقدير الذي يستحقه، شعر المحيطون بمودريك لبعض الوقت بأن نفس الشيء ينطبق أيضاً على من هم بالخارج. لقد كانت أندية الدوري الإنجليزي الممتاز تعرف كل شيء عنه وعن فنياته الهائلة، لكن برينتفورد كان النادي الإنجليزي الوحيد الذي حاول بقوة أن يضمه إلى صفوفه قبل تطور مستواه بهذا الشكل المذهل. وكان برينتفورد مستعدا للتعاقد مع اللاعب في صفقة قياسية في تاريخ النادي الصيف الماضي، لكن شاختار، الذي كان مستعدا لبيع اللاعب بنحو 30 مليون جنيه إسترليني قبل ستة أشهر، لم يستسلم وظل متمسكا باللاعب.
لقد كان شاختار يعلم جيدا أن قيمة مودريك سترتفع كثيرا، وكان النادي محقا تماما في ذلك، خاصةً بعد المستويات التي قدمها اللاعب والتي كانت تفوق مستوى الدوري الأوكراني الممتاز، فضلا عن تألقه اللافت في مباريات دوري أبطال أوروبا. تقدم آرسنال بعرض لضم اللاعب في فترة ما قبل انطلاق الموسم الجديد، ووجد أن مهمته ازدادت تعقيدا بسبب اهتمام العديد من الأندية الأخرى بالحصول على خدمات اللاعب. لقد شعر مسؤولو شاختار أن مودريك يستحق الانتقال بمقابل مادي كبير، خاصةً في ضوء المبالغ المالية الهائلة التي دفعت للتعاقد مع لاعبين مثل جاك غريليش وأنتوني، حتى لو كانت هناك نقطة سلبية تتعلق بمودريك وهي قلة مشاركته في المباريات. وفي النهاية، كان آرسنال على وشك الاتفاق على الصفقة، لكن كان تشيلسي حسم الصفقة في نهاية المطاف.
لقد أعلن مودريك على الملأ أنه يرغب في الانتقال إلى آرسنال، لكنه كان يعلم جيدا أن الأمر برمته عبارة عن صفقة تجارية. لقد كان يرغب في الانتقال إلى أي نادٍ آخر خلال هذا الشهر، لأن شاختار خرج من دوري أبطال أوروبا، ولا توجد بطولات دولية هذا الصيف، وبالتالي فلم تكن هناك فرصة لارتفاع سعره. بالإضافة إلى ذلك، كانت هذه الصفقة هي الأفضل بالنسبة لجميع الأطراف، فمودريك الآن يلعب في أحد أندية القمة في الدوري الإنجليزي الممتاز وأتيحت له فرصة اللعب تحت قيادة غراهام بوتر، الذي تبدو طريقته في العمل وإدارة المباريات مناسبة تماما للاعب الشاب. ويعتقد أحد الأشخاص الذين عملوا مع مودريك عن كثب أن اللاعب لم يقدم سوى 50 في المائة فقط من إمكانياته حتى الآن.
من المؤكد أن الضغوط ستكون كبيرة على مودريك من أجل تقديم مستويات جيدة بسرعة، لكن اللاعب يمتلك بالفعل القدرات والإمكانيات التي تؤهله للتألق على أعلى المستويات. يقول ليتوفكا: «هذا الرجل يعمل فقط، ويركز بشكل كامل على كرة القدم، وقد انتقل الآن إلى تشيلسي، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون حافزا لجميع الشباب الذين يتدربون في أوكرانيا الآن. هذه التجربة تؤكد لهم أن كل شيء ممكن».