العثور على دفنات عائلية لأول مرة بجبانة ذراع أبو النجا بالأقصر

تعود لعصر الانتقال الثاني

فريق الآثاريين يتفحص إحدى المومياوات المكتشفة
فريق الآثاريين يتفحص إحدى المومياوات المكتشفة
TT

العثور على دفنات عائلية لأول مرة بجبانة ذراع أبو النجا بالأقصر

فريق الآثاريين يتفحص إحدى المومياوات المكتشفة
فريق الآثاريين يتفحص إحدى المومياوات المكتشفة

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، (الأربعاء)، عن اكتشاف «أول» مجموعة من الدفنات العائلية، التي تعود لعصر الانتقال الثاني، بجبانة ذراع أبو النجا بالبر الغربي بالأقصر.
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ورئيس البعثة الأثرية المصرية العاملة بالمنطقة، في بيان صحافي، إن «الدفنات المُكتشفة ترجع لعصر الانتقال الثاني». لافتا إلى أن «هذا هو الكشف الأول من نوعه في جبانة ذراع أبو النجا، حيث يضم مكانا مخصصا للدفن، يرجع إلى عصر الأسرة الثالثة عشرة، وتبلغ حدوده المبدئية نحو 50 متراً في العرض، و70 متراً في الطول».
وتضم جبانة ذراع أبو النجا مئات المقابر التي تخص النبلاء وكبار رجال الدولة في مصر القديمة، من بينها مقابر «أوسرحات»، و«أمنمحات»، صائغ «الإله آمون»، ومقبرة الكاتب لمقصورة التحنيط.
وأوضح وزيري لـ«الشرق الأوسط» أن «البعثة بدأت حفائر الموسم الخامس في المنطقة في الأول من سبتمبر (أيلول) الماضي، وعثرت داخل الدفنات على لقى أثرية جميلة جداً، وكم كبير من تماثيل الأوشابتي مصنوعة من الخشب، ومجموعة من السلال، والأواني الكانوبية، والتمائم»، مشيراً إلى أن «الكشف يعود لعصر الملك سوبك حتب الثاني من الأسرة الـ13»، وأكد وزيري «استمرار الحفائر في المنطقة لاكتشاف المزيد من أسرارها».

وتُعرف تماثيل «الأوشابتي» باسم التماثيل المُجيبة، وهي تماثيل صغيرة الحجم، اعتاد المصري القديم وضعها في المقبرة، لتتولى الرد على الأسئلة خلال رحلة المتوفى للعالم الآخر بحسب اعتقادهم.
وعثرت البعثة داخل الدفنات المُكتشفة على أكثر من 30 بئراً للدفن، متشابهة في طريقة التصميم والبناء، منها بئر الدفن الخاصة بالوزير «عنخو»، الذي عاش خلال الأسرة الثالثة عشرة في عهد الملك «سوبك حتب الثاني»، وتحوي البئر تابوتاً كاملاً من الجرانيت الوردي نقش عليه اسم ولقب صاحبه، ويبلغ وزنه نحو 10 أطنان. كما عثرت البعثة داخل إحدى الآبار المُكتشفة على لوحة جنائزية صغيرة، نقش عليها مشهد يصور صاحب اللوحة، والذي كان يشغل منصب مساعد الوزير، وهو يقدم القرابين للملك «سوبك حتب الثاني»، بحسب إفادة رسمية. ولفت وزيري إلى أن «التابوت المُكتشف يثبت عظمة المصري القديم، الذي استطاع أن يضع تابوتا ضخما بهذا الحجم داخل بئر بعمق 8 أمتار».
وأكد الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، أن «الكشف الأثري يسلط الضوء على أساليب الإدارة والحكم، وعقائد الدفن في صعيد مصر، خلال فترة الأسرة الـ13 التي لا نعرف عنها كثيرا من المعلومات»، مشيرا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها العثور على آثار ترجع لعصر الأسرة الـ13 في منطقة ذراع أبو النجا». وأوضح عبد البصير أن «عصر الانتقال الثاني يبدأ من نهاية الدولة الوسطى، ويمتد حتى نهاية عصر الهكسوس، وبداية الدولة الحديثة أو الإمبراطورية المصرية في الأسرة الـ18».
وفي نهاية عام 2019 افتتحت وزارة الآثار المصرية مقبرتين جديدتين للزيارة بمنطقة ذراع أبو النجا، ترجعان إلى عصر الأسرة التاسعة عشرة والعشرين، (1293- 1077) قبل الميلاد، وتخصان كاهن الإله آمون، وكاتب مائدة الأسرة العشرين. وشهدت المنطقة في أبريل (نيسان) 2019 اكتشاف ما وُصف في حينه بأنه «أكبر مقبرة صف» لشخص يُدعى «شد سو جحوتي»، أي «الإله جحوتى ينقذه»، تتضمن «أول» مقصورة كاملة يتم العثور عليها بجبانة طيبة.

بدوره، قال الدكتور فتحي ياسين، مدير عام آثار مصر العليا، إن «البعثة عثرت في منطقة ذراع أبو النجا على مبنى من الطوب اللبن كان مخصصا لتقديم القرابين، وبداخله مجموعة من تماثيل الأوشابتي المطلية باللون الأبيض، وعليها كتابات بالمداد الأسود بالخط الهيراطيقي». وأشار ياسين إلى أنه «تم العثور أيضا على مجموعة من التمائم مصنوعة من الفيانس، بأشكال مختلفة مثل الجعران وأبناء حورس، إضافة إلى المئات من الأختام الجنائزية غير المنقوشة والتي تُميز الفترة التي تسبق عصر الدولة الحديثة».
ويبدو أن موسم الحفائر الحالي «واعد»، بحسب الآثاريين، بالإعلان عن اكتشافات أثرية في ثلاثة أيام متتالية. حيث أعلنت مصر (الثلاثاء)، عن اكتشاف مدينة سكنية كاملة ترجع للعصر الروماني، بمنطقة بيت يسي أندراوس المتاخم لمعبد الأقصر بالبر الشرقي للمدينة. ومن المنتظر أن يُعلن الدكتور زاهي حواس، عالم المصريات ووزير الآثار الأسبق، (الخميس) عن كشف أثري جديد بمنطقة آثار سقارة.



هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
TT

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

القبلات المتطايرة التي تدفّقت من هاني شاكر إلى أحبّته طوال حفل وداع الصيف في لبنان، كانت من القلب. يعلم أنه مُقدَّر ومُنتَظر، والآتون من أجله يفضّلونه جداً على أمزجة الغناء الأخرى. وهو من قلّة تُطالَب بأغنيات الألم، في حين يتجنَّب فنانون الإفراط في مغنى الأوجاع لضمان تفاعل الجمهور. كان لافتاً أن تُفجّر أغنية «لو بتحبّ حقيقي صحيح»، مثلاً، وهو يختمها بـ«وأنا بنهار»، مزاج صالة «الأطلال بلازا» الممتلئة بقلوب تخفق له. رقص الحاضرون على الجراح. بارعٌ هاني شاكر في إشعالها بعد ظنّ أنها انطفأت.

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

تغلَّب على عطل في هندسة الصوت، وقدَّم ما يُدهش. كان أقوى مما قد يَحدُث ويصيب بالتشتُّت. قبض على مزاج الناس باحتراف الكبار، وأنساهم خللاً طرأ رغم حُسن تنظيم شركة «عكنان» وجهود المتعهّد خضر عكنان لمستوى يليق. سيطر تماماً، بصوت لا يزال متّقداً رغم الزمن، وأرشيف من الذهب الخالص.

أُدخل قالب حلوى للاحتفاء بأغنيته الجديدة «يا ويل حالي» باللهجة اللبنانية في بيروت التي تُبادله الحبّ. قبل لقائه بالآتين من أجله، كرَّرت شاشة كبيرة بثَّها بفيديو كليبها المُصوَّر. أعادتها حتى حُفظت. وحين افتتح بها أمسيته، بدت مألوفة ولطيفة. ضجَّ صيف لبنان بحفلاته، وقدَّم على أرضه حلاوة الأوقات، فكان الغناء بلهجته وفاءً لجمهور وفيّ.

بقيادة المايسترو بسام بدّور، عزفت الفرقة ألحان العذاب. «معقول نتقابل تاني» و«نسيانك صعب أكيد»، وروائع لا يلفحها غبار. الأغنية تطول ليتحقّق جَرْف الذكريات. وكلما امتّدت دقائقها، نكشت في الماضي. يوم كان هاني شاكر فنان الآهات المستترة والمعلنة، وأنّات الداخل وكثافة طبقاته، وعبق الورد رغم الجفاف والتخلّي عن البتلات. حين غنّى «بعد ما دابت أحلامي... بعد ما شابت أيامي... ألقاقي هنا قدامي»، طرق الأبواب الموصودة؛ تلك التي يخالها المرء صدأت حين ضاعت مفاتيحها، وهشَّم الهواء البارد خشبها وحديدها. يطرقها بأغنيات لا يهمّ إن مرَّ عُمر ولم تُسمَع. يكفيها أنها لا تُنسى، بل تحضُر مثل العصف، فيهبّ مُحدِثاً فوضى داخلية، ومُخربطاً مشاعر كوَقْع الأطفال على ما تظنّه الأمهات قد ترتَّب واتّخذ شكله المناسب.

هاني شاكر مُنتَظر والآتون من أجله يفضّلونه جداً (الشرق الأوسط)

تتطاير القبلات من فنان يحترم ناسه، ويستعدّ جيداً من أجلهم. لا تغادره الابتسامة، فيشعر مَن يُشاهده بأنه قريب ودافئ. فنانُ الغناء الحزين يضحك لإدراكه أنّ الحياة خليط أفراح ومآسٍ، ولمّا جرّبته بامتحانها الأقسى، وعصرت قلبه بالفراق، درّبته على النهوض. همست له أن يغنّي للجرح ليُشفى، وللندبة فتتوارى قليلاً. ولا بأس إن اتّسم الغناء بالأحزان، فهي وعي إنساني، وسموّ روحي، ومسار نحو تقدير البهجات. ابتسامة هاني شاكر المتألِّمة دواخلَه، إصرار وعناد.

تراءى الفنان المصري تجسيداً للذاكرة لو كان لها شكل. هكذا هي؛ تضحك وتبكي، تُستعاد فجأة على هيئة جَرْف، ثم تهمد مثل ورقة شجر لا تملك الفرار من مصيرها الأخير على عتبة الخريف الآتي. «بحبك يا هاني»، تكرَّرت صرخات نسائية، وردَّ بالحبّ. يُذكِّر جمهوره بغلبة السيدات المفتتنات بأغنياته، وبما تُحرِّك بهنّ، بجمهور كاظم الساهر. للاثنين سطوة نسائية تملك جرأة الصراخ من أجلهما، والبوح بالمشاعر أمام الحشد الحاضر.

نوَّع، فغنّى الوجه المشرق للعلاقات: «بحبك يا غالي»، و«حنعيش»، و«كدة برضو يا قمر». شيءٌ من التلصُّص إلى الوجوه، أكّد لصاحبة السطور الحبَّ الكبير للرجل. الجميع مأخوذ، يغنّي كأنه طير أُفلت من قفصه. ربما هو قفص الماضي حين ننظر إليه، فيتراءى رماداً. لكنّ الرماد وجعٌ أيضاً لأنه مصير الجمر. وهاني شاكر يغنّي لجمرنا وبقاياه، «يا ريتك معايا»، و«أصاحب مين»؛ ففي الأولى «نلفّ الدنيا دي يا عين ومعانا الهوى»، وفي الثانية «عيونك هم أصحابي وعمري وكل أحبابي»، لتبقى «مشتريكي ما تبعيش» بديع ما يُطرب.

ضجَّ صيف لبنان بحفلاته وقدَّم على أرضه حلاوة الأوقات (الشرق الأوسط)

استعار من فيروز «بحبك يا لبنان» وغنّاها. بعضٌ يُساير، لكنّ هاني شاكر صادق. ليس شاقاً كشفُ الصدق، فعكسُه فظٌّ وساطع. ردَّد موال «لبنان أرض المحبّة»، وأكمله بـ«كيف ما كنت بحبك». وكان لا مفرّ من الاستجابة لنداء تكرَّر. طالبوه مراراً بـ«علِّي الضحكاية»، لكنه اختارها للختام. توَّج بها باقة الأحزان، كإعلان هزيمة الزعل بالضحكاية العالية.