انتحار المشتبه بتنفيذه مجزرة كاليفورنيا

بايدن يأمر بتنكيس الأعلام الأميركيّة في المباني العامّة تكريما للضحايا

عناصر من رجال الشرطة الأميركية في موقع الحادث بكاليفورنيا (أ.ف.ب)
عناصر من رجال الشرطة الأميركية في موقع الحادث بكاليفورنيا (أ.ف.ب)
TT

انتحار المشتبه بتنفيذه مجزرة كاليفورنيا

عناصر من رجال الشرطة الأميركية في موقع الحادث بكاليفورنيا (أ.ف.ب)
عناصر من رجال الشرطة الأميركية في موقع الحادث بكاليفورنيا (أ.ف.ب)

أعلنت شرطة لوس أنجليس الأحد أنّ المسلّح الذي يُشتبه في أنّه قتل 10 أشخاص خلال احتفالات رأس السنة القمريّة الجديدة في كاليفورنيا بالرصاص، قد أطلق النار على نفسه وانتحر، بينما كانت قوّات الأمن تتعقّبه.
وقال قائد شرطة مقاطعة لوس أنجليس روبرت لونا، إنّ الشرطة كانت تتعقّب مركبة، وعندما اقتربت عناصرها منها، سمعوا طلقة واحدة من داخلها. وأضاف لونا: «المشتبه به أصيب بطلق ناري وأُعلِن موته في مكان الواقعة».
والمشتبه به من أصل آسيوي ويبلغ 72 عاماً، وعُرّف عنه باسم هوو كان تران. وقال لونا إنّ هذا الرجل هو المشتبه به الوحيد في عمليّة إطلاق النار في مونتيري بارك في كاليفورنيا، مضيفاً أنّ الدافع وراء هذا الهجوم في رأس السنة القمريّة الجديدة لم يُعرَف بعد، وأنّ التحقيق لا يزال جارياً.
وانتهت عملية تعقّب مطلق النار على بُعد أكثر بقليل من 40 كيلومتراً من المدينة التي حصل فيها إطلاق النار. وحاصرت الشرطة مركبة بيضاء إثر المطاردة الطويلة وعثرت في داخلها على جثّة هامدة، بحسب صور بثّتها قنوات تلفزيونيّة. وتُظهر صور لوكالة الصحافة الفرنسية، وجود جثّة هامدة في مقدّم المركبة. ونقلت صحيفة لوس أنجليس تايمز عن مصدر في الشرطة في وقت سابق، أن السائق أطلق النار على نفسه.
وأمر الرئيس جو بايدن الأحد بتنكيس الأعلام الأميركيّة في المباني العامّة تكريماً لضحايا إطلاق النار الجماعي في مونتيري بارك بكاليفورنيا. ووجّه بايدن بخفض الأعلام حتّى غروب الشمس في 26 يناير (كانون الثاني) «احتراماً لضحايا أعمال العنف العبثيّة التي ارتُكِبت في 21 يناير 2023 في مونتيري بارك بولاية كاليفورنيا»، حسبما جاء في بيان للبيت الأبيض. وإضافة إلى القتلى، أُصيب عشرة أشخاص آخرون على الأقلّ بجروح في إطلاق النار العشوائي في مونتيري بارك، وفق ما أفاد شهود عيان.
وفي وقت سابق، قال قائد شرطة لوس أنجليس روبرت لونا: «نستخدم كلّ الموارد للقبض على هذا المشتبه به في (قضيّة) نعتقد أنّها إحدى أبشع القضايا في المقاطعة». ولفت لونا إلى أن الشرطة استجابت لمكالمات طوارئ عند الساعة 10:22 مساء السبت (06:22 الأحد بتوقيت غرينتش) ووجدت أشخاصاً يخرجون مسرعين من المكان. وأضاف: «للأسف أعلنت عناصر الإطفاء مقتل عشرة ضحايا في الموقع».
وأوضح مسؤولون أنّ القتلى هم خمس نساء وخمسة رجال، دون إعطاء أعمارهم ولا أسمائهم.
وتحدّث لونا عن واقعة ثانية في مدينة ألامبرا حصلت بعد 20 دقيقة تقريباً من الهجوم في مونتيري بارك. وفي التفاصيل، دخل رجل آسيوي يحمل مسدّساً إلى مرقص، لكنّه حوصر ونُزع منه السلاح. وفرّ الرجل ولم يتمّ الإبلاغ عن أي إصابات. وقال لونا إنّ المحقّقين يبحثون فيما إذا كانت الحادثتان مرتبطتين.
ومونتيري بارك بعيدة بضعة كيلومترات عن وسط لوس أنجليس ويسكن فيها نحو 60 ألف شخص معظمهم آسيويون أو آسيويون أميركيون. وقال لونا: «لا نعلم ما إذا كانت هذه الجريمة تحديداً هي جريمة كراهية بموجب القانون (...) لكن من يدخل إلى مرقص ويطلق النار على نحو 20 شخصاً؟»
وكتب بايدن على «تويتر» إنه وزوجته جيل «يصلّيان لأرواح من قُتلوا وجُرحوا في إطلاق النار الدامي في مونتيري بارك»، مضيفاً «أراقب الوضع عن كثب». ووجّه رئيس الوزراء الكندي تعازيه، مغرّداً: «قلبي ينفطر لسكان مونتيري بارك».
وقال وونغ وي، أحد السكان المحليين، لصحيفة «لوس أنجليس تايمز» إن صديقته كانت في المرقص إلا أنها كانت في الحمام عندما بدأ إطلاق النار. وعند خروجها، رأت مسلحاً يطلق النار عشوائياً، وثلاث جثث تعود إلى امرأتين وشخص عُرّف عنه بأنه مدير المكان.
وأوردت الصحيفة أن سونغ وون تشوي الذي يملك مطعماً للمأكولات البحرية قرب مكان الواقعة، قال إن ثلاثة أشخاص هرعوا إلى مطعمه وأخبروه بأن يقفل الباب. وقال هؤلاء الثلاثة إن هناك رجلاً يحمل مسدساً نصف آلي مع طلقات عدة من الذخيرة، وإنه يعيد تلقيم السلاح كل مرة تنفد الذخيرة. وذكرت صحيفة «ذي تايمز» أن عشرات الآلاف من الأشخاص تجمعوا في وقت سابق من يوم السبت للمشاركة في احتفالات السنة القمرية الجديدة التي تستمر يومين، علماً بأنها من أكبر الاحتفالات في هذه المناسبة في جنوب كاليفورنيا.
وكتبت رئيسة البلدية السابقة لمونتيري بارك جودي تشو: «قلبي ينفطر للضحايا وعائلاتهم وأهالي مدينتي». وقالت تشو إنها كانت في مكان الاحتفال قبل ساعات من إطلاق النار، أي حين كانت أعداد الحاضرين أكبر، مضيفة: «كان يمكن أن يحصل ما هو أسوأ مما حصل».
ويُعدّ العنف باستخدام السلاح أزمة كبيرة في الولايات المتحدة، حيث حصلت أكثر من 600 عملية إطلاق نار استهدفت مجموعة من الأشخاص في عام 2022، وفق موقع «أرشيف عنف الأسلحة» Gun Violence Archive. وأحيت حوادث إطلاق النار الجدل حول فرض قيود على استخدام الأسلحة، رغم إحراز تقدم ضئيل في الكونغرس بشأن تبني إصلاحات.
وقضى أكثر من 44 ألف شخص متأثرين بإصابتهم بأعيرة نارية في عام 2022، وأكثر من نصفهم حالات انتحار. ويملك واحد من كل ثلاثة بالغين في الولايات المتحدة سلاحاً واحداً على الأقل، ويعيش واحد من كل شخصين بالغين في منزل يحوي قطعة سلاح.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟