لم تكد تنقضي فرحة العوائل العراقية بأيام عيد الفطر المبارك وما شهدته من فعاليات وطقوس فنية واجتماعية استمرت حتى ساعات الفجر الأولى حتى فاجأتهم قوة عسكرية حكومية، أول من أمس، بحملة منظمة لاقتحام أشهر النوادي والفنادق وقاعات المناسبات في العاصمة بغداد، وإجبار روادها على تركها وتكسير محتوياتها واعتقال العاملين بحجة تطبيق القانون، الأمر الذي أثار غضب واستنكار ناشطين ومثقفين وإعلاميين اعتبروا المداهمات مناقضة للحريات والحياة المدنية التي نص عليها الدستور العراقي وانتهاكا لكرامة الإنسان، فيما انتقد مسؤولون محليون في مجلس محافظة بغداد مبدأ استخدام السلاح في تنفيذ القانون.
المفارقة أن حملة إغلاق النوادي جاءت وفق تعليمات كان قد أصدرها النظام السابق ضمن «الحملة الإيمانية» الشهيرة للرئيس الأسبق صدام حسين، عام 1994.
وتداولت نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي خبر اقتحام القوات الأمنية الحكومية لنوادي فندق فلسطين (ميريديان) في العاصمة، إضافة إلى مقطع فيديو مصور بكاميرات مراقبة تظهر فيها عملية الاقتحام وتحطيم محتويات الفندق واقتياد بعض العاملين والفنانين إلى مركز قريب للشرطة.
تجدر الإشارة إلى أن حملة إغلاق النوادي الليلية في بغداد ليست بالجديدة، فقد سبقتها حملات أخرى كانت الأولى في ديسمبر (كانون الأول) 2009، والثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، وأخرى في عام 2012، وقد لاقت هذه الحملات معارضة شعبية ومدنية واسعة.
مجلس محافظة بغداد، أعلن، أمس، رفضه استخدام القوة خلال عملية اقتحام القوات الأمنية نوادي ليلية في العاصمة، وأشار إلى أن اللجنة الأمنية بالمجلس ستطرح الموضوع في اجتماعها المقبل، نافيا علمه بموضوع الاقتحام. وفي هذا السياق، قال عضو المجلس ونائب رئيس اللجنة الأمنية، محمد الربيعي، لـ«الشرق الأوسط»: «لم نكن على علم مسبق بموضوع اقتحام قوة من الداخلية للنوادي الليلية في العاصمة، كما أن مجلس محافظة بغداد يرفض استخدام العنف ولغة السلاح وتكسير الممتلكات العامة والعبث بها في تنفيذ القوانين». وأضاف: «من المفترض تطبيق القانون والنظام بما هو موجود في المنطق وفي الدولة العراقية كدولة مدنية»، مشددا على ضرورة «عدم استخدام وزارة الداخلية هذا الأسلوب، بل يجب أن تقوم بإغلاق المحلات والنوادي الليلية التي لا تحصل على إجازة».
أما رئيس رابطة الفنانين العراقيين الفنان نمير عبد الحسين، وهو أحد من شملهم الاعتقال خلال حملة الدهم، فقال: «فوجئت باقتحام القوة الأمنية للنادي واعتقالي مع عدد من العاملين في الفندق، بطريقة مهينة وجارحة، وتذرعت القوة بقصة عدم حصول النوادي الليلية في الفندقين على التراخيص». وأضاف: «هذه القاعات والنوادي موجودة منذ سنين ولم يتم التعرض لها بهذا الشكل غير مرة واحدة سابقا». ولفت إلى أن «أغلب الفنانين العراقيين فضلوا العودة للبلاد إيمانا منهم بأن الكل متساو في الواجبات تجاه العراق، وسبق أن قمنا بالكثير من الحملات الداعمة للقوات الأمنية في معركتها ضد (داعش)».
ويقول الإعلامي والناشط حسين رشيد: «من المؤسف أن قرار الغلق والاعتقال بتلك الطريقة المهينة تم استنادا إلى قرار الحملة الإيمانية البعثية الصدامية التي أنتجت بذور (القاعدة) الأولى والتطرف، كما أن تكرار تلك الغزوات يعكس عدم وضوح الكثير من فقرات القانون والدستور العراقي في موضوع الحريات والدين، وهذا يقود إلى بداية صراع ديني – مدني - علماني». ولفت إلى أن «قرار المداهمة ينص على مراجعة وزارة السياحة، التي ترفض إعطاء الرخص للمحال والنوادي غير المرخصة، وبالتالي ستكون هناك مساومة على العمل، لكن الذي حصل أن الهجمة استهدفت الجميع، وللأسف كانت بأساليب بعيدة عن الذوق والأخلاق الذي من المفترض أن يتحلى به عنصر قوة أمنية منفذة بأمر وزير الداخلية».
واستنكرت النائبة عن التحالف المدني الديمقراطي في مجلس النواب العراقي شروق العبايجي ما حصل، وقالت: «هؤلاء مواطنون مسالمون، لم يرتكبوا أي مخالفة قانونية أو دستورية، وإنما مارسوا جزءا من حرياتهم الخاصة التي كفلها الدستور العراقي، وأدعو الحكومة العراقية إلى احترام الحريات وحماية المواطنين بدلا من الاعتداء عليهم بهذه الطريقة، وأن توجه الأجهزة الأمنية جهودها لإصلاح مؤسساتها من الفساد والخروقات الأمنية التي تتسبب في هدر أرواح المواطنين الأبرياء بشكل يومي بدلا من هذه الممارسات التي تخالف الدستور العراقي الذي كفل كل الحريات العامة والخاصة».
وأمر وزير الداخلية محمد سالم الغبان في خطاب رسمي إدارات الفنادق المعنية بغلق نواديها الليلية. وقالت الوزارة في بيان إن «عملية إغلاق بعض النوادي الليلية والأماكن الترفيهية ومحال بيع الخمور في العاصمة بغداد جاءت من أجل تطبيق القانون لكون هذه الإماكن خالفت القوانين العراقية النافذة بعدم الحصول على الموفقات الأصولية لممارسة المهنة»، متعهدة بـ«محاسبة أي من منتسبيها بشدة إذا كان يعمل على استغلال السلطة أو يحاول استفزاز المواطنين».
قوات أمنية تداهم نوادي فنادق كبرى في بغداد وتغلقها
مجلس المحافظة رفض استخدام السلاح في فرض القانون
قوات أمنية تداهم نوادي فنادق كبرى في بغداد وتغلقها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة