الذكاء الصناعي لا يرقى للعقل الإنساني

TT

الذكاء الصناعي لا يرقى للعقل الإنساني

استكمالاً لتحذيرنا من خطورة انتشار برامج الذكاء الصناعي في الأوساط التعليمية، واندفاع الأجيال الجديدة في الاعتماد عليها وسيطاً أساسياً في إعداد التقارير التي يكلفهم بها المعلمون والمشرفون على دراساتهم الجامعية، أجريت تجربة عملية كجزء من دراسة الظاهرة قبل كتابة هذه السطور.
وبجانب الاستعانة بأحد أبنائي الذي يدرس برمجة الكومبيوتر ولوغاريتمات الذكاء الصناعي في جامعة بريطانية عريقة (وهو بالطبع من أشد المتحمسين لهذه البرامج)، انتهزت فرصة بحثي مع ناشر كتابي الأخير رغبته في طرحه بمعرض القاهرة للكتاب، وطلب ناشر مصري ترجمته إلى العربية. وكي تكون الترجمة مجدية اقتصادياً للناشر، ذكر برامج الذكاء الصناعي للترجمة، وتحرير مادته والتصحيح اللغوي والمراجعة.
ومن ثم قضينا عدة أوقات في تجربة هذه البرامج لمعرفة ما إذا كان تقديري لها (راجع مقال الأسبوع الماضي «فهرنهايت 451») متسرعاً في التحذير من خطورتها، وظلمت المبرمجين، أم كان انتقادي معقولاً.
فهل تتحسن الأخطاء التي أشرت إليها في مقالي السابق بتعلم البرامج، باعتبار أنها ذاتية التعليم، والتطور وإعادة برمجة نفسها، كما يقول ابني؟
كان النجاح جزئياً، فإمكانية إعادة البرنامج صياغة الموضوع نفسه «كانت خمس عشرة مرة» بتصحيح الأخطاء المعرفية والمعلوماتية كالتواريخ والمواقع الجغرافية والأرقام. ومن ثم سيستغرق الأمر الباحث وقتاً طويلاً في التصحيح بالعودة إلى المصادر الأساسية التي ذكرتها الأسبوع الماضي، وهي الكتب ودوائر المعارف ورسائل الباحثين في المكتبات الجامعية. وهو بالطبع ينفي الغرض الترويجي الذي أعلنه صاحب المشروع، إيلون ماسك، وهو السرعة وتوفير الجهد. النقطة الأخرى ماذا عن التقارير الجديدة التي سيطلبها الباحث، أو المؤلفات والكتب التي ستصوغها برامج الذكاء الصناعي كأعمال أدبية وكتب المستقبل كما تناولناه في الأسبوع الماضي؟
وماذا عن ترجمة الذكاء الصناعي لكتاب كامل من أربعمائة وستين صفحة ككتابي الأخير؟
ولعل أبسط الاختبارات العملية التي مرت بمعظمنا كانت سوء التفاهم وأخطاء البرنامج البسيط (المصحح اللغوي) على التليفون الذكي كـ«أبل» أو «سامسونغ»، بعضها يتوقع الكلمة ويكملها، والبرنامج على بساطته نادراً ما يتعلم. التحاور مثلاً مع مصريين على «واتساب» و«ماسنجر» أو «فيسبوك»، بالمحكية المصرية بمفرداتها كـ«ترابيزة» و«كوباية» وليس بمنضدة وكأس مثلاً، تجد أن البرنامج سيصحح «ترابيزة» إلى خيارات كـ«تراب» و«رأب»، لأنه قاصر على العربية الفصحى، ونادراً ما يضيف الكلمات المصرية لذاكرته.
جربنا خدمة ماسك (ChatGPT) بوضع اسمي واسم الناشر، وكتابي الأخير (وداعاً للإسكندرية)، وكلفنا الذكاء الصناعي بصياغة تقرير يضم المعطيات الثلاثة. النتيجة لم تكن أخطاء أساسية فحسب، بل بينت أن طريقة بحث البرنامج كانت بالربط غير الممنهج.
فمثلاً جاء في تقرير الذكاء الصناعي أن «وداعاً للإسكندرية» هي قصيدة شعر أو أغنية للشاعر المصري البريطاني عادل درويش، رغم أنني لست بشاعر.
ولما أضفنا عنوان الكتاب الفرعي «وداعاً للإسكندرية: تأريخ شاهد للفترة 1939 - 1960»، أعاد البرنامج كتابة التقرير على أنه كتاب سجل فيه المؤلف انطباعاته كشاهد عاش الحرب العالمية الثانية (رغم أنني ولدت أثناء الحرب وليس قبلها)، عند بداية الاحتلال العسكري البريطاني لمصر في 1939 (الواقع في 1882)، وامتلأ بمعلومات متناثرة، ليخلط بين شخصيات وأماكن شتى، حسب المثل المصري «لم الشامي علي المغربي».
التقرير ذكر الناشر كمثقف طليعي دعّم كتاباً تتجاهلهم دور النشر المعروفة كمؤلف «وداعاً للإسكندرية» (في الواقع نشرت الدور الكبرى لي أربعة كتب قبل تأسيس دار النشر الحالية)، وأنه فاز بجائزة عادل درويش في الأدب بجامعة أكسفورد (لا وجود لهذه الجائزة)، وأخطأ التقرير في محل ميلاده (ولد في القاهرة حيث كان أبوه أستاذاً في الجامعة الأميركية، وهو اسكوتلندي وليس إنجليزياً) وخريج كلية لندن للاقتصاد (في الواقع خريج جامعة إدنبرة)، وأننا عملنا معاً لنشر الثقافة والأدب الفلسطينيين (معلومة خاطئة).
تقرير البرنامج خلط الأشخاص والتواريخ والأماكن، مدعياً أن مؤلف «وداعاً للإسكندرية» انتقل في مطلع الثلاثينات (قبل ميلادي بعشر سنوات) إلى حارة اليهود في القاهرة، رغم أنني لم أعِش في القاهرة وقضيت شبابي في الإسكندرية، حتى غادرت مصر نهائياً منذ نحو ستة عقود.
استخدمت وابني والناشر وابنته (تدرس تاريخ الشرق الأوسط) محركات البحث، لنقتفي أثر رحلة الذكاء الصناعي بين المعلومات.
كانت مقالة نقدية وصفت كتابي «بصياغة شعرية لمشاهد الإسكندرية تجعله أغنية حب للمدينة»، ثم ربطت لوغاريتمات البرنامج الصياغة الشعرية مع الاسم بالشاعر الفلسطيني محمود درويش (1941 - 2008) لتصنف معادلة لوغاريتمية أخرى شعره كثقافة فلسطينية ربطتها بزوجة الناشر (تحمل اسمه)، وكانت عملت بالتدريس في معاهد فلسطينية. ولأن كتابي (ونسخة كيندل على الإنترنت) يتضمن مقابلات ووثائق عن علاقة الملازم أنور السادات (1918 - 1981) بالتنظيمات المصرية السرية التي كانت تغتال الضباط الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد فسر هذا خطأ «احتلال بريطانيا لمصر في بداية الحرب». أيضاً، وجدت اللوغاريتمات اسم «درويش» أثناء فترة الحرب في كتابات «يوسف درويش» (1910 - 2006) عن التنظيمات وقتها، وكان محامياً وناشطاً سياسياً مصرياً دخل السجن في العهد الجمهوري بتهم تأسيس حركات شيوعية، وكان سكن منطقة باب اللوق قرب قصر عابدين وليس حارة اليهود؛ واتضح أنه كان نشر دراسة في صحيفة «الأهرام ويكلي» بالإنجليزية عن اليهود المصريين بعنوان «حارة اليهود»، كمفهوم وليس كمكان جغرافي.
وهنا يتضح مدى خطورة الاعتماد علي لوغاريتمات برامج الذكاء الصناعي، لأنها تبحث في ملايين الصفحات حول العالم (باللغة المعطاة وكانت الإنجليزية في تجربة البحث التي أجريته) بترابط رقمي ولا يستند إلى منهج المنطق الإنساني وطريقة تفكير المخ البشري.
فمخ الإنسان مثل الهاردوير (hardware) كجهاز كومبيوتر بيولوجي والعقل هو برنامج التشغيل كالويندوز مثلاً، ومفردات اللغة مثل كود البرمجة. فالعقل الإنساني ليس فقط «فلتر» ينتقي ما يلائم موضوع البحث، بل أيضاً يرتب الترابط المنطقي بينها، وهو ما تعجز عنه برامج الذكاء الصناعي.



شركة أميركية خاصة سترسل قريباً مركبة إلى القمر

تظهر هذه الصورة غير المؤرخة المقدمة من شركة «فايرفلاي آيروسبايس» مركبة الهبوط القمرية «بلو غوست ميشين» المجمعة بالكامل (أ.ف.ب)
تظهر هذه الصورة غير المؤرخة المقدمة من شركة «فايرفلاي آيروسبايس» مركبة الهبوط القمرية «بلو غوست ميشين» المجمعة بالكامل (أ.ف.ب)
TT

شركة أميركية خاصة سترسل قريباً مركبة إلى القمر

تظهر هذه الصورة غير المؤرخة المقدمة من شركة «فايرفلاي آيروسبايس» مركبة الهبوط القمرية «بلو غوست ميشين» المجمعة بالكامل (أ.ف.ب)
تظهر هذه الصورة غير المؤرخة المقدمة من شركة «فايرفلاي آيروسبايس» مركبة الهبوط القمرية «بلو غوست ميشين» المجمعة بالكامل (أ.ف.ب)

سترسل شركة «فايرفلاي آيروسبايس» الأميركية مركبة فضائية إلى القمر في منتصف يناير (كانون الثاني)، آملة في تكرار النجاح الذي حقّقته العام الفائت شركة أميركية نجحت في وضع أول مركبة أميركية على سطح القمر منذ أكثر من 50 عاماً.

وتنفّذ «فايرفلاي آيروسبايس» المهمة التي تحمل اسم «غوست رايدرز إن ذي سكاي» لصالح وكالة الفضاء الأميركية (ناسا).

ويُفترض أن تنطلق في 15 يناير عند الساعة 01:11 (06:11 بتوقيت غرينتش) من مركز كيندي الفضائي على الساحل الشرقي الأميركي، على ما أفادت وكالة «ناسا» وشركة «فايرفلاي آيروسبايس»، الثلاثاء.

وترمي المهمة إلى وضع «10 أدوات علمية تابعة لـ(ناسا)» على سطح القمر، لـ«تعزيز المعارف المرتبطة بالقمر والاستعداد للمهام البشرية المستقبلية»، حسب «ناسا» و«فايرفلاي آيروسبايس».

قبل سنوات، قرّرت وكالة الفضاء الأميركية تكليف شركات خاصة بينها «فايرفلاي آيروسبايس»، إرسال معدات وأدوات تكنولوجية إلى القمر، ضمن برنامج «سي إل بي إس» يهدف إلى خفض تكاليف المهمات الفضائية.

وسُترسَل المركبة التي ابتكرتها «فايرفلاي آيروسبايس» وتحمل اسم «بلو غوست»، إلى الفضاء عن طريق صاروخ «فالكون 9» لشركة «سبايس إكس» المملوكة للملياردير إيلون ماسك. وبعد إطلاقها، ستستغرق المركبة التي يبلغ طولها مترين وعرضها 3.5 متر، نحو 45 يوماً للوصول إلى القمر. وخلال هذه الرحلة، سيتم إجراء عمليات تحقق مختلفة للمركبة، حسب الشركة.

وستحاول المركبة بعد ذلك الهبوط على سطح القمر، حيث يُفترض أن تبقى 14 يوماً تقريباً لإجراء تجارب. وستلتقط المركبة «صوراً لغروب الشمس على القمر»، حسب «فايرفلاي آيروسبايس».

وفازت الشركة بعقد قيمته 93 مليون دولار عام 2021 لتنفيذ هذه المهمة، وتُعد هذه ثالث مهمة تُجرى في إطار برنامج «سي إل بي إس» التابع لـ«ناسا». فشلت الأولى في الوصول إلى القمر، في حين نجحت الثانية في فبراير (شباط) 2024.

وبسبب عطل في نظام الملاحة الخاص بها، اقتربت من سطح القمر بسرعة كبيرة جداً في أثناء هبوطها، وكسرت إحدى ركائزها الست.