الرئيس الفرنسي يدعو لإقامة حكومة لمنطقة اليورو

محللون: أزمة اليونان تكشف عن عائلة أوروبية واحدة كبيرة.. لكن تعيسة

فرنسوا هولاند برفقة رئيس الوزراء اليوناني (إ.ب.أ)
فرنسوا هولاند برفقة رئيس الوزراء اليوناني (إ.ب.أ)
TT

الرئيس الفرنسي يدعو لإقامة حكومة لمنطقة اليورو

فرنسوا هولاند برفقة رئيس الوزراء اليوناني (إ.ب.أ)
فرنسوا هولاند برفقة رئيس الوزراء اليوناني (إ.ب.أ)

دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمس إلى تشكيل حكومة لمنطقة اليورو وناشد المواطنين تجديد ثقتهم في المشروع الأوروبي الذي فتت الأزمة اليونانية في عضده.
وبحسب رويترز ففي إحياء لفكرة طرحها أصلا رئيس المفوضية الأوروبية السابق جاك ديلور اقترح هولاند تشكيل «حكومة لمنطقة اليورو بميزانية محددة وبرلمان لضمان سطوتها الديمقراطية».
وقال هولاند بأن دول منطقة اليورو وعددها 19 دولة اختارت الانضمام للوحدة النقدية لأنها في مصلحتها مشيرا إلى أن أحدا لم «ينبرِ لأخذ مسؤولية الخروج» من منطقة اليورو.
وفي الوقت الحالي يضم كيان غير رسمي هو «مجموعة اليورو» الدول الأعضاء في العملة الموحدة ويمثلها فيه وزراء المالية برئاسة وزير المالية الهولندي يروين ديسلبلوم.
وكتب هولاند في مقال افتتاحي في الصحيفة الأسبوعية «جورنال دو ديمانش»: «ما يهددنا ليس الإفراط في أوروبا وإنما عدم كفايتها».
وأضاف أن أوروبا سمحت لمؤسساتها بأن يصيبها الوهن وسلم بأن أعضاء الاتحاد الأوروبي «يكافحون لإيجاد أرضية مشتركة من أجل المضي قدما. والبرلمانات أبعد ما تكون عن اتخاذ قرارات».
وقال هولاند بأن الحركات الشعبوية استغلت فرصة زوال أوهام الأوروبيين في المؤسسات الأوروبية وبدأت تثير مشاكل لأوروبا لأن هذه الحركات «تخشى العالم وتريد عودة الانقسامات والأسوار والجدران».
على صعيد متصل قالت «رويترز» في تحليل لها بأن الفوران الأخير لأزمة ديون اليونان كشف عن شقاقات متفاقمة في منطقة اليورو قد تؤدي ما لم يتم حلها سريعا إلى تفكك الوحدة النقدية الأوروبية التي تمثل ذروة المشروعات الطموحة للاتحاد الأوروبي.
وأشد ما يثير قلق الزعماء الأوروبيين هو أن الرأي العام والسياسات المحلية تتجاذبهم على نحو متزايد في اتجاهات متعارضة.. ليس فقط بين اليونان وألمانيا - أكبر مدين وأكبر دائن - وإنما تقريبا بين جميع أعضاء الاتحاد.
فالألمان والفنلنديون والهولنديون والسلوفاك ومواطنو دول البلطيق لم يعودوا يقبلون فكرة توجيه أموال دافعي الضرائب لإنقاذ اليونانيين. وفي المقابل يشعر الفرنسيون والإيطاليون واليونانيون بأن منطقة اليورو لا تعني الآن سوى التقشف والعقاب وأنها تفتقر للتضامن والتحفيز الاقتصادي.
ومع تشبث دول وسط وشرق أوروبا بمواقفها وتنامي الضغوط الداخلية في هولندا وفنلندا لم يعد أي حل وسط بين ألمانيا وفرنسا زعيمتي منطقة اليورو كافيا لتسوية المشاكل ناهيك عن صعوبة التوصل إليه أصلا.
وهناك أطراف كثيرة جدا من أصحاب المصلحة والآراء المتباينة بشكل تزداد معه صعوبة إدارة الأزمة. ويبدو الآن أي إصلاح واسع النطاق للهيكل المتصدع لمنطقة العملة الموحدة الذي يضم 19 دولة حلما بعيد المنال.
وبعد أسابيع من الاجتماعات الطارئة التي كانت تمتد حتى الساعات الأولى من الصباح لزعماء ووزراء مالية منطقة اليورو والتي توجت بمؤتمر قمة استمر حتى صباح اليوم التالي توصلت منطقة اليورو إلى اتفاق هش يحول دون غرق اليونان ويجعلها محمية افتراضية تخضع لإشراف ينتهك خصوصياتها كدولة مستقلة.
ولا يعتقد سوى قلة على أحسن تقدير من مؤيدي الاتفاق أنه سينجح فعليا.
وقال رئيس وزراء اليونان أليسكيس تسيبراس بأنه اتفاق سيئ سيجعل الحياة أسوأ لليونان ولكنه اضطر لتجرع الدواء المر لأن البديل كان أسوأ.
وقال وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله إنه كان من الأفضل لأثينا أن تخرج من منطقة اليورو «مؤقتا» للحصول على إعفاء من الديون.
أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فأوضحت أن الميزة الرئيسية للاتفاق هي تفادي ما هو أسوأ.
وقالت: «البديل لهذا الاتفاق لن يكون وقتا مستقطعا تخرج فيه اليونان من اليورو مؤقتا... وإنما فوضى يمكن التنبؤ بها».
وقال مسؤول رفيع بالاتحاد الأوروبي شارك في مفاوضات التوصل للحل الوسط وتحدث لـ«رويترز» بشرط عدم الكشف عن اسمه أن فرصة نجاح الاتفاق الآن «تبلغ 20 وربما 30 في المائة».
وأضاف قائلا: «عندما أتطلع للعامين أو الثلاثة أعوام المقبلة أو حتى الثلاثة شهور المقبلة لا أرى سوى سحب قاتمة. كل ما تمكنا من عمله هو تفادي خروج فوضوي لليونان من منطقة اليورو».
وستعاود المشاكل الظهور على الأرجح في أواخر أغسطس (آب) أو سبتمبر (أيلول) عندما يتعين الانتهاء من المفاوضات التفصيلية بشأن برنامج إنقاذ يستمر ثلاث سنوات. وبحلول ذلك الحين ربما يكون اقتصاد اليونان قد انحرف عن مساره بشكل أكبر وربما يكون اليونانيون في طريقهم لانتخابات مبكرة.
وحتى إذا لم تتعثر ثالث صفقة إنقاذ لليونان في ثلاث سنوات في هذه المرحلة فإن فرص تطبيقها بالكامل وتحقيق انتعاش اقتصادي تبدو ضئيلة.
كما ساهمت أزمة اليونان في اتساع هوة الانقسامات بين دول الوحدة النقدية وباقي دول أوروبا إذ تصر بريطانيا وجمهورية التشيك على توفير ضمانات لأموال دافعي الضرائب في مقابل استخدام صندوق إنقاذ أوروبي لتوفير تمويل طارئ لليونان.
ولو أن الأزمة اليونانية كانت الهم الوحيد لمنطقة اليورو لربما كان من السهل احتواؤها وحلها نظرا لأنه لم تظهر على الأسواق المالية بوادر تذكر على انتقال العدوى إلى سندات سيادية ضعيفة أخرى مثلما حدث في عام 2012 وهدد بتمزيق أوصال منطقة اليورو.
واقترح الرئيس فرنسوا هولاند هذا الشهر إقامة برلمان لمنطقة اليورو لإضفاء قدر أكبر من الشرعية الديمقراطية على القرارات.
لكن مثل هذه الأفكار الطموحة تتعارض مع الاجتماعات الليلية المحمومة لإدارة الأزمة ومع النبرة القومية المثيرة للانقسام والمتصاعدة في كثير من مداولات منطقة اليورو.
وفي برلين دعا وزير الاقتصاد الألماني زيجمار جابريل إلى وضع حد للنقاش حول مسألة خروج اليونان من منطقة اليورو.
وفي مقابلة مع القناة الثانية بالتلفزيون الألماني (زد دي إف)، اعتبر نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن من الخطأ استئناف النقاش حول خروج محتمل لليونان من اليورو، محذرا من أنه إذا استمروا في التصرف على هذا النحو «فلن نحرز نجاحا».
وبحسب تقرير وكالة الأنباء الألمانية أوضح زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم أن خروج اليونان من اليورو سيكلف ألمانيا أموالا أكثر: «لكن ما هو أسوأ أنكم ستشهدون في اليونان سيناريوهات أعتقد أننا جميعا كأوروبيين لا نريدها».
كان وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله المنتمي إلى تحالف المستشارة ميركل المسيحي الديمقراطي أشار مرارا خلال الأيام الماضية إلى مقترح بخروج مؤقت لليونان من منطقة اليورو كحل محتمل للأزمة الراهنة وحتى بعد تفاهم أطراف الأزمة على إجراء مفاوضات جديدة حول حزمة مساعدات إضافية لليونان.
وأضاف جابريل: «لم يكن من الحكمة أن يتم تقديم هذا المقترح على أنه مقترح ألماني، وهذا شيء لم أكن لأفعله أنا على أي حال»، لافتا إلى أن شيوبله وضع نفسه بهذا المقترح في مواجهة الحزب الاشتراكي.
واختتم جابريل تصريحاته بالتقليل من خطورة الخلاف الموضوعي في ظل الأزمة الكبيرة التي تمر بها أوروبا وقال: «بطبيعة الحال ثمة مواقف يكون فيها اختلاف في وجهات النظر وربما تعالت فيها الأصوات أيضا وسيكون موضع استغراب أن يمر ذلك كله دون صراع».
في المقابل قال استطلاع للرأي بأن أكثر من نصف الألمان يعتقدون أن الصفقة المزمعة مع اليونان سيئة وأن كثيرين كانوا سيفضلون خروج أثينا من منطقة اليورو على إعطائها فرصة الحصول على مزيد من المساعدات.
ووافق النواب في ألمانيا أكبر مساهم في برامج الإنقاذ المقدمة من منطقة اليورو أول من أمس أن تتفاوض الكتلة النقدية على برنامج إنقاذ ثالث لليونان قد يصل في مجمله إلى 86 مليار يورو (93 مليار دولار) على مدى ثلاث سنوات.
وفي الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة يوجوف واطلعت عليه صحيفة «فيلت إم زونتاج» الألمانية قال 56 ممن شملهم الاستطلاع أنهم يعتقدون أن الخطة المتعلقة بمثل هذا الاتفاق لليونان سيئة مع قول ما يزيد قليلا على الخمس بأنها سيئة جدا.
ورأى اثنان في المائة فقط الاتفاق على أنه إيجابي في حين قال 27 في المائة بأنهم يعتقدون أنه إيجابي إلى حد ما.
وقالت صحيفة «فيلت إم زونتاج» بأن الاستطلاع الذي شمل 1380 ألمانيا أظهر عدم وجود حماس في أكبر اقتصاد بأوروبا لنتيجة التصويت. وأضافت أن الاستطلاع أظهر أن 48 في المائة من الألمان يحبذون انسحاب اليونان من منطقة اليورو.
وقالت الصحيفة بأن الثلث فقط قالوا بوضوح بأنهم يريدون بقاء اليونان في منطقة اليورو.



لاغارد: المزيد من خفض الفائدة ممكن مع تراجع التضخم نحو الهدف

رئيسة «البنك المركزي الأوروبي» كريستين لاغارد تتحدث لوسائل الإعلام بعد «اجتماع السياسة النقدية» في فرنكفورت (رويترز)
رئيسة «البنك المركزي الأوروبي» كريستين لاغارد تتحدث لوسائل الإعلام بعد «اجتماع السياسة النقدية» في فرنكفورت (رويترز)
TT

لاغارد: المزيد من خفض الفائدة ممكن مع تراجع التضخم نحو الهدف

رئيسة «البنك المركزي الأوروبي» كريستين لاغارد تتحدث لوسائل الإعلام بعد «اجتماع السياسة النقدية» في فرنكفورت (رويترز)
رئيسة «البنك المركزي الأوروبي» كريستين لاغارد تتحدث لوسائل الإعلام بعد «اجتماع السياسة النقدية» في فرنكفورت (رويترز)

قالت كريستين لاغارد، رئيسة «البنك المركزي الأوروبي»، يوم الاثنين، إن «البنك» سيتخذ خطوات لخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر إذا استمر التضخم في التراجع نحو هدفه البالغ اثنين في المائة، مؤكدة أنه لم يعد من الضروري فرض قيود على النمو الاقتصادي.

وكان «البنك المركزي الأوروبي» قد خفض أسعار الفائدة 4 مرات هذا العام، ويترقب المستثمرون مزيداً من التيسير في السياسات خلال عام 2025 بعد أن تراجعت مخاوف التضخم بشكل كبير، بينما أصبح النمو الاقتصادي الضعيف الآن يشكل القلق الرئيسي.

وخلال تصريحات لها في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، قالت لاغارد: «إذا استمرت البيانات في تأكيد توقعاتنا الأساسية، فسيكون الاتجاه واضحاً، وسنتوقع خفض أسعار الفائدة بشكل أكبر»، وفق «رويترز».

وأوضحت لاغارد أن الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات «مقيدة بدرجة كافية» لم يعد مبرراً في ظل النمو الضعيف وضغوط الأسعار المعتدلة، في إشارة إلى أن الهدف التالي هو الوصول إلى ما يُسمى «المستوى المحايد» الذي لا يعوق ولا يحفز الاقتصاد. وعلى الرغم من أن مفهوم «الحياد» غامض، فإن لاغارد قد أشارت في السابق إلى أن أبحاث «البنك المركزي الأوروبي» تضعه بين 1.75 في المائة و2.5 في المائة. وهذا يعني أنه قد تحدث تخفيضات أخرى عدة في سعر الفائدة على الودائع، الذي يبلغ حالياً 3 في المائة، قبل أن يدخل «البنك» في «مرحلة الحياد».

ويتوقع المستثمرون أن يخفض «البنك المركزي الأوروبي» أسعار الفائدة في الاجتماعات الأربعة المقبلة، فاحتمال إجراء تخفيض آخر قبل نهاية العام تقدّر بأكثر من 50 في المائة. وهذا قد يدفع بسعر الفائدة الرئيسي إلى أدنى مستويات «النطاق المحايد».

ويُعزى تسريع تخفيف السياسة إلى اختفاء بقايا التضخم المرتفع، مع تراجع ضغوط تكاليف الخدمات التي تشكل أكبر عنصر في سلة أسعار المستهلك. وأضافت لاغارد: «لقد انخفض زخم التضخم في الخدمات بشكل حاد مؤخراً. وتشير هذه البيانات إلى وجود مجال لتعديل هبوطي في تضخم الخدمات، وبالتالي التضخم المحلي، في الأشهر المقبلة».

كما أظهرت بيانات نمو الأجور، التي كانت مصدر قلق رئيسياً في الماضي، اتجاهاً أكثر اعتدالاً، حيث يُتوقع أن تنمو الأجور بنسبة 3 في المائة العام المقبل، وهو المستوى الذي يتوافق أخيراً مع هدف «البنك المركزي الأوروبي».

ورغم هذه التطورات الإيجابية، فإن لاغارد أشارت إلى أن هناك بعض المخاطر السلبية على التضخم، خصوصاً من قِبل العوامل الجيوسياسية، التي قد تؤثر سلباً على التوقعات الاقتصادية. وأوضحت أن أي صدمات جديدة قد تلحق ضرراً بالنمو الضعيف الذي تشهده منطقة اليورو حالياً.

وقالت: «إذا تبنت الولايات المتحدة - أكبر سوق تصدير لنا - سياسات حمائية، فمن المرجح أن يتأثر النمو في منطقة اليورو».

وأكدت رئيسة «المركزي الأوروبي» أن عدم اليقين الجيوسياسي قد يؤثر على «شهية المخاطرة لدى المستثمرين والمقترضين والوسطاء الماليين». وأشارت إلى أن القلق الأكبر بالنسبة إلى «البنك» هو أن اتساع الفروق غير المنضبطة في عوائد السندات بين دول منطقة اليورو قد يجعل السياسة النقدية أقل فاعلية، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز».

وقالت لاغارد: «إن تقييم انتقال السياسة النقدية سيظل ذا أهمية كبيرة. وإذا واجهنا صدمات جيوسياسية كبيرة تزيد من حالة عدم اليقين بشأن آفاق التضخم، فسنحتاج إلى الاستعانة بمصادر أخرى للبيانات لتعزيز تقييمنا للمخاطر التي تهدد توقعاتنا الأساسية».