جسم الإنسان يتكيف بصعوبة لمقاومة متغيرات «كورونا»

أجهزتنا المناعية متعثرة ولا تزال عالقة في 2020

جسم الإنسان يتكيف بصعوبة لمقاومة متغيرات «كورونا»
TT

جسم الإنسان يتكيف بصعوبة لمقاومة متغيرات «كورونا»

جسم الإنسان يتكيف بصعوبة لمقاومة متغيرات «كورونا»

في خلال فترة امتدت لأكثر من عامين التي توفرت في الولايات المتحدة لقاحات COVID «كوفيد - 19»، لم تتغير الوصفة الأساسية لمكافحته إلا قليلاً. وفي غضون ذلك، كشف الفيروس عن خمسة متغيرات اكتسب كل منها اسماً من أسماء الحروف اليونانية الخاصة بها، تلتها مجموعة من المتغيرات الفرعية المسماة «أوميكرون» ذات الألقاب الغريبة، ويبدو أن كلاً منها ينتشر بشكل أسرع من الأخير.
واللقاحات، التي تستغرق شهوراً لإعادة صياغتها، لا تستطيع مواكبة فيروس يبدو أنه يعيد اختراع نفسه خلال أسبوع.
تعثّر جهاز المناعة
الطفرة التطورية لفيروس «سارس - كوف - 2» المسمى «كوفيد - 19» قد لا تكون السبب الوحيد لحالات تعثر المناعة في مواجهتها لمتغيرات الفيروس. إذ يبدو أن الجسم يركز على النسخة الأولى من الفيروس الذي واجهه، إما عن طريق الإصابة بالعدوى أو بعد تلقي حقن اللقاح الأول.
وهذا الانشغال بالماضي - الذي يمارسه جهاز المناعة - هو الذي يسميه الباحثون «الخطيئة الأصلية للمستضد»، قد يترك الإنسان مع دفاعات غير مصممة بشكل جيد لمواجهة متغيرات الفيروس اللاحقة. (الخطيئة الأصلية للمستضد) «original antigenic sin» تظهر عندما يحتفظ الجسم بذاكرة مناعية خاصة ضد العدوى الأولى. وتتجسد الذاكرة في النشاطات المضادة من قبل الخلايا المناعية - المحرر).
في الأشهر الأخيرة، بدأ بعض الخبراء في إبداء القلق من أن هذه «الخطيئة» قد تقوض الآن اللقاحات المحدّثة. لذا يذهب تفكير بعضهم إلى أقصى حد، مشيرين إلى أن الناس قد لا يحصلون على الكثير من الحماية من حقن لقاحات «كوفيد» الجديدة، التي لا تتطابق مع أول نسخة من الفيروس.
وتشير البيانات الأخيرة إلى هذا الاحتمال. ويبدو أن الإصابات السابقة بالفيروس، أو تلقي اللقاح الأصلي الأول، تعمل على تشكيل أو حتى إخفاء ردود أفعال الناس تجاه اللقاحات الجديدة ثنائية التكافؤ. أخبرتني جينا جوثميلر، عالمة المناعة في كلية الطب بجامعة كولورادو: «ليس لدي شك في ذلك... إذ لا يصنع الجهاز المناعي الآن الأجسام المضادة المركزة على (أوميكرون) بالكمية أو الجودة المطلوبة مثلاً لو كان الجهاز قد صادف (أوميكرون) لأول مرة».
لكنْ هناك أيضاً جانب إيجابي لهذا العناد الذي لا يمكننا العيش من دونه، كما تقول كاتلين جوستيك، عالمة المناعة ومصممة نماذج الأمراض المعدية التي درست ظاهرة الإنفلونزاـ فـ«الخطيئة الأصلية للمستضد» هي السبب في تكرار العدوى، التي تصبح في المتوسط أكثر اعتدالاً بمرور الوقت. وأضافت جوستيك: «إنه جزء أساسي من القدرة على تكوين ذاكرة مناعية».
وهكذا، فإن الانطباعات الأولى القوية عن هذا الفيروس التاجي يمكن ويجب أن تؤثر على كيف ومتى وكم مرة نعيد التطعيم ضده. ويمكن أن يساعد الفهم الأفضل لدرجة استمرار هذه الانطباعات العلماء أيضاً في معرفة سبب مقاومة (أو عدم مقاومة) الأشخاص الذين يكافحون أحدث متغيرات الفيروس - وكيف ستعمل دفاعاتهم ضد الفيروس مع استمرار تغيره.
خطيئة العدوى الأولى
ان أسوأ شيء في «الخطيئة الأصلية للمستضد» هو اسمها. ويقع اللوم في ذلك من الناحية الفنية على توماس فرانسيس جونيور، عالم المناعة الذي صاغ العبارة منذ أكثر من ستة عقود بعد أن لاحظ أن عدوى الإنفلونزا الأولية التي تعرض لها الأشخاص في مرحلة الطفولة يمكن أن تدفع الجسم لأن يتحيز في تعامله مع السلالات اللاحقة.
يقول جابرييل فيكتورا، عالم المناعة في جامعة روكفلر: «في الأساس، إن الإنفلونزا التي تصاب بها أولاً في الحياة هي التي تستجيب لها بشدة على المدى الطويل». يمكن أن يصبح ذلك مشكلة إلى حد ما عندما تأتي سلالة مختلفة المظهر تماماً. في مثل هذه السيناريوهات، قد تبدو الخطيئة الأصلية للمستضد شبيهة إلى حد كبير بالحالة البيولوجية لمراهق متحمس يتألم بسبب انهيار علاقة طيبة سابقة، أو لطالب «لم يتخرج أبداً في المدرسة الابتدائية المناعية».
ولكن من وجهة نظر الجهاز المناعي، فإن عدم نسيان الأمر الأول هو أمر منطقي. ولذا فإن المواجهات الجديدة مع أحد العوامل الممرضة تؤدي إلى مباغتة الجسم على حين غرة - وتميل إلى أن تكون الأشد في تأثيراتها.
إن رد الفعل الدفاعي عميق الجذور. إذن فهو أمر عملي، فهو يزيد من فرص مقاومة العدوى الغازية نفسها في المرة القادمة، إذ سيتم تحديدها ومجابهتها بسرعة.
وقال فيكتورا: «إن امتلاك ذاكرة جيدة والقدرة على تعزيزها بسرعة كبيرة أمر جيد جداً في بعض الأحيان. إنها طريقة الجسم للتأكد من أنه لن ينخدع مرتين».
تأتي هذه الخصائص القديمة بمزايا واضحة حتى عندما تتحول الميكروبات إلى أشكال جديدة، كما تفعل فيروسات الإنفلونزا وفيروسات كورونا في كثير من الأحيان. وبما أن المسببات الممرِضة لا تعيد تكوين نفسها دفعة واحدة، لذا فإن الخلايا المناعية التي تستوطنها مقتطفات مألوفة من الفيروس يمكنها في كثير من الحالات القضاء على عدد كافٍ من الغزاة الجدد لمنع أسوأ آثار العدوى.
ولهذا السبب فحتى لقاحات الإنفلونزا التي لا تتوافق تماماً مع سلالات الموسم الأكثر بروزاً لا تزال جيدة جداً في تقليل الدخول إلى المستشفيات، أو الوفيات. وقالت جوثميلر: «هناك الكثير من التأخير في مدى تغير الفيروس قبل أن نفقد الحماية حقاً... إن مساحة المناورة يجب أن تكون أكبر مع SARS - CoV - 2. لأن متغيراته الفرعية تميل إلى أن تكون أكثر تشابهاً مع بعضها البعض، مقارنة بسلالات الإنفلونزا المختلفة، على سبيل المثال.
مع كل الإيجابيات التي يمكن أن تقدمها الذاكرة المناعية، يميل العديد من علماء المناعة إلى توجيه أعينهم إلى الآثار الأخلاقية السلبية والغريبة لعبارة «الخطيئة الأصلية للمستضد». يقول ديبتا بهاتاشاريا، عالم المناعة في جامعة أريزونا: «أنا حقاً، أكره هذا المصطلح». بدلاً من ذلك، فهو يفضل مع آخرين استخدام كلمات أكثر حيادية مثل «الانطباعة»، كما حال انطباعة البطة الحديثة الولادة التي تلتصق بأول شخصية من الأمهات. يقول رافي أحمد، اختصاصي المناعة في جامعة إيموري: «هذه ليست ظاهرة مناعية غريبة». إنه مثال كتابي لما يفعله نظام مناعي قابل للتكيف وعالي الأداء، ويمكن أن يكون له آثار إيجابية أو سلبية، اعتماداً على السياق.
أظهرت حالات تفشي الإنفلونزا الأخيرة القليل من كل من الآثار: خلال جائحة H1N1 عام 2009. كان أداء العديد من كبار السن، الذين عادة ما يكونون أكثر عرضة لفيروسات الإنفلونزا، أفضل مما كان متوقعاً ضد السلالة المتأخرة، لأنهم قد تعرضوا لحالة مشابهة ففيروس H1N1 - مشتق من الإنفلونزا الإسبانية في جائحة 1918 - في شبابهم. ولكن في بعض المواسم التي تلت ذلك، تسبب فيروس H1N1 في إصابة البالغين في منتصف العمر بشكل غير متناسب، لأن عدم إصابتهم بالإنفلونزا في بداية حياتهم أدى ذلك إلى إبعادهم عن الاستجابة الوقائية.
جزء من ردود الفعل تلك يعود إلى الحركية المطلقة: تميل الخلايا المناعية المخضرمة، المدربة على المتغيرات والسلالات السابقة، إلى أن تكون أسرع في الاستجابة من الخلايا المناعية الجديدة، كما يقول سكوت هينسلي، عالم المناعة في كلية بيرلمان للطب بجامعة بنسلفانيا. وكلما زاد عدد الخلايا المتمرسة، زادت احتمالية قيامها بمزاحمة الخلايا المناعية المبتدئة - مما يحرمها من تجربة ساحة المعركة. وإذا عادت السلالة الفيروسية الأحدث في النهاية لتكرار العدوى، فإن تلك الخلايا المناعية الأقل خبرة قد لا تكون مستعدة بشكل كافٍ - مما يجعل الناس أكثر ضعفاً، ربما، مما قد يكونون لولا ذلك.
* ذي أتلانتيك
ـ خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

المدير التنفيذي لـ«سيسكو» السعودية: استثماراتنا بالمملكة مستمرة لدعم جهودها في التحول الرقمي

الاقتصاد المدير التنفيذي لشركة «سيسكو السعودية» سلمان فقيه (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 01:37

المدير التنفيذي لـ«سيسكو» السعودية: استثماراتنا بالمملكة مستمرة لدعم جهودها في التحول الرقمي

في ظل ما يشهده قطاع التقنية السعودي من تطور، حقَّقت «سيسكو» أداءً قوياً ومتسقاً مع الفرص المتاحة وقرَّرت مواصلة استثماراتها لدعم جهود السعودية في التحول الرقمي.

زينب علي (الرياض)
عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

تكنولوجيا «غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة لتعزيز الخصوصية ومشاركة البيانات الصحية (غوغل)

«غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة

أطلقت «غوغل» النسخة التجريبية الأولية من آندرويد 16 للمطورين، وهي خطوة تمهد الطريق للتحديثات الكبيرة المقبلة في هذا النظام.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا «أبل» تؤكد مشكلة اختفاء الملاحظات بسبب خلل بمزامنة (iCloud) وتوضح خطوات استعادتها مع توقع تحديث (iOS) قريب (أبل)

اختفاء الملاحظات في أجهزة آيفون... المشكلة والحلول

وفقاً لتقرير رسمي من «أبل»، فإن المشكلة تتعلق بإعدادات مزامنة الآيكلاود (iCloud).

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا تمكنك «دورا» من تصميم مواقع ثلاثية الأبعاد مذهلة بسهولة تامة باستخدام الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لأي معرفة برمجية (دورا)

صمم موقعك ثلاثي الأبعاد بخطوات بسيطة ودون «كود»

تتيح «دورا» للمستخدمين إنشاء مواقع مخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر إدخال وصف نصي بسيط.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة
TT

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ابتكر أليكس ويلشكو، مؤسس شركة الذكاء الاصطناعي «أوسمو»، وفريقه نسخة «ألفا» من جهاز خيالي بحجم حقيبة الظهر مزودة بمستشعر شمّ يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد المنتجات المقلدة من خلال تحليل تركيبها الكيميائي.

وأقامت شركة «أوسمو» (Osmo) شراكة مع منصات إعادة بيع الأحذية الرياضية لإظهار أن اختبار الشم عالي التقنية قادر على تحديد المنتجات المزيفة بدرجة عالية من الدقة.

الجزيئات المتطايرة تحدد الرائحة

كل شيء في العالم له رائحة، من الملابس إلى السيارات إلى جسمك. هذه الروائح هي جزيئات متطايرة، أو كيمياء «تطير» من تلك الأشياء وتصل إلى أنوفنا لتخبرنا بالأشياء. ويختبر الإنسان ذلك بوعي ووضوح عندما يكون هناك شيء جديد قرب أنفه، مثل شم سيارة جديدة أو زوج من الأحذية الرياضية. لكن حتى عندما لا تلاحظ الروائح، فإن الجزيئات موجودة دائماً.

رائحة المنتجات المقلَّدة

الأحذية المقلدة لها رائحة مختلفة عن الأحذية الحقيقية. إذ لا تختلف الأحذية الرياضية الأصلية والمقلدة في المواد، فحسب، لكن في التركيب الكيميائي. حتى الآن، اعتمدت شركات مثل «استوكس» (StockX) على اختبارات الشم البشري والفحص البصري لتمييز الأصالة - وهي عملية تتطلب عمالة مكثفة ومكلفة. وتهدف التقنية الجديدة إلى تبسيط العملية.

خريطة تحليل الفوارق اللونية

تدريب الذكاء الاصطناعي على الاختلافات الجزيئية

ووفقاً لويلشكو، درَّب فريقه «الذكاء الاصطناعي باستخدام أجهزة استشعار شديدة الحساسية للتمييز بين هذه الاختلافات الجزيئية».

وستغير هذه التكنولوجيا كيفية إجراء عمليات التحقق من الأصالة في الصناعات التي تعتمد تقليدياً على التفتيش اليدوي والحدس. وتهدف إلى رقمنة هذه العملية، وإضافة الاتساق والسرعة والدقة.

20 ثانية للتمييز بين المزيف والحقيقي

ويضيف أن آلة «أوسمو» تستغرق الآن نحو 20 ثانية للتمييز بين المنتج المزيف والحقيقي. وقريباً، كما يقول، ستقل الفترة إلى خمس ثوانٍ فقط. وفي النهاية، ستكون فورية تقريباً.

تم بناء أساس التقنية على سنوات من العمل المخبري باستخدام أجهزة استشعار شديدة الحساسية، كما يصفها ويلشكو، «بحجم غسالة الأطباق»، ويضيف: «تم تصميم أجهزة الاستشعار هذه لتكون حساسة مثل أنف الكلب، وقادرة على اكتشاف أضعف البصمات الكيميائية».

وتعمل هذه المستشعرات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتجمع باستمرار البيانات حول التركيب الكيميائي لكل شيء من البرقوق والخوخ إلى المنتجات المصنعة»، كما يوضح ويلشكو.

خريطة الرائحة الرئيسية

تشكل البيانات التي تم جمعها العمود الفقري لعملية تدريب الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة، والتي تساعد في إنشاء فهم عالي الدقة للروائح المختلفة ومنحها موقعاً في نظام إحداثيات يسمى خريطة الرائحة الرئيسية.

إذا كنت على دراية بكيفية ترميز ألوان الصورة في الصور الرقمية، فان الطريقة تعمل بشكل مماثل. إذ تقريباً، يتوافق لون البكسل مع مكان على خريطة RGB، وهي نقطة في مساحة ثلاثية الأبعاد بها إحداثيات حمراء وخضراء وزرقاء.

تعمل خريطة الرائحة الرئيسية بشكل مشابه، باستثناء أن الإحداثيات في تلك المساحة تتنبأ بكيفية ورود رائحة مجموعات معينة من الجزيئات في العالم الحقيقي. يقول ويلشكو إن هذه الخريطة هي الصلصة السرية لشركة «أوسمو» لجعل الاختبار ممكناً في الوحدات المحمولة ذات أجهزة استشعار ذات دقة أقل وحساسة تقريباً مثل أنف الإنسان.

من المختبر إلى الأدوات اليومية

يقول ويلشكو إنه في حين أن أجهزة الاستشعار المحمولة أقل حساسية من وحدات المختبر، فإن البيانات المكثفة التي يتم جمعها باستخدام أجهزة الاستشعار عالية الدقة تجعل من الممكن إجراء اكتشاف فعال للرائحة. مثل الذكاء الاصطناعي لقياس الصورة القادر على استنتاج محتويات الصورة لإنشاء نسخة بدقة أعلى بناءً على مليارات الصور من نموذجه المدرب، فإن هذا يحدث بالطريقة نفسها مع الرائحة. تعدّ هذه القدرة على التكيف أمراً بالغ الأهمية للتطبيقات في العالم الحقيقي، حيث لا يكون نشر جهاز بحجم المختبر ممكناً.

من جهته، يشير روهينتون ميهتا، نائب الرئيس الأول للأجهزة والتصنيع في «أوسمو»، إلى أن مفتاح عملية التعريف لا يتعلق كثيراً بالروائح التي يمكننا إدراكها، لكن بالتركيب الكيميائي للكائن أو الشيء، وما يكمن تحته. ويقول: «الكثير من الأشياء التي نريد البحث عنها والتحقق من صحتها قد لا يكون لها حتى رائحة محسوسة. الأمر أشبه بمحاولة تحليل التركيب الكيميائي».

وهو يصف اختباراً تجريبياً أجرته الشركة مؤخراً مع شركة إعادة بيع أحذية رياضية كبيرة حقق معدل نجاح يزيد على 95 في المائة في التمييز بين الأحذية المزيفة والأحذية الحقيقية.

إلا أن الطريقة لا تعمل إلا مع الأشياء ذات الحجم الكبير، في الوقت الحالي. ولا يمكن للتكنولوجيا التحقق من صحة الأشياء النادرة جداً التي تم صنع ثلاثة منها فقط، مثلاً.

هذا لأنه، كما أخبرني ويلشكو، يتعلم الذكاء الاصطناعي باستخدام البيانات. لكي يتعلم رائحة طراز جديد معين من الأحذية، تحتاج إلى إعطائه نحو 10 أزواج من الأحذية الرياضية الحقيقية. في بعض الأحيان، تكون رائحة البصمة خافتة لدرجة أنه سيحتاج إلى 50 حذاءً رياضياً أصلياً ليتعلم الطراز الجديد.

خلق روائح جديدة

لا يشم مختبر «أوسمو» الأشياء التي صنعها آخرون فحسب، بل يخلق أيضاً روائح جديدة داخل الشركة باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات نفسها. أظهر علماء الشركة كيف يعمل هذا بطريقة عملية خلال تجربة أطلقوا عليها اسم مشروع نقل الرائحة. لقد التقطوا رائحة باستخدام مطياف الكتلة للتفريق اللوني الغازي (GCMS)، الذي يحللها إلى مكوناتها الجزيئية ويحمل البيانات إلى السحابة. أصبحت هذه البيانات الملتقطة إحداثيات على خريطة الرائحة الرئيسية. بمجرد رسم الخريطة، يتم توجيه روبوت التركيب في مكان آخر لخلط عناصر مختلفة وفقاً لوصفة الرائحة، وإعادة إنشاء الرائحة الأصلية بشكل فعال.

رائحة مصنّعة لتعريف المنتجات

باستخدام تقنية تصنيع الرائحة نفسها، يتخيل ويلشكو أن «أوسمو» يمكن أن تدمج جزيئات عديمة الرائحة مباشرة في المنتجات بصفتها معرفاتٍ فريدة؛ مما يخلق توقيعاً غير مرئي لن يكون لدى المزورين أي طريقة لاكتشافه أو تكراره. فكر في هذا باعتباره ختماً غير مرئي للأصالة.

وتعمل شركة «أوسمو» على تطوير هذه العلامات الفريدة لتُدمج في مواد مثل الغراء أو حتى في القماش نفسه؛ ما يوفر مؤشراً سرياً لا لبس فيه على الأصالة.

هناك فرصة كبيرة هنا. وكما أخبرني ويلشكو، فإن صناعة الرياضة هي سوق بمليارات الدولارات، حيث أعلنت شركة «نايكي» وحدها عن إيرادات بلغت 60 مليار دولار في العام الماضي. ومع ذلك، تنتشر النسخ المقلدة من منتجاتها على نطاق واسع، حيث أفادت التقارير بأن 20 مليار دولار من السلع المقلدة تقطع هذه الإيرادات. وقد صادرت الجمارك وحماية الحدود الأميركية سلعاً مقلدة بقيمة مليار دولار فقط في العام الماضي في جميع قطاعات الصناعة، وليس فقط السلع الرياضية. ومن الواضح أن تقنية الرائحة هذه يمكن أن تصبح سلاحاً حاسماً لمحاربة المنتجات المقلدة، خصوصاً في أصعب الحالات، حيث تفشل الأساليب التقليدية، مثل فحص العلامات المرئية.

الرائحة هي مفتاح المستقبل

يرى ويلشكو أن النظام جزء من استراتيجية أوسع لرقمنة حاسة الشم - وهو مفهوم بدأ العمل عليه عند عمله في قسم أبحاث «غوغل». إن أساس النظام يكمن في مفهوم يسمى العلاقة بين البنية والرائحة. وتتلخص هذه العلاقة في التنبؤ برائحة الجزيء بناءً على بنيته الكيميائية، وكان مفتاح حل هذه المشكلة هو استخدام الشبكات العصبية البيانية.

إمكانات طبية لرصد الأمراض

إن الإمكانات الطبية لهذه التقنية هي تحويلية بالقدر نفسه. ويتصور ويلشكو أن النظام يمكن استخدامه للكشف المبكر عن الأمراض - مثل السرطان أو السكري أو حتى الحالات العصبية مثل مرض باركنسون - من خلال تحليل التغييرات الدقيقة في رائحة الجسم التي تسبق الأعراض غالباً.

لكنه يقول إنه حذّر بشأن موعد حدوث هذا التقدم؛ لأنه يجب على العلماء أن يحددوا أولاً العلامات الجزيئية لهذه الروائح قبل أن تتمكن الآلة من اكتشاف أمراض مختلفة. وتعمل الشركة بالفعل مع عدد من الباحثين في هذا المجال.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»