تعرض المنتخب البرازيلي لضربة موجعة أخرى بخروجه من الدور ربع النهائي لكأس العالم 2022 بقطر. وبدلاً من انتظار قرار الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، قدم المدير الفني الوطني تيتي استقالته من منصبه بعد دقائق قليلة من هزيمة البرازيل أمام كرواتيا بركلات الترجيح. ومنذ استقالة تيتي وحتى الآن، يتم البحث عن مدير فني جديد. وكان لدى تيتي تحفظات بشأن توليه المسؤولية خلفاً لدونغا في منتصف الطريق في عام 2016. عندما كانت البرازيل تعاني بقوة في التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم وتواجه خطر الغياب عن مونديال روسيا 2018. تلقى تيتي إشادة كبيرة عندما أعاد «راقصي السامبا» إلى الطريق الصحيح وأنقذهم من الفشل في التأهل أو المشاركة في ملحق الصعود لأول مرة في تاريخ البلاد، بل ولم يتعرض تيتي للكثير من الانتقادات عندما خسرت البرازيل أمام بلجيكا في الدور ربع النهائي في كأس العالم بروسيا.
لكن لم تكن هناك أي أعذار هذه المرة، نظراً لأن المدير الفني السابق لنادي كورينثيانز يتولى القيادة الفنية للسيلساو منذ فترة طويلة، وكان يعمل في أجواء مستقرة وهادئة بعد الفوز ببطولة كأس أمم أميركا الجنوبية (كوبا أميركا) عام 2019 التي استضافتها البرازيل - أول بطولة كبرى للبرازيل منذ 12 عاماً. وحتى عندما هُزمت البرازيل أمام الغريم التقليدي الأرجنتين على ملعب ماراكانا الشهير في نهائي كوبا أميركا 2021. كان منصب تيتي آمناً بالفعل.
وكان رئيس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، أنطونيو كارلوس نونيس، قد أعلن على الملأ استمرار تيتي في منصبه بعد التقارير التي أشارت إلى أن رئيس البرازيل آنذاك، جاير بولسونارو، أراد إقالته بسبب تهديد اللاعبين بمقاطعة بطولة 2021 نظراً لأنها تقام في ظل تفشي فيروس كورونا في البلاد.
تعافت البرازيل من الهزيمة أمام الأرجنتين، وتصدرت مجموعتها في تصفيات أميركا الجنوبية المؤهلة لكأس العالم، وذهبت إلى قطر باعتبارها واحدة من أقوى المرشحين للفوز باللقب، كما تصدرت تصنيف المنتخبات، الصادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا). وعلاوة على ذلك، كان المنتخب البرازيلي يضم كوكبة من اللاعبين المميزين للغاية، على رأسهم نيمار، الذي كان يقدم أفضل مستوياته على الإطلاق مع باريس سان جيرمان، لكنه تعرض للإصابة في المباراة الافتتاحية للبرازيل في مونديال قطر، ضد صربيا، ووجد تيتي صعوبة في إيجاد بديل له في المباراتين التاليتين في دور المجموعات، وخسرت البرازيل أمام الكاميرون.
عاد نيمار في المباراة التي سحق فيها المنتخب البرازيلي نظيره الكوري الجنوبي بأربعة أهداف مقابل هدف وحيد في دور الستة عشر، لكن اتضح بعد ذلك أن هذا الفوز كان خادعاً، حيث خسرت البرازيل في الدور ربع النهائي أمام كرواتيا بركلات الترجيح، رغم أن نيمار أحرز هدف التقدم للسيلساو في الوقت الإضافي. وقال تيتي في مقابلته الصحافية الأخيرة إنه ليس في وضع يسمح له «بتقييم كل الأعمال التي قام بها». وقال للصحافيين: «بمرور الوقت ستجرون أنتم هذا التقييم». لكن لم تكن هناك حاجة لمزيد من الوقت، ففي غضون ساعات قليلة من الهزيمة أمام كرواتيا نُشر العديد من المقالات التي انتقدت تيتي بشدة وألقت الضوء على العديد من النقاط السلبية في عمله مديراً فنياً للبرازيل.
تبدو إحصائيات تيتي مثيرة للإعجاب، حيث قاد البرازيل في 81 مباراة، حقق الفوز في 60 مباراة منها، مقابل 15 تعادلا وست هزائم فقط، ثلاث من تلك الهزائم كانت في بطولات كبرى؟ وجعلت الهزيمتان المتتاليتان في دور الثمانية في نهائيات كأس العالم غالبية المشجعين والصحافيين يؤمنون بأن تيتي لم يحرز سوى قدر ضئيل للغاية من التقدم، وأن المنتخب البرازيلي يبدو أكثر بعداً عن أي وقت مضى فيما يتعلق بهدفه المتمثل في الحصول على كأس العالم للمرة السادسة في تاريخه.
وتتمثل الحقيقة المؤلمة في أنه منذ فوز البرازيل بكأس العالم 2002، فإنها خرجت من دور الثمانية في أربع بطولات من بطولات كأس العالم التالية، أو بمعنى أدق كانت تفشل في مواصلة مشوارها في المونديال بمجرد مواجهة أحد المنتخبات الأوروبية القوية - فرنسا في 2006، وهولندا في 2010. وبلجيكا في 2018 - وحتى عندما وصلت إلى الدور نصف النهائي في عام 2014 تعرضت لهزيمة مذلة أمام ألمانيا!
وقد أثار ذلك جدلاً كبيراً بشأن ما إذا كان الوقت قد حان أخيراً للاستعانة بمدير فني أجنبي لقيادة منتخب البرازيل، خاصة بعد فشل تيتي في اللعب بالطريقة الأوروبية. سيشير المؤرخون إلى أن البرازيل استعانت بالفعل بمديرين فنيين أجانب من قبل، لكن ذلك كان لفترات قصيرة للغاية، فقد تولى المدير الفني الأوروغواياني رامون بلاتيرو قيادة البرازيل في أربع مباريات فقط في عام 1925، كما شارك البرتغالي يوريكا في قيادة الفريق في مباراتين وديتين ضد أوروغواي في الأربعينيات من القرن الماضي، وقاد الأرجنتيني فيلبو نونيز قيادة المنتخب البرازيلي في مباراة واحدة استعراضية للاحتفال بافتتاح ملعب مينيراو في عام 1965.
لكن البرازيل لم تستعن بأي مدير فني أجنبي منذ أكثر من 50 عاماً، ولم تلجأ أبداً إلى شخص لم يولد في البرازيل لقيادة السيلساو في كأس العالم. لكن ربما حان الوقت ليتغير هذا الأمر، وتشير تقارير في البرازيل إلى أنه تم الاتصال بالفعل بجوسيب غوارديولا وكارلو أنشيلوتي بشأن تولي هذا المنصب قبل كأس العالم. يبدو أن غوارديولا لم يُظهر أي اهتمام بهذا المنصب، وأغلق الأمر تماماً بتمديد تعاقده مع مانشستر سيتي حتى عام 2025. لكن يبدو أن أنشيلوتي، المدير الفني الحالي لريال مدريد، كان منفتحاً على المفاوضات عندما تم التواصل معه لأول مرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اعتماداً على طبيعة المشروع وتوقيت تولي المنصب. ربما تراجع أنشيلوتي عن الموافقة على قيادة الفريق قبل المونديال احتراماً لتيتي، الذي يرتبط معه بعلاقة عمل قوية.
لقد أمضى تيتي أسبوعاً للمعايشة في تدريبات ريال مدريد تحت قيادة أنشيلوتي في عام 2014. قبل أن يتولى تدريب كورينثيانز ويقوده للفوز بلقب الدوري البرازيلي الممتاز بشكل مثير للإعجاب في العام التالي. كما كان المديران الفنيان يتحدثان بانتظام سوياً عن تقدم اللاعبين البرازيليين الشباب في ريال مدريد. ومن المؤكد أن المهارات التدريبية لأنشيلوتي وقدرته على التواصل بشكل رائع مع اللاعبين، ونجاحه مع اللاعبين البرازيليين مثل فينيسيوس جونيور ورودريغو وكاسيميرو، كلها أمور تصب في صالحه. فهل يمكننا أن نرى كارلو أنشيلوتي وهو يدخن السيجار على شواطئ كوباكابانا؟
وارتبط اسم غوارديولا بهذا المنصب على فترات متقطعة على مدار عقد من الزمان. وعندما سُئل عن ذلك في عام 2015. قال إن الفريق «يجب أن يتم تدريبه من قبل مدير فني برازيلي»، وهي وجهة النظر التي يتفق معها الحرس القديم. فعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي المقابلات الشخصية، رفض عدد من لاعبي المنتخب البرازيلي المتوج بكأس العالم في عام 2002، مثل ريفالدو وكافو، فكرة الاستعانة بمدير فني أجنبي لمنتخب البرازيل.
وقال ريفالدو: «تعيين مدير فني أجنبي لمنتخبنا الوطني يعد عدم احترام للمدربين البرازيليين، فلدينا مدربون قادرون على تولي قيادة المنتخب البرازيلي والقيام بعمل جيد. المديرون الفنيون الأجانب جيدون للغاية دون أدنى شك، لكن المنتخب البرازيلي ملكنا ويجب أن يتولى تدريبه شخص لديه دم برازيلي يجري في عروقه». في الحقيقة، لم تكن تصريحات ريفالدو في هذا الصدد مفاجئة، بالنظر إلى الطريقة التي اصطدم بها هو شخصياً، وغيره من اللاعبين البرازيليين، مع المدير الفني الهولندي لويس فان غال في برشلونة في التسعينيات من القرن الماضي بسبب ما اعتبروه هجوماً ثقافياً على الطريقة التي يلعبون بها. وقال اللاعب البرازيل السابق جيوفاني ذات مرة: «فان غال بالنسبة للاعبين البرازيليين مثل هتلر، فهو شخص متعجرف ومتكبر ولديه مشكلة».
وتساءل كافو: «لماذا لا نعطي الفرصة لمدرب برازيلي شاب؟ أمامنا أربع سنوات (حتى كأس العالم القادمة) لتكوين فريق قوي. إذا أعطينا المسؤولية لمدير فني شاب ومنحناه الثقة والهدوء، فأنا متأكد من أن البرازيل ستكون فريقاً رائعاً». وتشير هذه التصريحات على الفور إلى المدير الفني لفلومينينسي، فرناندو دينيز، الذي يلقى أيضاً دعماً من رونالدو ونيمار. لكن الصحافي البرازيلي المتخصص في شؤون كرة القدم، ليوناردو بيرتوزي، ليس متأكداً من مدى نجاح ذلك، مشيراً إلى أن «هناك انقساماً في الآراء» بشأن دينيز في البرازيل نفسها. وقال: «إنهم يشيدون بالطريقة الجريئة التي يلعب بها فريقه، لكنهم أيضاً يقولون إن هذه الطريقة تتسبب في عدم تحقيق نتائج جيدة. يعتمد دينيز على تحفيز لاعبيه على إظهار مهاراتهم داخل الملعب وتقديم كرة قدم جميلة، لذلك فإنه يلقى دعماً من اللاعبين البارزين».
يشير بيرتوزي إلى أن المدربين البرازيليين واللاعبين السابقين يرفضون قدوم المديرين الفنيين الأجانب حتى يتمكنوا من «حجز السوق»، مشيراً إلى أن أنشيلوتي حقق نجاحاً مع لاعبين من جنسيات مختلفة، بما في ذلك اللاعبون البرازيليون. ويضيف: «إنه المدير الفني الذي ساعد كاكا على تقديم أفضل مستوياته على الإطلاق مع ميلان، وهو الذي طور إمكانيات فينيسيوس في ريال مدريد. وإذا كان مهتماً حقاً بقيادة البرازيل، فسيكون مرشحاً قوياً».
وعندما سُئل أنشيلوتي مؤخراً عن ترشحيه لقيادة منتخب البرازيل، قال إنه يعيش «يوماً بيوم» ويعتزم البقاء في إسبانيا. وقال: «أنا سعيد في مدريد، ولدينا الكثير من الأهداف التي نسعى لتحقيقها هذا الموسم. عقدي يمتد حتى 30 يونيو (حزيران) 2024، وإذا لم يقيلني ريال مدريد قبل ذلك، فلن أنتقل إلى أي مكان آخر». وذكرت بوابة أخبار «يونيفرسو أونلاين» الرياضية البرازيلية مؤخراً، نقلاً عن مصادر في الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، أنه تم بالفعل الاتصال بأنشيلوتي بشأن توليه المنصب في أكتوبر الماضي. وفقاً للمصدر ذاته، كشف أنشيلوتي أنه سيكون منفتحاً على مزيد من المحادثات والمفاوضات الملموسة بمجرد أن يكون المنصب شاغراً.
من جانبه، كشف الظاهرة البرازيلي رونالدو، عن دخول اتحاد كرة القدم في بلاده في مفاوضات مع غوارديولا لتولي تدريب منتخب السامبا، قبل أن يجدد المدرب الإسباني عقده مع مانشستر سيتي الإنجليزي. وأكد رونالدو المهاجم الأسطوري للمنتخب البرازيلي، أن اتحاد كرة القدم في بلاده أجرى محادثات مع غوارديولا المدرب السابق لبرشلونة وبايرن ميونيخ، قبل أن يجدد الأخير عقده مع مانشستر سيتي حتى 2025. وقال رونالدو: «كان هناك اهتمام بغوارديولا، تم مناقشة الأمر مع الجهاز المعاون لغوارديولا، لكنه فضل تمديد عقده مع سيتي»، وأضاف: «ربما كان من الصعب على الاتحاد البرازيلي لكرة القدم أن يتوصل لاتفاق، إنه المدرب الأعلى أجراً في العالم».
ويرى رونالدو أنه يتحتم على اتحاد الكرة البرازيلي الآن أن يحول أنظاره إلى «غوارديولا البرازيلي» فرناندو دينيز، مدرب فلومينينسي. وتابع رونالدو: «ربما يكون دينيز عنصرَ جذبٍ للمنتخب البرازيلي الوطني، إنه رجل يلعب بطريقة جيدة، ويقدم عرضاً». وختم بالقول: «إنه قرار مهم للغاية للدورة التالية، كلما أسرعت في تقديم الاسم الجديد وبدأت العمل بفلسفة المدرب، سيكون الأمر أفضل، وسنرى، أنا فضولي. أعتقد أن الأسماء الكبيرة قادمة إلى هنا».
يعتقد ماورو سيزار، أحد أشهر خبراء كرة القدم في البرازيل، أن الوقت قد حان للتغيير، قائلاً: «البرازيل بحاجة إلى مدير فني من الخارج، لأن المديرين الفنيين البرازيليين قد عفا عليهم الزمن تماماً. التعاقد مع أسماء مثل أنشيلوتي وغوارديولا هو أمر مستحيل أو مجرد تكهنات من قبل الصحافة، ومن السخافة التفكير فيها. من الأفضل أن نسعى للتعاقد مع مدير فني لديه خبرة على مستوى المنتخبات - فهذه وظيفة مختلفة تماماً عما يتم القيام به في الأندية - ويجب أن نسعى للتعاقد مع مدير فني محترف يرى أن هذه الوظيفة تمثل فرصة كبيرة بالنسبة له».
ومن الممكن أن يكون المدير الفني لنادي بالميراس، أبيل فيريرا - مدرب برتغالي شاب على دراية بالبرازيل وثقافتها - مناسباً تماماً لهذا المنصب. لقد نجح فيريرا في الفوز بكل الألقاب الممكنة في أميركا الجنوبية خلال السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك لقبين في كأس ليبرتادوريس، ويعد حالياً أنجح مدير فني في البرازيل. ومع ذلك، قد يكون الأمر صعباً بسبب علاقة فيريرا المتوترة بالصحافة البرازيلية، فضلاً عن تمسكه بالاستمرار مع بالميراس.
يعتقد بيرتوزي أن فيريرا لديه الكثير من الصفات الجيدة «فهو يلعب دائماً من أجل تحقيق الفوز، وقادر على تغيير طرق اللعب وفقاً لكل مباراة، بالإضافة إلى أن لديه خبرة كبيرة بكرة القدم البرازيلية، وهو الأمر الذي يطالب به الكثيرون. فيريرا سيكون اختياراً جيداً للأسباب المذكورة أعلاه، لكن المدربين الأوروبيين يرون كرة القدم التي يلعبها المنتخب الوطني بشكل مختلف عن نظرائهم في كرة القدم البرازيلية. فبالنسبة للمدير الفني البرازيلي، فإن تولي القيادة الفنية للمنتخب الوطني هو ذروة مسيرته التدريبية - لأسباب ليس أقلها أنه ليس لديه سوق كبيرة في الدوريات الخارجية الأخرى». وأياً كانت هوية المدرب الجديد فإنه بكل تأكيد سيواجه مهمة صعبة وسيتعين عليه عدم التسبب في خيبة أمل جديدة سواء في وجود نيمار الذي سيكمل عامه الـ31 في فبراير (شباط) أو عدم وجوده.