باريس تسعى لحصة من خطط طوكيو الدفاعية والعسكرية

رئيس الوزراء الياباني: فرنسا شريك أساسي في أمن المحيطين الهندي والهادئ

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا (أ.ف.ب)
TT

باريس تسعى لحصة من خطط طوكيو الدفاعية والعسكرية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا (أ.ف.ب)

يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أقرت الحكومة اليابانية برئاسة فوميو كيشيدا، العقيدة الدفاعية الجديدة المسماة «استراتيجية الأمن القومي»، التي ستعمد طوكيو بموجبها إلى تعزيز قدراتها العسكرية من خلال رصد 300 مليار دولار للنفقات الدفاعية حتى عام 2027، والارتقاء بالميزانية الدفاعية من خلال تخصيصها بـ2 في المائة من الناتج الداخلي الخام (مقابل 1 في المائة حتى اليوم).
وبذلك ستحتل اليابان المرتبة الثالثة في العالم من حيث الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة والصين. ولا تتوقف الانعطافة اليابانية الاستراتيجية عند حد التمويل، بل الأهم من ذلك أنها تحدث نقلة رئيسية في ثلاثة ميادين: الأول، إفراغ المادة الثالثة من الدستور الياباني من مضمونها، وهي التي تمنع اليابان من دخول الحرب.
ويتناول الثاني رؤيتها لجوارها الجغرافي والتهديدات التي يستبطنها، المتمثلة بالصين وكوريا الشمالية وروسيا.
والثالث، توفير الأسلحة المناسبة للقوات اليابانية لتمكينها من القيام بعمليات عسكرية هجومية ضد مواقع معادية، رداً على استهداف التراب الوطني الكوري. وعملياً، تريد اليابان، رغم دستورها السلمي الذي فرض عليها بعد خسارتها الحرب ضد القوات الأميركية واستسلامها في عام 1945، أن تكون قادرة على القيام بعمليات هجومية مضادة وضرب المواقع التي تعدها مصدر تهديد لها بالتعاون مع الحليف الأميركي. وتسعى اليابان إلى تطوير صواريخ بعيدة المدى تمكنها من الحصول على قوة رادعة يعتد بها وقادرة على ضرب أهداف تمثل تهديداً لها في الدول المجاورة.
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تحتفظ، منذ العام المذكور، بقوات عسكرية في اليابان، وتتمركز غالبيتها في جزيرة أوكيناوا الاستراتيجية (جنوب اليابان)، حيث يرابط القسم الأكبر من الـ54 ألف جندي أميركي.
وأثارت الخطوة اليابانية حفيظة روسيا التي سارعت إلى اتهام طوكيو بـ«الجنوح نحو العسكرة الجامحة»، وبالتخلي عن سياستها السلمية التقليدية منذ خمسينات القرن الماضي.
وجاء في بيان للخارجية الروسية مباشرة بعد الكشف عن الخطة الاستراتيجية اليابانية الجديدة أن ذلك «سيثير حتماً تحديدات أمنية جدية، وسيؤدي إلى تصاعد التوتر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ».
متسلحاً بهذه النقلة النوعية، وبترؤسه لمجموعة السبع لعام 2023، يقوم كيشيدا، الذي وصل إلى رئاسة الحكومة اليابانية، بجولة تشمل خمس دول (من مجموعة السبع) بدأها الاثنين في فرنسا. وهدف كيشيدا مزدوج: من جهة، التحضير لقمة السبع المفترض أن تلتئم ما بين 19 و21 مايو (أيار) في مدينة هيروشيما، التي ألقيت عليها أول قنبلة نووية في التاريخ، وتناول القضايا والتحديات الكبرى التي يواجهها العالم أمنياً واقتصادياً واجتماعياً.
والثاني، تعزيز التعاون بمختلف الأشكال مع مجموعة السبع، خصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث ستكون واشنطن المحطة الأخيرة من جولته التي يصلها يوم الجمعة المقبل.
تجدر الإشارة إلى أن الجانب الأميركي كان الأسرع بالترحيب بالنقلة الاستراتيجية اليابانية باعتبار أن بين طوكيو وواشنطن وحدة في الرؤية للتحديات القائمة في المحيط الهادئ، وإزاء طموحات الصين وتهديداتها الكامنة ضد تايوان، وما تمثله كوريا الشمالية وقدراتها النووية والصاروخية من تهديد لأمن اليابان، إضافة إلى روسيا التي تنازع طوكيو بخصوص ملكية جزر الكوريل.
وليس من الغرابة في شيء أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، دعا كيشيدا لزيارة كييف لشكره على عزم اليابان على توفير الدعم لأوكرانيا «من أجل تمضية الشتاء».
ووفق تقارير متداولة، فإن مصير الحرب الروسية على أوكرانيا ستكون له تبعاته على شرق آسيا، كما أن اليابان تتخوف من التقارب العسكري والاستراتيجي الروسي - الصيني والمناورات الواسعة المشتركة التي تقوم بها قطعهما البحرية.
وفي المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس إيمانويل ماكرون، مساء الاثنين، أفصح كيشيدا عن رغبة بلاده في تعزيز التعاون العسكري مع فرنسا التي وصفها بأنها «شريك أساسي من أجل أن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ مفتوحة وحرة»، مضيفاً أنه «في الوقت الذي تتكثف فيه المحاولات الأحادية الجانب (ويعني الصين) لإحداث تغيير بالقوة للوضع القائم في بحر الصين الشرقي والجنوبي، ويتزايد فيه التوتر في البيئة الأمنية، نرغب في مواصلة تعزيز التعاون مع فرنسا»، الدولة التي لديها أراض في المحيط الهادئ. ولفت رئيس الوزراء الياباني إلى أن أحد مجالات التعاون التي يريد البلدان تعزيزها هو التدريبات العسكرية المشتركة. وتعد اليابان، الصين، بمثابة «تحدٍ استراتيجي لا سابق له» لأمنها.
وقبل كيشيدا، عبر الرئيس الفرنسي عن عزم باريس على توثيق التعاون الأمني مع طوكيو في منطقة آسيا - المحيط الهادئ، وعن رغبة بلاده بتعزيز التعاون مع اليابان، خصوصاً في مجال التسلح. وكان مجمل الوضع الأمني في المنطقة المذكورة ورغبة الهيمنة الصينية واستفزازات كوريا الشمالية، إضافة إلى تطورات الحرب في أوكرانيا وتبعاتها، موضع تباحث بين ماكرون وكيشيدا.
وينم كلام الرئيس الفرنسي عن رغبة باريس بأن تكون لها حصة في خطط التسلح اليابانية. وتبحث طوكيو، إلى جانب اعتمادها الرئيسي والتاريخي على الولايات المتحدة من أجل ضمان أمنها، عن تنويع الشراكات الدفاعية. ولم تتسرب عن محادثات المسؤولين تفاصيل حول أشكال التعاون العسكري والصناعي الدفاعي. ولا شك أن باريس ترغب بمشاريع دفاعية مشتركة، خصوصاً أنها تمتلك قاعدة صناعية دفاعية من الأكثر تقدماً في أوروبا.
تجدر الإشارة إلى توقيع اتفاق ثلاثي ياباني - بريطاني - إيطالي، الشهر الماضي، من أجل تطوير طائرة مقاتلة مشتركة للأطراف الثلاثة من الجيل الجديد. وذكرت صحيفة «يوميوري» اليابانية يوم الجمعة الماضي أن كيشيدا سيعمد إلى توقيع اتفاق جديد مع بريطانيا من شأنه توفير الإطار القانوني لتمكين القوات المسلحة في البلدين من القيام بزيارات متبادلة.
يرى مراقبون أن التوجه الياباني الجديد يمكن أن يوفر لباريس فرصة للعودة بقوة إلى المنطقة التي تعد استراتيجية بالنسبة إليها بفضل ممتلكاتها في منطقة الهندي - الهادئ. وكانت أزمة قد نشأت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بين فرنسا من جهة، وأستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة ثانية، عندما عمدت كانبيرا إلى نقض اتفاقية الحصول على 12 غواصة نووية تقليدية فرنسية الصنع واستبدال غواصات بها تعمل بالدفع النووي تصنع بالتشارك بين الأطراف الثلاثة.
ويعني ذلك أن فرنسا خسرت «صفقة القرن»، وقيمتها 56 مليار يورو، كما فقدت «العمود الفقري» لسياستها في المنطقة، خصوصاً أنها استبعدت من التحالف الرباعي المسمى «كواد»، الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا. واستتبع الإلغاء أزمة دبلوماسية حادة مع واشنطن وكانبيرا ولندن. إلا أن الأمور تغيرت لاحقاً بعد الاعتذار الأميركي والتفاهم المستجد بين باريس وواشنطن، والتقارب مجدداً مع أستراليا بعد رحيل رئيس الوزراء المحافظ سكوت موريسون عن السلطة، ووصول رئيس عمالي (أنتوني ألبانيز) مكانه الذي سارع إلى زيارة باريس التي تأمل بإعادة فتح ملف الغواصات مجدداً. أما العلاقة بين باريس ولندن فقد دخلت مرحلة جديدة بعد استقالة بوريس جونسون، الذي كان مهندس إلغاء صفقة الغواصات مع فرنسا وخروج ليزا تراس من المشهد السياسي البريطاني، ورغبة رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك بالتقارب مع باريس.
يبقى أن ترجمة الرغبة اليابانية بالتعاون العسكري مع باريس، ورغبة الأخيرة بمشاريع صناعية دفاعية مع طوكيو، ما زالت في مرحلة المقدمات، وهي رهن بما ستفضي إليه زيارة كيشيدا إلى واشنطن التي تبقى الجهة المهيمنة على القرار الدفاعي الياباني.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».