لطالما وثَّق الفن التشكيلي كثيراً من الصور الحياتية، بما يجعل المتلقي يرى عبره التاريخ والماضي والمستقبل. وهي فلسفة فنية ينتهجها الفنان التشكيلي العماني فهد المعمري، رئيس فرع المنظمة العالمية للألوان المائية في سلطنة عمان، ويقدمها في معرضه «تكوير» الذي يستضيفه حالياً فرع جمعية الثقافة والفنون في مدينة الدمام، ويستمر إلى يوم الأحد المقبل.
يوضح المعمري لـ«الشرق الأوسط» أنه انطلق من فكرة التكوير، وهي كلمة يعود أصلها لشكل الكرة، إذ تقوم رؤيته الفنية على مفهوم الدوران؛ مشيراً إلى أن التكوير هو مصطلح موجود في القرآن الكريم، إذ توجد سورة كاملة باسم سورة التكوير، وكذلك الآية القرآنية «يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَهَارَ عَلَى اللَيْلِ»، مبيناً أن هذه الآية تعبر عن تداخل درجتين لونيتين مختلفتين، وهذا التداخل يمثل التدرج ما بين الليل والنهار والعكس، وهنا ينقل الفنان إحساساً مختلفاً بالدائرية، يتماشى مع مفهوم التكوير الذي ينعكس على أعماله الفنية.
ويبدو ذلك جلياً في 32 عملاً فنياً يقدمه المعمري في معرضه الحالي؛ حيث تتقاطع أعماله بوجود هالة متكورة، يوضح أنها تمثل محاولاته لاصطياد الضوء والظلال والحركة والصوت في الأعمال الفنية، مضيفاً: «جسّدتُ خلال أعمالي كل هذه المعاني، وحاولتُ تشكيلها باعتبارها مفاهيم وجدانية وليست مادية، ونفّذتها كلّها بالألوان المائية».
طبيعة عابرة
يشير المعمري لدى سؤاله عن مصادر استلهامه، إلى أنه يرى في المناظر الطبيعة إلهامه الأول؛ خصوصاً طبيعة سلطنة عمان، ويردف: «إن الفنان التشكيلي هو مرآة لما يشاهده في حياته اليومية، وما يراه من النخيل والأشجار والبيوت والحارات وغيرها، لذا سعيت لتجسيد ذلك في أعمالي التي هي بمثابة انعكاسات داخلية مباشرة وغير مباشرة، وغالباً ما أنقل معاناتي وأسئلتي والمواضيع التي تشغلني عبرها، وربما تبدو كأنها موضوعات إنسانية بالدرجة الأولى».
ويكمل فكرته موضحاً: «أحببت لدى الحديث عن التعامل مع الطبيعة، أن أنقله إلى مستويات عليا، كي لا يبدو مجرد مشهد يُرى بالعين المجردة؛ بل هي طبيعة عابرة بكل ما فيها من أفكار وأعماق، وهو ما استخلصته بعد رحلة بحث، تلمست خلالها كثيراً من المصطلحات العميقة في فهم الطبيعة، بشقيها المادي والحسي».
ديناميكية المستقبل
وعن أزلية ارتباط الفنان بالمكان، وانعكاس انتمائه العماني على اتجاهه الفني، يقول المعمري: «شخصياً بصفتي فنان، عملت على توثيق أنماط الحياة في عُمان، من خلال حقب زمنية قديمة، ما بين فترتي الستينات والخمسينات، لذا فإني أعد نفسي موثقاً حقيقياً للبيئة العمانية».
ويتضح ذلك من خلال لوحات المعمري التي تُظهر في كثير منها البيوت القديمة والألعاب الشعبية. ويتابع: «ما عملته يكمن في أني وثّقت هذه البيئة العمانية بطريقة فنية حديثة، ويبدو ذلك في الإيقاع السريع للفرشاة، بما يواكب تسارع الحاضر والمستقبل. فأنا لا أحب أن أبقى حبيس الماضي؛ بل أفضل أن أراه بروح معاصرة، وأستشعر ألوان المستقبل وحداثة التكوين، بما يتواكب مع ديناميكية الحياة بجميع أشكالها».
عالمية الفنان
المعمري هو رئيس فرع المنظمة العالمية للألوان المائية في سلطنة عمان. وبالنظر إلى ذلك، فإن مسيرته الفنية اتجهت كثيراً نحو المعارض الدولية. ولدى سؤاله عن فرص التشكيلي الخليجي في الوصول إلى الجمهور العالمي، أشار إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي مهدت له الطريق، ويرى أن من شأنها فتح المجال لكثير من الفنانين، من خلال عرض أعمالهم خلالها، وتلقي عروض المشاركة في الأحداث الفنية حول العالم.
جدير بالذكر أن التشكيلي العماني فهد المعمري هو من مواليد 1985، وحاصل على بكالوريوس في التربية الفنية من جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان، ودبلوم التصميم الغرافيكي من معهد «أرينا أنيميشن» في الهند، كما سبق أن نظّم معرضه الشخصي الأول «حكاية لون وماء» عام 2017، ومعرضه الثاني «وقفات من الطبيعة» في عام 2022، وكلاهما في سلطنة عُمان، إلى جانب مشاركاته الفنية الإقليمية والعالمية في دبي وموسكو وهونغ كونغ وغيرها.