«أنا مش بتساب» لنوال الزغبي صوت المرأة الشجاعة

لبساطة وصولها الى الناس

إطلالة نوال الزغبي بالأحمر في كليبها الجديد
إطلالة نوال الزغبي بالأحمر في كليبها الجديد
TT

«أنا مش بتساب» لنوال الزغبي صوت المرأة الشجاعة

إطلالة نوال الزغبي بالأحمر في كليبها الجديد
إطلالة نوال الزغبي بالأحمر في كليبها الجديد

في «أنا مش بتساب»، جديد نوال الزغبي، رنّة تُسرّع حفظها وتُسهّل دندنتها. تُصدرها مع فيديو كليب بتوقيع دان حداد، وإنتاج «لايف ستايلز استوديوز». الأغنية واثقة كمُغنيتها، تنطلق من المرأة والآخرين وتصب في المرأة. تُصغّر أمامها الخسائر حتى تكاد تُصفّرها، ليصبح المكسب الأكبر هو إدراكها قيمة نفسها واستخسارها التأسف على أحد.
أغنية أخرى تكرّس نوال الزغبي صوت المرأة الشجاعة. لم يمرّ وقت طويل على إصدارها «حفلة»، حاملة النصيحة المفيدة لضخّ القوة في لحظات الضعف. وها هي تستكملها بـ«أنا مش بتساب»، فيُعلّم الدرس ويرسخ.
ثلاثية عمر في الكتابة (عمر المصري) والتلحين (عمر الشاذلي) والتوزيع (عمر الخضري)، تمنح الأغنية بساطة الوصول إلى الناس. وهي، كما تحب فنانتها، تملك إمكان التحوّل إلى ضيفة على الألسنة. القوة المقيمة في الكلمات تليق بفنانة كالزغبي ترفض انحناء النساء. ومن أجلهن، تجعل من الأغنية رافعة معنويات وفرصة لإعادة التفكير. تترك نفسها تنساب في فنها وتتخذ من ذاتها منطلقاً لخيارات غنائية تراهن عليها ولا يخذلها الرهان. لا تتردد نوال الزغبي في الوقوف بصف النساء بالصوت والأغنية. بين حين وآخر، تطل برسالة دعم توقظ الصلابة الداخلية. بغنائها «أنا مش بتساب، طب والنعمة دانا خسارة»، تؤكد للمرأة قيمة نفسها وعلوّ مكانتها.
قبل عامين، أهدت «القوية» إلى الجريحات بالحب: «أنا دموعي ما بمسحها، أنا بمسح لبكّوني». قد يغني الفنان حالات عاطفية لا تشبهه من أجل المحتاجين إلى مواساة. وقلما يخلو غناء من وقفة مع القلب الحزين وهو يشكو أحزانه. في المقابل، ترفض الزغبي الأحزان والشكاوى طوال الوقت. تضع نفسها في قالبها المفضل: الأغنية القوية القادرة على فعل شيء.
توجّهها للمرأة بالعبور من الارتماء إلى النهوض، هو ما يرفع شأن الغناء ولو تراءى بسيطاً. فيه المستتر خلف الظاهر والمعنى خلف الكلام. «أنا مش بتساب»، بهذا السياق، تصبح «أبعد من أغنية» بتحوّلها إلى دور بمثابة نداء فني يساهم في جهود تمكين المرأة ورفع معنوياتها حين يتعلق الأمر بالمواجهة وتقدير الذات.
هل هي مبالغة تحميل الأغنية، وقبلها «حفلة» و«القوية»... هذه التأويلات؟ وهل هو شرط أن يتحلّى الغناء المؤثر بـ«ثقل» الكلام واللحن؟ في حالة «أنا مش بتساب»، يمكن الشعور بالتأثير وفي آن بتعديل المزاج. فهي توجُّه مزدوج نحو الجد واللهو. غناؤها «خفيف» و«ثقيل». الأهم أنه يحمل معنى، ولدى سماعه لا يبقى انهزام على ما هو عليه.
الكليب من روحية المصريين الطريفة وتجليات حسّهم الفكاهي. من جمالها اللافت في اللقطات، تشاء نوال الزغبي مع المخرج شدّ النظر إلى داخل المرأة المضيء كانعكاس على صورتها الخارجية. تطل بشعرها الطويل الناعم و«الغرة»، جارة العينين، لتغني: «أنا أد الدنيا وبرمي كلام الناس/ ومعنديش وقت يضيع ولا هأزعل تاني خلاص/ أنا نادرة ومش موجود مني/ أنا زي الماس».

وعلى جانبيها حاملو صناديق عتيقة تخبّئ ماضي الأشياء، بينها المُستغنى عنه بلا زعل، وبينها القيّم كتمثال فرعوني يجدر الاحتفاظ به.
كما بالجينز الواسع على مستوى القدمين، كذلك بالفستان الأحمر الأنيق الضيّق على الخصر؛ ثقة وحلاوة. وهما تسيران معاً؛ فالثقة مردّها إدراك قيمة النفس، والحلاوة منطلقها إحساسها الدائم بأنها تستحق الأفضل، في الداخل والشكل. في المعاملة والإطلالة، العطاء ووضع النقاط على الحروف.
لعلهم سعداء مَن يبلغون هذه القناعة: «مبقتش أزعل على حد وخليت قلبي حديد». التخلّي يُحلّي حين يُجنّب المرء إهدار النفس والوقت والفرص والاحتمالات، فيكون باباً للعوض وصفحة جديدة. ليس غروراً وقوف المرأة في وجه الهبوب الآتي من كل صوب، لوضعه عند حدّه، وقطع الطريق أمام محاولاته جرفها. فحين تقول: «أنا أد الدنيا»، و«أنا نسخة ومش متعادة»، أو «أنا نادرة ومش موجود مني»؛ فهذه الـ«أنا» لا تختال بقدر ما تعرف حجمها وتعتدّ به؛ لتحمي المكانة من الانمحاء.
رنّة الأغنية تقرّبها من محبّي هذا الصنف الفني، المؤثر والمسلّي بتركيبة واحدة. يظهر الجمال على مستوى صورة الفنانة وإطلالتها؛ دلالة الكلمات وهي لا تكتفي بأن تُحفظ وتُغنّى، بل تُؤخذ على محمل الجد وتتحوّل عبرة. أغنيات أخرى لها جمالها، لكنه لا يمسّ الوتر الحساس.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.