مؤتمر التنوُّع البيولوجي «كوب 15»

اتفاق تاريخي أم «احتيال وانقلاب»؟

جانب من جلسات مؤتمر «كوب 15» في مونتريال الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جانب من جلسات مؤتمر «كوب 15» في مونتريال الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

مؤتمر التنوُّع البيولوجي «كوب 15»

جانب من جلسات مؤتمر «كوب 15» في مونتريال الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جانب من جلسات مؤتمر «كوب 15» في مونتريال الشهر الماضي (أ.ف.ب)

بعد نقاشات ساخنة في جلسة ختامية امتدت لأكثر من سبع ساعات متواصلة، أهوى وزير البيئة الصيني هوانغ رون تشيو بمطرقته معلناً التوصل إلى اتفاق أممي جديد للحفاظ على التنوُّع البيولوجي العالمي. الإعلان الحاسم من رئيس مؤتمر «كوب 15» قوبل بالتصفيق الحارّ من ممثلي البلدان المشاركة، بعد أن كان التوتر مهيمناً إثر وصف وفد الكاميرون التسويات التي جرت بالاحتيال، فيما اعتبرها وفد أوغندا انقلاباً. وفي حين تختبئ الصين وراء مطالب الدول النامية لتحقيق مصالحها الخاصة في مؤتمرات المناخ، تجاهلت المطالب المشروعة لهذه الدول في قضايا التنوُّع البيولوجي، لأنها لا تتناسب مع طموحاتها الجديدة.
من وجهة نظر المنظِّمين، كان الاتفاق، الذي حمل عنوان «إطار كونمينغ - مونتريال العالمي للتنوُّع البيولوجي»، نسبة إلى المدينة الصينية التي كان من المقرر أن تستضيفه قبل قيود «كورونا» والمدينة الكندية حيث عُقد، تاريخياً، بعد مفاوضات متعثّرة امتدت لأربع سنوات. ولكن العديد من وفود البلدان النامية، خاصة بلدان أفريقيا، عبّرت عن استيائها من تجاهل مخاوفها حول توفير التمويل الكافي وتعريف المناطق المحمية وعدالة توزيع حقوق الاستثمار. فيما أشار علماء إلى أن الأهداف التي تبنّاها المجتمعون في مونتريال الكندية كانت دون الطموح، حيث اهتمت بمساحات المناطق المحمية من دون إعطاء اهتمام كافٍ بقيمتها الأحيائية.
- تهميش المناطق الأكثر أهمية
يطال التهديد بالانقراض في المتوسط نحو 25 في المائة من أنواع المجموعات الحيوانية والنباتية، مما يشير إلى أن نحو مليون نوع يواجه خطر الانقراض ما لم تُتخذ إجراءات للتخفيف من حدّة العوامل التي تؤدي إلى فقدان التنوُّع البيولوجي، بما فيها سوء استثمار الأراضي والبحار، والاستغلال المفرط للكائنات، وتغيُّر المناخ، والتلوُّث، والأنواع الغريبة الغازية.
وينطوي «إطار كونمينغ - مونتريال العالمي للتنوُّع البيولوجي» على أربع غايات طويلة الأجل لسنة 2050 تشمل الحفاظ على سلامة وترابط جميع النظم الإيكولوجية مع وقف الانقراض الذي يتسبب به الإنسان للأنواع المعروفة المهددة وصون التنوُّع الجيني، والاستخدام والإدارة المستدامين للتنوُّع البيولوجي وتقييم مساهمات الطبيعة، وتقاسم المنافع النقدية وغير النقدية الناشئة عن استخدام الموارد الجينية، وضمان وسائل التنفيذ الملائمة بما فيها الموارد المالية وبناء القدرات والحصول على التكنولوجيا.
ويشتمل الإطار على 23 هدفاً عالمياً موجهاً نحو الإجراءات للعمل العاجل حتى 2030 من أجل بلوغ الغايات المحددة لسنة 2050. وأبرز هذه الأهداف ضمان وتمكين وحفظ وإدارة ما لا يقل عن 30 في المائة من المناطق البرية ومناطق المياه الداخلية والمناطق الساحلية والبحرية، لا سيما المناطق ذات الأهمية الخاصة للتنوُّع البيولوجي بشكل فعّال بحلول 2030. وهذا الهدف كان موضع اهتمام كبير خلال فترة المفاوضات الطويلة، ويُعرف بالهدف 30×30.

طيور فلامنغو مهاجرة من أوروبا بعد وصولها إلى محمية طبيعية قرب بور سعيد في مصر (رويترز)

ورغم أن أكثر من 100 دولة كانت وافقت بالفعل على هدف 30×30 قبل القدوم إلى مونتريال، فإنه كان نقطة خلاف في «كوب 15». وفي المبدأ، لم يكن من الواضح ما الذي يمكن اعتباره منطقة «محمية». كما أعربت بعض مجموعات السكان الأصليين عن خشيتها من توسيع رقعة المناطق المحمية على حساب حقوقها في الأرض.
ولكن في شكلها النهائي، تشير الاتفاقية إلى أن حفنة من أنواع مختلفة من الأراضي يمكن أن تُحسب ضمن هدف 30×30، بما في ذلك المناطق المحمية الرسمية (مثل المتنزهات الوطنية)، وفي بعض الحالات أراضي السكّان الأصليين. لكن الاتفاقية أشارت إلى وجوب احترام حقوق مجموعات السكّان الأصليين أثناء سعيهم للحفاظ على المزيد من الأراضي.
ويحذّر بعض علماء البيئة من أن التركيز على زيادة حجم المناطق المحمية إلى الحدّ الأقصى لتحقيق هدف 30×30 هو نهج خاطئ. فقد يتسبب هذا السعي بعواقب ضارة، بما في ذلك إهدار الأموال، وفقدان أكثر ما يحتاج إلى حماية، والتسبب في صراعات عكسية مع المجتمعات الأصلية والمحلية.
وعلى سبيل المثال، قامت أستراليا قبل 3 سنوات بتعيين مساحات واسعة من أراضيها الداخلية القاحلة النائية ضمن المناطق المحمية، بحيث أصبحت تمثل 50 في المائة من مساحة الأراضي الأسترالية. وفي حين أن هذا الإجراء يضع البلاد في مرتبة متقدمة جداً على الهدف الدولي 30×30. فإنه لا يزال يترك أكبر كنز للتنوُّع البيولوجي في أستراليا، وهو الحاجز المرجاني العظيم، في خطر شديد نتيجة التلوُّث والنقل البحري والتهديدات الأخرى.
ويؤكد العلماء على ضرورة اختيار المناطق المحمية الجديدة ليس لحجمها، وإنما لقيمتها البيئية. وقد تُستمد هذه القيمة من عدد الأنواع التي تحتويها المنطقة المحمية أو لتفرُّد مجموعات الأنواع الموجودة فيها. وقد تأتي قيمة المنطقة من دورها في الحفاظ على الروابط بين النقاط الساخنة للتنوُّع البيولوجي وتعزيزها حتى تتمكن الحيوانات من القيام بهجراتها الموسمية. وغالباً ما تكون لممرات الحياة البرية والمائية أهمية لا تتناسب مع حجمها، مما يعني أنه قد يتم تهميشها من قِبل الحكومات التي تضغط من أجل تحقيق النسبة المئوية لهدف الحماية.
ومن اللافت أن العديد من البلدان، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تتسابق لإعلان مساحات شاسعة من المحيطات النائية والأراضي البِكر مناطقَ محمية. ويبدو أن حكومات هذه البلدان تبادر لحماية المناطق التي لا يستخدمها أحد، مثل ألاسكا وخندق ماريانا في عمق المحيط الهادي، لأغراض سياسية، فيما تستبعد المناطق القابلة للاستفادة حقاً من الحماية المكانية، مثل تلك القريبة من الشاطئ.
وفيما ينظر أغلب مسؤولي المناطق المحمية إلى السكّان المحليين باعتبارهم تهديداً للنظام البيئي والتنوُّع البيولوجي، تُشير التجارب في أكثر من مكان إلى أن الحماية الفعّالة على الأرض يوفّرها أولاً السكّان المحليون أنفسهم. ولذلك ليس من المستغرب أن تحتوي أراضي السكّان الأصليين على نسبة مذهلة تبلغ 80 في المائة من التنوُّع البيولوجي في العالم.
- الفتات لردم فجوة التمويل
يدعو هدف رئيسي آخر في «إطار كونمينغ - مونتريال» البلدان إلى مطالبة الشركات الكبيرة بالكشف عن آثارها البيئية ومدى اعتماد أرباحها على النظم البيئية. فعلى سبيل المثال، قد يتعيّن على شركة كبيرة تبيع زيت النخيل الكشف عن كيفية تأثير مزارعها على الغابات المطيرة والأنواع الحية التي تعيش فيها. ويفترض هذا الهدف أن منح المستثمرين والمستهلكين مزيداً من الوضوح في بصمة الشركات وممارساتها البيئية سيجعل الأموال تبتعد عن الشركات الأكثر ضرراً مما يساعد في حماية النظم البيئية.
وتوجد مجموعة من الأهداف الأخرى في الصفقة الجديدة جديرة بالملاحظة أيضاً، مثل الهدف الثاني الذي يطالب البلدان باستعادة ما لا يقل عن 30 في المائة من الأراضي والمياه المتدهورة، بما فيها البراري التي تحوّلت إلى أراضٍ زراعية. في حين يدعو الهدف العاشر إلى التأكد من إدارة الأراضي الزراعية ومصايد الأسماك والمناطق الإنتاجية الأخرى بشكل مستدام.
ويدعم اثنان من الأهداف الحلول القائمة على الطبيعة، وهو تعبير فضفاض يشمل الإجراءات التي تساعد في استعادة أو حماية النظم البيئية مع إفادة البشر أيضاً. ومن هذه الحلول إعادة نمو الشعاب المرجانية للمساعدة في السيطرة على الفيضانات الساحلية أثناء الأعاصير. أما الجزء الأهم في «إطار كونمينغ - مونتريال»، وهو الأكثر إثارة للجدل، فيتعلق بالمال. الرقم الذي كان مثار التداول في قاعات اجتماع «كوب 15» هو 700 مليار دولار سنوياً، وهو تقدير تقريبي للفجوة المالية التي يجب ردمها من أجل حماية التنوُّع البيولوجي في جميع أنحاء العالم وفقاً لتقرير صدر عام 2020. ويخلص التقرير إلى أن الحفاظ على الطبيعة على نحو جيد سيكلّف في المتوسط نحو 844 مليار دولار سنوياً بحلول 2030. ولا ينفق العالم حالياً سوء جزء بسيط من هذا المبلغ على إنشاء وإدارة المناطق المحمية وجعل الزراعة أكثر استدامة. ولم يخلُ الوصول إلى حل للمسألة المالية في مونتريال من تسويات قاسية، وصفها الوفد الكاميروني بالاحتيال.
طيلة المفاوضات، كانت البلدان النامية، بما فيها البرازيل والهند وإندونيسيا والكونغو الديمقراطية، التي تعادل لِغِناها بالتنوُّع البيولوجي أهمية الصين أو الهند في مسألة تغيُّر المناخ، تطالب بالمزيد من المساعدات المالية وتسهيل الوصول إليها. وفي النهاية جرى تمرير الصفقة مع الالتزام بإنفاق 200 مليار دولار سنوياً على حفظ التنوُّع البيولوجي بنهاية العقد.
إطار العمل، غير المُلزِم من الناحية القانونية، نصّ على زيادة مجموع الموارد المالية الدولية المتعلقة بالتنوُّع البيولوجي بحيث تصل إلى 20 مليار دولار بحلول 2025، وإلى ما لا يقل عن 30 مليار دولار بحلول 2030. واعتبر أن المساعدات الإنمائية التي تقدمها البلدان المتقدمة هي جزء من هذا التمويل. أما باقي مبلغ المائتي مليار دولار فيأتي من خلال «تحقيق زيادة كبيرة في حشد الموارد المحلية»، و«زيادة التمويل الخاص»، و«تحفيز المخططات المبتكرة»، ووسائل أخرى.
ولردم فجوة التمويل، طلب إطار العمل إعادة توجيه الأموال الحكومية بعيداً عن الأنشطة التي تضر بالطبيعة، إذ ينفق العالم حالياً ما يصل إلى 1.8 تريليون دولار على الإعانات التي تُلحق ضرراً بالنظم البيئية، كما في حالة دعم الزراعة على الأراضي البِكر في العديد من الدول. ويفترض إطار العمل أن البلدان ستحدِّد الإعانات الضارة بحلول 2025، وستقوم بتقليصها بما لا يقل عن 500 مليار دولار سنوياً بحلول 2030.
لا تختلف مقررات «كوب 15» عن نتائج اجتماع أممي مشابه جرى عام 2010، عندما تعهدت الدول بتحقيق 20 هدفاً، عُرفت باسم «أهداف أيشي»، نسبة للمقاطعة اليابانية التي جرى فيها الاجتماع، من أجل الحفاظ على التنوُّع البيولوجي خلال عقد من الزمان. ويبدو أن بعض هذه الأهداف تُماثل ما هو موجود في الإطار الجديد، كإلغاء الإعانات الضارة وخفض فقدان الموائل الطبيعة إلى النصف وغيرها.
بحلول 2020 لم ينجح العالم في تحقيق أي من «أهداف أيشي»، فما الذي سيكون مختلفاً هذه المرّة؟ يقول الخبراء إن البلدان فشلت في تحقيق أهداف الحفاظ على التنوُّع البيولوجي لسببين رئيسيين، هما ندرة التمويل المتاح وغياب نظام واضح للرصد والإبلاغ من أجل محاسبة البلدان. وفيما يفترض «إطار كونمينغ - مونتريال» أن نجاحه يتطلب «المسؤولية والشفافية»، اللتين ستدعمهما آليات فعالة للتخطيط والرصد والإبلاغ، فإن مؤشر التقدم يبقى الكم لا النوع، وهو أمر يمكن التحايل عليه.
فعلياً، لا يوجد ما يضمن فعالية الاتفاق الجديد، وفي الوقت ذاته قد يشجّع الاندفاع لتحقيق هدف جعل 30 في المائة من الأرض والبحر مناطق محمية الاستيلاء على الأراضي التي تديرها وتحافظ عليها بنجاح مجتمعات السكّان المحلية والهامشية. وفي غياب التمويل الكافي والمؤثر، لن تكون هذه المجتمعات وحدها الخاسرة، بل ستكون الطبيعة الخاسر الأول.
- بالاشتراك مع فريق الأبحاث في المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)


مقالات ذات صلة

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

بيئة الأمواج تتكسر على ساحل بلدة سانشا مع اقتراب الإعصار جايمي في نينغدي بمقاطعة فوجيان - الصين - 25 يوليو 2024 (رويترز)

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

قال علماء في بحث نُشر اليوم الجمعة إن تغير المناخ يُحدث تغييرات في أنماط هطول الأمطار حول العالم، وهو ما قد ينجم عنه أيضاً اشتداد قوة الأعاصير والعواصف المدارية

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
يوميات الشرق  الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

تُعدّ «مهرجانات ريف» المُقامة في بلدة القبيات، الوحيدة لبنانياً التي تتناول موضوعات البيئة، فتضيء على مشكلاتها وتزوّد روّادها بحلول لمعالجتها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق السباقات الهادفة (حساب ليندسي كول في فيسبوك)

«حورية بحر» بريطانية تحاول تحطيم الرقم القياسي العالمي للسباحة

تُخطِّط امرأة من بريستول لتحطيم الرقم القياسي العالمي لأطول سباحة باستخدام «الزعنفة الواحدة» من خلال السباحة على طول نهر بريستول أفون.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم سراويل وقمصان وقبعات أكثر استدامة

سراويل وقمصان وقبعات أكثر استدامة

ملابس متعددة الأغراض لأداء أمثل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق العِلم ومفاجآته (فريق إيكو)

وفاة السمكة «شارلوت» التي حَمَلت بلا تشارُك الحوض مع ذَكَر

أعلن حوض أسماك نورث كارولاينا وفاة سمكة الراي التي حَمَلت رغم عدم وجودها مع ذَكَر من نوعها في حوض لسنوات.

«الشرق الأوسط» (نورث كارولاينا)

3 مغامرين يتدربون للتجديف في المحيط المتجمّد الشمالي (صور)

أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)
أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)
TT

3 مغامرين يتدربون للتجديف في المحيط المتجمّد الشمالي (صور)

أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)
أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)

في مسبح داخليّ في دبي، يتخبّط فريق مؤلف من بريطانيين وآيرلندية، بين أمواج اصطناعية في محاكاة لما قد يواجهونه خلال رحلة تجديف في المحيط المتجمّد الشمالي، يطمحون من خلالها إلى تسليط الضوء على حماية المحيطات.

والمفارقة أنهم يتدرّبون في إحدى المناطق الأكثر حراً في العالم، للاستعداد لرحلة في واحدة من أكثر مناطق الكوكب برودةً، ومن أكثرها تأثراً بالتغيّر المناخي.

قال رئيس الفريق وصاحب فكرة «تحدي القطب الشمالي»، توبي غريغوري لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن إنجاز الرحلة من شأنه «تسجيل سابقة وزيادة الإدراك حول الموضوع (حماية البيئة)، وإظهار ومشاركة قصّتنا لتصبح إلهاماً لطلاب وروّاد أعمال ليكونوا التغيير الذي يريدون أن يروه في العالم».

أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)

أواخر يوليو (تموز)، سينطلق غريغوري (46 عاماً) مع رفيقيه أندرو سافيل (39 عاماً) وأورلا ديمبسي (30 عاماً) على متن قارب يرفع علم الإمارات، ولا يتجاوز طوله 8 أمتار، من دون محرّك أو شراع، في رحلة تعتمد حصراً على القوة البشرية، وتُقام بالاشتراك مع حملة «البحار النظيفة» (Clean Seas) التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

وسيعبر المغامرون الثلاثة 1500 كيلومتر من ترومسو في النرويج إلى لونغييربين عاصمة أرخبيل سفالبارد (سبيتزبرغن سابقاً) النرويجي الواقع في منطقة تزيد حرارتها بسرعة تفوق بثلاثة أضعاف سرعة احترار كوكب الأرض.

أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)

ويروي غريغوري كيف ألهمته رحلة تجديف قام بها عام 2023 في المحيط الأطلسي، للقيام برحلة أخرى. ويقول: «رأيتُ مواد بلاستيكية أكثر بكثير مما كنت أتخيّل».

ووفق الأمم المتحدة، يشكل البلاستيك 85 في المائة من النفايات البحرية.

بعد عودته آنذاك، أسّس غريغوري مشروع «ذي بلاستيك بليدج» (The plastic Pledge)، الذي يهدف إلى توعية تلاميذ المدارس حول التلوث البلاستيكي وإشراكهم في برنامج لمكافحته.

ووفق غريغوري، يشارك في المشروع حالياً 200 ألف تلميذ في 60 مدرسة، مضيفاً: «نريد أن نُلهم مليون تلميذ، ليس فقط في الإمارات ولكن في جميع أنحاء العالم».

بين صفر و10 درجات

منذ شهرين، يجري الفريق تدريبات، وخصوصاً على القارب الذي سيُستخدم في الرحلة. لكن بعد شحنه إلى نقطة الانطلاق مؤخراً وارتفاع درجة الحرارة في الإمارات؛ إذ يقيم أفراد الفريق منذ سنوات، انتقل هؤلاء إلى التدرّب في الأماكن المغلقة.

في مركز «دايناميك أدفانسد» للتدريب في دبي، ارتدى أعضاء الفريق ملابس ومعدّات مصممة لمغامرة من هذا النوع، وحاولوا ركوب قارب والقفز منه وسط أمواج وأمطار اصطناعية وصوت رعد وأضواء تشبه البرق.

وأكد سافيل، وهو مدير العمليات في ميناء دبي، أن «الأهمّ بالنسبة لنا الآن هو الاعتياد على المعدات التي سنرتديها»، إذ إن «المناخ بالطبع أمر يصعب اختباره في الإمارات»؛ حيث تفوق الحرارة حالياً 40 درجة مئوية.

أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)

ووفق سافيل، فإن الحرارة أثناء الرحلة ستتراوح بين صفر و10 درجات مئوية؛ لذلك يتطلع الفريق إلى إجراء «مزيد من التدريبات القائمة على المحاكاة في بيئة أكثر برودة»، على غرار حديقة «سكي دبي» الثلجية للتزلّج الداخلي؛ إذ تبلغ الحرارة درجتين تحت الصفر.

ويعكس هذا المنتجع نمط عيش سكان الدولة النفطية المعروفة بالاعتماد الكثيف على مكيفات الهواء والاستخدام الواسع للسيارات رباعية الدفع.

ورغم ذلك، تسعى الإمارات إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، وقد استضافت أواخر العام الماضي مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ (كوب 28).

داخل غرفة باردة في مركز التدريب، أجرى الفريق تمريناً لتقديم الإسعافات الأولية، مستخدماً دمية وسط أضواء خافتة وتساقط ثلوج اصطناعية وأصوات رياح عاتية.

ومازحةً، أعربت أورلا ديمبسي عن أملها في أن تساعدها السنوات العشرون الأولى من حياتها التي أمضتها في آيرلندا، على تحمّل الطقس البارد أثناء الرحلة. وقالت إن البرودة «مجرد أمر سنتكيف معه عقلياً وجسدياً عندما نصل إلى هناك، ولا أعتقد أنها ستشكل مشكلة لأي منّا».

أول امرأة

ويسعى الفريق إلى تسجيل سابقة. فمن خلال «تحدي القطب الشمالي»، سيكون أول فريق مؤلف من 3 أشخاص يجدف في المحيط المتجمّد الشمالي، وأول فريق مختلط (أي يضمّ امرأة) يقوم بذلك، ومن ثم ستصبح أورلا ديمبسي أول امرأة في التاريخ تعبر هذا المحيط على قارب تجديف.

وتقول أورلا ديمبسي التي تعمل في مجال التعليم الرقمي، وكانت سابقاً معلّمة رياضة، إنها «تجربة رائعة حقاً أن أكون أول أنثى تفعل ذلك». لكنّها تعد أن «أفضل ما في الأمر هو أنني لن أكون الأخيرة، بل سيمهد ذلك الطريق لامرأة أخرى».

أورلا ديمبسي إحدى أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات (أ.ف.ب)

وعام 2021، أصبحت الشابة من بين 3 نساء حطمنَ الرقم القياسي لفريق مماثل، لعبور المحيط الهادئ تجديفاً من سان فرانسيسكو إلى هاواي في الولايات المتحدة. ولفتت إلى أن الأمر الذي ستحمله معها من مغامرتها السابقة إلى تلك المقبلة هو «الوثوق دائماً بزملائي في الفريق».

سيجدف كل مغامر لساعتين، ثمّ سيرتاح لساعتين، وذلك على مدار الساعات الأربع والعشرين. ويُتوقع أن تستغرق الرحلة بين 20 و25 يوماً. وقد اختار الفريق الذهاب في هذه الفترة من العام حين تكون الشمس ساطعة في المنطقة القطبية طوال اليوم، ما سيمكّنه من استخدام الألواح الشمسية الموجودة على القارب لتوليد ما يكفي من الطاقة لشحن معدّات للملاحة والهواتف وتحلية مياه للشرب.

وشدّد الفريق على أن الهدف الرئيسي من المغامرة هو تحفيز الناس، وخصوصاً الأطفال، على اتخاذ خطوات ملموسة لمكافحة المخاطر التي تهدد المحيطات.

وقال غريغوري إن «أكبر تهديد لكوكبنا هو أن الجميع يعتقد أن شخصاً آخر سينقذه. أؤمن بأنه عليكَ أن تكون التغيير الذي تريد رؤيته في هذا العالم، وهذا ما نقوم به».