رئيس البرلمان العراقي يبحث مع الحكومة وواشنطن مرحلة «ما بعد داعش»

معارك الفلوجة تحتدم ومعاناة أهل الأنبار تزداد مع حصارهم

عنصر من ميليشيا «فيلق بدر» خلال مواجهة مع «داعش» شمال الفلوجة أمس (إ.ب.أ)
عنصر من ميليشيا «فيلق بدر» خلال مواجهة مع «داعش» شمال الفلوجة أمس (إ.ب.أ)
TT

رئيس البرلمان العراقي يبحث مع الحكومة وواشنطن مرحلة «ما بعد داعش»

عنصر من ميليشيا «فيلق بدر» خلال مواجهة مع «داعش» شمال الفلوجة أمس (إ.ب.أ)
عنصر من ميليشيا «فيلق بدر» خلال مواجهة مع «داعش» شمال الفلوجة أمس (إ.ب.أ)

في الوقت الذي بحث فيه رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري سير العمليات العسكرية الجارية في محافظة الأنبار ومرحلة ما بعد طرد «داعش» من هناك، مع كل من رئيس الوزراء حيدر العبادي والسفير الأميركي في بغداد ستيوارت جونز، فإنه نوه بإمكانية اتخاذ قرارات صعبة بالنسبة للسنة في العراق في حال بقيت الأوضاع على ما هي عليه.
وقال بيان لمكتب الجبوري، أمس، إن الجبوري والعبادي «ناقشا سير العمليات العسكرية وما حققته القطعات العسكرية، وسبل تضافر كل الجهود الميدانية والسياسية لتحقيق ما يتطلع له الشعب العراقي من انتصار على قوى الإرهاب، وسبل تجنيب المدنيين الأبرياء الأذى جراء هذه العمليات». وأضاف البيان أن «الجبوري أطلع العبادي على تفاصيل زيارته محافظة ديالى، والمشاكل التي تعاني منها المحافظة على الصعيدين الأمني والخدمي، وآليات تسهيل عودة النازحين وتوفير ما يحتاجون له من خدمات طارئة».
في السياق ذاته، دعا الجبوري الجانب الأميركي إلى العمل من أجل قطع إمدادات «داعش» من خلال تكثيف طلعات التحالف الدولي الجوية، وذلك خلال لقائه السفير الأميركي في العراق جونز. وقال الجبوري إنه «من المهم التنسيق العالي والمشترك بين القوات العراقية وطيران التحالف الدولي، وتكثيف الطلعات الجوية بما يضمن قطع إمداد التنظيم الإرهابي واستهداف مواقعه بالشكل الذي يعزز من سرعة حسم المعركة في الأنبار»، مثمنا «دور الولايات المتحدة الأميركية في قيادة التحالف الدولي لمساندة ودعم العراق».
من جانب آخر، أكد رئيس البرلمان العراقي أنه ضد فكرة تقسيم العراق، لكنه لم يستبعد اللجوء إليه «من دون دماء إذا وصلنا إلى خيارات مرة». وأضاف الجبوري في تصريحات تلفازية أنه «إذا وصل العراقيون إلى خيارات مرة لا نتمناها قد تصل إلى التقسيم فيجب أن يكون ذلك بطريق سلس وتفاهم ودون دماء». وحول النظام السياسي في العراق قال الجبوري إن «النظام لم يستقر رغم الالتزام بمواعيد الاستحقاقات السياسية مثل انتخابات البرلمان وتشكيل الحكومة والرئاسة»، مشددا على «ضرورة الحفاظ على المؤسسات الرسمية والدستورية بكل مقوماتها». وأضاف أن هناك تحديا أمام العراق «لأنه يراد لهذه التجربة أن تفشل وهذا ليس من صالح أحد»، مؤكدا على أن «الصراع الحالي هو بين الدولة واللادولة والفوضى». ورأى الجبوري أن مقومات الفوضى في العراق قائمة ليس فقط من تنظيم داعش بل إن الفرز الطائفي أيضا أثر على المزاج العام للعراقيين بسبب ممارسات بعض السياسيين.
وبشأن عمليات الفرز الطائفي والتغيير الديموغرافي في المحافظة التي ينتمي إليها رئيس البرلمان الجبوري وهي محافظة ديالى، أكد عضو البرلمان العراقي عن المحافظة نفسها رعد الدهلكي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما يحصل في ديالى، وهي محافظة ذات تنوع عرقي ومذهبي ولكن بأغلبية سنية، هو في الحقيقة صراع بين القوي والضعيف، بسبب النفوذ المتزايد للميليشيات المدعومة من الحكومة أو التي تغض النظر عنها الحكومة». ويضيف الدهلكي أن «ديالى بسبب ذلك تشهد في الواقع انهيارا أمنيا كبيرا وعدم سيطرة من قبل القوات الأمنية على العصابات الإجرامية»، مؤكدا أن «هذه العصابات تتنقل بحرية داخل المحافظة ولا يوجد أي رادع لها». وأوضح الدهلكي أن «هناك تحديا كبيرا أمام المسؤولين في المحافظة، ويحتاجون إلى وقفة حقيقية ودعم من الحكومة المركزية في بغداد، علما بأن واقع ديالى ينسحب على واقع باقي المحافظات السنية التي تعاني الأمرين من عصابات (داعش) الإرهابية ومن عصابات الجريمة المنظمة والميليشيات التي تمارس إرهابا مماثلا بحق أهل السنة».
إلى ذلك، عد رئيس كتلة تحالف القوى العراقية في البرلمان العراقي أحمد المساري أن «السنة ليسوا شركاء في صناعة القرار السياسي في البلاد، لكنهم مشاركون في العملية السياسية فقط». وقال المساري لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسات الحكومات التي تعاقبت على البلاد بعد سقوط نظام صدام حسين لم تنصف الطائفة السنية»، مشيرا إلى أن «العراق محكوم من قبل مكون واحد وهو الطائفة الشيعية». وأوضح المساري أن «الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي حتى الآن لم تقدم على تسليح أبناء العشائر الذين قاتلوا تنظيم داعش قبل الحشد الشعبي»، لافتا إلى أن «هناك انعدام ثقة بين سياسيي المكونين الشيعي والسني».
في الوقت الذي تتأهب فيه القوات العراقية لمحاولة استعادة مدينة الفلوجة، يجد عشرات الآلاف من المدنيين أنفسهم محاصرين بين مقاتلي تنظيم داعش المستعدين لاستغلالهم كدروع بشرية وحكومة ترتاب في ولائهم.
وقالت ليز غراند، منسقة العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، لـ«رويترز» إنه في ظل إجبار المسلحين لهم على البقاء وحصار القوات الحكومية وإغلاق طرق الهروب بسبب القصف وانقطاع الإمدادات التموينية، أصبح الخناق يضيق على السكان المدنيين.
ويوم الاثنين الماضي أعلنت الحكومة العراقية بدء عمليات عسكرية «لتحرير الأنبار» المحافظة الواقعة غرب بغداد والتي أصبحت مدنها الواقعة على نهر الفرات منذ العام الماضي معاقل لتنظيم داعش.
وقال مدرس يبلغ من العمر 42 عاما: «منذ بدأت العمليات العسكرية أصبح من المستحيل الرحيل»، مضيفا أن تنظيم داعش «زرع قنابل عند مداخل المدينة ومخارجها وعلى الطريق الرئيسي لمنع قوات الأمن من الدخول والمواطنين من الخروج».
وقال المحلل الأمني العراقي هشام الهاشمي إن «داعش» صادر هذا الأسبوع أوراق هوية عدد يصل إلى 50 ألف شخص ومنعهم من المغادرة، كما أنه سيكون في غاية الصعوبة الهرب من الفلوجة التي سيطر عليها التنظيم في أوائل العام الماضي أو في الرمادي القريبة منها.
وما زال بعض الناس يتمكنون من الهرب وسط ظروف خطرة من الفلوجة. وقد تحدثت «رويترز» مع أربع أسر قالت كلها إنها خرجت من المدينة هذا الأسبوع. وقال السائق أحمد عبد الرحمن، وعمره 48 عاما، إنه خاطر وسط القصف العنيف عندما عثر على مخرج شمال المدينة من أجل إحضار زوجته وطفليه قبل ثلاثة أيام. وأضاف: «ما زلنا لا نصدق حتى الآن أننا خرجنا من الفلوجة. تركنا كل شيء خلفنا.. السيارة والبيت والأثاث».
ونجت مشارف الفلوجة على الأقل من الضربات الجوية التي يشنها تحالف تقوده الولايات المتحدة؛ لأن القوات الحكومية المتقدمة صوب المدينة تتكون في أغلبها من مقاتلي ميليشيا الحشد الشعبي المدعومة من إيران.
غير أن هناك دعما جويا لقوات الجيش العراقي المتقدمة صوب الرمادي عاصمة المحافظة التي تقع في منتصف الطريق بين الفلوجة وبغداد، وهرب منها الآلاف في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) مع سيطرة «داعش» على المدينة.
ولا توجد أرقام مؤكدة عن السكان الباقين في المدينة. وقال هاشمي إن الفلوجة ما زال بها نحو نصف سكانها قبل الأزمة الذين كان عددهم يبلغ 370 ألف نسمة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.