دراسة تكتشف مكان اختباء «تروما الخوف» في الدماغ

حدد العلماء الآليات الرئيسية التي يتم من خلالها توحيد تروما الخوف (تويتر)
حدد العلماء الآليات الرئيسية التي يتم من خلالها توحيد تروما الخوف (تويتر)
TT

دراسة تكتشف مكان اختباء «تروما الخوف» في الدماغ

حدد العلماء الآليات الرئيسية التي يتم من خلالها توحيد تروما الخوف (تويتر)
حدد العلماء الآليات الرئيسية التي يتم من خلالها توحيد تروما الخوف (تويتر)

يمكن أن تستمر ذكريات الأحداث الصادمة في الظهور في الدماغ لفترة طويلة بعد مرورها، مما يؤدي إلى حالات عصبية مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
وبينما تؤدي منطقة الدماغ المسماة «الحصين» دوراً مركزياً في تكوين الذاكرة، بقيت الطبيعة الفيزيائية لتخزين الخوف على المدى الطويل كـ«ذاكرة بعيدة» غير معروفة.
وفي دراسة جديدة على الفئران نشرها موقع «ساينس أليرت»، حدد علماء من جامعة «كاليفورنيا ريفرسايد» في الولايات المتحدة، بعض الآليات الرئيسية التي يتم من خلالها توحيد تروما الخوف، وحددوا التجسيد المادي لها في جزء بارز من أدمغتنا.
وحسب الدراسة، فإنه من خلال فهم المزيد حول طريق تخزين التروما المؤلمة، قد نتمكن من تحسين العلاجات لمن يعانون منها.
واستخدم الباحثون فئراناً معدلة جينياً ومصمَّمة بخلايا عصبية يمكن التعرف عليها بسهولة في أثناء استجابتها للخوف، إضافةً إلى مزيج من الفيروسات التي تقطع مسارات عصبية مهمة يُعتقد أنها متورطة في تقوية الذاكرة، أو تساعد في تحديد الروابط الرئيسية بين الخلايا العصبية.
وكانت الصدمة الكهربائية بمثابة تروما الخوف في الذاكرة بالنسبة للفئران المعدلة وراثياً. وعندما أُعيدت الفئران إلى الموقع بعد شهر، تجمدت، مما يشير إلى أن ذاكرة الخوف عن بُعد المخزنة في مكان ما في الدماغ قد تم استعادتها بالفعل.
وأظهر البحث عن كثب في عينات الدماغ المختلفة تعزيزاً ثابتاً للوصلات داخل مجموعة صغيرة من الخلايا العصبية للذاكرة فيما يُعرف باسم قشرة الفص الجبهي (PFC)، وهي منطقة مسؤولة عن اتخاذ القرار والسلوك المعرفي.
وأظهرت اختبارات أخرى أنه عندما تم قطع هذه الخلايا العصبية الخاصة بالذاكرة، لم تتمكن الفئران من تذكر مخاوف بعيدة، بينما لا تزال تتذكر صدمة أحدث.
بعبارة أخرى، تشكل الخلايا العصبية للذاكرة (PFC) الهياكل المادية للذاكرة البعيدة للخوف، وفق الدراسة.
ثم تم وضع الفئران في نفس المواقع ولكن هذه المرة من دون الحافز المكروه، أي الصدمة الكهربائية، وأظهر الباحثون أن هذا كان كافياً لتقليل استجابة الخوف وتغيير دوائر هذه الخلايا العصبية ذات الصلة بالحدث الصادم.
وأوضح عالم الأعصاب جون هيونغ تشو، أن دوائر ذاكرة الفص الجبهي هي التي يتم تعزيزها تدريجياً بعد الأحداث الصادمة، ويلعب هذا التعزيز دوراً مهماً في كيفية نضوج ذكريات الخوف إلى أشكال مستقرة في القشرة الدماغية للتخزين الدائم.
وباستخدام آلية مماثلة، يمكن أيضاً تخزين الذكريات البعيدة الأخرى الخالية من الخوف بشكل دائم في قشرة الفص الجبهي، حسب عالم الأعصاب.
وهناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به للنظر في هذه الآليات عن كثب، إذ يخطط الباحثون لمعرفة ما إذا كان الضعف الانتقائي لذاكرة «PFC» سيثبط تذكر ذكريات الخوف، والتي يمكن أن تُفيد العلاج عند الأشخاص.
وأوضح تشو أنه «من المثير للاهتمام، أن انقراض ذاكرة الخوف عن بعد أضعف دوائر ذاكرة الفص الجبهي التي تم تقويتها سابقاً لتخزين ذاكرة الخوف البعيدة. إضافةً إلى ذلك، فإن التلاعبات الأخرى التي منعت تقوية دوائر ذاكرة الفص الجبهي منعت أيضاً استدعاء ذاكرة الخوف عن بُعد».


مقالات ذات صلة

مليارديرات يطوِّرون حبوباً لـ«إطالة عمر الأثرياء»

صحتك الحبوب تستهدف الأغنياء فقط نظراً لتكلفتها المرتفعة (رويترز)

مليارديرات يطوِّرون حبوباً لـ«إطالة عمر الأثرياء»

يعمل عدد من المليارديرات على تطوير حبوب لإطالة العمر، يقول الخبراء إنها تستهدف الأغنياء فقط، نظراً لتكلفتها المرتفعة المتوقعة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك ممرضة تقيس ضغط دم أحد الأشخاص داخل «مركز شرق آركنساس الصحي العائلي» في ليبانتو (أرشيفية - رويترز)

6 خطوات للحفاظ على ضغط دم آمن خلال الطقس البارد

مع دخول فصل الشتاء، وزيادة برودة الأجواء، ما التأثير الذي قد يخلفه هذا الجو على صحتنا؟ وهل له تأثير على ضغط الدم؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك صناديق من عقاري «أوزمبيك» و«ويغوفي» من إنتاج شركة «نوفو نورديسك» في صيدلية بلندن (رويترز)

دراسة تكشف ميزة جديدة لأدوية إنقاص الوزن مثل «أوزمبيك»: تحمي الكلى

أفادت دراسة جديدة بأن أدوية السمنة الشائعة، مثل «أوزمبيك»، قد تساعد أيضاً في حماية الكلى.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك صورة توضيحية لتشريح العين وتقنيات الحقن المستخدمة (الشرق الأوسط)

تقنيات حديثة لحقن الأدوية في شبكية العين

أظهرت إرشادات نُشرت لأول مرة في دراسة حديثة، فوائد فريدة من نوعها توفرها حقن الحيز فوق المشيميّة للمرضى الذين يعانون من مشكلات في شبكية العين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تقوم الكبد بالعديد من الوظائف الحيوية بالجسم (رويترز)

ما سبب زيادة انتشار مرض الكبد الدهني خلال السنوات الأخيرة؟

أكد طبيب أميركي أن الاستهلاك المتزايد للمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة والأطعمة شديدة المعالجة ساهم في زيادة انتشار «مرض الكبد الدهني» خلال السنوات الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وصلتْ إلى هاتف صاحبة السطور رسالة تعلن عودة أمسيات «مترو المدينة». كان كلُّ ما حول المتلقّية هولاً وأحزاناً، فبدا المُرسَل أشبه بشعاع. يبدأ أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، حديثه مع «الشرق الأوسط» بترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها على ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطُل هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إن توقّف النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إن تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة: «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».