الإرهابيون في سينما اليوم خليط يتصدره أوروبيون

علي الجزائري.. أو الخلية النائمة في أميركا

الممثل الجزائري بن يوسف في «الجزائري»
الممثل الجزائري بن يوسف في «الجزائري»
TT

الإرهابيون في سينما اليوم خليط يتصدره أوروبيون

الممثل الجزائري بن يوسف في «الجزائري»
الممثل الجزائري بن يوسف في «الجزائري»

جيوفاني زلكو عامل إضاءة وكهرباء في الأفلام منذ أن كان فتى سنة 1996. هو واحد من الذين يترامون في خلفية المشاهد التي يتم تصويرها. يقف مراقبًا ما يدور أمامه وعما إذا ما كان شغله على الإضاءة أو الإلكترونيات سيحتاج إلى تعديل أو لا. في «غودزيللا» (نسخة 1998) كان تقنيًا كهربائيًا وفي «سحرة» (2000) نزلت رتبته إلى «مصلح أعطال كهربائي». عادت فارتفعت في «ملائكة تشارلي» و«تقريبًا مشهور» واستمرّت على هذا النحو حتى قرر أنه يريد أن يصبح مخرجًا.
كان راقب جيمس كاميرون إذ عمل في جناح الإلكترونيات على فيلمه «أفاتار» (2009). جلس إليه واستمع منه إلى بداياته الأولى، وخرج - كمال قال في مؤتمر صحافي على هامش مهرجان لوس أنجليس في العام الماضي - وهو راغب في أن يتحوّل إلى مخرج.
هذه الرغبة أدّت إلى الانتقال فعلاً إلى الوقوف خلف الكاميرا كمخرج هذه المرّة في فيلم بعنوان «الجزائري» شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان مونتريال السينمائي في كندا قبل نحو عام وسيشهد عروضه التجارية الأميركية في السابع من أغسطس (آب) المقبل.
تتحدث الحكاية عن إرهابي جزائري اسمه علي يتسلل إلى الولايات المتحدة بعد العام 2001 في مهمّـة إرهابية جديدة. يمر بلوس أنجليس ونيويورك ولاس فيغاس بحثًا عن المكان والوقت المناسبين للقيام بالمهمّـة، لكنه خلال هذه الرحلة يبدأ بتشرّب ثقافة مناوئة. يتعرّف، حسب وصف المخرج، للناس الذين من المفترض أن يصبحوا ضحاياه ويدرك بأنه سوف لن يستطيع الإقدام على فعلته فينبذها.
ردود أفعال
القصّـة من بنات أفكار الممثل الجزائري بن يوسف والسيناريو من شغله لجانب زلكو نفسه. من الممثلين الأميركيين هاري لينكس (ظهر في «رجل من فولاذ») وجوش بنس («الخلية الاجتماعية») وكانديس كوك («يا بني، يا بني، ماذا فعلت؟» والممثل المخضرم (كان يظهر في أفلام جون كازافيتيس بكثرة) سيمور كاسل. وهناك بعض الممثلين العرب الآخرين ومنهم زهير حداد (كان له دور في فيلم «مطاردة السعادة») وسعيد فرج («منطقة خضراء»). كذلك فإن أحد المنتجين هو شخص عربي اسمه كليم أنصاري.
ليس معروفًا بعد ما سيكون رد فعل النقاد والمشاهدين على حد سواء. هذا فيلم مستقل من توزيع محدود لكن النقاد الأميركيين لا يفوّتون فيلما مهما كان صغيرًا. ما هو مؤكد أن الكثير من التداول سوف يتمحور حول الإرهاب وسيتم إدراج عدد من الأفلام الأخرى التي تعاملت وقضايا الإرهاب.
لكن من المثير للملاحظة أن هوليوود من بعد 2001 لم تقفز من مكانها لإنتاج أفلام تصوّر المسلمين والعرب كأشرار. في الواقع، عدد الأفلام التي صوّرت العرب أو المسلمين أشرارًا قبل 2001 هو أكثر من عددها بعد ذلك التاريخ.
جيمس كاميرون نفسه كان عنده سنة 1994 فيلم يمكن لنا إدخاله في قائمة الأفلام المعادية للعرب هو «أكاذيب حقيقية» حيث يتدخل المحارب عميل المخابرات الأميركية أرنولد شوارزنيغر لينقذ الولايات المتحدة من خطّـة إرهابية ولينسف مقر المنظّـمة التي تفكر في تنفيذها.
في العام 2004. أي بعد ثلاث سنوات من كارثة سبتمبر (أيلول) 2001. قام المخرج تري باركر بكتابة وتنفيذ فيلم يميني جارف من الرسوم المتحركة بعنوان «فريق أميركا: وورلد بوليس»، كال فيه على الإرهابيين العرب الذين يخططون، أيضًا، لتنفيذ مهام إجرامية بدءًا بنسف برج إيفل في باريس.
هناك فرق شاسع بين فيلم ينتقد وآخر يعادي. بين فيلم يوحي ويسأل أو يقترح، وفيلم يؤكد ويلوّح بالتهم ويوجه تهمه مشفوعة بالعنصرية والحقد.
فتش عن الأجنبي
هذا الحد من الأذى سجل في الثمانينات أكثر من أي عقد مضى وكان من بين أفلامه «دلتا فورس» الذي أخرجه الإسرائيلي مناحيم غولان كفيلم أميركي من بطولة تشاك نوريس ولي مارفن.
بعده بأربع سنوات نجد ويليام فريدكين («طارد الأرواح») يدلي بدلوه في «شروط التعامل» Rules of Engagement حول عملية إنقاذ رهائن في بلد عربي حيث من حق الجنود والمنفّذين الأميركيين، اعتبار كل الشعب (وليس هنا من مبالغة) إرهابيين يستحقون القتل.
بعد العام 2001 نجد أن الاهتمام الطاغي في هذا المجال هو التوجّـه نحو واحد من حلّـين: بحث المسألة على نحو سياسي يقارن بين المسببات والنتائج (كما في حال الأفلام التي تعاطت والأوضاع العسكرية في الشرق الأوسط ومنها «منطقة خضراء» و«كيان من الأكاذيب») أو على نحو يوزّع الإرهاب على جنسيات كثيرة أخرى، منها ما هو بريطاني وألماني وروسي وكوري.
في «ميونيخ» (2005) (الذي مثل فيه بن يوسف بطل «الجزائري» دورًا) حاول المخرج ستيفن سبيلبرغ إمساك العصا من منتصفها. عاد إلى عملية ميونيخ وما نتج عنه وصوّر إرهابًا في مواجهة إرهاب من دون أن يكترث لمن بدأه. لكن الفيلم حظي بهجوم من الإسرائيليين كما من العرب على حد سواء.
«كيان من الأكاذيب» لريدلي سكوت سجل تهمًا من أطراف مختلفة أيضًا. بعض العرب وجده معاديا وبعض الأميركيين وجده متجنيًا لكن الفيلم الذي قاد بطولته ليوناردو ديكابريو دار، فعليًا، حول خداع وكالة المخابرات الأميركية لعملائها الذين أرسلتهم لتقفي إرهابي عربي يعيش في الأردن. بذلك يجد العميل نفسه أمام عدو مزدوج إذ تحاول المؤسسة الأميركية خداعه والتضحية به.
وكشف هوية العملاء ساد حكاية فيلم «لعبة عادلة» لدوغ ليمان (2010): ناوومي ووتس كانت العميلة التي تتسلل إلى العراق لتطويع بعض خبراء الذرة فيها. فجأة يتم الكشف عن اسمها ما يعرض لا عملياتها فقط، بل حياتها وحياة الآخرين إلى الخطر.
والسي آي إيه فعلت ذلك، سينمائيًا، في أفلام أخرى كثيرة. لب وجوهر سلسلة «المهمّـة: مستحيلة» في أجزائه الأربعة إلى الآن (الخامس يحل مع نهاية هذا الشهر) هو أن وكالة المخابرات، منذ الجزء الأول، سنة 1996 (أخرجه برايان دي بالما) وحتى الأخير وهي تحاول أن تجهز على فريقها الجاسوسي الذي يقوده توم كروز. الإرهابيون في هذه السلسلة ليسوا عربًا أو مسلمين، بل من أقوام آخرين. هذا الأمر لا يلاحظه المتابعون والمثقفون العرب عندما يضعون كل بيض هوليوود في سلّـة واحدة، ولا يلاحظون كذلك أن العدو الأول للعميل جاسون بورن، في سلسلة «بورن» (رباعية حتى الآن أيضًا) هي المخابرات الأميركية التي تواصل محاولاتها لقتله فيلما بعد آخر.
حتى سلسلة جيمس بوند نحت نفسها عن موضوع المنظمات الإرهابية العربية أو الإسلامية. معظم ما تم إنتاجه منها (وليس كلها) يتعامل ومنظّـمات هي أرقى تقنيًا وأكثر خطرًا يديرها منشقون وإرهابيون فرنسيون وروس وصينيين وأميركيين بين غربيين آخرين. بعض الأحداث في «الجاسوس الذي أحبّني» (1977) تقع في مصر لكن الأشرار الأساسيين هم من خارجها. في «أبدا لا تقل أبدا مرة أخرى» (1983) هناك الكثير من الأشرار في المغرب، لكن القوى المديرة لهم هي أوروبية.
وفي آخر الأمثلة، فإن الإرهابيين في «الناجية» لجيمس ماكتيغ وبطولة بيرس بروسنان، هم أوروبيون شرقيون وفي «أولمبوس سقط» لأنطوان فاكوا هم أميركيون متعاونون مع كوريين شماليين والعدو في «المستهلكون 3» هو أميركي ألّـف جيشًا من المرتزقة ليس من بينهم عربي واحد.
بالطبع لا يعني ذلك أن هوليوود تحاول إنصافنا، لكننا ربما بتنا عملة قديمة لا تصلح للتسويق خصوصًا وسط الأحداث التي تنبري فيها المنظّـمات المتطرفة إلى ما يتجاوز الإرهاب وحده كونها اليوم جيشًا من المحاربين الذين يهددون العالم العربي كما لم يفعل استعمار أو احتلال غربي من قبل.



أفلام الرعب الحديثة تمنحنا شعوراً كاذباً بالأمان

«مخيف 3»: الوحش في ثياب سانتا كلوز (سينيڤيرس إنترتايمنت)
«مخيف 3»: الوحش في ثياب سانتا كلوز (سينيڤيرس إنترتايمنت)
TT

أفلام الرعب الحديثة تمنحنا شعوراً كاذباً بالأمان

«مخيف 3»: الوحش في ثياب سانتا كلوز (سينيڤيرس إنترتايمنت)
«مخيف 3»: الوحش في ثياب سانتا كلوز (سينيڤيرس إنترتايمنت)

الفيلم الذي اعتلى القمّة هذا الأسبوع عنوانه «Terrifier 3»، وهو فيلم رعب عن قاتل يرتدي ثياب «سانتا كلوز» ويصطاد ضحاياه في «عيد الميلاد». في الجوار من بانكوك وحتى القاهرة، ومن أوسلو إلى طوكيو حفنة كبيرة من أفلام الرعب من بينها، على سبيل المثال فقط «لا تتكلم شراً» (Speak No Evil)، «ابتسم 2» (Smile 2)، «لا تدعه يفلت» (Never Let Go)، «رأس أبي» (Daddy‪’‬s Head)، و«بوغمان» (Bogman) من بين أخرى كثيرة. كل واحد من هذه الأفلام هو إما عن وحوش غير منظورة أو عن بشر مُصابين بعاهات نفسية خطرة.

من الطبيعي التساؤل عن السبب. ليس السبب في وجود هذا الكمّ الكبير من الأفلام المنتمية إلى هذا النوع (قرابة 90 فيلماً أميركياً يذهب معظمها إلى المنصّات إما مباشرة، أو بعد عروض سينمائية قصيرة) فهي متوفرة لأن هناك جمهوراً كبيراً لها، بل لماذا هذا الإقبال عليها.

أفلام الأذى

قبل سنوات قليلة كتب هذا الناقد جواباً على هذا السؤال مفاده أن الناس تحب أن تخاف لأنها تدرك أن ما يقع على الشاشة لا يمكن أن يؤذيهم. سيخيفهم، إذا كان الفيلم جيداً، لكن العنف والقتل والطعن (الذي هو أكثر عنفاً من القتل بإطلاق النار، لذلك لا نجد في هذه الأفلام وحشاً أو شريراً يقتل بمسدس) سيبقى على الشاشة ولن ينتقل إلى الجمهور الذي يشاهد وهو يتسلى بالـ«بوب كورن».

هذا كان صحيحاً ولا يزال. لكنَّ هناك أسباباً أخرى نشطة، وتلك الطمأنينة الطاغية ليست سوى حالة ظاهرة. هناك المزيد مما يجعل انجذاب الجمهور الذي لا يتجاوز الثلاثين سنة من العمر غالباً مشدوداً إلى هذه النوعية من الأفلام.

لكن قبل الخوض في ذلك، ليس هناك من فعلٍ بلا رد فعل. لذا يحمي المشاهد نفسه إما بوجبة طعام مع مشروب ما، أو تلجأ الفتاة إلى كتف صديقها حتى تحتمي به، مما يجعله يشعر بتفوّق ذكوري، أو يُغمض عينيه حتى لا يرى.

‫هذا من البديهيات. الأعمق إيذاءً هو الخروج من الأفلام (على تكرار مشاهدتها) بدرجة أقل من الثقة بالنفس وبالمحيط المجتمعي. الخوف من السير ليلاً، حتى في أحياء آمنة. الخوف من الغرباء حتى ولو كانوا مسالمين. الخوف من الوحدة أو اللجوء إليها، وكل ذلك وسواه تحسباً لأن يتكرّر ما شوهد في أفلام الرعب. في أسوأ الأحوال سيصبح أكثر انطواءً، كما في تفسير نشرته مجلة «Psychology Today» قبل عامين.‬

في أكثر من فيلم حديث يتلاعب الموضوع الماثل مع قناعتك

المجرم الذي عاد

حبكات مختلفة ومشاهد معيّنة تتوارد فيما لو كانت الأشجار القريبة تُخفي قاتلاً راصداً كما في (In a Violent Nature) «في طبيعة عنيفة» لكريس ناش. أو فيما لو ارتاب أحدنا بعائلة انتقلت إلى المنزل المجاور أو أخرى استضافته (Longlegs) «سيقان طويلة». القاتل المتسلسل الذي لا يعرف الرأفة قد يكون زميلاً في العمل أو شبحاً في الظلام (Oddity) «حادث غريب»، أو دمية تُبث فيها الروح.

حسب مجلة «The Scientist» (في عدد صدر هذا الأسبوع) تتأثر الأعصاب في جزءٍ من الدماغ مسؤول عن التصرف عدائياً من حيث لا يدرك المُشاهد. من صفات هذا التأثير أن يشعر المُشاهد المُدمن على هذه الأفلام بالتوتر والخوف والغبطة معاً.

‫كل هذا يؤدي بنا إلى إعادة البحث عن الأسباب. هنا لن نجد أسباباً لها علاقة بالفن على الرغم من أن كثيراً منها جيد التنفيذ (وكلما كان جيد التنفيذ ازداد خطره)، كما الحال في «The Shining»، أو «In a Violent Nature»، أو «‬‪28 ‬»، و‫حتى سلسلتي «هالووين»، و«كابوس شارع إيلم»، (Nightmare at Elm Street).‬

هناك احتمال أن بعض المدمنين على هذه الأفلام لديهم خلفيات مريعة وقعت لهم تركتهم غير قادرين على نسيانها ما يدفعهم للانتقال إليها مجدداً (على طريقة «المجرم الذي لا بد أن يعود إلى مكان الجريمة»).

الشعور بأن هناك مسافة آمنة يجعل البعض الآخر يُقبل على تلك الأفلام ليشعر بالثقة. الحالة هنا تُشبه حالة أحدنا إذا ما وقف أمام قفصٍ فيه حيوان مفترس، وهذا قفز فجأة كما لو كان يريد الوصول إليه مخترقاً القضبان. في الوهلة الأولى سيقفز الشخص إلى الوراء غريزياً لأنه يريد أن يحمي نفسه تماماً. بعد ذلك سيبتسم مستعيداً ثقته بأن لا شيء سيحدث له ما دام الخطر موجوداً داخل القفص وليس خارجه.

الخوف هو رد فعلٍ طبيعي. دائماً ما نحاول درء أي خطرٍ محدق. قد نتعرض له.

في أكثر من فيلم حديث يتلاعب الموضوع الماثل مع قناعتك. تهز إيمانك الروحاني (The Omen)، تحذّرك من طفل يسكنه شيطان، أو من قوى غيبية ترصد أنفاسك (Quiet Place‪:‬ Day One). تقترح عليك أن الدنيا ليست آمنة والمستقبل كذلك.