الضربات الأوكرانية في دونيتسك تتواصل

حداد وغضب بعد مقتل عشرات الجنود الروس في الإقليم

القوات الأوكرانية تواصل قصفها بلدات تسيطر عليها روسيا في إقليم دونيتسك
القوات الأوكرانية تواصل قصفها بلدات تسيطر عليها روسيا في إقليم دونيتسك
TT

الضربات الأوكرانية في دونيتسك تتواصل

القوات الأوكرانية تواصل قصفها بلدات تسيطر عليها روسيا في إقليم دونيتسك
القوات الأوكرانية تواصل قصفها بلدات تسيطر عليها روسيا في إقليم دونيتسك

تواصلت الضربات الأوكرانية المكثفة على دونيتسك، الثلاثاء، وأعلنت موسكو أن قوات كييف قصفت بلدتي غورلوفكا ومينيرالنوي في المنطقة. وأفاد بيان نقلته وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية الروسية، بأن القوات الأوكرانية وجهت موجتين من الضربات باستخدام قذائف مدفعية من عيار 155 مليمتر على بلدة ماكييفكا. كما تم استهداف بلدة تونينكو على خطوط التماس.
وذكر تحليل بريطاني بشأن القتال الدائر شرقي أوكرانيا، أن الجيش الروسي وقوات «مجموعة فاغنر» صعّدا -على ما يبدو- وتيرة هجمات المشاة حول بلدة باخموت في منطقة دونيتسك منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ومع ذلك، فإن العديد من هذه العمليات لم تكن مدعومة بشكل جيد، بحسب ما أشار إليه محللو وزارة الدفاع البريطانية في تحديثهم اليومي بشأن حرب أوكرانيا.
وأضاف المحللون أن أوكرانيا استقدمت تعزيزات كبيرة للدفاع عن أراضيها، خلال الأيام العشرة الماضية. ومن المرجح أن تتراجع وتيرة الهجمات الروسية عن الذروة التي وصلت إليها في منتصف الشهر الماضي. وقد تكبد الجانبان خسائر فادحة. وقال المحللون إن العمليات الهجومية الروسية في المنطقة ستجري الآن على الأرجح على مستوى الفصيلة أو المجموعة فقط. وأضافوا أنه من غير المرجح تحقيق روسيا تقدماً كبيراً قرب باخموت خلال الأسابيع المقبلة.
يُشار إلى أن باخموت، وهي مدينة صغيرة في شرق أوكرانيا، كانت مسرحاً لمعارك ضارية على مدار أشهر. وتحاول القوات الروسية بلا هوادة الاستيلاء على باخموت، التي أصبحت جائزة رمزية لموسكو، رغم أن المحللين يقولون إن لها قيمة استراتيجية متواضعة.
من جهة أخرى، يعقد الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا قمة في كييف في 3 فبراير (شباط) المقبل، لمناقشة الدعم المالي والعسكري، حسبما أعلن مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في بيان أمس (الاثنين). وذكر البيان أن زيلينسكي ناقش تفاصيل هذا الاجتماع الرفيع المستوى مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في أول مكالمة هاتفية يجريها هذا العام. وأضاف: «ناقش الطرفان النتائج المتوقعة للقمة الأوكرانية الأوروبية المقبلة المقرر عقدها في كييف، واتفقا على تكثيف العمل التحضيري». وتحدث الزعيمان عن توريد أسلحة «مناسبة»، وعن برنامج مساعدات مالية جديد بقيمة 18 مليار يورو لأوكرانيا.
وفرض الاتحاد الأوروبي حزمات عدة من العقوبات غير المسبوقة على الاقتصاد الروسي، منذ أن بدأت موسكو غزوها الشامل لأوكرانيا في فبراير. وأعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، الثلاثاء، أن قواتها قتلت وأصابت نحو 500 جندي روسي في هجوم بالمدفعية في منطقة خيرسون جنوبي أوكرانيا. وقالت هيئة الأركان في تقريرها عن الهجوم الذي وقع قرب قرية تشولاكيفكا، واستهدف جنوداً روساً ومعدات عسكرية روسية، إن «خسائر العدو 500 قتيل وجريح». وذكرت الهيئة أن الهجوم وقع ليلة رأس السنة الجديدة. وقالت هيئة الأركان العامة إنه تم إصابة الوحدات الروسية في قرية فيدوريفكا بعد يوم من ذلك الهجوم، وإن عدد الضحايا لم يتضح بعد.
وتقع فيدوريفكا وتشولاكيفكا على الجانب الجنوبي الشرقي من نهر دنيبرو، في الجزء الذي تحتله روسيا من منطقة خيرسون. ويأتي هذا النبأ بعدما ذكرت كييف، الاثنين، أن هجوماً آخر عشية رأس السنة الجديدة، أسفر عن مقتل مئات الجنود الروس في ملجأ مؤقت ببلدة ماكييفكا في منطقة دونيتسك، شرقي أوكرانيا.
وأقرت وزارة الدفاع الروسية رسمياً بمقتل 63 من جنودها. ولكن كييف قالت إن نحو 400 من الجنود الروس لقوا حتفهم، كما أصيب 300 آخرون في الهجوم.
وتحدث مدونون عسكريون روس عن سقوط مئات الضحايا. وبحسب تقارير إعلامية، فإن القتلى كانوا من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم خلال التعبئة الجزئية في روسيا، وإنهم كانوا اجتمعوا في المبنى للاحتفال بالعام الجديد. وطالب عدد من القوميين والمشرعين الروس بمعاقبة قادة اتهموهم بتجاهل المخاطر مع تصاعد حدة الغضب على خلفية مقتل عشرات الجنود في واحدة من أدمى الضربات خلال الصراع الأوكراني.
وفي تصريح نادر حول عدد القتلى، قالت وزارة الدفاع الروسية إن 63 جندياً لقوا مصرعهم ليلة رأس السنة الجديدة، في انفجار دمّر ثكنة مؤقتة في مدرسة مهنية في ماكييفكا القريبة من العاصمة الإقليمية دونيتسك. وقال منتقدون روس إن الجنود كانوا يقيمون بجانب مستودع للذخيرة في الموقع الذي قالت وزارة الدفاع الروسية إنه أصيب بأربعة صواريخ أُطلقت من راجمات هيمارس أميركية الصنع.
وعلى غير العادة في روسيا، حيث تلزم السلطات الصمت بشأن الخسائر العسكرية في أوكرانيا، شارك نحو 200 شخص في تجمع مرخص له في مدينة سامارا (وسط البلاد) التي يتحدر منها بعض الجنود القتلى. ووضع سكانٌ باقات وأكاليل الزهور أمام شعلة في إحدى الساحات الرئيسية للمدينة، ثم أدى جنود التحية بإطلاق النار في الهواء.
وبحسب وسائل الإعلام المحلية، نظمت تجمعات في مدن أخرى في المنطقة، خصوصاً تولياتي وسيزران. وجاءت الضربات الصاروخية على ماكييفكا في الوقت الذي كانت روسيا تشن فيه هجمات ليلية بطائرات مسيرة على كييف ومدن أوكرانية أخرى.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطابه الليلي، إن الهجمات تهدف إلى «إنهاك شعبنا ودفاعاتنا المضادة للطائرات وطاقتنا». وقال المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية يوري إهنات للتلفزيون الأوكراني، إن 84 طائرة مسيرة أُسقطت في هجومين روسيين منذ العام الجديد. وقال: «هناك زيادة في استخدام الطائرات المسيرة في جميع الاتجاهات»، مضيفاً أن القوات المسلحة الأوكرانية تنظم مجموعات متنقلة لمطاردتها باستخدام سيارات جيب ومركبات أخرى مزودة بمدافع رشاشة مضادة للطائرات وكشافات.


مقالات ذات صلة

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

العالم إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

أعلنت السلطات المعينة من روسيا في القرم إسقاط طائرة مسيرة قرب قاعدة جوية في شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا، في حادثة جديدة من الحوادث المماثلة في الأيام القليلة الماضية. وقال حاكم سيفاستوبول ميخائيل رازفوجاييف على منصة «تلغرام»: «هجوم آخر على سيفاستوبول. قرابة الساعة 7,00 مساء (16,00 ت غ) دمرت دفاعاتنا الجوية طائرة من دون طيار في منطقة قاعدة بيلبيك».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، صباح اليوم (الخميس)، نقلاً عن خدمات الطوارئ المحلية، أن حريقاً شب في جزء من مصفاة نفط في جنوب روسيا بعد هجوم بطائرة مسيرة. وقالت «تاس»، إن الحادث وقع في مصفاة «إلسكاي» قرب ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود. وأعلنت موسكو، الأربعاء، عن إحباط هجوم تفجيري استهدف الكرملين بطائرات مسيرة، وتوعدت برد حازم ومباشر متجاهلة إعلان القيادة الأوكرانية عدم صلتها بالهجوم. وحمل بيان أصدره الكرملين، اتهامات مباشرة للقيادة الأوكرانية بالوقوف وراء الهجوم، وأفاد بأن «النظام الأوكراني حاول استهداف الكرملين بطائرتين مسيرتين».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

تثير الهجمات وأعمال «التخريب» التي تكثّفت في روسيا في الأيام الأخيرة، مخاوف من إفساد الاحتفالات العسكرية في 9 مايو (أيار) التي تعتبر ضرورية للكرملين في خضم حربه في أوكرانيا. في الأيام الأخيرة، ذكّرت سلسلة من الحوادث روسيا بأنها معرّضة لضربات العدو، حتى على بعد مئات الكيلومترات من الجبهة الأوكرانية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. تسببت «عبوات ناسفة»، الاثنين والثلاثاء، في إخراج قطارَي شحن عن مساريهما في منطقة محاذية لأوكرانيا، وهي حوادث لم يكن يبلغ عن وقوعها في روسيا قبل بدء الهجوم على كييف في 24 فبراير (شباط) 2022. وعلى مسافة بعيدة من الحدود مع أوكرانيا، تضرر خط لإمداد الكهرباء قرب بلدة في جنو

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.


2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟