عام مضى على جنوب سوريا: معاناة وحراك... و«كبتاغون»

عائلة سورية مهجّرة تعيش على الكفاف في خيمتها (د.ب.أ)
عائلة سورية مهجّرة تعيش على الكفاف في خيمتها (د.ب.أ)
TT

عام مضى على جنوب سوريا: معاناة وحراك... و«كبتاغون»

عائلة سورية مهجّرة تعيش على الكفاف في خيمتها (د.ب.أ)
عائلة سورية مهجّرة تعيش على الكفاف في خيمتها (د.ب.أ)

أخذ عام 2022 حصته من معاناة أبناء الجنوب السوري، وفيه تميزت كل منطقة بهمومها واضطرابها ويأسها من التغيير إلى الأفضل.
في السويداء مثلاً، كان «الحراك» هو العنوان الأبرز لعام 2022؛ ففي الشهر الثاني منه، أعلنت مجموعة من أبناء المحافظة في شريط مصور، أن الحراك «مستمر في الساحات والشوارع والمضافات والبيوت إلى حين تحقيق الأهداف التي تتلخص بالآتي: نريد دولة قانون لا دولة فساد واستبداد». الاحتجاجات وصلت إلى حد قطع الطرق الرئيسية، وإغلاق بعض الدوائر الحكومية. ومنذ بدايته، كان واضحاً تعمد النظام عدم التدخل أمنياً أو عسكرياً لردع المحتجين؛ لأنه أراد إبقاء المحافظة على هامش الصراع السوري الدائر، وبخاصة أنه حاول منذ بداية الأحداث تصدير صورته للخارج كنظام «يحمي الأقليات في سوريا».
الحدث اللافت في السويداء كان مداهمة عناصر تابعة لجهاز «الأمن العسكري» و«قوات الدفاع الوطني»، مجموعات محلية مسلحة، في يونيو (حزيران)، لبلدة خازمة في ريف السويداء الجنوبي الشرقي، مما أدى إلى مقتل سامر الحكيم، وإلقاء جثته عند دوار المشنقة وسط المدينة، وهذا يُعد أول هجوم لقوات النظام السوري على فصيل محلي منذ بداية الأحداث في سوريا.
وفي الشهر السابع، شهدت المحافظة انتفاضة شعبية ضد الجماعات المرتبطة بالأجهزة الأمنية، وتم شن هجوم على أبرزها التي كان يقودها راجي فلحوط، وتدمير مقراته، وقتل وأسر عدد من عناصر مجموعته، وتدمير مصنع للكبتاغون يعود لهذه المجموعة. وعلى أثرها حلت مجموعات كثيرة مرتبطة بالأجهزة الأمنية نفسها في السويداء، من دون صدام وقتال.
ولم تشأ المحافظة ذات الغالبية الدرزية، أن تقفل العام دون حدث كبير؛ ففي الرابع من ديسمبر (كانون الأول)، ومع خروج مظاهرة تطالب بتحسين الوضع المعيشي، أقدم المحتجون على مهاجمة مبنى المحافظة وإحراقه بعد إنزال صور رأس النظام بشار الأسد عن واجهته، وأعقبت ذلك اشتباكات، بدأت بعد أن أطلقت قوى الأمن النار على المحتجين، ليسقط الشاب مراد المتني قتيلاً، ومعه 18 آخرون جرحى.
الحدث الأخير غيّر كثيراً من حسابات الأطراف؛ فالنظام خرج من معادلة تحييد المحافظة وإبقائها تحت السيطرة، وأبناء المحافظة وصلوا إلى قناعة باستحالة إيجاد آذان صاغية لدى النظام تسمع شكواهم، أما بقية الأطراف كالمجموعات المسلحة، ومشيخة العقل، فبدأت تميل إلى المحتجين، في مؤشر واضح إلى أن الهوة بين أهالي السويداء والنظام باتت واسعة.

درعا و«الكبتاغون»

لم يمر يوم تقريباً من عام 2022 من دون أن تنشر صفحات التواصل الاجتماعي أخبار حوادث اغتيال وقتل وتصفيات تطال كل الأطراف الفاعلة على أرض درعا، وعودة التحركات العسكرية والحصار والمداهمات... وعودة «داعش» إلى التداول الإخباري، بعد أن تفاجأ أهالي درعا منذ أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام (2022)، بعمليتين أمنيتين أفصحتا عن وجوده؛ الأولى في مدينة جاسم بالريف الشمالي للمحافظة، والثانية في منطقة درعا البلد. الجديد في المواجهات هو إطلاقها من قبل تشكيلات تحمل خلفيات معارضة، أو ما يعرف بـ«تشكيلات اتفاقيات التسوية»، وفي مقدمتها «اللواء الثامن» المحسوب على روسيا.
ورغم عدم إعلان النظام عن انخراطه في المواجهات، فإنه أعلن لاحقاً عن قتل عدد من متزعمي خلايا «داعش»، ومنهم «أمير» التنظيم عبد الرحمن العراقي، و«أبو مهند اللبناني» و«أبو لؤي القلموني»، وذلك قبل الإعلان عن عمل أمني ضد «مؤيد الحرفوش» و«محمد المسالمة»، رغم عدم تأكيد انتسابهما إلى «داعش».
كما لم يمر أسبوع تقريباً، من دون الإعلان عن ضبط شحنة مخدرات معدة للتهريب بأساليب مختلفة باتجاه الجار الأردن، وبتواتر متصاعد وطرق مبتكرة وصلت إلى استخدام طائرات «الدرون».
وتكشف حبوب «الكبتاغون» في درعا عن شبكات تهريب وتصنيع متعددة، وعن معامل التصنيع وطرق التهريب.
عام يضاف إلى عجاف السنوات الرابضة على صدر الجنوب السوري، وكاد 2022 يقفل بابه على عنوان عريض هو «الجوع»؛ لأنه كان أطول وأقسى أعوام العشرية الأخيرة التي مرت على سوريا بارتفاعات غير مسبوقة لأسعار السلع الأساسية والغذائية والأدوية والمحروقات، مع تراجع القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود بنسبة تزيد على 90 في المائة.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».