أشاد عالم الكرة المستديرة بالأسطورة البرازيلي بيليه الذي توفي عن عمر يناهز 82 عاماً الخميس بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان. فاز نجم «راقصي السامبا» بكأس العالم ثلاث مرات. في السطور التالية، يروي ثلاثة لاعبين (كيرت هامرين، وغييرمو سيبولفيدا، وتارسيسيو بورغنيتش) تجربتهم في مواجهة واحد من أفضل لاعبي كرة القدم في التاريخ، في هذه البطولات العالمية الثلاث:
كيرت هامرين (عام 1958)
لم يكن كثيرون يعرفون شيئا عن بيليه قبل هذه البطولة في السويد، لكن اسمه أصبح يتردد في كل مكان بعدما نجح في تسجيل هدفين في المباراة النهائية لكأس العالم وهو في السابعة عشرة من عمره ليقود «راقصي السامبا» للفوز بكأس العالم للمرة الأولى. يتذكر الجناح السويدي الرائع كورت هامرين تلك «الموهبة النادرة» التي كانت تتميز بالتواضع الشديد، قائلا:
«في عام 1958 لم يكن بيليه معروفا لنا نحن السويديين. في بداية البطولة لم يلعب بيليه حتى المباراة الأخيرة من دور المجموعات لأنه كان مصابا. لم أسمع عنه إلا قبل أيام قليلة من المباراة النهائية، بعدما نجح ذلك اللاعب الذي كان يلعب في مركز الجناح الأيسر ويبلغ من العمر 17 عاما في تسجيل أربعة أهداف في ثلاث مباريات. لكن بكل صراحة كنا نشعر بالقلق من لاعبين آخرين مثل فافا وغارينشا، لكننا أدركنا بعد ذلك أنه كان يتعين علينا أن نشعر بقلق أكبر من بيليه، الذي سجل هدفين، أحدهما بتسديدة رائعة على الطائر. كنت منبهرا بهذا اللاعب المتكامل، الذي لا توجد لديه أي نقطة ضعف، رغم أنه كان صغيرا جدا في السن. ومع ذلك، لم يكن بيليه هو أفضل لاعب في تلك البطولة، فقد كان هناك لاعبون رائعون آخرون مثل ديدي وغارينشا، لكن كان من السهل أن ترى أنه يمتلك موهبة نادرة».
ويضيف: «عندما التقينا عدة مرات أخرى في وقت لاحق في مسيرته الكروية، كان قد أصبح أفضل لاعب في العالم. أتذكر بشكل خاص مباراة ودية في ستوكهولم ضد البرازيل قبل كأس العالم في إنجلترا عام 1966، حيث فعل شيئا في تلك المباراة لم أره من قبل، إذ سدد الكرة من ركلة البداية نحو المرمى بعدما لمح حارس المرمى متقدما عن مرماه. عاد حارس المرمى بسرعة كبيرة ونجح في إخراج الكرة بأطراف أصابعه فوق العارضة، لكن الجمهور صفق بحرارة واستمتع بتلك المحاولة الجريئة».
وتابع: «لقد كان متواضعا بشكل لا يُصدق. كان الفوز علينا يعني حصول البرازيل على لقب كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها. وأظهر لاعبو البرازيل تقديرهم للجمهور السويدي في المدرجات، واحترامهم لنا كمنافسين من خلال الإمساك بعلم سويدي ضخم والركض به حول الملعب. وعلاوة على ذلك، فقد علمت أيضا أنه عندما غاب عن المباريات الأولى بسبب الإصابة، جلس في المدرجات في بلدة سويدية صغيرة وسط عامة الناس. لا يمكنك أن ترى نجوم اليوم يفعلون ذلك في أغلب الأحيان».
غييرمو سيبولفيدا (عام 1962)
تعرض بيليه للإصابة في المباراة الثانية بدور المجموعات أمام تشيكوسلوفاكيا ليغيب عن باقي مباريات كأس العالم، ليترك الجميع يتساءل ما كان يمكن أن يحدث لو لم يتعرض للإصابة وواصل اللعب حتى النهاية. واصلت البرازيل مشوارها في البطولة وفازت باللقب، لكن غييرمو سيبولفيدا، مدافع المكسيك الذي شارك في المباراة الافتتاحية بدور المجموعات ضد البرازيل، ما زال يتذكر مواجهة «الشيطان» في تلك المباراة، ويقول:
«بيليه لم يكن مثل أي لاعب آخر. لقد كان شيطاناً! إنه الأفضل على الإطلاق بالنسبة لي. كان يمتلك شخصية قوية، ويجيد اللعب بالرأس، ولديه لمسة ساحرة للكرة، وقبل كل شيء كان زميلا جيدا ويلعب دائما من أجل مصلحة الفريق. لقد كان لاعبا فذا، لكنه كان متواضعا للغاية أيضا، وهو الأمر الذي يصعب أن تجده في أي لاعب. لم يشتك أبدا من زملائه في الفريق، وكان يشجعهم دائما. لعبت عدة مرات ضده، وكان دائما رجلا نبيلا. وبصرف النظر عن كونه لاعبا رائعا، فقد كان أيضا مثقفا للغاية، ولهذا السبب فهو يستحق أن نتذكره بكل خير».
ويضيف: «عندما واجهنا البرازيل في عام 1962، كانت حاملة اللقب وخسرنا أمامها بهدفين دون رد. كنا نعلم أننا سنخوض مباراة صعبة، وهو ما حدث بالفعل. سجل ماريو زاغالو وبيليه هدفي اللقاء. لقد صمدنا حتى الدقيقة 56، لكن بعد ذلك سجل زاغالو الهدف الأول، وواجهنا صعوبة هائلة بعد ذلك لمجرد الحصول على الكرة من اللاعبين البرازيليين. وسجل بيليه - ومن غيره - الهدف الثاني الذي قتل المباراة تماما. إنني أشعر بالامتنان والشرف لأنني لعبت يوما ما ضد بيليه».
تارسيسيو بورغنيتش (عام 1970)
يعتبر تارسيسيو بورغنيتش أحد أعظم المدافعين الإيطاليين عبر كل العصور، وأحد أبرز اللاعبين في فريق إنتر ميلان الرائع بقيادة هيلينيو هيريرا. لعب بورغنيتش 66 مباراة دولية، وشارك في ثلاث نهائيات لكأس العالم، بما في ذلك المباراة النهائية التي خسرتها إيطاليا أمام البرازيل بأربعة أهداف مقابل هدف وحيد في عام 1970. وقال بورغنيتش عن الهدف الشهير الذي سجله بيليه بالرأس في مرمى فريقه: «قلت لنفسي قبل المباراة إنه مخلوق من لحم وعظم مثل الجميع، لكنني اكتشفت أنني كنت مخطئا».
ويقول: «من يستطيع أن ينسى المباراة النهائية في مونديال 1970؟ كانت تلك المباراة غريبة حقا، نظرا لأننا لم نلعب بشكل متوازن على الإطلاق، حيث كنا لا نزال نشعر بالإرهاق بعد المجهود الكبير الذي بذلناه في مباراتنا أمام ألمانيا [فازت إيطاليا في مباراة الدور نصف النهائي، التي أطلق عليها في وقت لاحق اسم مباراة القرن، بنتيجة أربعة أهداف مقابل ثلاثة بعد أن امتدت المباراة للوقت الإضافي]. لقد شعرنا بذلك في صباح اليوم الذي يسبق المباراة النهائية. أتذكر أنه عندما سألني المدير الفني [فيروشيو فالكاريغي] عما أشعر به، قلت له: إنني لا أشعر بقدمي على الإطلاق!»
ويضيف: «كانت هناك طرق مختلفة لمحاولة الحد من خطورة بيليه، وقد درسناها جميعا. كان يتعين علينا أن نهتم بكل التفاصيل وبكل خطوة، لكن كان هناك بعض الالتباس والارتباك فيما يتعلق بطريقة مراقبته داخل الملعب. كانت الصعوبة تتمثل في أنه عندما يعود بيليه إلى خط الوسط فإن ماريو برتيني هو الذي من كان من المفترض أن يراقبه، لكن عندما كان يتقدم للأمام كان يتعين علي أنا أن أراقبه. لكن بيليه كان ذكيا للغاية، ففي اللحظة التي أتحرك فيها لمراقبته كان يعود إلى خط الوسط لتسلم الكرة، وهو الأمر الذي تسبب في القضاء على خطتنا تماما».
ويتابع: «لعبت ضد بيليه عدة مرات في نيويورك، ويمكنني أن أقول إنه كان قادرا على أن يفعل بقدميه ما يمكنني أن أفعله بيدي! لقد كان لاعبا متكاملا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد كان سريعا للغاية ويجيد اللعب بالرأس والتحكم الهائل في الكرة، سواء بقدمه اليمنى أو اليسرى، وكان دائما ما يجد طريقة ما للقضاء على المنافسين». ويختتم حديثه قائلا: «بالنسبة لي، بيليه هو أعظم لاعب في التاريخ. ولم يكن رياضيا أو لاعبا استثنائيا فحسب، لكنه كان رجلا عظيما أيضا. لقد كان مثلا يحتذى به دائما. لم يكن لدى بيليه شيء أكثر من غيره، لكنه كان يمتلك كل شيء، حيث كان لديه القدرة على أن يكون بطلا، وكان يمتلك جسدا مثاليا، ويعمل باحترافية شديدة».