المشهد البيئي لعام 2022: خيبات وآمال

جيل اليوم يسرق من قوت أجيال الغد... العالم يستهلك حالياً ما يوازي ضعف طاقة الأنظمة الطبيعية على التجدّد

مشهد الجفاف الذي لحق بمنطقة الأهوار في محافظة ذي قار بالعراق في 28 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
مشهد الجفاف الذي لحق بمنطقة الأهوار في محافظة ذي قار بالعراق في 28 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
TT

المشهد البيئي لعام 2022: خيبات وآمال

مشهد الجفاف الذي لحق بمنطقة الأهوار في محافظة ذي قار بالعراق في 28 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
مشهد الجفاف الذي لحق بمنطقة الأهوار في محافظة ذي قار بالعراق في 28 يونيو الماضي (أ.ف.ب)


خِتام المشهد البيئي لعام 2022 كان لرؤساء الوفود والمنظمات الدولية، وهم يصفقون، في مؤتمر التنوُّع البيولوجي الذي عُقِد في مونتريال، مهنئين أنفسهم بما سمّوه «صفقة تاريخية». لكن رؤساء الدول غابوا عن المؤتمر، وبقي الخلاف على توزيع الأعباء والتمويل كما كان عند إطلاق اتفاقية التنوُّع البيولوجي قبل 30 عاماً في مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي، وكما حصل في قمة المناخ قبل أسابيع. ويُخفي الخلاف على التمويل وفق خطة تنفيذية واضحة رغبة بعض الدول في التأجيل وتغليب احتساب حجم المساحات المحمية على نوعيتها؛ لضمان استمرار تحكّمها بالموارد الطبيعية في البلدان الفقيرة، أكان للصناعة أم لإنتاج الغذاء والأدوية. فهناك مئات الآلاف من براءات الاختراع والوكالات الحصرية التي تحرم الدول الفقيرة من استخدام مواردها الطبيعية لتضعها في أيدي الشركات الكبرى والمتعددة الجنسية.
مقرّرات مؤتمر مونتريال لم ترتقِ إلى الاستجابة الجدّية لتحذير العلماء من أنه لا يمكن التصدي للتغيُّر المناخي من دون حماية الأنظمة الطبيعية وإصلاح ما تمّ تدميره. فبعد أربع سنوات من التحضير وأسبوعين من المفاوضات، توصّل المجتمعون إلى أهداف غير ملزِمة لحماية 30 في المائة من الموائل الطبيعية وإعادة تأهيل 30 في المائة من الأنظمة الطبيعية المدمّرة على الأرض وفي البحر، إلى جانب «إعادة النظر» في معايير الدعم والإعانات التي تتسبب بأضرار بيئية، والبالغة 500 مليار دولار سنوياً. وهذه النتيجة كانت أقرب إلى التوصيات العامة منها إلى المقررات.

صورة التقطت من الجو لبرج للطاقة الشمسية في محطة بجنوب اسبانيا 23 ديسمبر الحالي (ا.ف.ب)

الصين، التي ترأست المؤتمر، تجاوزت مطالبة الدول الأفريقية بآلية تمويل واضحة لتنفيذ التوصيات، وضغطت لتمرير مقررات فضفاضة، في تعبير صريح عن الدور الجديد الذي تطمح إلى لعبه كشريك للاستعمار التقليدي، أو وريث له. فالصين تُغرِق اليوم الدول النامية بالديون تحت غطاء مشاريع التنمية، على خطى دول الغرب الصناعية. ولا بدّ من أنها تضع نصب عينيها أيضاً الموارد الطبيعية التي يمكن أن تتقاسمها في إطار أي اتفاقية للتنوُّع البيولوجي.
لكن العام انتهى أيضاً ببعض الإشارات الواعدة. فقد وصلت تجارب الاندماج النووي لتوليد الطاقة النظيفة والمتجددة باستخدام تقنية اللايزر إلى نقطة حاسمة، حيث تمكّن العلماء في الولايات المتحدة لأول مرة من توليد طاقة صافية تفوق تلك المستخدمة لإنتاجها. وتتابع مراكز أبحاث الاندماج النووي في مناطق أخرى من العالم - وأبرزها في إطار برنامج تعاون دولي في مختبر يقع جنوب فرنسا - التجارب لتحسين الفاعلية، باستخدام تقنية الحبس المغناطيسي، في محاكاة لإنتاج الطاقة داخل الشمس. وبخلاف مفاعلات الانشطار النووي، ليس لتقنية الاندماج مخاطر من التسرُّب والنفايات المشعّة.

جذوع متفحمة في غابات الأمازون، تم حرقها من قبل قاطعي الأشجار والمزارعين في بعض مناطق البرازيل (رويترز)

ومع أن تقنية الاندماج النووي، خاصة باللايزر، ما زالت بعيدة عن الاستخدام التجاري على نطاق واسع، فهي تبشّر بنتائج واعدة قبل سنة 2050، رغم تشكيك غلاة أنصار المفاعلات النووية والوقود التقليدي بها. فهي بلا شك أكثر أماناً من المفاعلات النووية، والعمل على تطويرها للاستخدام العملي جارٍ بسرعة لا تقل عن تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه. وليس مهمّاً من يصل إلى الأسواق قبل الآخر، خلال عشر سنوات أو عشرين، أكانت تكنولوجيا الكربون الدائري أو الاندماج النووي؛ إذ لكل منهما دوره. كما لا يهم أي تقنية اندماج نووي تحقق نتائج عملية قبل الأخرى، أكانت باللايزر أو المغناطيس. فالقطار وُضِع على السكة ولن يمكن وقفه.
كذلك، قبل نهاية العام، أعلنت شركة «إيرباص» أنها بلغت المراحل النهائية لتطوير محرّك من خلايا الوقود يعمل بالهيدروجين، تعتزم الشركة بدء التجارب العملية لتشغيله سنة 2026 على أكبر طائرة لديها. والأكيد أن خلايا الهيدروجين ستشغّل السفن وشاحنات النقل أيضاً خلال سنوات قليلة، وتشارِك الكهرباء في محركات السيارات، مع إمكانية أن تحلّ محلّها كلياً في مرحلة لاحقة. فبخلاف الوقت الذي يتطلبه شحن الكهرباء، يمكن تعبئة الهيدروجين سريعاً في محطات شبيهة بمحطات الوقود الحالية. وتمتلك الدول العربية إمكانات كبيرة لإنتاج الهيدروجين بجميع أنواعه، للاستخدام المحلي كما للتصدير.
أما إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة فاستمر في تحقيق خروقات عام 2022، بكفاءة أعلى وأسعار أدنى، مع توقُّع استمرار هذا الاتجاه في السنة الجديدة. وترافق هذا مع زيادة كبيرة في تطوير تكنولوجيات التقاط الكربون وإعادة استخدامه وتخزينه بأمان؛ مما سيتيح، عند التوصُّل إلى تطبيقات ملائمة عملياً واقتصادياً، استمرار استخدام الوقود الأحفوري كعنصر في مزيج الطاقة لأطول فترة ممكنة. لكن لا بدّ للدول المنتجة للنفط من أن تستمر في تفعيل خطط تنويع الاقتصاد، بما فيها تنويع مصادر الطاقة، لتجنُّب خضّات مفاجئة إذا واجه أي من برامج التحوُّل الطاقوي عثرات تعوق تحقيق أهدافه وفق البرنامج الزمني المحدّد، أو إذا حدث اختراق تكنولوجي يقلب المعادلة. إذن، من الضروري الاستعداد دائماً لـ«الخطة ب».
وإذا كان إنتاج الطاقة شهِد تحوُّلات ضخمة نحو الاستدامة، فقد غابت الاختراقات الكبرى عن مجالي الغذاء والماء، وهما الركيزتان المكمّلتان للطاقة. فزيادة كميات الإنتاج الغذائي بأي وسيلة لا تزال المحرّك الأول للقطاع، بما تحمله من هدر للمياه وتلويث بالمبيدات والأسمدة وتخريب للأراضي الصالحة للزراعة، إلى جانب الاستغلال المفرط لما تبقّى من الثروة السمكية. وتكاد إدارة المياه تقتصر على البحث عن مصادر جديدة، قد لا تكون مستدامة، واستنزاف المياه الجوفية. ويتراجع على نحو مريب العمل الجدي لتعزيز الكفاءة ووضع حدّ للهدر، في المياه كما في الغذاء.
الاكتشافات التكنولوجية مهمّة جداً لحماية البيئة وإدارة الموارد على نحو يسدّ حاجات البشر ويؤمّن التوازن بين الكائنات والمحيط الطبيعي. لكن هذا كله لن يفيد ما لم يحصل تبدّل جذري في أنماط الاستهلاك؛ لأن العالم اليوم يستهلك ما يوازي ضعف طاقة الأنظمة الطبيعية على التجدّد؛ مما يعني أن جيل اليوم يسرق من قوت أجيال الغد. لكن المبادرات الفردية والحملات الاستعراضية السنوية لترشيد الاستهلاك لا تكفي؛ إذ إن المطلوب قوانين صارمة تضع حدّا للهدر على جميع المستويات، سواءٌ في استهلاك الطاقة أو الري أو الغذاء. وإذا لم نفعل هذا سريعاً، فما نربحه في التكنولوجيا سنخسره في أنماط الاستهلاك، مع عالم سيصل قريباً إلى عشرة مليارات نسمة. فلتكن 2023 سنة ترشيد الاستهلاك للحفاظ على هذا الكوكب المهدّد.
- الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»


مقالات ذات صلة

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

يوميات الشرق أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست» ببريطانيا، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزيرة البيئة الأوكرانية تلقي كلمة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 29) في أذربيجان 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

أوكرانيا تُقدّر الضرر البيئي نتيجة الحرب بـ71 مليار دولار

قالت وزيرة البيئة الأوكرانية إن الضرر البيئي بسبب العمليات العسكرية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير 2022 يقدّر بـ71 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
خاص قام أفراد المجتمع بزراعة أكثر من مليون شجيرة في متنزه ثادق السعودي لإصلاح الأراضي المتدهورة ومعالجة التصحر (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)

خاص ثياو قبل «كوب 16»: العالم يحتاج 355 مليار دولار سنوياً لمكافحة التصحر

مع اقتراب انعقاد «كوب 16» يترقّب العالم خطوات حاسمة في معالجة أكبر التحديات البيئية التي تواجه كوكب الأرض.

آيات نور (الرياض)
بيئة ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات نبعث منها كميات من غاز الميثان أكبر من أي وقت مضى.

«الشرق الأوسط» (باكو)

أذربيجان تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب 29»

أشخاص يمرون أمام مقرعقد مؤتمر «كوب 29» في باكو (أ.ب)
أشخاص يمرون أمام مقرعقد مؤتمر «كوب 29» في باكو (أ.ب)
TT

أذربيجان تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب 29»

أشخاص يمرون أمام مقرعقد مؤتمر «كوب 29» في باكو (أ.ب)
أشخاص يمرون أمام مقرعقد مؤتمر «كوب 29» في باكو (أ.ب)

تستضيف أذربيجان «مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ» (كوب 29)، الذي ينطلق الاثنين ويستمر حتى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.

ويتوافد دبلوماسيون من أنحاء العالم على العاصمة باكو لحضور القمة المناخية التي تعقد سنويا، لمناقشة سبل تجنب التهديدات المتزايدة التي يفرضها التغير المناخي.

كانت باكو المكان الذي شهد تطوير أول حقول النفط في عام 1846 عندما قادت أذربيجان العالم في مجال إنتاج النفط عام 1899.

وقالت كيت ووترز، المديرة التنفيذية لمنظمة «كرود أكونتبليتي»، التي تراقب القضايا البيئية إن منطقة بحر قزوين مهددة بيئياً، وأضافت أن المراقبة البيئية في أذربيجان ضعيفة.

وقبل الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022، كانت موسكو تورد نحو 40 في المائة من حاجات أوروبا من الغاز الطبيعي عبر أربعة خطوط أنابيب، وقد جرى تعطيل معظم هذه الإمدادات.

وصبت هذه التطورات في مصلحة أذربيجان ومنحتها فرصة دسمة. وقد أبرم الاتحاد الأوروبي صفقة معها في وقت لاحق من ذلك العام لمضاعفة وارداته من الغاز الأذري لتصل إلى عشرين مليار متر مكعب سنويا بحلول 2027. لكن هناك تساؤلات بشأن قدرة أذربيجان على الوفاء بذلك الطلب والخلافات بشأن مدة الصفقة.

وقال مسؤولون في أذربيجان أنه ليس من الإنصاف انتقاد باكو لإنتاجها مزيداً من الوقود الأحفوري في ظل وجود طلب عليه من أوروبا، فيما تسعى الحكومات الوطنية لإبقاء أسعار الوقود في متناول المواطنين.

وكانت الأمم المتحدة قد دعت قبل أيام إلى تكثيف عاجل لجهود التكيف المناخي في قمة باكو، بدءًا بالالتزام بتعزيز تمويل عمليات التكيف.

ويُفترض أن يختتم المؤتمر مع هدف جديد للمساعدات المالية للدول النامية، حتى تتمكن من الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحترار المناخي العالمي والتكيف مع تغير المناخ.وسيحل الهدف الجديد مكان الهدف المتمثل بمائة مليار دولار الذي حُدد عام 2009 وتحقق بصعوبة عام 2022.