البيئة خلال عام... المكاسب والأضرار

حرب ترسم مستقبل الطاقة وتسويات حول المناخ والطبيعة

البيئة خلال عام... المكاسب والأضرار
TT

البيئة خلال عام... المكاسب والأضرار

البيئة خلال عام... المكاسب والأضرار

استقبل العالم سنة 2022 بكثير من الأمل بعد تراجع وطأة جائحة «كورونا» وتخفيف إجراءات الإغلاق، ولكن الحرب التي اندلعت في منطقة البحر الأسود عمّقت الأزمة الاقتصادية من جديد، وأثّرت على خطط تمويل التعافي الأخضر وبرامج حماية البيئة. وخلال 12 شهراً ساخنة، بالمعنى الحرفي والمجازي، جرى تحقيق بعض الاختراقات، وإن كانت خطوات التراجع البيئي أوسع.
- الغزو الروسي لأوكرانيا وآفاق الطاقة
في 25 فبراير (شباط)، تقدمت القوات الروسية باتجاه العاصمة الأوكرانية كييف. كان للغزو تداعيات عالمية هائلة، لا سيما على الطاقة، حيث أبرزت الحرب صراحة خطورة الاعتماد على إمدادات الطاقة من مصدر خارجي واحد. كما فضحت التأخر في تحقيق أهداف التحوُّل الطاقوي المعلنة.
وبعيداً عن المآسي التي حملتها الحرب، حمل الاختراق العلمي الذي تحقق في الولايات المتحدة خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) أملاً كبيراً في نجاح البشرية بالحصول على طاقة نظيفة متجددة وخالية من المخاطر نسبياً. وتمثّل هذا الاختراق في نجاح العلماء بالحصول على مردود طاقة إيجابي من تفاعل اندماج نووي صنعي عن طريق الليزر. ويُعدّ الاندماج النووي هو المصدر الأهم للطاقة في الكَون، بما فيها تلك الطاقة التي تستمدها الأرض من الشمس، ولكن تحول مصاعب تقنية دون استغلاله تجارياً حتى الآن.
- الخسائر والأضرار على طاولة المفاوضات المناخية
تحقق هذه السنة تقدماً معتبراً في قضية الخسائر والأضرار الناتجة من تغيُّر المناخ. ولسنوات طويلة، كانت البلدان النامية تضغط من أجل إقرار مطالباتها بالتعويض عن الأضرار من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسببت بها الدول المتقدمة بعد الثورة الصناعية وأثّرت على مناخ الكوكب.
ولم تكن هذه القضية مدرجة على جدول أعمال قمة غلاسكو المناخية في 2021، أو في محادثات المناخ خلال شهر يونيو (حزيران) في بون الألمانية، ولكن الرئاسة المصرية دعمت إدراجها في قمة شرم الشيخ المناخية (كوب 27)، حيث أصبحت القضية الرئيسية لناشطي المناخ والصحافة العالمية.
وتحقق الاختراق في قضية الخسائر والأضرار عندما أعلن الاتحاد الأوروبي موافقته على دعم صندوق لها بشروط معيّنة. وأيّدت الولايات المتحدة هذا التوجه، على أن تتم مناقشة التفاصيل في مؤتمر الإمارات للمناخ (كوب 28) في 2023. وبادرت مجموعة من الدول لرسم طريق مقترحة في مسألة التعويضات، فعززت ألمانيا «درعها العالمي» الذي يركّز على التأمين، وأصبحت الدنمارك أول دولة في الأمم المتحدة تَعِد بتمويل صريح لتعويض عن الخسائر والأضرار.
- موجات حرّ في أوروبا وفيضانات في آسيا
تستمر وتيرة الكوارث المناخية حول العالم بالارتفاع سنة بعد سنة. وقد تسببت العواصف التي ضربت جنوب أفريقيا وفلوريدا وكوبا في 2022 بأضرار واسعة، وأدى الجفاف إلى انحسار تدفُّق دجلة والفرات وأنهار عديدة في أكثر من مكان. وخلال الصيف عصفت موجات الحرّ بأوروبا والصين والعراق وقطر، وفي الفترة ذاتها أغرقت الفيضانات بنغلادش وأجزاء من الهند وإيران ودولاً في مجلس التعاون الخليجي.
وكانت الرياح الموسمية التي أدّت إلى هطولات مطرية قياسية نتج منها فيضانات واسعة في باكستان خلال شهر أغسطس (آب) هي الأكثر تدميراً. وبعد مرور أربعة أشهر، لم تنحسر المياه بشكل كامل، ولم تتم إعادة بناء المنازل المتداعية، وقد حلّ الشتاء في حين لا يزال العديد من الباكستانيين يسكنون الخِيَم على جوانب الطرقات.
وخلال استضافة الصين لدورة الألعاب الشتوية واحتضان قطر بطولة كأس العالم بكرة القدم، تعزز القلق على مستقبل الفعاليات الرياضية الكبرى من أحداث المناخ المتطرفة. وتُمثّل الأحداث الرياضية العالمية فرصة لوضع الخلافات جانباً، وجمع العالم تحت مظلة واحدة. ومن المتوقع أن تتجه مسابقات الألعاب الشتوية إلى أماكن أبعد نحو الشمال ومناطق أكثر ارتفاعاً، سعياً وراء الثلج الطبيعي؛ مما سيجعلها أكثر كلفة وحصرية. في حين ستدفع ظروف المناخ الحارّة إلى تغيير مواعيد وأماكن الألعاب الأولمبية الصيفية وبطولات كرة القدم.
- تضييق الخناق على الغسل الأخضر
يشمل «الغسل الأخضر» جميع الأنشطة التي تقوم بها مؤسسة ما لتضليل المستهلكين بشأن ممارساتها البيئية أو الفوائد البيئية المفترضة لمنتجاتها أو خدماتها. وفي حين كانت الشركات حول العالم تعلن عن أهدافها بتحقيق صافي انبعاثات صفرية من دون رقابة مؤثرة، في أغلب الأحيان، أعلنت الأمم المتحدة في مارس (آذار) عن تشكيل فريق عمل يضع معايير التعهدات الصفرية للشركات.
وقد طالبت المعايير المقترحة من الشركات أن تحدد أهدافاً مؤقتة، وأن تتوافق تحالفاتها والحملات التي تدعمها مع طموحاتها الخضراء، وأن تحسب الانبعاثات الناتجة من استخدام منتجاتها، وألا تستخدم تعويضات الانبعاثات (تجارة الكربون) إلا كملاذ أخير. وقد جرى الترحيب بهذه المعايير من قِبَل جميع الحكومات في «كوب 27».
وعلى مستوى الحكومات، أدى إدراج المفوضية الأوروبية مشاريع الغاز الطبيعي والطاقة النووية ضمن تصنيف الأنشطة الاقتصادية المستدامة التي تحظى بالدعم إلى معارضة واسعة من ناشطين بيئيين ومؤسسات مالية ضمن الاتحاد الأوروبي. واعتبر المعارضون، أن هذا التصنيف بمثابة «غسل أخضر»، وإن كان في ظل شروط صارمة ومحددة. واشتملت قائمة المعارضين سياسيين بارزين، بينهم وزير الاقتصاد والعمل المناخي في ألمانيا ووزيرة العمل المناخي في النمسا ووزير الطاقة في لوكسمبورغ.
- تسوية جديدة لحفظ التنوُّع البيولوجي
لم يكن هناك الكثير من الأمل في الوصول إلى تفاهمات نهائية حول اتفاقية جديدة لحفظ التنوُّع البيولوجي تَرِث «أهداف أيشي» لعام 2020؛ وذلك بسبب قيام الصين، وهي الدولة المضيفة، بإغلاق البلاد ضمن إجراءات الوقاية من تفشي جائحة «كورونا». وفي النهاية، تدخلت كندا لمشاركة الصين في استضافة قمة التنوُّع البيولوجي (كوب 15) في مونتريال خلال شهر ديسمبر (كانون الأول). ورغم الانقسامات حول التمويل، جرى التوصل إلى تسوية تضمنت أهدافاً غير ملزِمة تسعى الحكومات إلى تحقيقها بحلول 2030، ومن بينها رصد 200 مليار دولار سنوياً لحماية الطبيعة، وإنشاء صندوق لتمويل إجراءات الحفظ تحت مظلة مرفق البيئة العالمي (GEF)، واستبعاد 500 مليار دولار من الإعانات الحكومية التي تضر بالطبيعة، وجعل 30 في المائة من اليابسة والبحر مناطق محمية مع تأهيل واسترجاع 30 في المائة من المناطق المتدهورة. لكن التسوية أبقت على ثغرات في مجال تحديد نوعية المناطق المطلوب وضعها تحت الحماية. أما الحدث الأهم هذه السنة، في نظر المدافعين عن الطبيعة، فهو فوز لولا دا سيلفا بمقعد الرئاسة في البرازيل على حساب الرئيس جايير بولسونارو.
ويلوم الخبراء بولسونارو على الدمار الذي لحق بغابات الأمازون طيلة فترة حكمه نتيجة تقويضه التشريعات البيئية، وتعيينه مسؤولين عسكريين يسعون لتنفيذ مشاريع في الأمازون ضمن إدارات المؤسسات البيئية، وتشجيعه علانية استعمار الغابات المطيرة. وكانت المنطقة شهدت زيادة سنوية في إزالة الغابات بنحو 75 في المائة منذ وصول بولسونارو إلى كرسي الرئاسة مطلع 2019.


مقالات ذات صلة

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

يوميات الشرق أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست» ببريطانيا، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزيرة البيئة الأوكرانية تلقي كلمة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 29) في أذربيجان 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

أوكرانيا تُقدّر الضرر البيئي نتيجة الحرب بـ71 مليار دولار

قالت وزيرة البيئة الأوكرانية إن الضرر البيئي بسبب العمليات العسكرية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير 2022 يقدّر بـ71 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
خاص قام أفراد المجتمع بزراعة أكثر من مليون شجيرة في متنزه ثادق السعودي لإصلاح الأراضي المتدهورة ومعالجة التصحر (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)

خاص ثياو قبل «كوب 16»: العالم يحتاج 355 مليار دولار سنوياً لمكافحة التصحر

مع اقتراب انعقاد «كوب 16» يترقّب العالم خطوات حاسمة في معالجة أكبر التحديات البيئية التي تواجه كوكب الأرض.

آيات نور (الرياض)
بيئة ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات نبعث منها كميات من غاز الميثان أكبر من أي وقت مضى.

«الشرق الأوسط» (باكو)

نيودلهي تعتزم استخدام مسيّرات لمكافحة الضباب الدخاني

تتصدر نيودلهي والمنطقة الحضرية المحيطة بها باستمرار التصنيف العالمي لتلوث الهواء في الشتاء (إ.ب.أ)
تتصدر نيودلهي والمنطقة الحضرية المحيطة بها باستمرار التصنيف العالمي لتلوث الهواء في الشتاء (إ.ب.أ)
TT

نيودلهي تعتزم استخدام مسيّرات لمكافحة الضباب الدخاني

تتصدر نيودلهي والمنطقة الحضرية المحيطة بها باستمرار التصنيف العالمي لتلوث الهواء في الشتاء (إ.ب.أ)
تتصدر نيودلهي والمنطقة الحضرية المحيطة بها باستمرار التصنيف العالمي لتلوث الهواء في الشتاء (إ.ب.أ)

كشفت العاصمة الهندية، الجمعة، عن خطط لإطلاق مسيّرات خاصة لإزالة الضباب الدخاني الذي يلوث أجواءها، ما أثار سخرية خبراء عدّوها حلاً مؤقتاً جديداً لأزمة صحة عامة.

وتتصدر نيودلهي والمنطقة الحضرية المحيطة بها، والتي يقطنها أكثر من 30 مليون شخص، باستمرار التصنيف العالمي لتلوث الهواء في الشتاء.

ويُنسب إلى الضباب الدخاني المسؤولية عن آلاف الوفيات المبكرة كل عام، مع فشل كثير من المبادرات الحكومية الجزئية في معالجة المشكلة بشكل ملموس.

وشهد يوم الجمعة، بداية تجربة مسيّرات مكلفة التحليق حول نقاط التلوث الساخنة في المدينة لرش ضباب الماء، في محاولة لإزالة الغبار والجسيمات الضارة من الهواء.

وقال وزير البيئة في دلهي غوبال راي، بعد إطلاق المبادرة: «درسنا الحلول التكنولوجية المختلفة وأفضل الممارسات من جميع أنحاء العالم»، مضيفاً: «هذه المسيّرات جزء من مشروع تجريبي لإحدى الشركات. سندرس ذلك، وإذا نجحت (التجربة)، فسنمضي قدماً في هذا الأمر».

وقال راي إنه بمجرد انتهاء التجربة، ستصدر حكومة دلهي مناقصة لشراء مسيّرتين إضافيتين.

وفي حال إنجاز المشروع، من شأن المسيّرات الثلاث التخفيف من تلوث الهواء في جميع أنحاء المدينة التي تمتد عبر 1500 كيلومتر مربع، ما يوازي تقريباً حجم لندن الكبرى.

وقال فني في الموقع، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، شرط عدم الكشف عن هويته، إن المسيّرات تحمل 16 لتراً من الماء كحد أقصى، ولا يمكنها العمل إلا لبضع دقائق في كل مرة قبل الحاجة إلى إعادة تعبئتها.

لكن سونيل داهيا من مجموعة «إنفايروكاتاليستس» (Envirocatalysts) البيئية قال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «هذه الحلول مؤقتة».

وفشلت الجهود الحكومية السابقة للتخفيف من الضباب الدخاني، مثل حملة عامة تشجع السائقين على إيقاف تشغيل محركاتهم عند إشارات المرور، في إحداث تأثير في المدينة.

وسجلت مستويات الجسيمات «بي إم 2.5»، وهي أصغر حجماً وأكثر ضرراً، ويمكن أن تدخل مجرى الدم، أكثر من 300 ميكروغرام لكل متر مكعب في دلهي هذا الأسبوع، وفق هيئة المراقبة «أي كيو إير» (IQAir).

وهذا المستوى أعلى بـ20 مرة من الحد الأقصى اليومي الموصى به من منظمة الصحة العالمية.