وراء كل فندق عربي تاريخي قصة

الفخامة والضيافة بعبق التاريخ وشخصياته

TT

وراء كل فندق عربي تاريخي قصة

هنالك كثير من الفنادق في العالم تشتهر بتاريخها الحافل على قدم المساواة بما تقدمه من خدمات ومستويات عليا في الفخامة. والمجموعة العربية التالية هي لفنادق عربية كلاسيكية تجمع فيما بينها أجمل نفحات التاريخ للشخصيات التي نزلت فيها وربما أيضا الأحداث التي صاحبت الفنادق وربما المدن التي تقع فيها هذه الفنادق ومسارات السياسة التي تغيرت بعد اجتماعات في أروقتها.
هذه الفنادق تتبع تقاليد ضيافة أصيلة وتعد مدارس في حد ذاتها في تقديم خدماتها لكبار الضيوف. ومن ينزل في هذه الفنادق في العصر الحديث يمكنه أن يلامس التاريخ وأحداثه في أركانها المختلفة. ويتذكر قدامى العاملين في هذه الفنادق شخصيات كثيرة وأحداثا عدة وقعت فيها على مر السنين ولكنهم يلتزمون بتعهد عدم البوح بأسرار ضيوفهم.
النخبة التالية ليست حصرية، وإنما هي لبعض النماذج من تاريخ فندقي عريق قد تكون أفضل أيامه في الماضي نظرا لأزمة السياحة التي تعم المنطقة كلها حاليا بسبب شبح الإرهاب المظلم الذي يطل عليها.
وهذه هي ملامح عن أبرز هذه الفنادق:
> فندق سان جورج، بيروت: وهو من أقدم فنادق بيروت، ويعد من أفخم فنادقها منذ الثلاثينات وشهد أيضا من المآسي ما يؤرخ لأحداث بيروت. وعلى مر السنين كان الفندق هو ملتقى الساسة وكبار الزوار اللبنانيين وأثرياء العالم من السياح. وظل الفندق شاهدا على تاريخ بيروت حتى تحول إلى متراس للمحاربين أثناء الحرب الأهلية. وبعد نهاية الحرب تم ترميم الفندق وإعادته إلى سابق فخامته، فقط ليقع تحت سيطرة الجيش السوري حتى منتصف التسعينات. وعندما وقع التفجير الهائل الذي أودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري أدى الانفجار إلى تدمير أجزاء من الفندق ومقتل عدد من النزلاء والعاملين فيه. وتم إغلاق الفندق لمدة عامين بعد ذلك ضمن إجراءات التحقيق في مقتل الحريري. وبعد الافتتاح عرضت شركة «سوليدير» شراء الفندق إلا أن أصحابه رفضوا، وما زال الفندق والشاطئ الخاص به المطل على البحر محل نزاع قضائي على الملكية. وبغض النظر عن متاعب الفندق في الوقت الحاضر، إلا أنه يظل الفندق صاحب الموقع المتميز على شاطئ بيروت الذي استقبل عددا من كبار الضيوف من أمثال شاه إيران وأم كلثوم وإليزابيث تايلور وريتشارد بيرتون. وكان الفندق هو الموقع المفضل للجاسوس البريطاني المزدوج كيم فيلبي.
> فندق بلودان الكبير: وهو فندق سوري يقع بين سهل الزبداني وجبال بلودان ويعتبر واحة طبيعية ذات جمال ساحر. تأسس الفندق عام 1930 وشهد أول قمة عربية في عام 1943. وهو يضم 71 غرفة وجناحا وتم تحديثه في عام 2004 مع المحافظة على تصميمه التاريخي. وهناك جناح رئاسي واحد في الفندق بينما تسمى بعض الأجنحة بأسماء كبار الزوار مثل جناح عبد الوهاب، الموسيقار الذي كان يفضل الفندق لعطلاته الدورية. ويبعد موقع الفندق نحو 55 كيلومترا عن العاصمة دمشق و77 كيلومترا عن بيروت. وهو يقع على ارتفاع 1550 مترا فوق سطح البحر. وفيما يمر الفندق حاليا بظروف خطيرة نتيجة للحرب الأهلية في سوريا إلا أنه ظل يستقبل ضيوفه في سنوات الرخاء خصوصا من المنطقة العربية، حيث مناخ المنطقة الصيفي يميل إلى البرودة. وهو من الفنادق القليلة في سوريا التي يمكنها استيعاب مؤتمرات لعدد يزيد عن 300 شخص. وملحق به أيضا استاد النجوم الذي يستوعب نحو أربعة آلاف شخص.
> فندق صوفر الكبير: وهو يقع في مدينة صوفر اللبنانية في قضاء عالية على ارتفاع 1250 مترا فوق سطح البحر على مسافة 27 كيلومترا من بيروت، ويقع الفندق على طريق بيروت - دمشق الدولي. ويقال إن المنطقة سميت هذا الاسم نظرًا لصفير الهواء فيها صيفا وشتاء. ويعد الفندق من أقدم فنادق لبنان وبدأ البناء فيه في عام 1885. تم تصميمه على الطراز الإيطالي وضم بين أروقته أول كازينو عربي في الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى اجتماع اللجنة المؤسسة لجامعة الدول العربية فيه في عام 1944، اشتهر الفندق باستقبال كثير من الزعماء اللبنانيين مثل إميل أده وبشارة الخوري وفيليب تقلا وكميل شيمعون وبهيج تقي الدين. كما نزل فيه الزعيم المصري سعد زغلول والعاهل الأردني الملك حسين والرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي وكثير من الأمراء والفنانين العرب. أطلق عليه أمين الريحاني اسم «القصر المنيع». زاره من النجوم العرب كل من ليلى مراد وفريد الأطرش وشقيقته أسمهان وأم كلثوم وعبد الوهاب. وهو الفندق الذي يحمل الرخصة السياحية رقم 1 في لبنان.
> فندق الملك داود، القدس: بني الفندق من الحجر الجيري الوردي وتم افتتاحه في عام 1931، وهو يضم حاليا 237 غرفة وأربعة مطاعم. بناه المهندس البريطاني فرانك غولدسميث لصالح مجموعة من المستثمرين والمصرفيين المصريين. وهو يعد الآن من معالم مدينة القدس. بعد افتتاح الفندق كان يتم إحضار الطعام يوميا بالقطار من القاهرة. ونزل في الفندق عدد من الشخصيات العربية المرموقة مثل الملك عبد الله الأول ملك الأردن والملكة نازلي ملكة مصر. كما نزل فيه ثلاثة من الزعماء الذين اضطروا لمغادرة بلدانهم الأصلية وهم الملك فرنسوا الأول ملك إسبانيا في عام 1931 والإمبراطور هيلا سيلاسي في عام 1936 بعد احتلال إيطاليا لبلاده والملك جورج الثاني بعد الاحتلال النازي لليونان، حيث أعلن من الفندق حكومته في المنفى. تحول الجناح الجنوبي في الفندق إلى مقر القيادة البريطانية أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتعرض الفندق لعملية تفجير إرهابية نفذتها جماعة أرغون اليهودية بقيادة مناحم بيغين. وأسفر الهجوم عن مقتل 91 شخصا وجرح 45 آخرين. وفي عام 1977 نزل الرئيس المصري أنور السادات في الفندق أثناء زيارته للقدس. وعلمت إدارة الفندق بقدومه قبل 12 ساعة فقط من وصوله، وقالت إن جميع نزلاء الفندق طلبوا مقابلة السادات. وأثناء الزيارة رفرف العلم المصري على فندق داود وكانت المرة الأولى والأخيرة التي يرفرف فيها علم عربي على مقر رسمي في القدس.
> فندق فلسطين، الإسكندرية: وهو يتبع الآن مجموعة فنادق هيلنان التي تولت إدارته منذ عام 1987 وينتمي إلى فئة الخمسة نجوم. يتمتع الفندق بموقع متميز على شاطئ المتنزه بالإسكندرية ويشتهر بأنه بني بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1964، ليكون الفندق الوحيد الذي يبنى داخل أحد القصور الملكية. وأراد ناصر أن يكون الفندق مقرًا لضيوفه من كل أنحاء العالم وشهد الفندق أول قمة عربية تستضيفها مصر في شهر سبتمبر (أيلول) عام 1964. وفي الفندق نفسه تمت استضافة زوار افتتاح مكتبة الإسكندرية الذين كان من بينهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك وقرينته وملكة إسبانيا الملكة صوفيا والملكة رانيا قرينة الملك الأردني عبد الله الثاني. وهو أيضا المقر المفضل لقضاء الصيف بين الكتاب والفنانين المصريين. واستضاف الفندق مؤخرا مسابقة «أراب أيدول».
> فندق مينا هاوس، القاهرة: وهو أحد أفخم منتجعات القاهرة ويقع على مشارف منطقة أهرامات الجيزة ويطل عليها مباشرة. وهو من فئة الخمسة نجوم وتشرف عليه مؤسسة إيجوت للسياحة والفنادق. ولعب الفندق جانبا مهما في التاريخ المصري ونزل فيه عدد من كبار زعماء العالم مثل ونستون تشرشل والرئيس الأميركي روزفلت والزعيم الصيني شيانغ كاي شيك ثم فيما بعد الرئيس ريتشارد نيكسون، بالإضافة إلى شخصيات تاريخية مثل أغاثا كريستي وفرانك سيناترا. وكان الخديوي إسماعيل باشا وراء تأسيس «مينا هاوس» في عام 1869 على مساحة 40 فدانا ليكون استراحة خاصة يقضي فيها أوقاته بعد عودته من رحلات الصيد. ويعد الموقع واحة في موقع صحراوي تحيطها أشجار الياسمين الذي تهب نسائمه خلال فصلي الربيع والصيف. وتحول القصر إلى موقع ضيافة لزوار افتتاح قناة السويس. وبيع الفندق بعد ذلك لأثرياء إنجليز قرروا تحويل القصر إلى فندق مينا هاوس في عام 1886. وتحول الفندق إلى مقر قوات أسترالية في الحرب العالمية الأولى، وشهد في عام 1943 مؤتمر القاهرة بين تشرشل وعدد من الزعماء لمناقشة أحداث الحرب العالمية الثانية. تم تأميم الفندق بعد ثورة عام 1952 ثم اشتراه مستثمرون هنود في عام 1971 وتم تجديده أكثر من مرة. واستضاف الفندق قمة بين السادات وكارتر وبيغين لمناقشة تنفيذ اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.
> فندق المأمونية، مراكش: وهو ملتقى مشاهير هوليوود منذ تأسيسه في عام 1923، وكان حينذاك من أفضل 14 فندقا على مستوى العالم. وينتمي الفندق إلى فئة الخمسة نجوم، وهو يستمد اسمه من الحدائق التي تحيطه واسمها حدائق المأمون. ويتميز الفندق بإطلالة رائعة على مدينة مراكش، وكان موقع تصوير كثير من الأفلام السينمائية المشهورة مثل فيلم المخرج العالمي هيتشكوك «الرجل الذي عرف أكثر من اللازم»، وفيلم «ألكسندر» للمخرج أوليفر ستون، وفيلم «الجنس والمدينة 2» بطولة سارة جيسيكا باركر. كما نزل بالفندق عدد من نجوم السينما والفن من أمثال ريتشارد غير وجينيفر أنستون وإنجلينا جولي وبراد بت وإلتون جون، والفنان الأوبرالي أندريه بوتشيللي. وإلى جانب الفنانين نزل في الفندق أيضا ونستون تشرشل الذي كتب إلى زوجته يقول إنه مكان رائع وواحد من أفضل الفنادق. وكان تشرشل يمارس هواية الرسم في الفندق. ويوجد في الفندق جناح يحمل اسم تشرشل. من الأسماء العالمية الأخرى التي حطت بالفندق كل من: رونالد ريغان، ونيلسون مانديلا، والملكة إليزابيث الثانية، وحسني مبارك، وأديث بياف، وشارلي شابلن، وسيلفستر ستالون، وشارل أزنافور، وجاك بول بلموندو، وكاثرين دونوف، وآلان ديلون، وكيرك دوغلاس، وعمر الشريف.
> فندق كتاراكت، أسوان: وهو فندق شيد على صخرة غرانيتية تطل على نهر النيل في مدينة أسوان وتم افتتاحه في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني في عام 1899. أقام في الفندق ونستون تشرشل وأغا خان وقيصر روسيا نيكولاس الثاني، بالإضافة إلى الملك فاروق والكاتبة أغاثا كريستي التي كتبت روايتها «جريمة على ضفاف النيل» من شرفتها في الفندق. ارتبط الفندق ببعض المشروعات الكبيرة في أسوان مثل مد خطوط السكك الحديدية وبناء سد أسوان القديم. ويحتفظ الفندق حتى الآن بالطراز المعماري الفيكتوري. وهو يقع على مقربة 58 كيلومتر من مطار أسوان، ويحتوي على كافة لمسات الفخامة العصرية مثل مركز اللياقة البدنية وحمام السباحة والساونا. وهو يتميز بمطعمه الأندلسي الطراز بقبة ترتفع 75 قدما وأعمدة مستوحاة من مسجد ابن طولون في القاهرة. أما أشهر الأماكن فيه فهو التراس الذي يطل على جبال أسوان والذي يشهد الضيوف منه يوميا غروب الشمس. وطلب الأغا خان أن يدفن في موقع قريب من الفندق، في جزيرة الفانتاين، من فرط عشقه للموقع. ويقال إن وزير الخارجية كيسنغر طلب أثناء مباحثات مع السادات في الفندق تسليم الجاسوسة «هبة سليم»، التي كانت تعمل لصالح إسرائيل، ولكن السادات احتد عليه ورفض طلبه.



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.