المقاتلون الأجانب في صف النظام السوري.. من هم؟

أكثر من أربعين ألف من منظمات متطرفة يقاتلون إلى جانب جيش الأسد

المقاتلون الأجانب في صف النظام السوري.. من هم؟
TT

المقاتلون الأجانب في صف النظام السوري.. من هم؟

المقاتلون الأجانب في صف النظام السوري.. من هم؟

كثر الكلام وكثرت التكهنات والتحليلات حول المقاتلين الشيعة الذين يقاتلون إلى جانب الجيش النظامي السوري. وبات من المعلوم أن العراقيين يشكلون عماد القوات المقاتلة الشيعية في سوريا، حيث تبقى مشاركة حزب الله اللبناني نوعية حتى الساعة. فمن هم هؤلاء؟ ما دوافعهم ومناطق وجودهم؟ وما تأثيرهم على مجريات المعارك في سوريا؟
في الوقت الراهن، يقاتل إلى جانب جيش بشار الأسد، بحسب الخبراء الغربيين، ما يزيد على أربعين ألف شيعي، استنفرهم ملالي إيران من كل مكان، شيعة باكستانيون وأفغان، حوثيون وبحرينيون، حزب الله اللبناني، كما يسمي نفسه، وأشتات شيعية من العراق، ونخبة من عساكر الحرس الثوري، التقوا جميعا على هدف معلن واحد، قتال أهل السنة في سوريا، إما بحملهم على الاستسلام، أو إجبارهم على الرحيل. في الظاهر، جاءوا لحماية «المراقد المقدسة»، واستنقاذها ممن يسمونهم «جماعات تكفيرية»، وفي الباطن يضمرون انتقاما تاريخيا، ليس له أول وليس له آخر، وأبعد من ذلك تحقيق المشروع الإيراني للهيمنة على الهلال الخصيب برمته، ومد الهيمنة الفارسية إلى عمق الوطن العربي، وإعلان قم عاصمة للمسلمين.

لم يكن وجود عناصر ومدربين من حزب الله ومن الحرس الثوري الإيراني على الأراضي السورية سرًّا على أحد، لكن هذا الوجود وبعلم الجميع أيضا لم يكن وجودا عسكريا في شكل كتائب وفصائل مسلحة رغم الضجيج الذي أثير حول هذا الموضوع، وبات المقاتلون الشيعة، وخصوصا العراقيين منهم، في طليعة القوات المقاتلة إلى جانب النظام السوري على جبهات أساسية من دمشق إلى حلب مرورا بالقلمون، ذلك انه بعد أن دخل حزب الله بقوة على خط المواجهة في القصير وريفها وفي حمص, تحولت الفرق العسكرية الشيعية من قوة دفاعية إلى قوة هجومية ضاربة تقاتل في طليعة القوات السورية النظامية. ويجب التنويه بأنه ليس لهذه المجموعات المقاتلة مشروع سياسي، بل هي ملتزمة التزاما كاملا بتوجه النظام السوري, ولا توجد نزاعات فيما بينها.
يشير الإسلامي المصري ياسر السري مدير «المرصد الإسلامي»، وهو هيئة حقوقية في لندن تهتم بأخبار الإسلاميين حول العالم، إلى تقدير خبراء أمنيين بأن عدد المقاتلين الشيعة الذين يقاتلون إلى جانب نظام بشار بسوريا يبلغ نحو 40 ألف مقاتل.
وقال السري لـ«الشرق الأوسط»: «الشيعة يجيشون وينفقون بسعة من أجل إبقاء نظام بشار؛ لأنهم يعلمون أنه بذهاب بشار سينتهي حلم إقامة كيانهم المزعوم واسترجاع أمجاد دولة آل ساسان، لذا بشار حليف مثالي، وولاؤه للشيعة الإيرانيين، فضلا عن كرهه الشديد لأهل السنة، والعمل الدؤوب على وقف المد السني في سوريا».
ويضيف: «هذه الأمور وغيرها جعلت من بقاء الأسد أمرا حتميا، وإلا ضاع حلم الشيعة من جانب، واضطربت حسابات الغرب من جانب آخر، سيما فيما يخص أمن إسرائيل ومصالح الغرب». ويوضح السري: «في حقيقة الأمر حتى الآن سقط العراق وسوريا ولبنان في يد إيران، واليمن - لا قدر الله - إذا لم يتدارك اليمنيون أمرهم في طريقه للحاق بها». ويقول السري: «إيران تستخدم ذراعها (حزب الله) لتحقيق أجندتها في المنطقة العربية، بما للحزب من ارتباط آيديولوجي بالدولة الأم لجميع الشيعة؛ إيران». ويضيف: «اليوم بات المقاتلون الشيعة، وخصوصا العراقيين منهم، في طليعة القوات المقاتلة إلى جانب النظام السوري على جبهات أساسية من دمشق إلى حلب مرورا بالقلمون. ودخل حزب الله بقوة على خط المواجهة في القصير وريفها وفي حمص». ويوضح السري: «في آخر تلك التطورات للمشروع الإيراني في المنطقة تدخل طهران في الشأن السوري ودعم نظام بشار، بالإضافة إلى دعم الحوثيين في اليمن، وإثارة القلاقل في البحرين بدعم المعارضة الشيعية». ويضيف: «أستطيع القول إن الحرب في سوريا صارت حربا مصيرية، فإما أن ينتهي وجود بشار وتعود سوريا إلى السوريين، وإما أن يقضى على الثوار لتعود سوريا من جديد إلى طور آخر من أطوار الاستبداد، لكنه سيكون هذه المرة استبدادا دمويا، لن يرحم سنيا، أو حرا طالب يوما ما برحيل بشار».
من جهة أخرى, أفادت تقديرات بأن المقاتلين الشيعة في سوريا يتوزعون على عدة فرق مقاتلة جاءت على النحو التالي:

* لواء أبو الفضل العباس
مع حلول شتاء 2012 ظهر لواء «أبو الفضل العباس» على الساحة السورية وفي منطقة السيدة زينب المتاخمة للعاصمة دمشق بشكل فرقة عسكرية عالية التنظيم والتدريب متمتعة بتسليح حديث ونوعي على مستوى الأفراد، ما يجعلها شديدة الفعالية في حرب المدن والشوارع، فضلا عن ذلك يتمتع اللواء بهيكلية وقيادة عسكرية واضحة وعلى تنسيق تام مع ماكينة الجيش السوري، وغالبية المقاتلين في صفوف اللواء هم من العراقيين وينتمون إلى فصائل مقاتلة شيعية في بلادهم، كعصائب أهل الحق وجيش المهدي.

* مقاتلو حزب الله ببنادق إيرانية
منذ أبريل (نيسان) 2013 ظهرت بعض الصور لمقاتلين إسلاميين شيعة في سوريا. وفي الوقت نفسه، بدأت مجموعة لواء أبو الفضل العباس في الظهور لأول مرة بشكل علني, وبدأ اسمها يتردد على الألسنة. وظل المقاتلون الشيعة في سوريا يظهرون على استحياء وفي مناسبات قليلة في تلك الفترة. غير أنه ومع حلول شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهرت الكثير من الصور لمقاتلين شيعة يحملون بأيديهم بنادق يدوية بعيدة المدى مضادة للآليات.
من المرجح أن تكون تلك الأسلحة هي بندقية HS.50 عيار 50 ملم (12.7×99 ملم) اليدوية التي تنتجها شركة شتاير النمساوية. وتقول صحيفة «تلغراف» البريطانية إن شحنة تحمل 800 بندقية من هذا النوع وصلت إلى إيران في عام 2007. لكن مدونة «براون موزيس» تقول إن الأمر الأكثر احتمالا هو أن تلك الشحنة كانت في حقيقة الأمر نسخا إيرانية من البندقية HS.50 النمساوية جرى إرسالها إلى سوريا. ومنذ شتاء 2012 لم تتوقف مواقع التواصل الاجتماعي الموالية لإيران عن الإشادة بالنسخة الإيرانية من تلك البندقية، غير أنه يجري دائما إخفاء الأرقام التسلسلية للبنادق، وهو ما يجعل من الصعب تأكيد ذلك الطرح.
وسببت صفقة بيع بنادق شتاير الأصلية قلقا كبيرا في أوساط العسكريين وصانعي القرار في بريطانيا والولايات المتحدة بسبب الخوف من تزويد «المجموعات الخاصة»، التي شكلتها إيران في العراق، بتلك النوعية من البنادق. وتشمل تلك المجموعات عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله اللتين تقومان بإرسال مقاتليهما في الوقت الحالي للاشتراك في الحرب الدائرة رحاها في سوريا.
وقوبلت بنادق القنص المضادة للآليات من ذلك العيار بترحيب شديد في الأوساط العسكرية الغربية. حيث بدأ الجيش الأميركي وعدد آخر من الجيوش الغربية في استخدام البندقية M107 نصف الآلية عيار 50 ملم. وفي أكتوبر 2012، استخدمت واحدة من تلك البنادق في قنص أحد أعضاء حركة طالبان في أفغانستان من مسافة 2.475 متر.
ويجري في الوقت الحاضر استخدام هذا النوع من البنادق في سوريا من قبل مقاتلي المعارضة والقوات الموالية للأسد على حد سواء. ورغم ذلك، ربما تشير التجهيزات الجديدة للمجموعات ذات التنظيم العالي، التي يقودها المقاتلون الشيعة الأجانب، إلى حدوث نقلة نوعية في التدريبات والتكتيكات المستخدمة على الأرض.
وتضم المجموعات، التي تستخدم تلك البنادق في سوريا، جميع التنظيمات المدعومة من إيران. ويأتي حزب الله في مقدمة تلك المجموعات، حيث يظهر مقاتلوه في الكثير من الصور وهم يحملون البنادق بأيديهم. كما نشرت حركة حزب الله النجباء التي يوجد مقرها في العراق (وهي جبهة مشكلة من كتائب حزب الله وتنظيم عصائب أهل الحق) وكذلك الميليشيات المقاتلة في سوريا، مثل لواء عمار بن ياسر ولواء الحمد، الكثير من الصور على الإنترنت تظهر أعضاءها وبحوزتهم تلك البنادق. كما نشرت أيضا المجموعات التابعة لمنظمة بدر العراقية، مثل قوة الشهيد محمد باقر الصدر وكتائب سيد الشهداء، صورا لمقاتليها يحملون البندقية HS.50. كما ظهرت صور أخرى لمقاتلين شيعة من تنظيمات أخرى لا تعرف هويتها وبحوزتهم تلك البنادق.
لكن مقاطع الفيديو التي تظهر استخدام الميليشيات الإسلامية الشيعية للبنادق من نوعية HS.50 خلال القتال في سوريا قليلة ونادرة للغاية، وعادة ما يجري نشر صور ثابتة فقط.
وكان أول فيديو جرى نشره على صفحات «فيسبوك» وموقع «يوتيوب» يظهر فيه استخدام قوة الشهيد محمد باقر الصدر، التابعة لمنظمة بدر، للبنادق من نوعية HS.50 في سوريا. كما نشرت قوة الشهيد محمد باقر الصدر الكثير من الصور عالية الجودة التي تصور مقاتليها أثناء استخدامهم لنوعية البنادق المضادة للآليات. وكانت قوة الشهيد محمد باقر الصدر قد ضمنت مشاهد - مدتها نحو دقيقة – تظهر استخدام مقاتليها للبنادق في فيلم عن أنشطة المجموعة في سوريا.
ونظرا للتدابير الأمنية عالية المستوى التي تلجأ إليها تلك المجموعات الشيعية المقاتلة، فإنه لا يجري في الغالب عرض أي معلومات عن حالات الفشل أو حتى النجاح في استخدام البندقية. كما أن صفحات الإعلام الاجتماعي، التي تديرها الجماعات الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، لا توفر أي تفاصيل عن العمليات التي يجري خلالها استخدام البنادق في القتال في سوريا. ونادرا ما تقوم صفحات الميليشيات الإسلامية الشيعية بوصف تلك النوعية من البنادق أو الحديث عنها. ورغم ذلك، أصبحت البنادق إحدى السمات المميزة للصور التي جرى التقاطها للجنود الذي لقوا حتفهم. ورغم أن نشر الصور والفيديوهات يأتي لأغراض دعائية، فإنه ينبغي أن تؤخذ تلك القدرات العسكرية على محمل الجد من قبل جميع القوى العسكرية على المستويين الإقليمي والعالمي. وكان القناصة، الذين جرى تسليحهم وتدريبهم في إيران، قد أظهروا كفاءة قتالية عالية أثناء استخدامهم البنادق ذات العيار الأقل خلال حرب العراق (2003). ويشير استخدام بنادق القنص ذات العيار الأقل (وخاصة البنادق من نوع SVD) إلى تركيز المقاتلين على تكتيكات القنص.

* طليعة الخراساني تختبر قدراتها القتالية في سوريا
في أواخر شهر سبتمبر (أيلول)، أعلنت سرايا طليعة الخراساني عن وجودها للعالم عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك». ويبدو أن المجموعة تستمد اسمها من أبي مسلم الخراساني، وهو قائد عسكري في القرن الثامن الميلادي ساعد في الإطاحة بحكم أسرة بني أمية السنية خلال حقبة الخلافة الإسلامية الأولى. وتزعم سرايا طليعة الخراساني أنها تتخذ من مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، مقرا لها. وحسب البيانات التي صدرت عن السرايا، يبدو أن نطاق عملياتها العسكرية ينحصر في المناطق الريفية الواقعة خارج العاصمة السورية دمشق.
وأعلن عن وجود سرايا طليعة الخراساني رسميا في الرابع والعشرين من سبتمبر 2013 على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إلا أنه من الممكن أن يكون قد جرى حصر الدخول على الصفحة الرسمية للسرايا، ثم أنشئت صفحات أخرى بديلة لها، ومن ثم جرى إخفاء الإعلان المبدئي عن وجود السرايا. أما صفحة «فيسبوك» البديلة التي أعلنت رسميا عن تشكيل السرايا، فيعود تاريخ إنشائها إلى الثامن من أكتوبر 2013، وتحتوي الصفحتان على عدد من الصور النادرة التي تروج لنفس الرسائل العامة. وكما هو الحال بالنسبة للميليشيات الشيعية الأخرى، تزعم سرايا طليعة الخراساني أنها تدافع عن ضريح السيدة زينب، وتقوم أيضا بالترويج للأفكار الموالية لإيران التي تشمل الشيعة جميعا. وتغلب فكرة تمجيد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وكذلك هوية السرايا الشيعية، على الصور التي تقوم السرايا بنشرها على صفحات التواصل الاجتماعي.
وجرى نشر غالبية صور السرايا في شهر أكتوبر، حتى إن بعض الأيام كانت تشهد تحميل ثمانية صور على صفحتي «فيسبوك» التابعتين للسرايا. كما نشرت سرايا طليعة الخراساني عددا كبيرا من الصور تظهر مقاتليها أثناء القتال في سوريا، وصورة أخرى لبعض أعضائها الجرحى، بالإضافة إلى مجموعة من الفيديوهات التي تصور مقاتلي السرايا أثناء المعارك. أهم ما يميز الدعاية الخاصة بالسرايا أن مقاتليها يظهرون في الصور وهم يحملون الراية الخاصة بالمجموعة، وهو الشيء نفسه الذي تقوم به قوة الشهيد باقر الصدر، المجموعة الوحيدة التابعة لمنظمة بدر التي تشارك في الحرب في سوريا. وفي الوقت الذي بذلت فيه التنظيمات الإسلامية الشيعية، التي تقاتل في سوريا، مجهودا ضئيلا لإخفاء علاقتها بإيران، اتخذت السرايا خطوة مناقضة لذلك عندما قامت بوضع شعار الحرس الثوري الإيراني على الراية الخاصة بها. كما لا يدع اتجاه المجموعة لتمجيد المرشد الأعلى الإيراني في الكثير من مشاركتها على صفحات التواصل الاجتماعي مجالا للشك حول الزعيم الديني الشيعي أو الآيديولوجية التي أقسمت السرايا على الولاء لها، وعلى عكس الميليشيات الشيعية الأخرى المقاتلة في سوريا، مثل لواء عمار بن ياسر ولواء الإمام الحسن المجتبى ولواء أبو فضل العباس، لم تقل سرايا طليعة الخراساني ما هي التنظيمات الشيعية العراقية - إن وجدت - التي أرسلت أعضاءها للقتال ضمن صفوف المجموعة.
ورغم أنه جرى الكشف عن هوية قادة المجموعة، فإنه لا تتوفر معلومات دقيقة عن عدد مقاتلي سرايا طليعة الخراساني. وتقول تقارير إن السرايا تقاتل في دمشق حول ضريح السيدة زينب وفي المنطقة الريفية المسماة {الغوطة}، الواقعة قرب العاصمة دمشق. وانتشرت الفيديوهات التي تصور اشتباكات مقاتلي السرايا، انتشار النار في الهشيم بين كل من مناصري مقاتلي المعارضة السوريين وكذلك مناصري الميليشيات الشيعية. وربما يعود السبب في ذلك إلى أن هذه الفيديوهات تبدو طبيعية نوعا ما، كما أنها أطول كثيرا من الفيديوهات الأخرى.
وتبدو المعلومات المتوافرة عن أعداد مقاتلي سرايا طليعة الخراساني, المشتركين في القتال, قليلة جدا. غير أنه بالنظر إلى الصور الخاصة بالمجموعة، يتضح أن السرايا تضم أكثر من عشر مقاتلين. وتستخدم المجموعة الأسلحة التي تتوفر للميليشيات الشيعية الأخرى. وتضم تلك الأسلحة بنادق من نوع كلاشنيكوف ودراغونوف وآر بي جي 7s ومدفع بي كاي إم الرشاش. كما جرى توثيق استخدام المجموعة لمدافع الهاون الخفيفة في اشتباكات في المناطق الريفية خارج دمشق.
وبالإضافة إلى الأسلحة الصغيرة التي تستخدمها المجموعة بجانب الأسلحة المذكورة، يبدو الزي الذي ترتديه سرايا طليعة الخراساني مشابها للزي العسكري للجيش الأميركي.

* نظام الأسد يجند «القاعدة»
يقول برايان فيشمان الأكاديمي والصحافي وخبير في مكافحة الإرهاب المتخصص في شؤون «القاعدة»، مسؤول مكافحة التطرف بمؤسسة «أميركا الجديدة» والأستاذ في أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية، إن اتهام وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو النظام السوري وجماعة القاعدة في العراق والشام بتكوين شراكة من خلف الستار، ربما يبدو هذا الاتهام للوهلة الأولى مضحكا لأن الجهاديين لم ينتقدوا الأسد والطائفة العلوية فقط، بل إن لـ«القاعدة» سجلا طويلا من الخطاب المعادي للأسد، بيد أن الوقائع على الأرض تشير إلى وجود تاريخ طويل للجهاديين في عقد صفقات مع فصائل مختلفة يعدونهم أعداء استراتيجيين.
ورغم أن الاتهامات بالتحالف غير مدعومة بأدلة موثقة، وهو ما يجعل من الصعوبة الوصول إلى حقائق مؤكدة، فإن نظام الأسد استفاد من وجود الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في سوريا بصورة لا تخطئها العين.
ويقول فيشمان لـ«الشرق الأوسط» إن استغلال الأسد «القاعدة» لشق صف المعارضة السورية يمكن التأكد منه في وثائق سنجار (مخبأ «القاعدة» لملفات أعضاء «القاعدة» في العراق التي نشرت عام 2007)، التي أشارت إلى أن نظام الأسد قام بتسهيل انتقال مقاتلي «القاعدة» الأجانب إلى العراق خلال ذروة التمرد العراقي. ويؤكد عدد كبير من المنشقين السوريين أن نظام الأسد قدم الدعم لعمليات «القاعدة»، بما في ذلك تلك التي قام بها أبو غدية، أحد أشهر مهربي الأفراد.
ويوضح الخبير الأميركي أنه مع تزايد حدة التمرد ضده دعم الأسد، الذي كان يأمل تصوير نفسه محاربا ضد انتفاضة جهادية في المنطقة، بشكل عملي تشكيل «جبهة النصرة» و«داعش» وتيسير قيامهما ببعض العمليات المهمة في دمشق لإظهار مدى خطر الجهاديين. علاوة على ذلك ربما يكون الأسد قد أطلق سراح بعض الجهاديين البارزين من سجونه، كان من بينهم أبو مصعب السوري في بداية عام 2012 كي يساعد على نمو المجموعات الجهادية أو تحذير الغرب من خطرهم.
ويقول: «كل هذا التعاون آتى ثماره اليوم، فداعش تشن حربا ضد معارضي الأسد وتركز على إقامة إمارة في شمال سوريا عوضا عن الإطاحة بالأسد، في المقابل لم يقصف الأسد المنطقة التي تسيطر عليها داعش». فيما يلخص التحالف الوطني السوري ذلك بالقول إن داعش ترتبط ارتباطا وثيقا بالنظام الإرهابي وتخدم مصالح آل الأسد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فمقتل السوريين على يد هذه المجموعة يؤكد الشكوك حول النوايا وراء إنشائها، وأهدافها، وهو ما تؤكده طبيعة الأعمال الإرهابية المعادية للثورة السورية.



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.