المقاتلون الأجانب في صف النظام السوري.. من هم؟

أكثر من أربعين ألف من منظمات متطرفة يقاتلون إلى جانب جيش الأسد

المقاتلون الأجانب في صف النظام السوري.. من هم؟
TT
20

المقاتلون الأجانب في صف النظام السوري.. من هم؟

المقاتلون الأجانب في صف النظام السوري.. من هم؟

كثر الكلام وكثرت التكهنات والتحليلات حول المقاتلين الشيعة الذين يقاتلون إلى جانب الجيش النظامي السوري. وبات من المعلوم أن العراقيين يشكلون عماد القوات المقاتلة الشيعية في سوريا، حيث تبقى مشاركة حزب الله اللبناني نوعية حتى الساعة. فمن هم هؤلاء؟ ما دوافعهم ومناطق وجودهم؟ وما تأثيرهم على مجريات المعارك في سوريا؟
في الوقت الراهن، يقاتل إلى جانب جيش بشار الأسد، بحسب الخبراء الغربيين، ما يزيد على أربعين ألف شيعي، استنفرهم ملالي إيران من كل مكان، شيعة باكستانيون وأفغان، حوثيون وبحرينيون، حزب الله اللبناني، كما يسمي نفسه، وأشتات شيعية من العراق، ونخبة من عساكر الحرس الثوري، التقوا جميعا على هدف معلن واحد، قتال أهل السنة في سوريا، إما بحملهم على الاستسلام، أو إجبارهم على الرحيل. في الظاهر، جاءوا لحماية «المراقد المقدسة»، واستنقاذها ممن يسمونهم «جماعات تكفيرية»، وفي الباطن يضمرون انتقاما تاريخيا، ليس له أول وليس له آخر، وأبعد من ذلك تحقيق المشروع الإيراني للهيمنة على الهلال الخصيب برمته، ومد الهيمنة الفارسية إلى عمق الوطن العربي، وإعلان قم عاصمة للمسلمين.

لم يكن وجود عناصر ومدربين من حزب الله ومن الحرس الثوري الإيراني على الأراضي السورية سرًّا على أحد، لكن هذا الوجود وبعلم الجميع أيضا لم يكن وجودا عسكريا في شكل كتائب وفصائل مسلحة رغم الضجيج الذي أثير حول هذا الموضوع، وبات المقاتلون الشيعة، وخصوصا العراقيين منهم، في طليعة القوات المقاتلة إلى جانب النظام السوري على جبهات أساسية من دمشق إلى حلب مرورا بالقلمون، ذلك انه بعد أن دخل حزب الله بقوة على خط المواجهة في القصير وريفها وفي حمص, تحولت الفرق العسكرية الشيعية من قوة دفاعية إلى قوة هجومية ضاربة تقاتل في طليعة القوات السورية النظامية. ويجب التنويه بأنه ليس لهذه المجموعات المقاتلة مشروع سياسي، بل هي ملتزمة التزاما كاملا بتوجه النظام السوري, ولا توجد نزاعات فيما بينها.
يشير الإسلامي المصري ياسر السري مدير «المرصد الإسلامي»، وهو هيئة حقوقية في لندن تهتم بأخبار الإسلاميين حول العالم، إلى تقدير خبراء أمنيين بأن عدد المقاتلين الشيعة الذين يقاتلون إلى جانب نظام بشار بسوريا يبلغ نحو 40 ألف مقاتل.
وقال السري لـ«الشرق الأوسط»: «الشيعة يجيشون وينفقون بسعة من أجل إبقاء نظام بشار؛ لأنهم يعلمون أنه بذهاب بشار سينتهي حلم إقامة كيانهم المزعوم واسترجاع أمجاد دولة آل ساسان، لذا بشار حليف مثالي، وولاؤه للشيعة الإيرانيين، فضلا عن كرهه الشديد لأهل السنة، والعمل الدؤوب على وقف المد السني في سوريا».
ويضيف: «هذه الأمور وغيرها جعلت من بقاء الأسد أمرا حتميا، وإلا ضاع حلم الشيعة من جانب، واضطربت حسابات الغرب من جانب آخر، سيما فيما يخص أمن إسرائيل ومصالح الغرب». ويوضح السري: «في حقيقة الأمر حتى الآن سقط العراق وسوريا ولبنان في يد إيران، واليمن - لا قدر الله - إذا لم يتدارك اليمنيون أمرهم في طريقه للحاق بها». ويقول السري: «إيران تستخدم ذراعها (حزب الله) لتحقيق أجندتها في المنطقة العربية، بما للحزب من ارتباط آيديولوجي بالدولة الأم لجميع الشيعة؛ إيران». ويضيف: «اليوم بات المقاتلون الشيعة، وخصوصا العراقيين منهم، في طليعة القوات المقاتلة إلى جانب النظام السوري على جبهات أساسية من دمشق إلى حلب مرورا بالقلمون. ودخل حزب الله بقوة على خط المواجهة في القصير وريفها وفي حمص». ويوضح السري: «في آخر تلك التطورات للمشروع الإيراني في المنطقة تدخل طهران في الشأن السوري ودعم نظام بشار، بالإضافة إلى دعم الحوثيين في اليمن، وإثارة القلاقل في البحرين بدعم المعارضة الشيعية». ويضيف: «أستطيع القول إن الحرب في سوريا صارت حربا مصيرية، فإما أن ينتهي وجود بشار وتعود سوريا إلى السوريين، وإما أن يقضى على الثوار لتعود سوريا من جديد إلى طور آخر من أطوار الاستبداد، لكنه سيكون هذه المرة استبدادا دمويا، لن يرحم سنيا، أو حرا طالب يوما ما برحيل بشار».
من جهة أخرى, أفادت تقديرات بأن المقاتلين الشيعة في سوريا يتوزعون على عدة فرق مقاتلة جاءت على النحو التالي:

* لواء أبو الفضل العباس
مع حلول شتاء 2012 ظهر لواء «أبو الفضل العباس» على الساحة السورية وفي منطقة السيدة زينب المتاخمة للعاصمة دمشق بشكل فرقة عسكرية عالية التنظيم والتدريب متمتعة بتسليح حديث ونوعي على مستوى الأفراد، ما يجعلها شديدة الفعالية في حرب المدن والشوارع، فضلا عن ذلك يتمتع اللواء بهيكلية وقيادة عسكرية واضحة وعلى تنسيق تام مع ماكينة الجيش السوري، وغالبية المقاتلين في صفوف اللواء هم من العراقيين وينتمون إلى فصائل مقاتلة شيعية في بلادهم، كعصائب أهل الحق وجيش المهدي.

* مقاتلو حزب الله ببنادق إيرانية
منذ أبريل (نيسان) 2013 ظهرت بعض الصور لمقاتلين إسلاميين شيعة في سوريا. وفي الوقت نفسه، بدأت مجموعة لواء أبو الفضل العباس في الظهور لأول مرة بشكل علني, وبدأ اسمها يتردد على الألسنة. وظل المقاتلون الشيعة في سوريا يظهرون على استحياء وفي مناسبات قليلة في تلك الفترة. غير أنه ومع حلول شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهرت الكثير من الصور لمقاتلين شيعة يحملون بأيديهم بنادق يدوية بعيدة المدى مضادة للآليات.
من المرجح أن تكون تلك الأسلحة هي بندقية HS.50 عيار 50 ملم (12.7×99 ملم) اليدوية التي تنتجها شركة شتاير النمساوية. وتقول صحيفة «تلغراف» البريطانية إن شحنة تحمل 800 بندقية من هذا النوع وصلت إلى إيران في عام 2007. لكن مدونة «براون موزيس» تقول إن الأمر الأكثر احتمالا هو أن تلك الشحنة كانت في حقيقة الأمر نسخا إيرانية من البندقية HS.50 النمساوية جرى إرسالها إلى سوريا. ومنذ شتاء 2012 لم تتوقف مواقع التواصل الاجتماعي الموالية لإيران عن الإشادة بالنسخة الإيرانية من تلك البندقية، غير أنه يجري دائما إخفاء الأرقام التسلسلية للبنادق، وهو ما يجعل من الصعب تأكيد ذلك الطرح.
وسببت صفقة بيع بنادق شتاير الأصلية قلقا كبيرا في أوساط العسكريين وصانعي القرار في بريطانيا والولايات المتحدة بسبب الخوف من تزويد «المجموعات الخاصة»، التي شكلتها إيران في العراق، بتلك النوعية من البنادق. وتشمل تلك المجموعات عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله اللتين تقومان بإرسال مقاتليهما في الوقت الحالي للاشتراك في الحرب الدائرة رحاها في سوريا.
وقوبلت بنادق القنص المضادة للآليات من ذلك العيار بترحيب شديد في الأوساط العسكرية الغربية. حيث بدأ الجيش الأميركي وعدد آخر من الجيوش الغربية في استخدام البندقية M107 نصف الآلية عيار 50 ملم. وفي أكتوبر 2012، استخدمت واحدة من تلك البنادق في قنص أحد أعضاء حركة طالبان في أفغانستان من مسافة 2.475 متر.
ويجري في الوقت الحاضر استخدام هذا النوع من البنادق في سوريا من قبل مقاتلي المعارضة والقوات الموالية للأسد على حد سواء. ورغم ذلك، ربما تشير التجهيزات الجديدة للمجموعات ذات التنظيم العالي، التي يقودها المقاتلون الشيعة الأجانب، إلى حدوث نقلة نوعية في التدريبات والتكتيكات المستخدمة على الأرض.
وتضم المجموعات، التي تستخدم تلك البنادق في سوريا، جميع التنظيمات المدعومة من إيران. ويأتي حزب الله في مقدمة تلك المجموعات، حيث يظهر مقاتلوه في الكثير من الصور وهم يحملون البنادق بأيديهم. كما نشرت حركة حزب الله النجباء التي يوجد مقرها في العراق (وهي جبهة مشكلة من كتائب حزب الله وتنظيم عصائب أهل الحق) وكذلك الميليشيات المقاتلة في سوريا، مثل لواء عمار بن ياسر ولواء الحمد، الكثير من الصور على الإنترنت تظهر أعضاءها وبحوزتهم تلك البنادق. كما نشرت أيضا المجموعات التابعة لمنظمة بدر العراقية، مثل قوة الشهيد محمد باقر الصدر وكتائب سيد الشهداء، صورا لمقاتليها يحملون البندقية HS.50. كما ظهرت صور أخرى لمقاتلين شيعة من تنظيمات أخرى لا تعرف هويتها وبحوزتهم تلك البنادق.
لكن مقاطع الفيديو التي تظهر استخدام الميليشيات الإسلامية الشيعية للبنادق من نوعية HS.50 خلال القتال في سوريا قليلة ونادرة للغاية، وعادة ما يجري نشر صور ثابتة فقط.
وكان أول فيديو جرى نشره على صفحات «فيسبوك» وموقع «يوتيوب» يظهر فيه استخدام قوة الشهيد محمد باقر الصدر، التابعة لمنظمة بدر، للبنادق من نوعية HS.50 في سوريا. كما نشرت قوة الشهيد محمد باقر الصدر الكثير من الصور عالية الجودة التي تصور مقاتليها أثناء استخدامهم لنوعية البنادق المضادة للآليات. وكانت قوة الشهيد محمد باقر الصدر قد ضمنت مشاهد - مدتها نحو دقيقة – تظهر استخدام مقاتليها للبنادق في فيلم عن أنشطة المجموعة في سوريا.
ونظرا للتدابير الأمنية عالية المستوى التي تلجأ إليها تلك المجموعات الشيعية المقاتلة، فإنه لا يجري في الغالب عرض أي معلومات عن حالات الفشل أو حتى النجاح في استخدام البندقية. كما أن صفحات الإعلام الاجتماعي، التي تديرها الجماعات الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، لا توفر أي تفاصيل عن العمليات التي يجري خلالها استخدام البنادق في القتال في سوريا. ونادرا ما تقوم صفحات الميليشيات الإسلامية الشيعية بوصف تلك النوعية من البنادق أو الحديث عنها. ورغم ذلك، أصبحت البنادق إحدى السمات المميزة للصور التي جرى التقاطها للجنود الذي لقوا حتفهم. ورغم أن نشر الصور والفيديوهات يأتي لأغراض دعائية، فإنه ينبغي أن تؤخذ تلك القدرات العسكرية على محمل الجد من قبل جميع القوى العسكرية على المستويين الإقليمي والعالمي. وكان القناصة، الذين جرى تسليحهم وتدريبهم في إيران، قد أظهروا كفاءة قتالية عالية أثناء استخدامهم البنادق ذات العيار الأقل خلال حرب العراق (2003). ويشير استخدام بنادق القنص ذات العيار الأقل (وخاصة البنادق من نوع SVD) إلى تركيز المقاتلين على تكتيكات القنص.

* طليعة الخراساني تختبر قدراتها القتالية في سوريا
في أواخر شهر سبتمبر (أيلول)، أعلنت سرايا طليعة الخراساني عن وجودها للعالم عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك». ويبدو أن المجموعة تستمد اسمها من أبي مسلم الخراساني، وهو قائد عسكري في القرن الثامن الميلادي ساعد في الإطاحة بحكم أسرة بني أمية السنية خلال حقبة الخلافة الإسلامية الأولى. وتزعم سرايا طليعة الخراساني أنها تتخذ من مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، مقرا لها. وحسب البيانات التي صدرت عن السرايا، يبدو أن نطاق عملياتها العسكرية ينحصر في المناطق الريفية الواقعة خارج العاصمة السورية دمشق.
وأعلن عن وجود سرايا طليعة الخراساني رسميا في الرابع والعشرين من سبتمبر 2013 على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إلا أنه من الممكن أن يكون قد جرى حصر الدخول على الصفحة الرسمية للسرايا، ثم أنشئت صفحات أخرى بديلة لها، ومن ثم جرى إخفاء الإعلان المبدئي عن وجود السرايا. أما صفحة «فيسبوك» البديلة التي أعلنت رسميا عن تشكيل السرايا، فيعود تاريخ إنشائها إلى الثامن من أكتوبر 2013، وتحتوي الصفحتان على عدد من الصور النادرة التي تروج لنفس الرسائل العامة. وكما هو الحال بالنسبة للميليشيات الشيعية الأخرى، تزعم سرايا طليعة الخراساني أنها تدافع عن ضريح السيدة زينب، وتقوم أيضا بالترويج للأفكار الموالية لإيران التي تشمل الشيعة جميعا. وتغلب فكرة تمجيد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وكذلك هوية السرايا الشيعية، على الصور التي تقوم السرايا بنشرها على صفحات التواصل الاجتماعي.
وجرى نشر غالبية صور السرايا في شهر أكتوبر، حتى إن بعض الأيام كانت تشهد تحميل ثمانية صور على صفحتي «فيسبوك» التابعتين للسرايا. كما نشرت سرايا طليعة الخراساني عددا كبيرا من الصور تظهر مقاتليها أثناء القتال في سوريا، وصورة أخرى لبعض أعضائها الجرحى، بالإضافة إلى مجموعة من الفيديوهات التي تصور مقاتلي السرايا أثناء المعارك. أهم ما يميز الدعاية الخاصة بالسرايا أن مقاتليها يظهرون في الصور وهم يحملون الراية الخاصة بالمجموعة، وهو الشيء نفسه الذي تقوم به قوة الشهيد باقر الصدر، المجموعة الوحيدة التابعة لمنظمة بدر التي تشارك في الحرب في سوريا. وفي الوقت الذي بذلت فيه التنظيمات الإسلامية الشيعية، التي تقاتل في سوريا، مجهودا ضئيلا لإخفاء علاقتها بإيران، اتخذت السرايا خطوة مناقضة لذلك عندما قامت بوضع شعار الحرس الثوري الإيراني على الراية الخاصة بها. كما لا يدع اتجاه المجموعة لتمجيد المرشد الأعلى الإيراني في الكثير من مشاركتها على صفحات التواصل الاجتماعي مجالا للشك حول الزعيم الديني الشيعي أو الآيديولوجية التي أقسمت السرايا على الولاء لها، وعلى عكس الميليشيات الشيعية الأخرى المقاتلة في سوريا، مثل لواء عمار بن ياسر ولواء الإمام الحسن المجتبى ولواء أبو فضل العباس، لم تقل سرايا طليعة الخراساني ما هي التنظيمات الشيعية العراقية - إن وجدت - التي أرسلت أعضاءها للقتال ضمن صفوف المجموعة.
ورغم أنه جرى الكشف عن هوية قادة المجموعة، فإنه لا تتوفر معلومات دقيقة عن عدد مقاتلي سرايا طليعة الخراساني. وتقول تقارير إن السرايا تقاتل في دمشق حول ضريح السيدة زينب وفي المنطقة الريفية المسماة {الغوطة}، الواقعة قرب العاصمة دمشق. وانتشرت الفيديوهات التي تصور اشتباكات مقاتلي السرايا، انتشار النار في الهشيم بين كل من مناصري مقاتلي المعارضة السوريين وكذلك مناصري الميليشيات الشيعية. وربما يعود السبب في ذلك إلى أن هذه الفيديوهات تبدو طبيعية نوعا ما، كما أنها أطول كثيرا من الفيديوهات الأخرى.
وتبدو المعلومات المتوافرة عن أعداد مقاتلي سرايا طليعة الخراساني, المشتركين في القتال, قليلة جدا. غير أنه بالنظر إلى الصور الخاصة بالمجموعة، يتضح أن السرايا تضم أكثر من عشر مقاتلين. وتستخدم المجموعة الأسلحة التي تتوفر للميليشيات الشيعية الأخرى. وتضم تلك الأسلحة بنادق من نوع كلاشنيكوف ودراغونوف وآر بي جي 7s ومدفع بي كاي إم الرشاش. كما جرى توثيق استخدام المجموعة لمدافع الهاون الخفيفة في اشتباكات في المناطق الريفية خارج دمشق.
وبالإضافة إلى الأسلحة الصغيرة التي تستخدمها المجموعة بجانب الأسلحة المذكورة، يبدو الزي الذي ترتديه سرايا طليعة الخراساني مشابها للزي العسكري للجيش الأميركي.

* نظام الأسد يجند «القاعدة»
يقول برايان فيشمان الأكاديمي والصحافي وخبير في مكافحة الإرهاب المتخصص في شؤون «القاعدة»، مسؤول مكافحة التطرف بمؤسسة «أميركا الجديدة» والأستاذ في أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية، إن اتهام وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو النظام السوري وجماعة القاعدة في العراق والشام بتكوين شراكة من خلف الستار، ربما يبدو هذا الاتهام للوهلة الأولى مضحكا لأن الجهاديين لم ينتقدوا الأسد والطائفة العلوية فقط، بل إن لـ«القاعدة» سجلا طويلا من الخطاب المعادي للأسد، بيد أن الوقائع على الأرض تشير إلى وجود تاريخ طويل للجهاديين في عقد صفقات مع فصائل مختلفة يعدونهم أعداء استراتيجيين.
ورغم أن الاتهامات بالتحالف غير مدعومة بأدلة موثقة، وهو ما يجعل من الصعوبة الوصول إلى حقائق مؤكدة، فإن نظام الأسد استفاد من وجود الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في سوريا بصورة لا تخطئها العين.
ويقول فيشمان لـ«الشرق الأوسط» إن استغلال الأسد «القاعدة» لشق صف المعارضة السورية يمكن التأكد منه في وثائق سنجار (مخبأ «القاعدة» لملفات أعضاء «القاعدة» في العراق التي نشرت عام 2007)، التي أشارت إلى أن نظام الأسد قام بتسهيل انتقال مقاتلي «القاعدة» الأجانب إلى العراق خلال ذروة التمرد العراقي. ويؤكد عدد كبير من المنشقين السوريين أن نظام الأسد قدم الدعم لعمليات «القاعدة»، بما في ذلك تلك التي قام بها أبو غدية، أحد أشهر مهربي الأفراد.
ويوضح الخبير الأميركي أنه مع تزايد حدة التمرد ضده دعم الأسد، الذي كان يأمل تصوير نفسه محاربا ضد انتفاضة جهادية في المنطقة، بشكل عملي تشكيل «جبهة النصرة» و«داعش» وتيسير قيامهما ببعض العمليات المهمة في دمشق لإظهار مدى خطر الجهاديين. علاوة على ذلك ربما يكون الأسد قد أطلق سراح بعض الجهاديين البارزين من سجونه، كان من بينهم أبو مصعب السوري في بداية عام 2012 كي يساعد على نمو المجموعات الجهادية أو تحذير الغرب من خطرهم.
ويقول: «كل هذا التعاون آتى ثماره اليوم، فداعش تشن حربا ضد معارضي الأسد وتركز على إقامة إمارة في شمال سوريا عوضا عن الإطاحة بالأسد، في المقابل لم يقصف الأسد المنطقة التي تسيطر عليها داعش». فيما يلخص التحالف الوطني السوري ذلك بالقول إن داعش ترتبط ارتباطا وثيقا بالنظام الإرهابي وتخدم مصالح آل الأسد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فمقتل السوريين على يد هذه المجموعة يؤكد الشكوك حول النوايا وراء إنشائها، وأهدافها، وهو ما تؤكده طبيعة الأعمال الإرهابية المعادية للثورة السورية.



حرب أميركا ـــ الصين التجارية... بين «واقعية» بكين و«طموح» ترمب


الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)
TT
20

حرب أميركا ـــ الصين التجارية... بين «واقعية» بكين و«طموح» ترمب


الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)

ثمة فوارق جوهرية بين استراتيجيات الولايات المتحدة والصين في الرسائل السياسية-الاقتصادية المتبادلة بين البلدين العملاقين. فواشنطن، من خلال تصعيد الرسوم بسرعة وبشدة، تظهر قوتها الاقتصادية وتستخدم التصعيد أداة ضغط سياسي واقتصادي، معتمدة على واقع الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عالمية. بالمقابل، اختارت بكين نهجاً تدريجياً وأكثر تحفظاً، في البداية، ربما لتفادي التصعيد المباشر مع واشنطن ولتجنب الدخول في حرب تجارية شاملة قد تؤثر على الاقتصاد العالمي.

ولكن، مع مرور الوقت، رفع الجانب الصيني ردوده تدريجياً لتصل إلى مستوى قريب من حجم إجراءات الجانب الأميركي، ما يشير إلى رد بالمثل لكن محسوب، مع إظهار حرص على التوازن وتحاشي الانجرار نحو تصعيد كامل.

التفاوت الزمني

أيضاً، يكشف الفارق بين تواريخ التصعيد بين الطرفين عن مدى تفاعل كل طرف مع الآخر وردّه على تحركاته. فالتفاوت الزمني بين التصعيدات يعكس استراتيجية قائمة على مراقبة مستمرة وحسابات دقيقة من الجانبين، حيث يعكس كل تصعيد رد فعل مدروسا، وليس ردة فعل عشوائية. وبالتالي، كل طرف يراقب الآخر ويأخذ في اعتباره تحرّكاته قبل اتخاذ قراراته، ما يعكس تنسيقاً ضمنياً بين القرارات المتخذة.

«التحكم» و«الهيبة»

من خلال هذا التصعيد المتبادل، يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكأنه يبعث برسالة واضحة مضمونها «نحن نتحكّم بالسوق العالمي، وسنضغط بقوة».

إنه موقف يعكس صورة قوة الولايات المتحدة كداعم رئيس في الاقتصاد العالمي، ويؤكد أنها مستعدة للمضي بالضغط على الصين إلى أن تمتثل الأخيرة لمطالبها. وفي الجهة المقابلة، تسعى بكين من خلال الردّ المتدرّج إلى إرسال رسالة معاكسة مضمونها «نحن نرد بالمثل لكن بحكمة وتدرّج، ولسنا منفعلين». وهذا الموقف يعكس «توازناً» حذراً في الردود الصينية، ويعزّز من صورتها كدولة قوية اقتصادياً تستطيع اتخاذ قرارات مدروسة... بعيداً عن الانفعال وردود الفعل العاطفية.

أسلوب الرئيس الصيني ... و«الكتاب الأبيض»

في هذا السياق، يعود موقف الرئيس الصيني شي جينبينغ ليشكّل الإطار العام لفهم هذا السلوك؛ فالرئيس شدد مراراً على أن التعاون هو الخيار الصحيح الوحيد بين البلدين، وأن الصين لا تسعى إلى الهيمنة أو المواجهة، بل إلى حوار قائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. غير أن هذا الانفتاح الصيني لا يعني قبولاً بالضغط أو الإملاءات، كما يوضح «الكتاب الأبيض» الصيني، الذي أكد أن بكين «لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات الترهيب الاقتصادي»، وإن كانت في الوقت ذاته تفضل استخدام أدوات محسوبة ومدروسة.

في التاسع من أبريل (نيسان) 2025، أصدر مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني «الكتاب الأبيض» الذي حمل عنوان «موقف الصين بشأن بعض القضايا المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة».

لم يكن الكتاب مجرّد وثيقة حكومية عابرة، بل جاء مرافعةً استراتيجيةً شاملة، مدعومة بالأرقام والحقائق، وتكشف عن موقف بكين من العلاقة الاقتصادية الأكثر حساسية في عالم اليوم: علاقتها مع واشنطن.

ما قدّمته الصين في هذا الكتاب ليس دفاعاً بقدر ما هو دعوة إلى «الفهم الواقعي». ذلك أن العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة - وفق بكين - ليست «لعبة صفرية»، بل منظومة تكامل معقّدة، قائمة على المنفعة المتبادلة والنتائج المُربحة للطرفين. وترى جهات قريبة من بكين أن هذا المنطلق يغيب عن بعض دوائر صنع القرار في العاصمة الأميركية، التي ما زالت تعاني من تبعات «ذهول ما بعد الهيمنة»، وتُصرّ على قراءة الحاضر بعدسات الماضي الإمبراطوري.

من التعاون إلى التوتر... أرقام لا تكذب

تبدأ القيادة الصينية في «كتابها الأبيض» بتشخيص للعلاقات الاقتصادية الثنائية، فتشير إلى أن هذه العلاقة «لم تُبْنَ في فراغ، بل هي نتاج تطور طبيعي استجابت فيه قوانين السوق والمنطق الاقتصادي لحاجات كل من البلدين».

فمنذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1979، ارتفع حجم التجارة الثنائية من أقل من 2.5 مليار دولار أميركي إلى نحو 688.3 مليار دولار في عام 2024.

هذا النمو المذهل ما كان ليتحقّق لولا التكامل العميق في الموارد، ورأس المال، والتكنولوجيا، واليد العاملة، والأسواق بين البلدين. إذ أصبحت الصين سوقاً رئيسة للمنتجات الزراعية الأميركية مثل فول الصويا إلى القطن ووصولاً للغاز والأجهزة الطبية. وفي المقابل، استفاد المستهلك الأميركي من المنتجات الصينية ذات الجودة العالية والتكلفة المعقولة، ما خفّض تكاليف المعيشة ورفع مستوى القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والدنيا.

من الزاوية الصينية، لم يكن الفائض التجاري هدفاً مقصوداً، بل نتيجة طبيعية لتركيبة الاقتصاد العالمي، وللخيار الأميركي بالتركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية والاعتماد على الاستيراد من الصين في قطاعات التصنيع. ثم إن تقييم هذا الفائض باستخدام منهجية «القيمة المضافة» يغيّر الصورة جذرياً، إذ إن القيمة التي تحصل عليها الصين من العديد من صادراتها لا تمثل سوى جزء بسيط من القيمة النهائية للسلع.

واشنطن والتناقض البنيوي: عن العجز والتضليل

على الرغم من هذه الحقائق، تصرّ بعض الجهات السياسية والاقتصادية - اليمينية، بالذات - في واشنطن على تصوير العلاقات الاقتصادية مع الصين على أنها سبب رئيس للعجز التجاري الأميركي، مُتناسية العوامل البنيوية التي تعاني منها منظومتها الصناعية، بما في ذلك ارتفاع التكاليف الداخلية، ونقل الصناعات إلى الخارج، والتركيز على قطاع الخدمات على حساب الصناعة التحويلية.

الإحصاءات التي أوردها «الكتاب الأبيض» تشير إلى أن الولايات المتحدة تحقق فوائض كبيرة في تجارة الخدمات مع الصين بلغت 26.57 مليار دولار في عام 2023، كما أن الشركات الأميركية في الصين تحقق أرباحاً ضخمة، إذ بلغ حجم مبيعاتها في السوق الصينية عام 2022 نحو 490.52 مليار دولار أميركي، بفارق يزيد على 400 مليار دولار عن مبيعات الشركات الصينية في الولايات المتحدة.

بلغة الأرقام، يتّضح أن المكاسب المتبادلة أكثر توازناً مما يحاول بعض الساسة الأميركيين تصويره. وإذا ما جرى احتساب المبيعات والخدمات وتدفقات الاستثمار بشكل مشترك، فإن العلاقات الصينية ـ الأميركية تبدو بعيدة كل البعد عن «الرواية الأحادية» التي تتكلّم عن «استغلال» أو «سرقة» اقتصادية.

الحرب التجارية ... سلاح ذو حدّين

في الحقيقة، لطالما استخدمت واشنطن التعريفات الجمركية سلاح ضغط اقتصادي، وفرضت منذ عام 2018 رسوماً جمركية أحادية الجانب على مئات المليارات من الدولارات من السلع الصينية. ومع أن هذه الإجراءات فُرضت تحت شعار «حماية الصناعة الوطنية»، فإن الواقع أثبت عكس ذلك.

وحقاً، تفيد دراسة لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي إلى أن أكثر من 90 % من تكاليف هذه الرسوم انتقلت فعلياً إلى المستهلكين الأميركيين. كذلك فإن هذه الإجراءات لم تساهم في تقليص العجز التجاري الإجمالي، ولم تُعِد الحيوية للصناعة الأميركية. بل على العكس، أدّت إلى ارتفاع أسعار السلع، وتباطؤ النمو، وإضعاف القدرة الشرائية للمواطن الأميركي.

بل، من المفارقات أن هذه الحرب التجارية تزامنت مع احتجاجات في الداخل الأميركي، لا سيما من القطاعات الزراعية والصناعية المتضرّرة، التي خسرت أسواقها في الصين بسبب سياسات التصعيد. ولقد أظهرت بيانات السوق تراجع التوقعات بشأن النمو الاقتصادي الأميركي على خلفية هذه السياسات.

الصين: لا صدام ... ولا تهديد

من جهة ثانية، جاء في «الكتاب الأبيض» أيضاً أن «الصين لا تسعى إلى حرب تجارية، لكنها في ذات الوقت لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما تعتبره ترهيباً اقتصادياً». وبالنسبة لبكين، فإن التعاون هو الخيار الأول، لكن الرد بالمثل خيار دائم إذا اقتضت الحاجة.

وهنا تؤكد بكين أن الحل الأمثل هو «الحوار المتكافئ، واحترام المصالح الأساسية لكل طرف»، لا سيما أن العالم لم يعُد ساحة للابتزاز، بل غدا شبكة معقدة من المصالح. وعليه فالانفصال القسري لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر للطرفين، وربما للنظام الاقتصادي الدولي بأسره.

ووفق جهات مقرّبة من بكين، فبين أكثر ما يلفت النظر في الموقف الصيني، ليس فقط إصرار بكين على «الحقائق الاقتصادية»، بل أيضاً محاولتها معالجة جذور الخلل في نظرة واشنطن للصين.

وحسب هذه الجهات، فإن نسبة عالية من الساسة الأميركيين ووسائل الإعلام التابعة لهم، لا تزال تنظر إلى الصين من خلال «عدسة الحرب الباردة»، فإما أن تكون الصين «شريكاً طيعاً» أو «عدواً مطلوباً تحجيمه». لكن الحقيقة التي تتجاهلها هذه الرؤية هي أن الصين المعاصرة ليست دولة تُدار وفق نص مكتوب في واشنطن، بل أمة عمرها خمسة آلاف سنة، سلكت طريقاً تنموياً خاصاً بها، قائماً على الواقعية، والإصلاح التدريجي، والتفاعل العميق مع العولمة. وهذا بالضبط ما عبّر عنه بوضوح كبير الدبلوماسيين الصينيين يانغ جيه تشي خلال قمة ألاسكا الشهيرة حين قال: «واشنطن لا تملك المؤهلات اللازمة للتكلّم إلى الصين من موقع قوة».

الهيمنة تُفقد البوصلة

أخيراً، يقول مقربّون من بكين إنه من خلال تتبع سياسات واشنطن، يظهر أن الأزمة الأعمق ليست في التجارة أو التوازن الاقتصادي، بل في نمط التفكير السائد في واشنطن. وحسب هؤلاء «هناك تيار سياسي أميركي لا يستطيع تقبّل فكرة عالم متعدّد الأقطاب، قارئاً في صعود الصين تهديداً لامتيازات استمرت لعقود، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية».

بالتالي - والكلام لا يزال للمقربين من بكين - «هذا النمط من التفكير جعل بعض السياسيين في واشنطن كمن يحاول قيادة قطار فائق السرعة بمحرك عربة تجرها الخيول. فهم يصرّون على استخدام معايير القرن التاسع عشر لفهم تفاعلات القرن الحادي والعشرين، ويحاولون لعب أدوار متناقضة في الوقت نفسه: الحكم واللاعب والمُشرّع». لطالما استخدمت واشنطن التعريفات الجمركية سلاح ضغط اقتصادي على الصين