هل يمكن لمنتخب أفريقي أن يفوز بكأس العالم؟

دول القارة أصبحت أكثر وصولاً إلى نهائيات المونديال وأكثرمنافسة فيما بينها

الجماهير المغربية تستقبل أبطالها أصحاب المركز الرابع في مونديال قطر (إ.ب.أ)
الجماهير المغربية تستقبل أبطالها أصحاب المركز الرابع في مونديال قطر (إ.ب.أ)
TT

هل يمكن لمنتخب أفريقي أن يفوز بكأس العالم؟

الجماهير المغربية تستقبل أبطالها أصحاب المركز الرابع في مونديال قطر (إ.ب.أ)
الجماهير المغربية تستقبل أبطالها أصحاب المركز الرابع في مونديال قطر (إ.ب.أ)

كان كثير من عشاق كرة القدم يتمنون أن يفوز منتخب أفريقي بكأس العالم 2022 بقطر. وكان العالم ينتظر ذلك منذ أن توقع اللاعب البرازيلي العظيم بيليه (في سبعينات القرن الماضي) أن يتمكن بلد أفريقي من الفوز بالمونديال قبل عام 2000. لم يحدث ذلك؛ لكنه لم يمنع باتريس موتسيبي، رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، من أن يقول في عام 2021: «لا بد من أن يفوز منتخب أفريقي بكأس العالم في المستقبل القريب».
لكن هل يمكن تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع؟ وهل المنتخبات الأفريقية قادرة على منافسة أفضل المنتخبات في العالم؟ وهل حصولها على لقب كأس العالم ما هو إلا مسألة وقت؟ أم أنه يتعين على المنتخبات الأفريقية أن تعمل بشكل مختلف إذا كانت ترغب حقاً في الفوز بكأس العالم؟ أم أن الفوز الأفريقي بالمونديال مستحيل وأمل زائف؟
لعل وصول المنتخب المغربي إلى المربع الذهبي في مونديال قطر، يكون بداية حقيقية لإلقاء الضوء على هذه الأسئلة.
لقد تناولتُ هذه الأسئلة في ورقة بحثية حديثة تعتمد على مصادر بيانات مختلفة (بما في ذلك نظام تصنيف إيلو الذي يُستخدم لحساب مستويات المهارة عند لاعبي الشطرنج) لمقارنة التاريخ التنافسي لهذه المنتخبات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتناولت هذه الورقة البحثية أفضل المنتخبات الأفريقية: (الجزائر، والكاميرون، وكوت ديفوار، ومصر، وغانا، والمغرب، ونيجيريا، والسنغال، وتونس) وآخر المنتخبات المتأهلة إلى الدور النهائي والدور نصف النهائي لكأس العالم: (بلجيكا، والبرازيل، وكرواتيا، وإنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا) لمعرفة ما إذا كانت البلدان الأفريقية قادرة حقاً على منافسة أفضل المنتخبات العالمية أم لا. وإذا لم تكن قادرة على المنافسة، فما السبب وراء ذلك؟ في الحقيقة، وقد وجدت فجوة تنافسية كبيرة بين البلدان الأفريقية وأفضل المنتخبات في العالم، وهي الفجوة التي ازدادت واتسعت على مدى الأجيال الأخيرة. وبالتالي، فإن هذه الفجوة ليست مشجعة لأولئك الذين يأملون أن يفوز أحد المنتخبات الأفريقية بكأس العالم.

وهبي الخزري من نجوم المنتخب التونسي في قطر (إ.ب.أ)

الدراسة
اعتمد تحليلي على بُعدين أساسيين في التاريخ التنافسي لكل بلد: كيف يتنافس عندما يشارك في كأس العالم (عدد المباريات التي يلعبها، وضد من يلعب، وفي أي بطولات) وإلى أي مدى يستمر في المنافسة (كم مرة يفوز؛ خصوصاً أمام منتخبات الصفوة، وفي البطولات الكبرى رفيعة المستوى). لسوء الحظ، فإن الدول الأفريقية تتخلف كثيراً عن الدول الكبرى في كلا البُعدين. فأفضل المنتخبات الأفريقية لعبت مستويات أقل من المنافسة، وكانت معدلات فوزها أقل أيضاً. وبدلاً من التنافس مع أفضل دول العالم، يبدو أن أفضل المنتخبات الأفريقية تقترب في المستوى من بلد مثل اليونان التي شاركت 3 مرات في نهائيات كأس العالم، ووصلت إلى دور الستة عشر في مونديال 2014. قد يكون هذا إنجازاً مثيراً للإعجاب بالنسبة لليونان؛ لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد كثيرون خارج اليونان يعتقدون أن هذا البلد قادر على الفوز بكأس العالم يوماً ما! فلماذا نعتقد إذن أن الدول الأفريقية قادرة على الفوز بكأس العالم؟
لقد وجدت أن التاريخ التنافسي لأفضل البلدان الأفريقية كان أشبه بالمنافسين الحاليين في كأس العالم في العقود السابقة (حتى في حقبة السبعينات عندما توقع بيليه أن أحد المنتخبات الأفريقية سيفوز بكأس العالم قبل عام 2000).
كان لدى تونس وفرنسا معدلات متشابهة جداً من حيث المشاركات والمنافسات في سبعينات القرن الماضي، على سبيل المثال؛ لكن فرنسا تسجل الآن معدلات أعلى بكثير من تونس في كلا البُعدين، وهو ما يشير إلى أن أفضل المنافسين في أفريقيا أصبحوا أقل تنافسية بمرور الوقت.
قد تعتبر هذه الملاحظة مفاجئة عندما يفكر المرء في مقدار ما تم القيام به لزيادة عدد المنتخبات الأفريقية في نهائيات كأس العالم منذ سبعينات القرن الماضي؛ حيث أصبحت دول القارة أكثر وصولاً إلى نهائيات المونديال، وأكثر منافسة فيما بينها داخل القارة أكثر من أي وقت مضى (مع توسيع كأس الأمم الأفريقية، على وجه الخصوص).
بالإضافة إلى ذلك، أظهر اللاعبون الأفارقة قدرات وفنيات رائعة، وخرجوا للاحتراف، ولعبوا لأفضل الأندية في العالم. والدليل على ذلك أن أكثر من 200 لاعب أفريقي يلعبون حالياً في البطولات الخمس الكبرى في أوروبا.

لماذا تعتبر المنتخبات الأفريقية أقل قدرة على المنافسة؟
بغض النظر عن هذه التطورات، أعتقد أن البلدان الأفريقية أصبحت أقل قدرة على المنافسة؛ لأنها لا تتنافس بانتظام مع أفضل منتخبات العالم؛ حيث تشير الأرقام والإحصائيات إلى أن أقل من 20 في المائة من مباريات المنتخبات الأفريقية الكبرى تكون ضد منتخبات من النخبة.
في المقابل، يلعب المتأهلون لنصف نهائي ونهائي كأس العالم ما يتراوح بين 30 في المائة و60 في المائة من مبارياتهم ضد دول النخبة. ولم يكن من المفاجئ أن البلدان الأفريقية تفوز بعدد أقل بكثير من هذه المباريات عالية المستوى: حصلت نيجيريا على 30 في المائة فقط من النقاط في هذه المباريات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في حين حصلت إنجلترا، على سبيل المثال، على 68 في المائة.
وتشير دراسات من مختلف الأوراق البحثية إلى أن الفرق تصبح أكثر تنافسية عندما تلعب أمام منتخبات من النخبة، وتصبح أقل قدرة على المنافسة عندما تلعب أمام منتخبات ضعيفة.
ويعود السبب في هذا إلى أن الفرق تتعلم كثيراً من استراتيجيات وخطط الفرق المنافسة عندما تلعب ضدها. وتمتلك المنتخبات الكبرى أفضل الخطط وطرق اللعب، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة لتعلم هذه الأشياء تكون من خلال الاحتكاك القوي والمنافسة المنتظمة. لكن أفضل الدول الأفريقية لا تلعب بانتظام أمام المنتخبات الكبرى، وبالتالي فهي غير قادرة على تعلم هذه التقنيات والخطط المتطورة. لذلك، قد يسيطر أحد هذه المنتخبات على البطولات القارية؛ لكنها ستفتقر في النهاية إلى القدرة على المنافسة الحقيقية -باستمرار وبشكل منتظم- مع أفضل المنتخبات في العالم.

فرص الفوز بكأس العالم
أعتقد أن البلدان الأفريقية يمكنها الفوز في مباراة واحدة مثلاً على أحد المنتخبات العالمية (وقد رأينا مثل هذه النتائج كثيراً)؛ لكن لكي يفوز أي فريق بكأس العالم يتعين عليه أن يحقق الفوز على 5 منتخبات من النخبة على الأقل (ويتعادل ضد اثنين آخرين)؛ لكن لم يفز أي منتخب من المنتخبات الأفريقية التي شاركت في نهائيات كأس العالم بقطر بخمس مباريات ضد منتخبات من مستوى الصفوة خلال السنوات الخمس الماضية.
ويمكن القول إن أفضل نتيجة للكاميرون ضد منتخب من منتخبات النخبة من غير الأفارقة منذ عام 2017، كانت التعادل في مباراة ودية أمام اليابان. وتعادلت غانا في مباراتين وديتين ضد تشيلي واليابان، وفاز المغرب في مباراتين وديتين على تشيلي وصربيا. وتعادلت السنغال ودياً أمام البرازيل.
أما أفضل نتائج لتونس فكانت الفوز على تشيلي واليابان، والتعادل مع البرتغال، في مباريات كلها ودية. ومن المؤكد أن المباريات الودية تختلف تماماً عن المباريات الرسمية. لذا، أعتقد -مع الأسف– أنه من الصعب أن يفوز أي منتخب أفريقي بكأس العالم؛ لكن ذلك قد يكون ممكناً إذا لعبت أفضل المنتخبات الأفريقية ضد منتخبات أفضل، وتعلمت كيفية التنافس على هذا المستوى.

ما الذي يتطلبه الأمر؟
يتطلب ذلك أن تتخذ المنتخبات الأفريقية الكبرى قراراً بأن يلعب الفريق الثاني في المسابقات الأفريقية، على أن يلعب الفريق الأول مزيداً من المباريات ضد منتخبات قوية من المستوى العالمي. أتوقع أن تكون المباريات التي ستخسرها المنتخبات الأفريقية أمام المنتخبات الكبرى أكثر من المباريات التي ستفوز فيها -على الأقل في البداية- لكنني أراهن على أنها ستفوز في عدد أكبر من المباريات بمرور الوقت، وهو ما يعزز فرصها في تحقيق الفوز على أي منتخب في كأس العالم 2026 أو 2030. وأراهن أيضاً على أن الدول الأفريقية التي ستستمر في خوض مباريات أمام منافسين ضعفاء لن تتمكن أبداً من الفوز بكأس العالم.
أنا شخصياً أتمنى أن يأتي اليوم الذي يفوز فيه منتخب أفريقي بكأس العالم؛ خصوصاً أن البلدان الأفريقية تمتلك إمكانات مذهلة -في ملاعب كرة القدم وخارجها- لكن كثيراً من الأفارقة يحتاجون إلى استغلال هذه الإمكانات لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم.
في الحقيقة، لا يوجد مكان لإثبات ما يمكن أن تفعله «القارة السمراء» أفضل من ملاعب كرة القدم العالمية؛ لكن يجب القيام بمزيد من العمل لتحقيق ذلك!


مقالات ذات صلة

«آر دبليو. إن آر إكس» يلفت الأنظار في كأس العالم للرياضات الإلكترونية

رياضة سعودية الفريق التركي تألق بشكل واضح في البطولة (الشرق الأوسط)

«آر دبليو. إن آر إكس» يلفت الأنظار في كأس العالم للرياضات الإلكترونية

لفت الفريق التركي «آر دبليو. إن آر إكس» الأنظار في مرحلة «سوڤايڤر ستيج» ضمن منافسات «ببجي موبايل».

لولوة العنقري (الرياض)
رياضة سعودية النجم البرازيلي لنادي الهلال السعودي استمتع بوقته وآزر الفرق البرازيلية المنافسة في كأس العالم (الشرق الأوسط)

نيمار يلفت الأنظار في كأس العالم للرياضات الإلكترونية

تواجد النجم البرازيلي ولاعب نادي الهلال السعودي نيمار، السبت، في سيف أرينا ببوليفارد رياض سيتي، وحضر منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة عالمية ملعب سانتياغو بيرنابيو مرشح لاستضافة مونديال 2030 (إ.ب.أ)

ملعبا ريال مدريد وبرشلونة مرشحان لاستضافة مونديال 2030

اقترح الاتحاد الإسباني لكرة القدم 11 ملعبا لاستضافة مباريات كأس العالم 2030... بينها ملاعب أندية ريال مدريد وبرشلونة وأتليتيكو مدريد.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
رياضة عالمية غراهام بوتر (د.ب.أ)

بوتر يرفض الحديث عن ترشيحه لتدريب إنجلترا

تفادى غراهام بوتر، مدرب سابق لفريقي تشيلسي وبرايتون، التحدث عن التكهنات التي تربط اسمه بتولي تدريب المنتخب الإنجليزي لكرة القدم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة سعودية لُعبت الأربعاء 7 مواجهات بنظام الإقصاء (الشرق الأوسط)

«كونتر سترايك» تشعل منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية

انطلقت، الأربعاء، منافسات بطولة «كونتر سترايك 2» ضمن فعاليات كأس العالم للرياضات الإلكترونية والتي يتنافس فيها 15 من نخبة فرق العالم على لقب البطولة.

لولوة العنقري (الرياض) هيثم الزاحم (الرياض)

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
TT

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)

حققت الأفغانية مانيزها تالاش حلمها بالأداء خلال مسابقات «أولمبياد باريس 2024» المقامة في العاصمة الفرنسية، ضمن فريق اللاجئين، بعد هروبها من قبضة «طالبان».

وترقص تالاش (21 عاماً) «بريك دانس»، وكانت أول راقصة معروفة في موطنها الأصلي (أفغانستان)، لكنها فرَّت من البلاد بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في عام 2021. ومع ظهور رقص «البريك دانس» لأول مرة في الألعاب الأولمبية في باريس، ستصعد تالاش إلى المسرح العالمي لتؤدي ما هي شغوفة به.

وتقول تالاش في مقابلة أُجريت معها باللغة الإسبانية: «أنا أفعل ذلك من أجلي، من أجل حياتي. أفعل ذلك للتعبير عن نفسي، ولأنسى كل ما يحدث إذا كنت بحاجة إلى ذلك»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

ترقص تالاش «بريك دانس» وهي في عمر السابعة عشرة (حسابها الشخصي - إنستغرام)

شبح «طالبان»

يرفض العديد من الأفغان المحافظين الرقص، وفكرة مشاركة النساء محظورة بشكل خاص. وفي ظل حكم «طالبان»، مُنعت النساء الأفغانيات فعلياً من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية. منذ عودة الجماعة إلى السلطة قبل 3 سنوات، أغلقت الحكومة مدارس البنات، وقمعت التعبير الثقافي والفني، وفرضت قيوداً على السفر على النساء، وحدَّت من وصولهن إلى المتنزهات وصالات الألعاب الرياضية.

مقاتل من «طالبان» يحرس نساء خلال تلقي الحصص الغذائية التي توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل (أ.ب)

وقال تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان هذا العام إن «عدم احترام (طالبان) للحقوق الأساسية للنساء والفتيات لا مثيل له في العالم». منذ اليوم الذي بدأت فيه تالاش الرقص، قبل 4 سنوات، واجهت العديد من الانتقادات والتهديدات من أفراد المجتمع والجيران وبعض أفراد الأسرة. وقالت إنها علمت بأنها إذا أرادت الاستمرار في الرقص، فليس لديها خيار إلا الهروب، وقالت: «كنت بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة».

فريق اللاجئين

سيضم الفريق الذي ظهر لأول مرة في ألعاب «ريو دي جانيرو 2016»، هذا العام، 36 رياضياً من 11 دولة مختلفة، 5 منهم في الأصل من أفغانستان. وسيتنافسون تحت عَلَم خاص يحتوي على شعار بقلب محاط بأسهم، للإشارة إلى «التجربة المشتركة لرحلاتهم»، وستبدأ الأولمبياد من 26 يوليو (تموز) الحالي إلى 11 أغسطس (آب). بالنسبة لتالاش، التي هاجرت إلى إسبانيا، تمثل هذه الألعاب الأولمبية فرصة للرقص بحرية، لتكون بمثابة رمز الأمل للفتيات والنساء في أفغانستان، ولإرسال رسالة أوسع إلى بقية العالم.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

وفي فبراير (شباط) الماضي، تدخلت صديقة أميركية لتالاش، تُدعي جواركو، بالتقديم إلى عناوين البريد الإلكتروني الأولمبي لمشاركة الفتاة الأفغانية، وفي اليوم التالي، تلقت رداً واحداً من مدير فريق اللاجئين الأولمبي، غونزالو باريو. وكان قد تم إعداد فريق اللاجئين المتوجّه إلى باريس، لكن المسؤولين الأولمبيين تأثروا بقصة تالاش وسارعوا إلى تنسيق الموارد. وافقت اللجنة الأولمبية الإسبانية على الإشراف على تدريبها، وكان المدربون في مدريد حريصين على التطوع بوقتهم.

وقال ديفيد فينتو، المدير الفني للمنتخب الإسباني: «شعرت بأنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا. في شهر مارس (آذار)، حصلت تالاش على منحة دراسية، مما سمح لها بالانتقال إلى مدريد والتركيز على الاستراحة. وبعد بضعة أسابيع فقط، وصلت الأخبار بأنها ستتنافس في الألعاب الأولمبية». يتذكر جواركو: «لقد انفجرت في البكاء، وكانت تبتسم».

وقالت تالاش: "كنت أبكي بدموع الفرح والخوف".وجزء من مهمة الألعاب الأولمبية المعلنة هو "دعم تعزيز المرأة في الرياضة على جميع المستويات" وتشجيع "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة". ولهذا السبب، كانت العلاقة بين الحركة الأولمبية وأفغانستان مشحونة منذ فترة طويلة. وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتعليق عمل اللجنة الأولمبية في البلاد في عام 1999، وتم منع أفغانستان من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيدني.

شغفها حقق هدفها

لم يغِب عن تالاش أن موسيقى «البريك» و«الهيب هوب»، المحظورة في موطنها، أعطتها هدفاً لحياتها، وساعدت أيضاً في إنقاذ عائلتها. وقالت: «هذا أكبر بكثير من أي حلم حلمت به من قبل أو حتى يمكن أن أفكر فيه»، مضيفة: «إذا قالت (طالبان) إنها ستغادر في الصباح، فسوف أعود إلى منزلي بعد الظهر».

ويحكي جواد سيزداه، صديق تالاش وزعيم مجتمع «الهيب هوب» في كابل: «إذا سألت الأجانب عن أفغانستان، فإن الشيء الوحيد الذي يتخيلونه هو الحرب والبنادق والمباني القديمة. لكن لا، أفغانستان ليست كذلك». وأضاف: «أفغانستان هي تالاش التي لا تنكسر. أفغانستان هي التي أقدم فيها بموسيقى الراب، ليست الحرب في أفغانستان وحدها».

وعندما كانت تالاش في السابعة عشرة من عمرها، عثرت على مقطع فيديو على «فيسبوك» لشاب يرقص «بريك دانس» ويدور على رأسه، في مشهد لم يسبق لها أن رأت شيئاً مثله. وقالت: «في البداية، اعتقدت أنه من غير القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء». ثم بدأت تالاش بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو، وأصابها الذهول من قلة الراقصات. وأوضحت: «قلتُ على الفور: سأفعل ذلك. أنا سوف أتعلم».

وقامت بالتواصل مع الشاب الموجود في الفيديو (صديقها سيزداه) الذي شجعها على زيارة النادي المحلي الذي تدرب فيه، والذي كانت لديه محاولة لتنمية مجتمع «الهيب هوب» في كابل، ولجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة جميع الأعمار والأجناس للرقص وموسيقى الراب. كان هناك 55 فتى يتدربون هناك. كانت تالاش الفتاة الأولى.

وقال سيزداه (25 عاماً): «إذا رقص صبي، فهذا أمر سيئ في أفغانستان وكابل. وعندما ترقص فتاة، يكون الأمر أسوأ. إنه أمر خطير جداً. رقص الفتاة أمر غير مقبول في هذا المجتمع. لا توجد إمكانية لذلك.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

كنا نحاول أن نجعل الأمر طبيعياً، لكنه كان صعباً للغاية. لا يمكننا أن نفعل ذلك في الشارع. لا يمكننا أن نفعل ذلك، كما تعلمون، في مكان عام»، وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

كانت تالاش أول فتاة تنضم إلى نادي الرقص «Superiors Crew» في كابل.

تهديدات بالقتل

بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، فرَّ أعضاء النادي إلى باكستان. وفي أحد الأحداث الجماعية الأولى للفريق في النادي الصغير، انفجرت سيارة مفخخة في مكان قريب. ووقعت إصابات في الشارع، لكن الراقصين بالداخل لم يُصابوا بأذى. ومع انتشار أخبار بأن تالاش كانت ترقص، بدأت تتلقى تهديدات بالقتل.

مقاتل من «طالبان» يقف في الحراسة بينما تمر امرأة في العاصمة كابل يوم 26 ديسمبر 2022... وشجب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القيود المزدادة على حقوق المرأة بأفغانستان (أ.ب)

كان من المفترض أن يكون النادي مكاناً آمناً، ولكن في أحد الأيام دخل رجل مدعياً أنه راقص يريد التعلم. وبدا مريباً لباقي الأعضاء، ووفقاً لتالاش وسيزداه، سرعان ما داهمت قوات إنفاذ القانون النادي، وألقت القبض على الرجل الذي كان يحمل قنبلة. قال سيزده: «إنهم قالوا إنه عضو في (داعش). لقد أراد فقط أن يفجِّر نفسه».

رحلة الهروب للنجاة!

وبعد بضعة أشهر من الواقعة، غادرت قوات «حلف شمال الأطلسي» والجيش الأميركي أفغانستان، وعادت «طالبان» إلى السلطة في 2021، وقال سيزداه إن مالك العقار اتصل به وحذره من العودة، وإن الناس كانوا يبحثون عن أعضاء الفريق، وقال سيزداه: «هناك أسباب كثيرة» للمغادرة. «الأول هو إنقاذ حياتك».

وقام العشرات من أعضاء نادي «الهيب هوب» بتجميع ما في وسعهم وتحميلهم في 3 سيارات متجهة إلى باكستان. أخذت تالاش شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً، وودعت والدتها وأختها الصغرى وأخاً آخر.

وقالت تالاش: «لم أكن خائفة، لكنني أدركت أنني بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة. كان هذا مهماً بالنسبة لي. لم أغادر قط لأنني كنت خائفة من (طالبان)، أو لأنني لم أتمكن من العيش في أفغانستان، بل لأفعل شيئاً، لأظهر للنساء أننا قادرون على القيام بذلك؛ أنه ممكن». اضطرت تالاش إلى ترك والدتها في أفغانستان، وتحقق الحلم الأولمبي ولم شمل الأسرة.

لمدة عام تقريباً، عاشوا بشكل غير قانوني في باكستان دون جوازات سفر وأمل متضائل. لم يشعروا بالأمان في الأماكن العامة، لذلك قضى 22 شخصاً معظم اليوم محشورين معاً في شقة. لم يكن هناك تدريب أو رقص. تلقت تالاش كلمة مفادها أن مسؤولي «طالبان» اتصلوا بوالدتها في كابل للاستفسار عن مكان وجود الفتاة الصغيرة. وقالت: «أحياناً أتمنى أن أنسى كل ذلك»، ثم تواصل أعضاء نادي «الهيب هوب» مع السفارات ومجموعات المناصرة والمنظمات غير الحكومية للحصول على المساعدة. وأخيراً، وبمساعدة منظمة إسبانية للاجئين تدعى People HELP، تم منحهم حق اللجوء في إسبانيا.

انقسم الفريق، وتم نقل تالاش وشقيقها إلى هويسكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرقي إسبانيا. كانت لديها وظيفة تنظيف في صالون محلي، ورغم عدم وجود استوديو أو نادٍ مخصص للاستراحة، فقد وجدت صالة ألعاب رياضية تسمح لها بالرقص بعد ساعات العمل. بعد سنوات من الانفصال، تم لم شمل تالاش وعائلتها أخيراً حيث يعيشون الآن في نزل للاجئين بمدريد.