فيليب لام: ألونسو قادر على إثبات أن اللاعبين العظماء يمكنهم أن يكونوا مدربين ناجحين

قائد منتخب ألمانيا السابق يؤكد أن زميله في بايرن بإمكانه نقل باير ليفركوزن إلى مصاف الكبار

ألونسو (يمين) وفيليب لام يحملان معا درع الدوري الالماني عام 2017 (غيتي)
ألونسو (يمين) وفيليب لام يحملان معا درع الدوري الالماني عام 2017 (غيتي)
TT

فيليب لام: ألونسو قادر على إثبات أن اللاعبين العظماء يمكنهم أن يكونوا مدربين ناجحين

ألونسو (يمين) وفيليب لام يحملان معا درع الدوري الالماني عام 2017 (غيتي)
ألونسو (يمين) وفيليب لام يحملان معا درع الدوري الالماني عام 2017 (غيتي)

في هذا المقال يتحدث قائد المنتخب الألماني وبايرن ميونيخ السابق عن زميله السابق تشابي ألونسو، واصفاً إياه برياضي يمتلك من الفكر والكاريزما ما يمكِّنه من نقل خبراته داخل الملعب إلى من يدربهم في باير ليفركوزن. ويؤكد أنه قادر على إثبات خطأ مقولة إن اللاعبين العظماء لا يمكنهم أن يكونوا مدربين ناجحين. ويشير في هذا الصدد إلى أريغو ساكي الذي لم يكن لاعباً بارزاً على الإطلاق؛ لكنه كان أحد أبرز المديرين الفنيين الذين غيَّروا شكل كرة القدم.
يقول فيليب لام:

ألونسو يخوض تجربة ناجحة في قيادة باير ليفركوزن (غيتي)

لعبتُ إلى جانب عدد كبير من اللاعبين العظماء، وكنت أستمتع باللعب معهم كثيراً، كما أن المديرين الفنيين الذين لعبت تحت قيادتهم -مثل كارلو أنشيلوتي، وجوسيب غوارديولا، ويوب هاينكس، وفيليكس ماغاث- سبق لهم الفوز بكأس العالم أو بدوري أبطال أوروبا عندما كانوا لاعبين، وبالتالي كانت لديهم خبرات هائلة فيما يتعلق بكيفية التعامل مع اللاعبين داخل غرفة خلع الملابس، ويعرفون جيداً كيف يحفزون اللاعبين ويدفعونهم نحو العمل من أجل تحقيق الفوز، كما يعملون وفق التسلسل الهرمي الطبيعي للفريق. ويمكن للاعبي كرة القدم أن يعرفوا بسهولة ما إذا كان المدير الفني يمتلك تلك المقومات أم لا.
ووفقاً لذلك، كنت أرى أن تشابي ألونسو يمتلك كل المقومات التي تجعله قادراً على أن يكون مديراً فنياً ناجحاً يوماً ما؛ خصوصاً أنه يمتلك خبرات هائلة في عالم كرة القدم. لقد لعب في صفوف بايرن ميونيخ لمدة 3 سنوات، وفي عام 2017 أنهينا مسيرتنا الكروية معاً، بعدما نجحنا مرة أخرى في الحصول على لقب الدوري الألماني الممتاز. ولم أشعر بأي دهشة عندما تولى القيادة الفنية لنادي باير ليفركوزن؛ خصوصاً أنه كان يعمل بكل جدية خلال السنوات الأخيرة من حياته كلاعب، من أجل إعداد نفسه للدخول في عالم التدريب. وإضافة إلى ذلك، يمتلك تشابي كل الإمكانات والخبرات التي تجعله قادراً على تحقيق النجاح مدرباً أيضاً؛ لأنه فاز بكل البطولات والألقاب الممكنة: دوري أبطال أوروبا مع ليفربول وريال مدريد، وكأس العالم، ودوري أبطال أوروبا مرتين مع منتخب إسبانيا، كما فاز بالدوري المحلي في إسبانيا وألمانيا.
وحتى عندما كان لاعباً، كان تشابي مثقفاً للغاية، وكنت أستمتع بالحديث معه، كما كان يمتلك شخصية قوية تساعده على تحمل المسؤولية ومساعدة الجميع. وعلى مدار عقد من الزمان، كان يقدم مستويات رائعة في مركز محور الارتكاز أو لاعب خط الوسط الدفاعي. ويمكن القول بأنه غيَّر معايير ومواصفات اللعب في هذا المركز. وعندما كان تشابي في الملعب، لم يكن دفاع فريقه يترك أي مساحة للفريق المنافس. وخلال العمل على بناء الهجمات، كان يدرك تماماً خطورة فقدان الكرة، وبالتالي كان يمنح فريقه الاستقرار والنظام والأمان.
ولديه ميزة أخرى، وهي أنه لعب وتألق في أقوى 3 دوريات في العالم: الدوري الإنجليزي الممتاز، والدوري الألماني، والدوري الإسباني. وكان كل المديرين الفنيين يعتمدون عليه كقائد للفريق، بما في ذلك: غوارديولا، وأنشيلوتي، وجوزيه مورينيو، ورافائيل بينيتيز، وفيسينتي ديل بوسكي. وتمكن تشابي من مواصلة التألق والتحكم في وتيرة المباريات في كل الأندية الكبرى التي لعب لها، حتى عندما أصبحت اللعبة تعتمد بشكل أكبر على اللياقة البدنية، وأصبح المنافسون أكثر سرعة.
لقد كانت كرة القدم تمثل كل حياته، منذ الخامسة من عمره وحتى الخامسة والثلاثين. ومن المؤكد أن هذه الخبرات الهائلة ستساعده كثيراً عندما يقدم النصائح والتوجيهات للاعبين الذين يتولى تدريبهم. وفي إنجلترا وإيطاليا وفرنسا، أصبحت هناك قاعدة شائعة بأن يكون المديرون الفنيون للأندية الكبرى ممن سبق لهم اللعب على المستوى الاحترافي في دوري الدرجة الأولى أو الثانية. لكن في إسبانيا نلاحظ أن الأندية الثلاثة الكبرى يتولى تدريبها أشخاص سبق لهم اللعب على المستوى الدولي مع منتخبات بلادهم.
لكن الوضع يختلف في الدوري الألماني؛ حيث يعد تشابي ألونسو استثناء لما يحدث في «البوندسليغا». ويعد نيكو كوفاتش، المدير الفني لفولفسبورغ، هو المدير الفني الوحيد في المسابقة الذي سبق له الفوز بلقب للدوري الممتاز. لقد فاز أوليفر غلاسنر، المدير الفني لفرانكفورت، وأورس فيشر، المدير الفني ليونيون برلين، ببطولات الكأس المحلية في النمسا وسويسرا، كما فاز أندريه برايتنرايتير، المدير الفني لهوفنهايم، ببطولة الكأس في ألمانيا، مع نادٍ من الدرجة الثانية، كما حصل بو سفينسون، المدير الفني لماينز، على بطولة في الدنمارك.
في ألمانيا، يمكن أن يعمل الشخص مديراً فنياً حتى لو كانت مسيرته الكروية لاعباً متواضعة للغاية، فيمكن أن ترى مديراً فنياً مميزاً كان يلعب في دوري الدرجة السابعة أو أقل، أو أن ترى مديراً فنياً يبلغ من العمر 35 عاماً أو أقل؛ لكن الشيء المؤكد أنهم جميعاً حصلوا على درجات وتدريبات علمية جيدة للغاية للعمل في مجال التدريب. إنهم يسيرون على النهج نفسه لرالف رانغنيك الذي قال ذات مرة إن لعب كرة القدم والتدريب مهنتان مختلفتان تماماً.
لكنني أعتقد أن هذا النهج خاطئ. من المؤكد أنه لا يوجد ما يضمن أن يتحول لاعب كرة القدم البارز إلى مدير فني ناجح بعد اعتزاله كرة القدم، وهناك كثير من الأمثلة والأدلة على ذلك. وأود أن أشير في هذا الصدد إلى أريغو ساكي الذي لم يكن لاعباً بارزاً على الإطلاق؛ لكنه كان أحد أبرز المديرين الفنيين الذين غيَّروا شكل كرة القدم، من خلال اختراع الدفاع الذي يعتمد على الاستحواذ على الكرة. لكن هذا الاستثناء لا يعني أن النظرية يمكن أن تحل محل الممارسة والتطبيق العملي.
على أي حال، لا يمكن للمرء أن يقول إن الدوري الألماني الممتاز ناجح. فعلى الرغم من وجود كثير من الأندية والمدن الكبرى في ألمانيا، فإن بايرن ميونيخ كان يحصل على لقب الدوري من دون منافسة تذكر على مدار السنوات العشر الماضية. وباستثناء بايرن ميونيخ، فإن الأندية الألمانية لا يمكنها منافسة الأندية الأخرى في المسابقات القارية.
وهناك سؤال يجب طرحه في هذا الأمر: أين لاعبو كرة القدم الألمان السابقون الذين يرغبون في تعلم مهنة التدريب؟ من المؤكد أن غياب هؤلاء اللاعبين السابقين عن الساحة يجعل كرة القدم الألمانية تفقد معرفة جوهرية هائلة؛ لأن هؤلاء اللاعبين لديهم خبرات كبيرة فيما يتعلق بما يتعين على اللاعب القيام به لاستخلاص الكرة من الخصم وشن الهجمات، ومتى تتقدم للأمام ومتى تعود للخلف، وكيف تتفوق على المنافس في المواجهات الفردية، ومتى تغير اتجاه اللعب، وأين تركض، بالإضافة إلى عديد من التفاصيل الأخرى المهمة للغاية. وإضافة إلى ذلك، يعرف هؤلاء اللاعبون السابقون كيفية تكوين فرق قوية. وكما قال المدير الفني الأسطوري لمانشستر يونايتد، السير أليكس فيرغسون، فإن التدريب عبارة عن «عمل فني».
لقد كان تشابي دائماً من نوعية اللاعبين الذين يمكنهم الاعتماد عليهم والثقة بهم داخل الملعب. ولهذا السبب، فإنني كنت أثق تماماً في قدرته على تحقيق النجاح في عالم التدريب فور اعتزاله اللعب. ويجب السماح للمدير الفني بتجربة أفكاره على أرض الواقع، من أجل تطبيق فلسفته التدريبية والتعلم من أخطائه. إن ما يتجاهله كثير من اللاعبين المحترفين السابقين هو أنهم يواجهون المهمة الصعبة المتمثلة في تعلم مهنة جديدة، بها كثير من الأشياء والتفاصيل، مثل الخطط والتنظيم والتحضير والعمل المكتبي. وبالتالي، يتعين على اتحادات كرة القدم أن تلعب دوراً أكبر في تعليم المديرين الفنيين الشباب.
لقد بدأ تشابي مسيرته في عالم التدريب بحذر. فعلى عكس كثيرين، لم يبدأ تشابي مسيرته التدريبية بتولي القيادة الفنية لفريق كبير فور اعتزاله؛ لكنه عمل مع فريق الشباب بريال مدريد، ومع الفريق الرديف لريال سوسيداد. لقد تدرب على هذ المستوى لمدة 4 سنوات، ومن المؤكد أنه سيستمر في ارتكاب كثير من الأخطاء؛ لكنه الآن يتولى تدريب فريق يتعرض للضغوط ومطالب بتحقيق الفوز، وهو الأمر الذي ينطوي على مخاطرة. لكن المدير الفني لا ينضج ويتطور بين عشية وضحاها، وهو في حاجة لمثل هذه المواقف الصعبة من أجل التحسن واكتساب الخبرات.
من المؤكد أن المسيرة الكروية الرائعة لتشابي لا تضمن له على الإطلاق أن يكون مديراً فنياً رائعاً؛ لكنه بالتأكيد يمتلك كل المقومات التي يتطلبها العمل في مجال التدريب: الكاريزما، والعمر، والمؤهلات، والشخصية التي تسعى باستمرار نحو التطور، بالإضافة إلى المعرفة التي لا يمكنك اكتسابها إلا على أرض الملعب!


مقالات ذات صلة

الحكم بسجن الدولي الإيطالي إيتزو لتواطئه مع «المافيا»

الرياضة الحكم بسجن الدولي الإيطالي إيتزو لتواطئه مع «المافيا»

الحكم بسجن الدولي الإيطالي إيتزو لتواطئه مع «المافيا»

أصدرت محكمة في نابولي حكماً بالسجن، في حق مُدافع فريق «مونتسا» الدولي أرماندو إيتزو، لمدة 5 أعوام؛ بسبب مشاركته في التلاعب بنتيجة مباراة في كرة القدم. وقال محاموه إن إيتزو، الذي خاض 3 مباريات دولية، سيستأنف الحكم. واتُّهِم إيتزو، مع لاعبين آخرين، بالمساعدة على التلاعب في نتيجة مباراة «دوري الدرجة الثانية» بين ناديه وقتها «أفيلينو»، و«مودينا»، خلال موسم 2013 - 2014، وفقاً لوكالات الأنباء الإيطالية. ووجدت محكمة في نابولي أن اللاعب، البالغ من العمر 31 عاماً، مذنب بالتواطؤ مع «كامورا»، منظمة المافيا في المدينة، ولكن أيضاً بتهمة الاحتيال الرياضي، لموافقته على التأثير على نتيجة المباراة مقابل المال.

«الشرق الأوسط» (ميلانو)
الرياضة الدوري «الإسباني» يتعافى «مالياً» ويرفع إيراداته 23 %

الدوري «الإسباني» يتعافى «مالياً» ويرفع إيراداته 23 %

أعلنت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم، اليوم (الخميس)، أن الأندية قلصت حجم الخسائر في موسم 2021 - 2022 لأكثر من ستة أضعاف ليصل إلى 140 مليون يورو (155 مليون دولار)، بينما ارتفعت الإيرادات بنسبة 23 في المائة لتتعافى بشكل كبير من آثار وباء «كوفيد - 19». وأضافت الرابطة أن صافي العجز هو الأصغر في مسابقات الدوري الخمس الكبرى في أوروبا، والتي خسرت إجمالي 3.1 مليار يورو، وفقاً للبيانات المتاحة وحساباتها الخاصة، إذ يحتل الدوري الألماني المركز الثاني بخسائر بقيمة 205 ملايين يورو. وتتوقع رابطة الدوري الإسباني تحقيق صافي ربح يقل عن 30 مليون يورو في الموسم الحالي، ورأت أنه «لا يزال بعيداً عن المستويات قب

«الشرق الأوسط» (مدريد)
الرياضة التعاون يوقف قطار الاتحاد... ويمنح النصر «خدمة العمر»

التعاون يوقف قطار الاتحاد... ويمنح النصر «خدمة العمر»

منح فريق التعاون ما تبقى من منافسات دوري المحترفين السعودي بُعداً جديداً من الإثارة، وذلك بعدما أسقط ضيفه الاتحاد بنتيجة 2-1 ليلحق به الخسارة الثانية هذا الموسم، الأمر الذي حرم الاتحاد من فرصة الانفراد بالصدارة ليستمر فارق النقاط الثلاث بينه وبين الوصيف النصر. وخطف فهد الرشيدي، لاعب التعاون، نجومية المباراة بعدما سجل لفريقه «ثنائية» في شباك البرازيلي غروهي الذي لم تستقبل شباكه هذا الموسم سوى 9 أهداف قبل مواجهة التعاون. وأنعشت هذه الخسارة حظوظ فريق النصر الذي سيكون بحاجة لتعثر الاتحاد وخسارته لأربع نقاط في المباريات المقبلة مقابل انتصاره فيما تبقى من منافسات كي يصعد لصدارة الترتيب. وكان راغد ال

الرياضة هل يكرر الهلال إنجاز شقيقه الاتحاد «آسيوياً»؟

هل يكرر الهلال إنجاز شقيقه الاتحاد «آسيوياً»؟

يسعى فريق الهلال لتكرار إنجاز مواطنه فريق الاتحاد، بتتويجه بلقب دوري أبطال آسيا بنظامها الجديد لمدة عامين متتاليين، وذلك عندما يحل ضيفاً على منافسه أوراوا ريد دياموندز الياباني، السبت، على ملعب سايتاما 2022 بالعاصمة طوكيو، بعد تعادل الفريقين ذهاباً في الرياض 1 - 1. وبحسب الإحصاءات الرسمية للاتحاد الآسيوي لكرة القدم، فإن فريق سوون سامسونغ بلو وينغز الكوري الجنوبي تمكّن من تحقيق النسختين الأخيرتين من بطولة الأندية الآسيوية أبطال الدوري بالنظام القديم، بعد الفوز بالكأس مرتين متتاليتين موسمي 2000 - 2001 و2001 - 2002. وتؤكد الأرقام الرسمية أنه منذ اعتماد الاسم الجديد للبطولة «دوري أبطال آسيا» في عا

فارس الفزي (الرياض)
الرياضة رغد النعيمي: لن أنسى لحظة ترديد الجماهير اسمي على حلبة الدرعية

رغد النعيمي: لن أنسى لحظة ترديد الجماهير اسمي على حلبة الدرعية

تعد الملاكمة رغد النعيمي، أول سعودية تشارك في البطولات الرسمية، وقد دوّنت اسمها بأحرف من ذهب في سجلات الرياضة بالمملكة، عندما دشنت مسيرتها الدولية بفوز تاريخي على الأوغندية بربتشوال أوكيدا في النزال الذي احتضنته حلبة الدرعية خلال فبراير (شباط) الماضي. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قالت النعيمي «كنت واثقة من فوزي في تلك المواجهة، لقد تدربت جيداً على المستوى البدني والنفسي، وعادة ما أقوم بالاستعداد ذهنياً لمثل هذه المواجهات، كانت المرة الأولى التي أنازل خلالها على حلبة دولية، وكنت مستعدة لجميع السيناريوهات وأنا سعيدة بكوني رفعت علم بلدي السعودية، وكانت هناك لحظة تخللني فيها شعور جميل حينما سمعت الج


بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
TT

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)

حققت الأفغانية مانيزها تالاش حلمها بالأداء خلال مسابقات «أولمبياد باريس 2024» المقامة في العاصمة الفرنسية، ضمن فريق اللاجئين، بعد هروبها من قبضة «طالبان».

وترقص تالاش (21 عاماً) «بريك دانس»، وكانت أول راقصة معروفة في موطنها الأصلي (أفغانستان)، لكنها فرَّت من البلاد بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في عام 2021. ومع ظهور رقص «البريك دانس» لأول مرة في الألعاب الأولمبية في باريس، ستصعد تالاش إلى المسرح العالمي لتؤدي ما هي شغوفة به.

وتقول تالاش في مقابلة أُجريت معها باللغة الإسبانية: «أنا أفعل ذلك من أجلي، من أجل حياتي. أفعل ذلك للتعبير عن نفسي، ولأنسى كل ما يحدث إذا كنت بحاجة إلى ذلك»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

ترقص تالاش «بريك دانس» وهي في عمر السابعة عشرة (حسابها الشخصي - إنستغرام)

شبح «طالبان»

يرفض العديد من الأفغان المحافظين الرقص، وفكرة مشاركة النساء محظورة بشكل خاص. وفي ظل حكم «طالبان»، مُنعت النساء الأفغانيات فعلياً من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية. منذ عودة الجماعة إلى السلطة قبل 3 سنوات، أغلقت الحكومة مدارس البنات، وقمعت التعبير الثقافي والفني، وفرضت قيوداً على السفر على النساء، وحدَّت من وصولهن إلى المتنزهات وصالات الألعاب الرياضية.

مقاتل من «طالبان» يحرس نساء خلال تلقي الحصص الغذائية التي توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل (أ.ب)

وقال تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان هذا العام إن «عدم احترام (طالبان) للحقوق الأساسية للنساء والفتيات لا مثيل له في العالم». منذ اليوم الذي بدأت فيه تالاش الرقص، قبل 4 سنوات، واجهت العديد من الانتقادات والتهديدات من أفراد المجتمع والجيران وبعض أفراد الأسرة. وقالت إنها علمت بأنها إذا أرادت الاستمرار في الرقص، فليس لديها خيار إلا الهروب، وقالت: «كنت بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة».

فريق اللاجئين

سيضم الفريق الذي ظهر لأول مرة في ألعاب «ريو دي جانيرو 2016»، هذا العام، 36 رياضياً من 11 دولة مختلفة، 5 منهم في الأصل من أفغانستان. وسيتنافسون تحت عَلَم خاص يحتوي على شعار بقلب محاط بأسهم، للإشارة إلى «التجربة المشتركة لرحلاتهم»، وستبدأ الأولمبياد من 26 يوليو (تموز) الحالي إلى 11 أغسطس (آب). بالنسبة لتالاش، التي هاجرت إلى إسبانيا، تمثل هذه الألعاب الأولمبية فرصة للرقص بحرية، لتكون بمثابة رمز الأمل للفتيات والنساء في أفغانستان، ولإرسال رسالة أوسع إلى بقية العالم.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

وفي فبراير (شباط) الماضي، تدخلت صديقة أميركية لتالاش، تُدعي جواركو، بالتقديم إلى عناوين البريد الإلكتروني الأولمبي لمشاركة الفتاة الأفغانية، وفي اليوم التالي، تلقت رداً واحداً من مدير فريق اللاجئين الأولمبي، غونزالو باريو. وكان قد تم إعداد فريق اللاجئين المتوجّه إلى باريس، لكن المسؤولين الأولمبيين تأثروا بقصة تالاش وسارعوا إلى تنسيق الموارد. وافقت اللجنة الأولمبية الإسبانية على الإشراف على تدريبها، وكان المدربون في مدريد حريصين على التطوع بوقتهم.

وقال ديفيد فينتو، المدير الفني للمنتخب الإسباني: «شعرت بأنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا. في شهر مارس (آذار)، حصلت تالاش على منحة دراسية، مما سمح لها بالانتقال إلى مدريد والتركيز على الاستراحة. وبعد بضعة أسابيع فقط، وصلت الأخبار بأنها ستتنافس في الألعاب الأولمبية». يتذكر جواركو: «لقد انفجرت في البكاء، وكانت تبتسم».

وقالت تالاش: "كنت أبكي بدموع الفرح والخوف".وجزء من مهمة الألعاب الأولمبية المعلنة هو "دعم تعزيز المرأة في الرياضة على جميع المستويات" وتشجيع "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة". ولهذا السبب، كانت العلاقة بين الحركة الأولمبية وأفغانستان مشحونة منذ فترة طويلة. وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتعليق عمل اللجنة الأولمبية في البلاد في عام 1999، وتم منع أفغانستان من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيدني.

شغفها حقق هدفها

لم يغِب عن تالاش أن موسيقى «البريك» و«الهيب هوب»، المحظورة في موطنها، أعطتها هدفاً لحياتها، وساعدت أيضاً في إنقاذ عائلتها. وقالت: «هذا أكبر بكثير من أي حلم حلمت به من قبل أو حتى يمكن أن أفكر فيه»، مضيفة: «إذا قالت (طالبان) إنها ستغادر في الصباح، فسوف أعود إلى منزلي بعد الظهر».

ويحكي جواد سيزداه، صديق تالاش وزعيم مجتمع «الهيب هوب» في كابل: «إذا سألت الأجانب عن أفغانستان، فإن الشيء الوحيد الذي يتخيلونه هو الحرب والبنادق والمباني القديمة. لكن لا، أفغانستان ليست كذلك». وأضاف: «أفغانستان هي تالاش التي لا تنكسر. أفغانستان هي التي أقدم فيها بموسيقى الراب، ليست الحرب في أفغانستان وحدها».

وعندما كانت تالاش في السابعة عشرة من عمرها، عثرت على مقطع فيديو على «فيسبوك» لشاب يرقص «بريك دانس» ويدور على رأسه، في مشهد لم يسبق لها أن رأت شيئاً مثله. وقالت: «في البداية، اعتقدت أنه من غير القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء». ثم بدأت تالاش بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو، وأصابها الذهول من قلة الراقصات. وأوضحت: «قلتُ على الفور: سأفعل ذلك. أنا سوف أتعلم».

وقامت بالتواصل مع الشاب الموجود في الفيديو (صديقها سيزداه) الذي شجعها على زيارة النادي المحلي الذي تدرب فيه، والذي كانت لديه محاولة لتنمية مجتمع «الهيب هوب» في كابل، ولجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة جميع الأعمار والأجناس للرقص وموسيقى الراب. كان هناك 55 فتى يتدربون هناك. كانت تالاش الفتاة الأولى.

وقال سيزداه (25 عاماً): «إذا رقص صبي، فهذا أمر سيئ في أفغانستان وكابل. وعندما ترقص فتاة، يكون الأمر أسوأ. إنه أمر خطير جداً. رقص الفتاة أمر غير مقبول في هذا المجتمع. لا توجد إمكانية لذلك.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

كنا نحاول أن نجعل الأمر طبيعياً، لكنه كان صعباً للغاية. لا يمكننا أن نفعل ذلك في الشارع. لا يمكننا أن نفعل ذلك، كما تعلمون، في مكان عام»، وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

كانت تالاش أول فتاة تنضم إلى نادي الرقص «Superiors Crew» في كابل.

تهديدات بالقتل

بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، فرَّ أعضاء النادي إلى باكستان. وفي أحد الأحداث الجماعية الأولى للفريق في النادي الصغير، انفجرت سيارة مفخخة في مكان قريب. ووقعت إصابات في الشارع، لكن الراقصين بالداخل لم يُصابوا بأذى. ومع انتشار أخبار بأن تالاش كانت ترقص، بدأت تتلقى تهديدات بالقتل.

مقاتل من «طالبان» يقف في الحراسة بينما تمر امرأة في العاصمة كابل يوم 26 ديسمبر 2022... وشجب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القيود المزدادة على حقوق المرأة بأفغانستان (أ.ب)

كان من المفترض أن يكون النادي مكاناً آمناً، ولكن في أحد الأيام دخل رجل مدعياً أنه راقص يريد التعلم. وبدا مريباً لباقي الأعضاء، ووفقاً لتالاش وسيزداه، سرعان ما داهمت قوات إنفاذ القانون النادي، وألقت القبض على الرجل الذي كان يحمل قنبلة. قال سيزده: «إنهم قالوا إنه عضو في (داعش). لقد أراد فقط أن يفجِّر نفسه».

رحلة الهروب للنجاة!

وبعد بضعة أشهر من الواقعة، غادرت قوات «حلف شمال الأطلسي» والجيش الأميركي أفغانستان، وعادت «طالبان» إلى السلطة في 2021، وقال سيزداه إن مالك العقار اتصل به وحذره من العودة، وإن الناس كانوا يبحثون عن أعضاء الفريق، وقال سيزداه: «هناك أسباب كثيرة» للمغادرة. «الأول هو إنقاذ حياتك».

وقام العشرات من أعضاء نادي «الهيب هوب» بتجميع ما في وسعهم وتحميلهم في 3 سيارات متجهة إلى باكستان. أخذت تالاش شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً، وودعت والدتها وأختها الصغرى وأخاً آخر.

وقالت تالاش: «لم أكن خائفة، لكنني أدركت أنني بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة. كان هذا مهماً بالنسبة لي. لم أغادر قط لأنني كنت خائفة من (طالبان)، أو لأنني لم أتمكن من العيش في أفغانستان، بل لأفعل شيئاً، لأظهر للنساء أننا قادرون على القيام بذلك؛ أنه ممكن». اضطرت تالاش إلى ترك والدتها في أفغانستان، وتحقق الحلم الأولمبي ولم شمل الأسرة.

لمدة عام تقريباً، عاشوا بشكل غير قانوني في باكستان دون جوازات سفر وأمل متضائل. لم يشعروا بالأمان في الأماكن العامة، لذلك قضى 22 شخصاً معظم اليوم محشورين معاً في شقة. لم يكن هناك تدريب أو رقص. تلقت تالاش كلمة مفادها أن مسؤولي «طالبان» اتصلوا بوالدتها في كابل للاستفسار عن مكان وجود الفتاة الصغيرة. وقالت: «أحياناً أتمنى أن أنسى كل ذلك»، ثم تواصل أعضاء نادي «الهيب هوب» مع السفارات ومجموعات المناصرة والمنظمات غير الحكومية للحصول على المساعدة. وأخيراً، وبمساعدة منظمة إسبانية للاجئين تدعى People HELP، تم منحهم حق اللجوء في إسبانيا.

انقسم الفريق، وتم نقل تالاش وشقيقها إلى هويسكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرقي إسبانيا. كانت لديها وظيفة تنظيف في صالون محلي، ورغم عدم وجود استوديو أو نادٍ مخصص للاستراحة، فقد وجدت صالة ألعاب رياضية تسمح لها بالرقص بعد ساعات العمل. بعد سنوات من الانفصال، تم لم شمل تالاش وعائلتها أخيراً حيث يعيشون الآن في نزل للاجئين بمدريد.