السودان يعترف بتفشي الفساد والإفلات من المحاسبة

مسؤول عدلي بارز يعتبره مهددًا للأمن القومي

السودان يعترف بتفشي الفساد والإفلات من المحاسبة
TT

السودان يعترف بتفشي الفساد والإفلات من المحاسبة

السودان يعترف بتفشي الفساد والإفلات من المحاسبة

أقر مسؤول عدلي سوداني بارز بأن الفساد يعد أحد مهددات الأمن القومي في البلاد، وقال إن الدولة جادة وعازمة على محاربة الفساد ومكافحة إفلات أصحاب الحصانة من الحساب، وبوجود سلبيات تحول دون تطبيق مكافحة الفساد في البلاد.
وقال رئيس لجنة إعداد مشروع قانون مكافحة الفساد بالسودان بابكر أحمد قشي في تصريحات أمس إن الأمن القومي للبلاد مهدد بالفساد، وإن لجنته اقترحت محاسبة أصحاب الحصانات من دون إلغائها، وإن الدولة عازمة وجادة في مكافحة «الظاهرة».
وتصنف منظمة الشفافية الدولية السودان من بين الدول الأكثر فسادًا في العالم، ويحتل المركز الثالث بعد كوريا الشمالية والصومال الدول الأقل شفافية والواقعة في ذيل القائمة بثمانية نقاط، بحصوله على 11 نقطة في مؤشر الشفافية البالغ 100 نقطة، في تقريرها لعام 2014.
وأضاف قشي عقب اجتماع لجنته بالخرطوم أمس إن المفوضية أنشأت لمساعدة الجهات العدلية الأخرى المختصة بمكافحة الفساد دون أن تلغي دور هذه الجهات، وأنها تعمل على إعداد «مشروع قانون» يتجاوز سلبيات حالت دون تطبيق قوانين سابقة لمكافحة الفساد الذي أعاق نمو اقتصاد البلاد وتحول لمعضلة تؤرق الحادبين على البلاد.
وقطع الرئيس البشير عقب أدائه لليمين الدستورية بأن تشهد دورته الرئاسية الحالية بسط قيم المحاسبة والشفافية، واتخاذ إجراءات حاسمة ضد الفساد، معلنا عن تشكيل هيئة عليا للشفافية ومكافحة الفساد بصلاحيات واسعة ومباشرة.
وفشلت آلية مكافحة الفساد السابقة التي كونها الرئيس البشير منذ أكثر من ثلاثة أعوام في البت في أي قضية فساد، رغم أنها أعلنت عن تقديم ملفات فساد لرئيس الجمهورية.
وحسب قشي فإن لجنته تتبنى ثلاثة محاور عمل تتضمن مراجعة الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي وقع عليها السودان، والاستفادة من جهود الرئاسة والقرارات الصادرة، فيما يتناول المحور الثاني منها قضية «الحصانات» التي تعيق تنفيذ القوانين، بيد أنه لم يدع لإلغاء الحصانات بل أن تتم الحيلولة بينها والتحول لعائق أمام تنفيذ القانون، ويتضمن المحور الثالث عقد ورش عمل وسمينارات لتوسيع المشاركة في إعداد مشروع القانون الذي يهدف لخلق هيئة تؤدي دورها بفعالية وشفافية ويسندها قانون قوي ونافذ، وأن المفوضية ستهتم بكافة قضايا الفساد التي تتناولها وسائل الإعلام، إضافة إلى جهود التقصي والتحري التي ستبذلها من جانبها.
ويقدم المراجع العام سنويًا تقارير عن اعتداءات على المال بمليارات الجنيهات السودانية، لكنها لا تجد آذانًا صاغية، وتحول الحصانات والمحسوبية دون خضوع المؤسسات والأفراد الذين أشارت إليهم تلك التقارير للمحاسبة.
ويتندر السودانيون من معدلات الفساد العالية في البلاد، والتي بلغت ذروتها بإعلان والي الخرطوم الجديد عن بيع كل الممتلكات الحكومية، وسخريتهم من الجهد الذي بذل في إنشاء «سد مروي» شمال الخرطوم والذي أعلن أنه سيحل مشكلة الطاقة في البلاد، لكن المحصلة أن العاصمة الخرطوم ومدن البلاد الأخرى تشهد قطوعات قاسية في الكهرباء والمياه في صيف البلاد الحار، ويرى كثير من المواطنين أن العجز الحالي في تزويدهم بالطاقة ومياه الشرب مرده الفساد الذي شاب تشييد السد.
كما يسخرون من الحصانات الواسعة التي يتمتع بها طيف كبير من الدستوريين الذين تتجاوز أعدادهم الآلاف ومحسوبيهم وعوائلهم، وتتداول على نطاق واسع تقارير عن فساد كبير في توزيع الأراضي الحكومية تطال مسؤولين كبار في الدولة.
ونقل المركز السوداني للخدمات الصحافية (إس إم سي) القريب من جهاز الأمن في وقت سابق أن فريقًا من منظمة الشفافية الدولي سيقوم بزيارة وشيكة للبلاد، يلتقي خلالها رئيس البرلمان والمراجع العام والجهات المعنية بمحاربة الفساد، تزامنا مع بدء أعمال الهيئة العليا لمكافحة الفساد التي أعلن عنها الرئيس السوداني عمر البشير بعد أدائه اليمين الدستورية.



​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
TT

​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)

يحتفل العالم في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) باليوم العالمي للمعلم، فيما لا يزال المعلمون في اليمن يعانون من ويلات الحرب التي أشعلها الحوثيون، إذ اعتقلت الجماعة ألف معلم على الأقل، وأجبرت عشرات الآلاف على العمل من دون رواتب منذ ثمانية أعوام، في حين اضطر الآلاف إلى العمل في مجالات أخرى لتوفير لقمة العيش.

وإلى جانب تدني المرتبات في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وتأخر صرفها والنزوح القسري، طال من يعمل في قطاع التعليم الانتهاكات طوال العشر السنوات الأخيرة، سواء من خلال التسريح القسري والاختطافات، أو نتيجة تحويل الحوثيين المدارس والمؤسسات التعليمية إلى معسكرات لتجنيد الطلاب، أو نشر الأفكار الطائفية بهدف تغيير التركيبة المذهبية في البلاد.

انقلاب الحوثيين أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين والطلاب على حد سواء (إعلام محلي)

في هذا السياق ذكرت الشبكة اليمنية لروابط الضحايا أن المعلم اليمني يستقبل هذه المناسبة وهو يعاني من انتهاكات جسيمة لحقوقه الأساسية، مما يحوّل هذه الذكرى إلى يوم حزين بدلاً من يوم احتفاء.

وقالت الشبكة إنه منذ ما يقارب عشر سنوات من الحرب التي تسبب بها انقلاب جماعة الحوثي على الدولة ومؤسساتها، يعاني المعلم من أزمة إنسانية متفاقمة، تتمثل في حرمانه من حقوقه المالية والمدنية والسياسية، وتعرضه لمختلف أشكال العنف والانتهاكات، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاختطاف والتهجير القسري.

ووفق ما ذهبت إليه الشبكة، فقد أدت هذه الأوضاع «المأساوية» إلى تدهور حاد في مستوى التعليم، وتفشي الجهل والأمية بين صفوف الشباب. ومع تأكيدها أنها تدرك حجم المعاناة التي يتعرض لها المعلمون في اليمن، أدانت بشدة جميع أشكال الانتهاكات التي يتعرضون لها خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، وطالبت المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالتحرك العاجل لإنهاء هذه الانتهاكات، وضمان حصول المعلمين على حقوقهم كاملة غير منقوصة.

وطالبت الشبكة التي تضم روابط ضحايا الانتهاكات في اليمن بصرف مرتبات المعلمين ومستحقاتهم بشكل منتظم، لضمان استقرارهم المعيشي، وتمكينهم من أداء مهامهم التعليمية على أكمل وجه، وتوفير بيئة عمل آمنة للمعلمين، حفاظاً على حياتهم وكرامتهم، ولتشجيعهم على الاستمرار في عملهم، والإفراج الفوري عن جميع المعلمين المعتقلين والمختطفين في سجون الحوثيين، وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.

معدلات الأمية ارتفعت إلى 70 % في الأرياف اليمنية (إعلام محلي)

كما طالبت الشبكة بتوفير الدعم اللازم لإعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية التي تأثرت بسبب الحرب، والعمل على تطوير المناهج الدراسية بما يتناسب مع احتياجات المجتمع اليمني.

ودعت جميع الأطراف وعلى وجهة الخصوص جماعة الحوثي المسلحة التي يتعرض المعلمون في مناطق سيطرتها إلى أشكال متعددة من الانتهاكات الممنهجة، إلى تحمل مسؤولياتها، والعمل الجاد على إنهاء معاناة المعلمين، وصرف رواتبهم، وتوفير الظروف المناسبة لهم لأداء دورهم الحيوي في بناء مجتمع يمني مزدهر.

مأساة التعليم

أكد «مركز ألف لحماية التعليم» أن المعلمين في اليمن واجهوا تحديات بالغة التعقيد خلال العقد الأخير، متجاوزين كل الصعوبات التي فرضتها ظروف النزاع وانعدام الأمن، حيث أثرت الحرب والهجمات المسلحة على قطاع التعليم بشكل كبير مما أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين والطلاب على حد سواء.

وبحسب ما أورده المركز بمناسبة اليوم العالمي للمعلم، فإن هناك ما يقارب من ألف معلم مختطف ومحتجز قسراً معظمهم لدى جماعة الحوثي، وذكر أن هذا الأمر انعكس سلباً على روح وواقع العملية التعليمية، ودفع كثيراً من المعلمين للبحث عن وظائف بديلة.

وناشد المركز المعني بحماية التعليم الحوثيين سرعة صرف رواتب المعلمين والتربويين في مناطق سيطرتهم، التي توقفت منذ عام 2016، والإيفاء بالتزاماتهم تجاه عشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات، وضمان حمايتهم من الاعتقال والاختطافات والإخفاء القسري والحجز التعسفي.

كما ناشد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بتحسين رواتب المعلمات والمعلمين في مناطق سيطرتها، والتي لا تفي بأبسط متطلبات الحياة المعيشية الضرورية في ظل تدهور أسعار الصرف وتفشي البطالة.

الحوثيون أجبروا عشرات الآلاف من المعلمين على العمل دون رواتب منذ 8 أعوام (إعلام محلي)

ودعا المركز الجهات المهتمة بالتعليم إلى تبني مشاريع تضمن استمرارية التعليم وتحسين جودته، وتعمل على دعم المعلمين وتدريبهم وتأهيلهم خاصة في ظل وجود شريحة واسعة من المتطوعات والمتطوعين الذين يعملون في الميدان لتغطية نسب العجز الكبيرة في الطاقم المدرسي، ودون أدنى معايير التأهيل والتدريب.

وتحدّث المركز عما وصفها بـ«مأساة التعليم في اليمن» وقال إن نسبة الأمية تقدر بنحو 70 في المائة في الأرياف، و38 في المائة في المدن، وذكر أن 45 في المائة من المعلمين لا يحملون شهادة الثانوية العامة، وأن 13.8 في المائة فقط لديهم شهادة جامعية، كما أن الخصخصة والافتقار إلى التنظيم أثرا سلباً على جودة التعليم في الوقت الذي يدخل فيه التعليم خارج اليمن مرحلة التحول الرقمي.

وكانت إحصائية حكومية حديثة ذكرت أن 4.5 مليون طفل باتوا خارج التعليم في اليمن، وهو رقم يزيد بمقدار الضعف على الرقم المسجل مع بداية النزاع، حيث لم يتجاوز العدد مليوني طفل.

مدارس طائفية

أفادت مصادر في الحكومة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» بأن قطاع التعليم يعاني من نقص شديد في الكوادر البشرية نتيجة وقف التوظيف منذ عام 2011، ومن بعد ذلك الحرب التي أشعلها الحوثيون في نهاية عام 2014.

وقالت المصادر إن كثيراً من المدارس استعانت بمتطوعين للعمل وتغطية العجز، إذ يحصلون على مكافآت شهرية متدنية لا تتجاوز عشرين دولاراً في الشهر يتم توفيرها من التبرعات التي يقدمها التجار أو من عائدات السلطات المحلية.

وأثّر تراجع سعر العملة المحلية، وفق المصادر، بشكل كبير على رواتب الموظفين العموميين وفي طليعتهم المعلمون، حيث أصبح راتب المعلم الواحد خمسين دولاراً بعد أن كان يعادل مائتي دولار.

وأشارت المصادر إلى أن هذا الوضع دفع بمجاميع كبيرة إلى ترك العمل في سلك التعليم والالتحاق بالتشكيلات العسكرية؛ لأنهم يحصلون على رواتب أعلى.

المياه تغمر ساحة إحدى مدارس صنعاء والطلاب ملزمون بالدوام (إعلام محلي)

وفي مناطق سيطرة الحوثيين تحدثت المصادر العاملة في قطاع التعليم عن تدهور مخيف في مستويات الالتحاق بالمدارس مع زيادة الفقر، وعجز الأسر عن توفير متطلبات التحاق أبنائها، والعروض التي يقدمها الحوثيون للمراهقين في سبيل الالتحاق بجبهات القتال والحصول على راتب شهري يساوي 100 دولار، إلى جانب التغذية ووضع أسرهم في صدارة قوائم المستحقين للمساعدات الغذائية التي توزعها المنظمات الإغاثية.

ووفق هذه الرواية، فإن اهتمام الحوثيين بتحويل المدارس إلى مواقع لاستقطاب المراهقين، ونشر الأفكار الطائفية وقطع مرتبات المعلمين وفرار الآلاف منهم خشية الاعتقال دفع بالجماعة إلى إحلال عناصرها بدلا عنهم، واختصار الجدول المدرسي إلى أربع حصص في اليوم بدلاً من سبع.

كما وجهت الجماعة عائدات صندوق دعم المعلم لصالح المدارس الطائفية الموازية التي استحدثوها خلال السنوات الأخيرة، ويتم فيها منح المعلمين رواتب تصل إلى 700 دولار، كما توفر هذه المدارس السكن الداخلي، والتغذية، والكتب المدرسية بشكل مجاني للملتحقين بها.