غادة السمان تقفز على دمشق الجريحة في روايتها الجديدة

رمزية اسم الكاتبة وكلاسيكية الكتابة في «يا دمشق وداعًا»

غادة السمان، غلاف الرواية
غادة السمان، غلاف الرواية
TT

غادة السمان تقفز على دمشق الجريحة في روايتها الجديدة

غادة السمان، غلاف الرواية
غادة السمان، غلاف الرواية

«يا دمشق وداعًا»، رواية جديدة لغادة السمان صادرة عن منشوراتها وهي تعتبر الجزء الثاني من روايتها الأولى بعنوان «الرواية المستحيلة». وفي الحديث عن مولودها الجديد، لا بدّ لنا من التوقف عند الإصدارات السابقة حيث كانت السمان تجعل من قارئها كبومتها الحاضرة دومًا في هذه الرواية، كلما وقعت عيناه على صورة شعرية جديدة، اتّسعتا ورحل معها في مدن من العجائب. من هنا أسقطت السمان على نفسها صفات الشاعرة الرومانسية العذبة وأحيانا كاتبة طفلة تتمرد وتثور لتقوى، فتظهر كما رسمت ذاتها في روايتها الأخيرة «مشاغبة زقاق الياسمين» أو «متمردة زقاق الياسمين».
مما لا شك فيه أن عشاق السمان انتظروا بفارغ الصبر عملاً جديدًا لها يحلِّق بهم بعيدًا، فيحملهم خلف حدود الكلمات ويفتح لهم آفاقًا جديدة لم ينجح سوى القليل من الأعمال الأدبية العربية في السنوات الأخيرة في محاكاتها..
عندما نفكر بقارئ كهذا، نشعر بوقع الصدمة عليه حين يقرأ «يا دمشق وداعًا» إذ يجد غادة السمان وإن في أوج رومانسيتها وسحرها، وألقها في نبش الصور الجميلة ووصفها المبدع، قابعة في دائرتها، وكأنها حبيسة قوقعة أدبية تأبى أن تخرج من صومعتها فتتنسك داخلها.
حين يمرر القارئ ناظريه على عنوان الرواية الذي أحسنت في اختياره قد تنتابه نوستالجيا إلى دمشق، دمشق الجريحة اليوم. فيضمّ الكتاب إلى صدره بقوة.. ولكن محتواه لن يأتي كما أوحى العنوان... لم تأخذنا السمان إلى دمشق اليوم... دمشق المرهقة النازفة، بل أعادتنا إلى دمشق في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي. تكشف السمان في روايتها الأخيرة عن آفات المجتمع العربي في ذلك الزمن التي ما زالت يعاني من تبعاتها الكثير من العائلات في المجتمعات المتشددة حتى يومنا هذا.. منها ظلم المرأة واستعبادها وكأنها كائن من الدرجة الثانية، فحتى الحب ليس من حقها وهو محرم، بحيث جاء في الرواية:
«كما فعلت جارتنا في زقاق الياسمين حين وضعت على لسان ابنتها جمرك لأن المسكينة تلفظت بكلمة حب». ولا يسمح للفتاة باختيار زوجها: «بنت تختار زوجها!».. أما الخطأ فكان في ذاك الوقت من «حق الذكور فقط».
وبين مطرقة الطلاق وسندان المجتمع المتشدد تولد خطيئة المرأة الكبرى: «والآن سأقترف الخطيئة الثانية (اجتماعيًا) سأعلن بمناسبة عيد ميلادي أنني أريد تطليق زوجي».
ولا تغفل السمان التوقف عند أهمية عذرية المرأة، مشيرةً إلى همجية المجتمع الذكوري في إلقاء اللوم على المرأة بكل الجرائم التي ترتكب ضدها، بما فيها جرائم الاغتصاب، فمثلاً قريبة زين اغتصبها خطيبها، رغم حجابها، وحمّلها والداها خطيئة فعلته الشنيعة.
وتستخدم السمان فن السخرية السوداء في عرض قضايا المجتمع فتقول: «الشرف المزعوم للأسرة كان أكثر أهمية من حياة أمها التافهة كبعوضة أنثى». وانطلاقًا من ذلك، نشير إلى حسن اختيارها للألفاظ التي تناسب المشهد، والكلمات الأكثر تأثيرا في تأجيج مشاعر القارئ.. فكلمة «بعوضة»، مثلاً، هي الكلمة المفتاح أو الكلمة الدالة على نظرة الرجل الدونية للمرأة.
ولكن كل تلك المواضيع التي أشرنا إليها عرضتها السمان بسياقات قصصية مباشرة خالية من الغرابة.. وهي أيضا قضايا وإن كنا ما زلنا نواجهها في عالمنا العربي، ولكنها طُرحت كثيرًا وعولجت في كتابات متعددة. فالتيار النسوي قام بثورات فكرية كثيرة، وفي السنوات الأخيرة اكتسبت النساء الكثير من حقوقهن.. وبالتالي فإن مقاربتها لمواضيع كهذه جاءت تقليدية قد عفا عليها الزمن. ولكن مما يسجل لصالح الكاتبة اعتمادها تقنية تعدد الأصوات في الرواية مِمّا يخلق اندماجا ويقرب الأحداث أكثر إلى الواقعية والمصداقية..
فنجد البطلة زين الخيّال تتكلم وأحيانا أخرى الدكتور وزوج زين، وفي مقاطع أخرى فضيلة ابنة عمها فضلاً عن شخصيات أخرى في النص. وهذا يمنح الرواية مستويات مختلفة تمثل المجتمع بكل أطيافه، فبالتالي تبتعد السمان باللجوء بهذا التكتيك عن صوت الأنا.
وكان يمكن اختصار الجزء المتعلق بالدكتور، فالكاتبة كررت الكثير من المعاني دون ضرورة فنية، كمثل ما ورد في الرواية عن الكذب: «البنت كاذبة سيئة (..)».
«تظاهرت بأنني لا أعرف عنها شيئًا حِيْن كذبت مدعية أنها ابنة راقصة (..)».
«لعلها تكذب أيضا وكذبها الرديء يسحرني (..)».
«لم أعرف يومًا امرأة تكذب على ذلك النحو الردي (..)».
«عجزها عن مقاومة الكذب (..)».
«كم هي فاشلة في فن الكذب (..).
قد تكون بعض أحداث «يا دمشق وداعًا» كما ذكرت غادة السمان في روايتها السابقة «من صنع الخيال الروائي الخرافي فقط لا غير، وأي تشابه مع أحياء أو أموات إنما هو من قبيل المصادفة»، ولكن قصة الحب التي عاشتها السمان تعشش في النص عندما تتحدث عن قصة حب مع كاتب فلسطيني. ربما جاء هذا الإسقاط سهوًا، إلا أن الكاتبة لم تستطع أن تتجرد، أو على أقل تقدير تتفلت، من قصة حب عاشتها هي بكافة تجلياتها الرومانسية الحاضرة بقوة في النص. يبقى قراء السمان اليوم أمام التحدي الأبرز في المفاضلة بين رمزية اسم الكاتبة وكلاسيكية روايتها التي لا شكّ لم توازِ توقعاتهم، فهل سيجرؤ القارئ وحتى الناقد على قول رأيه جهارًا؟
سؤال برسم الأيام المقبلة.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).