نصف أطفال غزة يعانون من تلوُّث المياه

مالحة وملوَّثة وغير صالحة للشرب

نفايات قرب بركة من المياه الملوثة في غزة نتيجة الفيضانات في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
نفايات قرب بركة من المياه الملوثة في غزة نتيجة الفيضانات في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

نصف أطفال غزة يعانون من تلوُّث المياه

نفايات قرب بركة من المياه الملوثة في غزة نتيجة الفيضانات في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
نفايات قرب بركة من المياه الملوثة في غزة نتيجة الفيضانات في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

يعاني معظم سكان قطاع غزة من نقص كبير في المياه، وغالباً ما تكون مياه الشبكة العامة التي تغذّي المنازل مالحة وملوّثة وغير صالحة للشرب. ويصل متوسط حصة الشخص من المياه في القطاع إلى نحو 88 لتراً في اليوم، وهي كمية تقلّ عن الحدّ الأدنى لمتطلّبات الحياة، الذي وضعته منظمة الصحة العالمية، ويبلغ 100 لتر يومياً.
وتُلقي الظروف السياسية والأمنية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، بثقلها على المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة، ويبلغ عددهم حالياً نحو مليوني شخص، من بينهم نحو 600 ألف لاجئ يسكنون في 8 مخيمات مكتظة. ويعتمد عدد من السكان على خدمات الرعاية الاجتماعية، ونظراً لارتفاع ثمن المياه (7 دولارات للمتر المكعب) التي يوفّرها باعة الصهاريج، تمتص مياه الشرب وحدها نحو ثلث قيمة المساعدات المالية الشهرية.

القيود الإسرائيلية تفاقِم أزمة المياه
تُشير تقديرات المعهد العالمي للمياه والبيئة والصحة (GIWEH) إلى أن 97 في المائة من المياه في غزة غير صالحة للشرب. وتوقّع تقرير صادر عن الأمم المتحدة في 2012 أن تصبح مشكلة تلوُّث المياه في غزة غير قابلة للإصحاح، وأرضها غير صالحة للسكن خلال عشر سنوات.
ويعاني نصف أطفال غزة من أمراض تنقلها المياه، وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية. فيما تشير إحدى المنظمات الحقوقية إلى أن ربع الأمراض المنتشرة في القطاع ناتجة عن تلوُّث المياه، و12 في المائة من وفيات الأطفال الصغار مرتبطة بالتهابات معوية على صِلَة بالمياه الملوّثة.
وتنتج أزمة المياه في غزة عن عدة أسباب مترابطة، أخطرها الحصار الإسرائيلي الذي أثّر سلباً على كمية ونوعية المياه من خلال السيطرة على الحدود التي تحول دون وصول المواد الأساسية كمواد البناء، والهجمات الصاروخية على مرافق وشبكات المياه والصرف الصحي ومحطة الطاقة في القطاع، إلى جانب نقص التغذية بالكهرباء. وتبيع إسرائيل جزءاً محدوداً من المياه للفلسطينيين في غزة، وفيما تنقل المياه من شمال الأراضي التي تسيطر عليها إلى جنوبها، لا يُسمح للفلسطينيين بنقل المياه من الضفة الغربية إلى غزة.
كما تتعرض المياه السطحية والجوفية في قطاع غزة لعوامل ضغط مختلفة. ونظراً لكون طوبوغرافية القطاع شبه مستوية مع اختلاف بسيط في التضاريس، ومع قلّة الأمطار نسبياً، فإن المياه السطحية تُشكّل نسبة ضئيلة من الموارد المائية. وتوجد في قطاع غزة ثلاثة أودية رئيسية، بما فيها وادي بيت حانون الذي يعبر الجزء الشمالي من القطاع، ويُعتبر من الأودية الجافة في أغلب السنوات، ولذلك توجد تعديات واضحة على مجراه. وكذلك وادي غزة، الذي يقع في جنوب المدينة ويمتد حوضه الساكب شرقاً خارج القطاع حتى جبال الخليل، ويصل تدفق المياه عبره في السنوات المطيرة إلى نحو 20 مليون متر مكعب سنوياً. ولكن تحجز إسرائيل التدفق الطبيعي لمياه الوادي إلى قطاع غزة من خلال إنشاء عدة مصدّات لتجميع المياه السطحية واستخدامها في مشاريع زراعية أو صناعية، مما يجعل الوادي جافاً معظم السنوات، باستثناء تلك التي تشهد هطولات غزيرة تؤدي إلى تدفقات تفوق الطاقة التخزينية للإنشاءات الإسرائيلية.
وهناك أيضاً وادي السلقا، الذي يقع في وسط قطاع غزة جنوب دير البلح، وهو من الأودية الصغيرة الذي ليس له مصب على البحر المتوسط لقلّة مياهه وبطء تدفقه. ولذلك، فإن المياه الجوفية هي المورد المائي الوحيد فعلياً في القطاع، حيث يعتمد السكان عليها لتأمين متطلباتهم المائية لأغراض الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي.
ويمثّل الخزّان الساحلي مصدر المياه الجوفية في قطاع غزة، وهو يمتد على كامل مساحته. ويتراوح سمك الطبقة الحاملة للمياه ما بين عدة أمتار في الشرق والجنوب الشرقي إلى ما بين 120 و150 متراً في المناطق الغربية على طول الشريط الساحلي.
وفي أجزاء كبيرة من المناطق الشمالية والجنوبية من قطاع غزة توجد كثبان رملية بسمك 20 إلى 30 متراً ذات نفاذية عالية تسمح بتسرُّب المياه السطحية عبرها، مما أدى على مر السنين إلى تكوين طبقات من المياه الجوفية العذبة. وفي المقابل، تسمح نفاذية هذه الكثبان برشح وتسرب مياه الصرف الصحي السطحية والمنصرفات الملوّثة الأخرى إلى المياه الجوفية.
ورغم أن المياه الجوفية في هذه المناطق تتميز بنوعية مياه قليلة الملوحة نسبياً، فإنها تحتوي على نسب مرتفعة من النترات نتيجة تلوّثها بمياه الصرف الصحي المتسربة عبر الكثبان الرملية، لا سيما أن معظم المناطق السكنية وشبكات الصرف الصحي في القطاع تقع ضمن هذه المناطق.
ومن ناحية أخرى، توجد طبقات من الغضار قليل النفاذية أسفل الطبقات الحاملة للمياه في الخزّان الساحلي. وتُعتبر هذه الطبقات صمّاء غير منتجة للمياه نهائياً، مما يجعل الخزّان الساحلي هو المصدر الوحيد عملياً للمياه في قطاع غزة حيث يتم الاعتماد عليه لتلبية جميع الاحتياجات المائية.

ملوِّثات تتسرَّب إلى المياه الجوفية
توجد عدة مصادر لتلوُّث المياه في قطاع غزة، أهمها الصرف الصحي غير المعالج، ومنصرفات الأراضي الزراعية التي تحمل الأسمدة والمبيدات الكيميائية، والرشح من مكبات النفايات العشوائية، والمنصرفات الصناعية. وتغطي شبكات الصرف الصحي في قطاع غزة 78 في المائة من المساكن، في حين تستخدم المساكن المتبقية خزانات صرف أو حفراً تعفنية بسيطة ترشح منها المياه العادمة إلى المياه الجوفية.
وفيما تبلغ كمية المياه العادمة الناتجة عن قطاع غزة نحو 100 ألف متر مكعب يومياً، يشير مركز المعلومات الوطني الفلسطيني إلى أن نسبة المياه العادمة التي تصب في البحر تشكل 80 في المائة من مجمل المنصرفات، مجملها غير معالج أو معالج جزئياً. وتتسرب باقي المياه العادمة إلى الخزان الجوفي ملوثة المياه والتربة.
وتقتصر معالجة مياه الصرف الصحي في القطاع على ثلاثة أماكن لا تعدو كونها برك ترسيب لالتقاط المواد الصلبة، وتعاني من أزمة توفُّر الكهرباء. كما أن جزءاً من مياه الصرف يجري طرحه في وادي غزة، حيث تشكّل بركة على شاطئ البحر، تتكاثر فيها الحشرات وتعدّ مصدراً لانبعاث الروائح الكريهة. وفي مطلع 2021. جرى تشغيل محطة معالجة جديدة لمياه الصرف الصحي للتخفيف من مشكلة التلوُّث، بتمويل من الحكومة الألمانية.
وغالباً تُطرح المنصرفات الصناعية في القطاع من دون أي معالجة، مما يتسبب بتلوُّث التربة والمياه الجوفية، وكذلك مياه البحر. وتتشكل المنصرفات عن صناعات وورشات مختلفة، أهمها دباغة الجلود وعصر الزيتون وصباغة الأقمشة وتصليح السيارات. وتحتوي هذه المنصرفات عادة على تراكيز غير مقبولة من المعادن الثقيلة والأملاح، إلى جانب ارتفاع كل من مؤشر الأكسجين الكيميائي (COD)، ونسبة الأجسام الصلبة غير المنحلّة، والرقم الهيدروجيني، وغيرها.
وتشير دراسة نوعية المياه الجوفية في قطاع غزة إلى ارتفاع نسبة كلوريد الصوديوم والنترات بنسب تفوق المعدلات المسموح بها عالمياً. كما تسجل المياه الجوفية في أغلب مناطق القطاع، لا سيما في محافظات خان يونس ودير البلح ورفح وغزة، بينما تتجاوز توصيات منظمة الصحة العالمية فيما يخص مؤشرات الأجسام الصلبة غير المنحلّة والناقلية الكهربائية والنترات والصوديوم والقساوة وغيرها.
وتسهم المياه العادمة في تلويث البحر قبالة الشواطئ الفلسطينية، وهي واحدة من المشكلات البيئية الهامة إلى جانب انتشار النفايات على الشريط الساحلي ومخلّفات أنشطة الصيد البحري. وتُظهر تحاليل المياه في 17 موقعاً على طول شاطئ قطاع غزة وجود تلوُّث كيميائي وبيولوجي يختلف تبعاً لاختلاف فصول السنة، ويرتبط هذا التلوُّث بتدفّق مياه الصرف ونشاطات السكان وكمية الأمطار.
ويسهم التلوُّث، إلى جانب الحصار الإسرائيلي، في تدمير صناعة صيد الأسماك في قطاع غزة. وفيما كان الصيد مصدر رزق لنحو 10 آلاف صيّاد في القطاع، انخفض عدد الصيادين إلى 4 آلاف شخص فقط نتيجة للإجراءات الإسرائيلية التي فرضت تقليصاً لنطاق الصيد عام 2020. ويؤدي فقدان مورد الرزق في القطاع، حيث أكثر من نصف السكان عاطلين عن العمل، إلى عجز في دفع فواتير الماء وقلّة الموارد المالية الحكومية لمعالجة المياه.
لقد مرّ عامان منذ أن قدّرت الأمم المتحدة أن قطاع غزة سيصبح مكاناً غير صالح للعيش. ورغم المبادرات المحلية والمساعدات الدولية، التي يجري تقديمها للتخفيف من وطأة أزمة المياه، تبقى جميع هذه الإجراءات معالجات إسعافية لمشكلة كبيرة تتطلب حلولاً منهجية عميقة، في مقدمتها رفع القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاصر غزة.



باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
TT

باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)

تشكل الفكرة القائلة إنّ «المناطق الزرقاء» المشهورة في العالم بطول عمر سكانها وارتفاع نسبة المعمرين فيها، مجرد خدعة تستند إلى بيانات غير صحيحة، كما يؤكد أحد الباحثين.

هذه العبارة التي استُحدثت للإشارة إلى منطقة من العالم يقال إن سكانها يعيشون لفترة أطول من غيرهم ويتمتعون بصحة أفضل من قاطني مناطق اخرى. وكانت جزيرة سردينيا الإيطالية أوّل منطقة تُصنّف «زرقاء» عام 2004.

أدت الرغبة في العيش لأطول مدة ممكنة إلى ظهور تجارة مزدهرة، مِن وجوهها نصائح غذائية، وأخرى لاتباع أسلوب حياة صحي، بالإضافة إلى كتب وأدوات تكنولوجية ومكملات غذائية يُفترض أنها تساهم في طول العمر.

لكنّ الباحث البريطاني في جامعة يونيفرسيتي كوليدج بلندن سول جاستن نيومان، يؤكد في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ البيانات المتوافرة عن الأشخاص الأكبر سنّا في العالم «زائفة لدرجة صادمة جدا».

ودقق بحثه الذي يخضع حاليا لمراجعة، في البيانات المتعلقة بفئتين من المعمّرين: أولئك الذين تتخطى أعمارهم مائة عام، ومَن يبلغون أكثر من 110 سنوات، في الولايات المتحدة وإيطاليا وإنكلترا وفرنسا واليابان.

وفي نتيجة غير متوقعة، وجد أن «المعمّرين الذين تتخطى أعمارهم 110 سنوات» هم عموما من مناطق قطاعها الصحي سيئ وتشهد مستويات مرتفعة من الفقر فضلا عن أنّ سجلاتها غير دقيقة.

يبدو أنّ السر الحقيقي وراء طول العمر هو في «الاستقرار بالأماكن التي تُعدّ شهادات الميلاد نادرة فيها، وفي تعليم الأولاد كيفية الاحتيال للحصول على راتب تقاعدي»، كما قال نيومان في سبتمبر (أيلول) عند تلقيه جائزة «آي جي نوبل»، وهي مكافأة تُمنح سنويا للعلماء عن أبحاثهم التي تُضحك «الناس ثم تجعلهم يفكرون».

كان سوجين كيتو يُعدّ أكبر معمّر في اليابان حتى اكتشاف بقاياه المحنّطة عام 2010، وتبيّن أنه توفي عام 1978. وقد أوقف أفراد من عائلته لحصولهم على راتب تقاعدي على مدى ثلاثة عقود.

وأطلقت الحكومة اليابانية دراسة بيّنت أنّ 82% من المعمّرين الذين تم إحصاؤهم في البلاد، أي 230 ألف شخص، كانوا في الواقع في عداد المفقودين أو الموتى. ويقول نيومان «إن وثائقهم قانونية، لقد ماتوا ببساطة».

فالتأكّد من عمر هؤلاء الأشخاص يتطلّب التحقق من المستندات القديمة جدا التي قد تكون صحتها قابلة للشك. وهو يرى أن هذه المشكلة هي مصدر كل الاستغلال التجاري للمناطق الزرقاء.

* سردينيا

عام 2004، كانت سردينيا أول منطقة تُصنّف «زرقاء». وفي العام التالي، صنّف الصحافي في «ناشونال جيوغرافيك» دان بوتنر جزر أوكيناوا اليابانية ومدينة لوما ليندا في كاليفورنيا ضمن «المناطق الزرقاء». لكن في أكتوبر (تشرين الأول)، أقرّ بوتنر في حديث إلى صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه صنّف لوما ليندا «منطقة زرقاء» لأنّ رئيس تحريره طلب منه ذلك، إذ قال له عليك أن تجد منطقة زرقاء في الولايات المتحدة.

ثم تعاون الصحافي مع علماء سكان لإنشاء «بلو زونز» التي أضيفت إليها شبه جزيرة نيكويا في كوستاريكا وجزيرة إيكاريا اليونانية.

إلا أنّ سجلات رسمية لا تنطوي على موثوقية كبيرة مثل تلك الموجودة في اليابان، أثارت الشك بشأن العمر الحقيقي للمعمّرين الذين تم إحصاؤهم في هذه المناطق.

وفي كوستاريكا، أظهرت دراسة أجريت عام 2008 أن 42% من المعمرين «كذبوا بشأن أعمارهم» خلال التعداد السكاني، بحسب نيومان. وفي اليونان، تشير البيانات التي جمعها عام 2012 إلى أن 72% من المعمرين ماتوا. ويقول بنبرة مازحة «بقوا أحياء حتى اليوم الذي يصبحون اعتبارا منه قادرين على الاستفادة من راتب تقاعدي».

ورفض باحثون مدافعون عن «المناطق الزرقاء» أبحاث نيومان ووصفوها بأنها «غير مسؤولة على المستويين الاخلاقي والأكاديمي». وأكد علماء ديموغرافيا أنهم «تحققوا بدقة» من أعمار «المعمرين الذين تتخطى اعمارهم 110 سنوات» بالاستناد إلى وثائق تاريخية وسجلات يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر.

لكنّ نيومان يرى أنّ هذه الحجة تعزز وجهة نظره، ويقول «إذا انطلقنا من شهادة ميلاد خاطئة منسوخة من شهادات أخرى، فسنحصل على ملفات مترابطة جيدا... وخاطئة بشكل تام».

ويختم حديثه بالقول «كي تعيش حياة طويلة، ما عليك أن تشتري شيئا. استمع إلى نصائح طبيبك ومارس الرياضة ولا تشرب الكحول ولا تدخن... هذا كل شيء».