إقليم كردستان ينفي التفكير باستخدام المياه سلاحًا ضد الحكومة الاتحادية

مسؤول كردي: لا ندخل ما يرتبط بحياة المواطنين في مشكلاتنا

إقليم كردستان ينفي التفكير باستخدام المياه سلاحًا ضد الحكومة الاتحادية
TT

إقليم كردستان ينفي التفكير باستخدام المياه سلاحًا ضد الحكومة الاتحادية

إقليم كردستان ينفي التفكير باستخدام المياه سلاحًا ضد الحكومة الاتحادية

نفت وزارة الزراعة والري في حكومة إقليم كردستان أمس تقارير أفادت بنيتها استخدام المياه كورقة ضغط على بغداد، وبينت أن الإقليم لا يدخل المجالات المرتبطة بحياة المواطنين في المشكلات بين الجانبين، وكشفت أنها أنهت تخطيط وإنشاء 23 سدا صغيرا ومتوسطا في الإقليم لتوفير المياه.
وقال ماجد الدباغ، مدير إعلام وزارة الزراعة والري في حكومة إقليم كردستان، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإقليم لا يفكر في استخدام المياه للضغط على بغداد، فالكرد لم يستخدموا طوال التاريخ المياه كسلاح ضد العراق رغم ما تعرضوا له من ويلات من جانب الحكومات العراقية المتعاقبة، والقيادة الكردستانية حرصت وباستمرار على أن تكون المشكلات مع النظام السياسي في بغداد وليس مع الشعب العراقي، فالإقليم لا يستخدم أي ورقة ضغط مرتبطة بحياة المواطن العراقي».
وعن مستوى المياه في الإقليم، قال الدباغ: «تم الانتهاء من تخطيط وتصميم 23 سدا صغيرا ومتوسطا في الإقليم، لكن الأزمة الاقتصادية التي نمر بها منذ أكثر من عام حالت دون البدء بإنشاء هذه السدود، ونحن الآن نستطيع تأمين المياه في كردستان وليست لدينا أي مشكلة في هذا الإطار»، مشيرا إلى أن إنشاء السدود الكبرى في الإقليم تدخل في إطار المشاريع السيادية وتحتاج إلى موافقات من الحكومة الاتحادية.
ويعد إقليم كردستان المنطقة الرائدة في مجال مصادر المياه في العراق، فهو يمتلك الكثير من المصادر المائية المهمة التي تصلح لإقامة سدود عملاقة مستقبلا. وحاليا فإن في الإقليم ثلاثة سدود رئيسية، وهي سد دربنديخان، وسد دوكان، وسد دهوك، فيما يأتي 70 في المائة من مياه نهر دجلة من الإقليم. أما أنهار الإقليم فهي نهر الزاب الأعلى، والزاب الأسفل، وسيروان، والوند، والخابور. ويمتلك الإقليم العشرات من السدود الصغيرة التي تقع على الجداول المائية المنتشرة في كل مناطقه، وهي، بحسب المختصين في مجال المياه، لا تؤثر على الزراعة والري في مناطق العراق الأخرى، هذا بالإضافة إلى الكم الهائل من المياه الجوفية التي يمتلكها الإقليم.
من جانبه، أكد رئيس لجنة الزراعة والري في برلمان الإقليم، يعقوب جورجيس ياقو، لـ«الشرق الأوسط»، أن «مسألة المياه غير مرتبطة بطرف واحد فقط، وهي مسألة تعتمد على الاتفاقيات الدولية، ولا يمكن لجهة واحدة أن تضع السياسة والاستراتيجية المائية للعراق، ويجب مراعاة مصالح المواطنين فيها»، مشددا على أن العراق لا يستطيع إدارة استراتيجيته المائية والتخطيط لها من دون الإقليم؛ لأن السدود الرئيسية تقع في كردستان، فالمصادر المائية في كردستان تكفي الإقليم ومناطق العراق أيضا».
وتعتمد الكثير من المدن العراقية الواقعة بين الإقليم وبغداد في محافظتي ديالى وصلاح الدين على المياه القادمة من إقليم كردستان بشكل رئيسي، الأمر الذي يجعل من موضوع المياه، وبحسب مراقبين ومختصين، سلاحا قويا بيد الإقليم ضد بغداد مستقبلا. وفي هذا السياق، أفاد موقع شبكة «روداو» الإعلامية الكردية بأن مسؤولين في حكومة الإقليم نقلوا رسالة غير مباشرة إلى الحكومة الاتحادية في بغداد مفادها ألا تدرج بغداد الأنهار والمسطحات المائية في الإقليم ضمن استراتيجيتها المائية البعيدة المدى، ما يعني ضمنا أن الإقليم قد يتجه لاستخدام المياه وسيلة ضغط.
يذكر أن القيادة الكردية طالما نفت نيتها استخدام المياه ضد بغداد، حتى عندما فرض نظام رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي حصارا اقتصاديا على الإقليم خلال عام 2014 ورغم استمرار التوتر في العلاقات بين الجانبين إلى الآن.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.