بعدما تخلّص من عقبة إسبانيا في ثمن النهائي، ثم البرتغال في ربع النهائي، ستكون فرنسا، حاملة اللقب، الجار الأخير أمام المغرب في طريقه «الحلم» نحو النهائي التاريخي لمونديال قطر 2022.
سيكون ملعب «البيت» في الخور، مسرحاً لديربي الجيران الثاني في الدوحة، بعد الأول بين تونس وفرنسا (1-صفر) في الجولة الثالثة الأخيرة من الدور الأول.
سارع مدرب المغرب وليد الركراكي إلى الضغط على نظيره الفرنسي ديدييه ديشامب، مباشرة بعد إنجازه التاريخي كأول منتخب عربي وأفريقي يبلغ دور الأربعة، وقال في المؤتمر الصحافي على هامش المباراة: «إذا كان بإمكان منتخب أفريقي أن يتأهل إلى نصف النهائي، فلماذا لا نصل إلى النهائي؟ لدينا الحق في أن نحلم. الحلم مجاني، ولكن لن تمنحنا الدول الكبرى ذلك. يتعين علينا نحن البحث عن ذلك وبلوغ القمة».
وأضاف: «لكننا لم نفعل أي شيء حتى الآن. نحن على بعد مباراة واحدة من النهائي، وعلينا أن نكون أقوياء للقتال. إذا كنا في قمة مستوانا، فسيكون من الصعب جداً جداً الفوز علينا».
لاعبو فرنسا يتقدمهم المخضرم جيرو في التدريب لموقعة نصف النهائي (أ.ب)
وصار منتخب المغرب الذي يشارك في المونديال للمرة السادسة في تاريخه، ثالث منتخب من خارج قارتي أوروبا وأميركا الجنوبية يوجد في المربع الذهبي لكأس العالم، بعد الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية، في نسختي 1930 و2002. وبات التحدي الجديد لأبطال المنتخب المغربي يتمثل في عبور عقبة نظيره الفرنسي الطامح إلى أن يصبح أول فريق يحتفظ باللقب في نسختين متتاليتين، منذ البرازيل عامي 1958 و1962.
وفرض الركراكي و«أبطاله» أنفسهم رقماً صعباً في العرس العالمي في الدوحة، بخطتهم التكتيكية الفعالة، بالتكتل في خطي الدفاع والوسط، وعجز نجوم عدة عن اختراقها، آخرها «ترسانة» البرتغال: جواو فيليكس، وبرونو فرنانديز، وبرناردو سيلفا، وغونزالو راموس، وكريستيانو رونالدو، ورافائيل لياو.
مبابي مصدر خطورة فرنسا (أ.ف.ب)
وخلال المشوار لنصف النهائي، دخل مرمى «أسود الأطلس» هدف واحد فقط سجّله المدافع نايف أكرد، في المباراة ضد كندا، في الجولة الثالثة الأخيرة من دور المجموعات بالخطأ في مرمى ياسين بونو، صانع التأهل التاريخي إلى ربع النهائي، بتصديه لركلتين ترجيحيتين ضد إسبانيا (3-صفر)، بعد أن انتهى الوقتان الأصلي والإضافي صفر-صفر.
وأوضح الركراكي: «لدينا خطة واضحة. الكل يجب أن يعمل. حكيم زياش وسفيان بوفال لم يركضا مثلما فعلا ضد البرتغال؛ لكنهما يفعلان ذلك من أجل بلدهم، بطبيعة الحال. علينا أن نقاتل أكثر من الآخرين، ليست لدينا الأسلحة نفسها. إذا لم يكن لديك قلب، فلا يمكنك التغلب على هذه المنتخبات الكبيرة».
حكيمي مطالب بإيقاف خطورة مبابي (أ.ف.ب)
وأضاف: «لقد أصبحنا المنتخب الودود في كأس العالم هذه، ونظهر للعالم أنه يمكن أن يكون ذلك ممكناً في الحياة، مع قلة الجودة والمال، إذا كانت لديك الرغبة، وتريد العمل وتثق في نفسك. لكن مع الحذر، فإنها ليست معجزة أو صدفة. لقد واجهنا كرواتيا، وبلجيكا، وإسبانيا، والبرتغال. لم يدخل مرمانا أي هدف. إنه العمل وثماره».
وعكس الركراكي تقدّم الكرة الأفريقية في هذه البطولة؛ حيث نجح كل ممثليها بتحقيق فوز على الأقل، وأشار: «أفريقيا تعمل. العالم العربي يعمل. نحن نجعل شعبنا وقارتنا والعالم العربي سعداء. عندما تنظر إلى فيلم (روكي بالبوا)، فأنت تؤيده لأنه الشخص الذي يخرج من الأسفل ويتسلق الدرجات حتى القمة. نحن مثل (روكي) في كأس العالم هذه قليلاً».
وبينما أمَّل أن يكون الطموح والتعطش للفوز كافياً، عبّر الركراكي عن ثقته في مؤهلات المغرب الراغب في إعادة كتابة التاريخ، «وأن نضع أفريقيا على قمة العالم. لكنني لست مجنوناً، فأنا أعرف أن ذلك سيكون صعباً، كما أعرف أن كل هذه الروح والمعنويات والمحفزات ستكون مهمة، وستجعل مهمة فرنسا أيضاً صعبة في الفوز علينا».
وأضاف: «أعرف أن كل التوقعات ضدنا، ولكن نحن على ثقة. ربما نحن مجنونون، ولكن من الجيد أن تكون مجنوناً. إذا كانوا سيفكرون أننا متعبون، وهذا ما قالته منتخبات أخرى سابقاً، فسيكونون مخطئين، أريد أن أقول إننا لسنا متعبين وجاهزون للمباراة. سنقاتل من أجل تحقيق هذا الحلم، هذا ليس بالهزل بل أنا جاد فيما أقوله. أنا طموح. نحن جاهزون للفوز باللقب ودخول التاريخ من أجل المغرب وأفريقيا والدول التي حولنا، من أجل إخوتنا الجزائريين والتونسيين والمصريين والليبيين، كل أولئك الذين حلموا برؤية منتخب أفريقي في نصف النهائي والنهائي، هذه فرصتنا ولا يجب أن نضيعها، لا يجب أن ننتظر 40 عاماً لتحقيق ذلك». وعن المواجهة بين الصديقين أشرف حكيمي وكيليان مبابي، قال: «إذا كان هناك لاعب يعرف كيليان أفضل مني فهو حكيمي؛ لأنه يتدرّب معه يومياً، ولديه فكرة دقيقة عن هذا اللاعب؛ لكننا لن نغيّر الكثير، ولن نلجأ إلى خطة تكتيكية خاصة بكيليان. يجب ألا نركز على لاعب وحده؛ بل على المنتخب الفرنسي الذي يضم عديداً من اللاعبين الجيدين، مثل (أنطوان) غريزمان و(أوليفييه) جيرو، وعثمان (ديمبيلي). سنلعب بطريقة جماعية، وأشرف هو أفضل لاعب في العالم في مركزه، وسيقدم أفضل ما لديه. إنهما بطلان ولن يقدم أحدهما هدية للآخر».
ويعود المغرب إلى ملعب «البيت» الذي استهل منه مشواره الرائع في المونديال القطري، عندما أرغم كرواتيا -وصيفة بطلة النسخة الأخيرة- على التعادل السلبي، وكله أمل في استعادة لاعبيه المصابين، القائد رومان سايس، ونايف أكرد، ونصير مزراوي. وغاب مزراوي وأكرد عن مواجهة البرتغال، الأول بسبب المرض، والثاني بسبب الإصابة، بينما تعرض سايس لإصابة في الفخذ كان يعانيها في المباراة ضد إسبانيا، أرغمته على ترك مكانه لمدافع بريست الفرنسي أشرف داري، في الدقيقة 57.
وعلّق الركراكي عقب التأهل إلى نصف النهائي: «لا نعرف كم هي حظوظ اللاعبين مزراوي وأكرد وسايس لخوض المباراة المقبلة». وأضاف المدرب الذي سيفتقد خدمات المهاجم وليد شديرة لطرده ضد البرتغال: «في كل يوم تخسر لاعباً وتكسب آخر. لدي 26 لاعباً، وإذا أردت الفوز بهذه المسابقة فعليك أن تثق في الجميع، وعندما يصاب لاعب أو يمرض، يتعين عليك الدفع بلاعب آخر».
ويعوّل المغرب على نجومه في الدوري الفرنسي، أبرزهم ثنائي أنجيه: سفيان بوفال، وعز الدين أوناحي، ومدافع باريس سان جيرمان أشرف حكيمي. كما أن الركراكي يعرف جيداً كرة القدم الفرنسية، بعدما دافع عن ألوان أندية عدة أبرزها تولوز وغرونوبل وأجاكسيو.
وستكون مواجهة اليوم الرسمية الأولى بين المنتخبين المتواجهين 5 مرات ودياً، كانت الغلبة فيها لفرنسا 3 مرات.
ولن تكون فرنسا خصماً سهل المنال؛ خصوصاً أنها لُدغت من منتخب عربي أفريقي في هذه النسخة، عندما سقطت أمام تونس 0-1 عقب ضمانها التأهل في الجولة الثانية. لكن فرنسا التي أراحت كثيراً من نجومها أمام تونس، ستلعب اليوم بأسلحتها النارية، في مقدمتها أوليفييه جيرو، وعثمان ديمبيلي، وأنطوان غريزمان، ومبابي.
وشدد ديشامب على صعوبة مواجهة المغرب الذي يمتلك مؤازرة جماهيرية عربية كبيرة في الدوحة، وقال: «واجهنا صعوبات كبيرة خلال مسيرتنا في البطولة، وتمكنَّا من تجاوزها.
نتحلى بروح جيدة، وأظهرنا أننا جاهزون للتحديات. الآن نحن على موعد مع مباراة بالغة الأهمية». وعن منافسه أوضح: «لقد قام الركراكي بعمل استثنائي أهنئه عليه. لقد كان إنجازاً مذهلاً أن يصل لنصف نهائي كأس العالم، وهذا يثبت أنه مدرب قوي».
وكشف ديشامب: «فيما يتعلق بالبيانات، لدينا تكنولوجيا حديثة توفر لنا هذا النوع من الإحصائيات، وتقدم لنا معطيات أكثر مما كان متاحاً لنا في الماضي حول عناصر فريقنا والخصوم؛ لكن ذلك ليس مفيداً دائماً. الإحصائيات تقول لك شيئاً ونقيضه، والأمر يعتمد على تحليلك لها».
وعن قوة الدفاع المغربي، أكّد ديشامب الذي يقود فرنسا منذ عام 2012، وتُوج بالمونديال الروسي قبل 4 أعوام، ودوري الأمم الأوروبية العام الماضي: «سنجد حلاً للصلابة الدفاعية المغربية؛ لكن لا يجب أن نختزل المغرب في الشقّ الدفاعي فقط، وإلا ما كانوا ليصلوا إلى هنا. هدفنا خلق صعوبات لهم، والوصول إلى مرماهم، والتسجيل».
وأضاف: «لا مجال للخوف في مثل هذه المباريات الكبيرة. الموهبة والإمكانات الفردية وحدها لن تكون كافية للتأهل؛ بل نحتاج قوة العمل الجماعي والانسجام بين اللاعبين، وهي عوامل نركز عليها كثيراً في التدريبات اليومية. إنها أمور ضرورية جداً».
من جهته، يرى قلب دفاع فرنسا رافاييل فاران، أن منتخب بلاده لديه الخبرة اللازمة للتعامل مع ضغوط المواجهات الحاسمة، ودعا زملاءه إلى عدم التهاون أمام منتخب المغرب الذي أثبت أنه منافس مقاتل، وحجز مكانه في نصف النهائي عن جدارة. وأوضح فاران: «الأمر متروك لنا، مع لاعبينا الذين يمتلكون الخبرة، للمضي قدماً. سينبغي علينا القتال بقوة، ولن نعتقد أن الأمر سهل».
وعلى الرغم من غياب عديد من النجوم عن المنتخب الفرنسي قبل انطلاق البطولة بسبب الإصابة، مثل: كريم بنزيمة، ونغولو كانتي، وبول بوغبا، فإن الفريق شق طريقه بنجاح لنصف النهائي، وبات مرشحاً قوياً للاحتفاظ باللقب. وتمكن الثلاثي: كيليان مبابي، وأوليفييه جيرو، وأنطوان غريزمان، من ملء فراغ الغائبين؛ حيث قدموا أداء استثنائياً حتى الآن. ويتصدر مبابي قائمة هدافي النسخة الحالية برصيد 5 أهداف، متفوقاً بفارق هدف عن زميله جيرو، وكذلك الأسطورة الأرجنتيني ليونيل ميسي.
وبينما سجل مبابي وجيرو مجتمعين 9 أهداف من إجمالي 11 هدفاً أحرزها المنتخب الفرنسي في البطولة حتى الآن، فإن غريزمان تقمص دور صانع الألعاب في مواجهة إنجلترا، وكان وراء هدفي زميليه أوريلين تشواميني وجيرو (2-1).
ويخشى حارس وقائد منتخب فرنسا هوغو لوريس، من الأجواء الجماهيرية الحماسية للمنتخب المغربي ضد فريقه، في مواجهة نصف النهائي.
وقال: «إنها مباراة بين فريقين قويين موهوبين، وكل منتخب لديه هدفه، وهو التأهل إلى النهائي. لقد تغلبوا على بلجيكا وإسبانيا والبرتغال، وتأهلوا من دور المجموعات في المركز الأول، هذا يخبرك أنهم خصوم أقوياء».
وبما أن المونديال يقام للمرة الأولى على أرض عربية، وبات جلياً أن حضور الجماهير العربية غلّاب في مباريات المغرب، أشار لويس: «نتوقع أن تكون الأجواء ضد فريقنا داخل الملعب. منافسنا سيكون مدهوماً بكل العرب الموجودين في الدوحة؛ لكننا جاهزون لأي شيء. علينا أن نظهر أننا على استعداد لرفع المستوى، إلى أن نكون في قمة مستوانا».