شهادة إنجليزية عن الهوس بـ«الساحرة المستديرة»

ديفيد كون أشهر محرري «الغارديان» يروي ذكرياته معها

شهادة إنجليزية عن الهوس بـ«الساحرة المستديرة»
TT

شهادة إنجليزية عن الهوس بـ«الساحرة المستديرة»

شهادة إنجليزية عن الهوس بـ«الساحرة المستديرة»

رغم أن كتاب «سقوط الفيفا» للكاتب البريطاني ديفيد كون يتناول وقائع وشبهات مثيرة للجدل حول مدى نزاهة الاتحاد الدولي لكرة القدم، فإن المؤلف يفرد مساحة كبير لشغف وجنون اللعبة كما عاصرها طفلاً في مدينة مانشستر ببريطانيا.
ويؤكد في الكتاب الصادر في القاهرة عن دار «العربي»، ترجمة محمد عثمان خليفة، أنك لن تجد أحداً من ملايين بل مليارات محبي كرة القدم لا يتذكر تفاصيل مباريات أول بطولة كأس عالم يشاهدها في حياته مشاهدة الصغار. لا أحد ينسى تفاصيل الفرجة على هؤلاء النجوم عبر شاشات التلفزيون وهم يتألقون ويلمعون في مباريات مثيرة لا تُنسى، إنها أعظم تجربة ترفيهية يعايشونها وقد أسهمت من دون شك في تكوين شخصياتهم.
أما عن أول بطولة كأس عالم بالنسبة إليه فكانت بطولة 1974 التي استضافتها ألمانيا الغربية آنذاك، والتي ظفرت كذلك بكأسها بفضل فريق قوي متكامل بقيادة وإلهام ورؤية قائده الفذ «فرانز بكنباور»، حتى إنه تمكن من التغلب على منتخب هولندا الساحر وقائده «يوهان كرويف».
كان ديفيد في التاسعة وشاهد كل المباريات متسمراً أمام الشاشة الفضية داخل صندوقها الخشبي العتيد في غرفة المعيشة بمنزل العائلة في شمال مانشستر، تلك المدينة المعجونة بهوس كرة القدم بفضل وجود فريقين بها يحظيان بشهرة عالمية وهما «مانشستر سيتي» و«مانشستر يونايتد». ومن بين ذكريات المؤلف الأولى يوم أن كان يمشي إلى دار الحضانة مع صديقه «أنتوني» وشاهدا الصبية في مدرسة الكبار الابتدائية وهم يتنافسون على الكرة في ملعب المدرسة. وبينما كانا يمران عند الملعب سجل أحدهم هدفاً مسدداً الكرة بجانب قدمه لتمر بين قائمين خشبيين هما المرمى، ثم اندفع يركض فرحاً بكل قوة وقد رفع ذراعاً في الهواء ويلاحقه بقية لاعبي الفريق في جنون. في تلك اللحظة وُلد حلم ديفيد كون الدائم بأن يكون لاعباً بارعاً بهذه اللعبة. ورغم أن الحلم لم يتحقق بهذا الشكل، فإن الرجل أصبح المحرر الرياضي الأول في صحيفة «الغارديان» وأحد أشهر محرري كرة القدم في بريطانيا.
وقد أسهم وجوده صغيراً وسط حشود الجماهير في مدرجات استاد «أولد ترافود» معقل فريق مانشستر يونايتد أو في إستاد «ماين رود»، حيث يلعب فريق مانشستر سيتي في إثراء تجربته مع الكرة التي لم يتوقف عن ركلها في الملاعب والمتنزهات والحدائق. ويتذكر صديقاً لوالده وهو يشير إلى مجموعة مشجعين تتصايح بنشيد جماعي وفق إيقاع موسيقي فأدرك بالغريزة أن هناك موجة عارمة من العواطف والتقاليد تشكل عشق كرة القدم منذ زمن يسبق وجوده في هذه الدنيا.
ولما حانت اللحظة التي يتوجب على أي صبي في مانشستر أن يواجهها، لحظة الاختيار بين تشجيع «اليوناتيد» أو «السيتي»، لم يشأ أبوه الذي كان مشجعا لفريق «بولتون» أيام مجده أن يفرض عليه رأيه. وهكذا اختار تشجيع «السيتي» بإرادة حرة. لم يكن النادي حينذاك هو الذي نعرفه اليوم، صاحب الكيان التجاري العملاق الذي تحول لمجموعة متعددة الجنسيات تدير فريق كرة القدم.
في أوائل السبعينات، كان «السيتي» يمتلك نجوماً دوليين، وكان نادي المدينة المتفوق في تلك الأعوام. كان بوبي تشارلتون ملهم انتصارات «اليونايتد» وقائد الفريق الذي انتشله من آثار مأساة تحطم الطائرة في ميونيخ 1958، ونجم منتخب إنجلترا في كأسي العالم 1966 و1970 على وشك الاعتزال، وكذلك كان نجم اليونايتد الآيرلندي اللامع جورج بيست قد بدأ رحلة السقوط في حانات المدينة بعد أن أدهش العالم كله بمهارته الفذة. أما دينيس لو الضلع الثالث في مثلث «اليونايتد» الذهبي أيامها فقد قرر الانتقال إلى «السيتي» ليقود هجومه عاماً أو عامين، لتدور الأيام دورتها ويصبح هذا الفريق أحد أعظم فرق العالم تحقيقاً للبطولات والانتصارات محققاً معادلة صعبة تتمثل في الجمع بين الأداء الجميل وتحطيم الأرقام القياسية في عدد البطولات.


مقالات ذات صلة

مفاجأة... ثوهير يقيل مدرب إندونيسيا والبديل كلويفرت

رياضة عالمية شين تاي-يونغ (رويترز)

مفاجأة... ثوهير يقيل مدرب إندونيسيا والبديل كلويفرت

أقال الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم مدرب منتخب الرجال الكوري الجنوبي شين تاي-يونغ، كما أعلن رئيسه إريك ثوهير، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
رياضة سعودية منتخب السعودية لم يقدم ما يشفع له للاستمرار في البطولة (سعد العنزي)

هل يمكن معالجة جراح الأخضر قبل استئناف تصفيات كأس العالم؟

عندما تلقَّى المنذر العلوي بطاقة حمراء في الدقيقة 34، لم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن يخفق الأخضر في التفوق على 10 لاعبين من عُمان في سعيه لبلوغ النهائي الخليجي.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
رياضة سعودية حالة من الإحباط عاشها لاعبو الأخضر بعد الخروج الخليجي (تصوير: سعد العنزي)

رينارد يجهز تقرير «الأخضر»... و«اعتزال» العويس مجرد «ردة فعل»

مصادر قالت إن الاتحاد السعودي لكرة القدم لا يزال يثق بالجهازين الفني والإداري بقيادة المدرب الفرنسي هيرفي رينارد.

سعد السبيعي (الكويت)
رياضة عربية يونس محمود يخطط للترشح لرئاسة الاتحاد العراقي سبتمبر المقبل

يونس محمود يخطط للترشح لرئاسة الاتحاد العراقي سبتمبر المقبل

ينوي يونس محمود الترشح لرئاسة الاتحاد العراقي للمرة الأولى في تاريخه.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
رياضة سعودية جانب من اجتماع سابق للمكتب التنفيذي لكأس الخليج (الشرق الأوسط)

الخميس إعلان استضافة السعودية «خليجي 27» في سبتمبر 2026

قالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الجمعية العمومية لاتحاد كأس الخليج العربي ستعقد اجتماعاً في الكويت، الخميس، وستُمنح استضافة النسخة المقبلة للسعودية.

سعد السبيعي (الكويت)

تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه

هيثم حسين
هيثم حسين
TT

تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه

هيثم حسين
هيثم حسين

أحلم بسوريا جديدة تُعاد صياغتها على أسس المواطنة الحقيقيّة، حيث ينتمي الفرد إلى الوطن لا إلى طائفة أو عرق أو حزب... أتوق إلى وطنٍ لا يُجرّم فيه الحلم، ولا يُقمع فيه الاختلاف، وطنٍ يكفل لكلّ فرد حقّه في التعلم بلغته الأم، وفي التعبير عن هويّته وثقافته من دون خوف أو وصاية أو إنكار.

أحلم بسوريا تصان فيها الحريات العامّة، حيث يصبح احترام حرّية الرأي والتعبير قانوناً لا شعاراً أجوفَ، وحيث يُحمى المواطن لا أن يُساق إلى السجون أو المنافي لمجرّد مطالبته بحقوقه. سوريا التي أتمنّاها هي التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون، حيث لا تفضيلات ولا محسوبيات، لا فساد ينهش موارد البلاد ولا استبداد يدمّر مستقبلها.

أحلم ببلد يُدار بقوانين عادلة مستمدّة من حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، لا بقرارات فردية تُصادر الحياة برمّتها؛ حيث سيكون لكلّ فرد حقّه في التعلم والعمل والتعبير عن رأيه، وستُحترم لغات السوريّين وثقافاتهم كما تُحترم حياتهم. لن يُضطهد الكرديّ بسبب لغته، ولا أيّاً كان بسبب اختلافه أو رأيه أو معتقده، ولن يُنظر إلى الأقلّيات وكأنّها مُلاحقةٌ في وطنها، لن يكون هناك من فرق بين سوريّ وآخر. سوريا التي أنشدها ستُعيد الاعتبار إلى حقوق الجميع من دون تمييز، بحيث تُعتبر الحقوق واجبات تضمنها الدولة وتحميها.

أحلم أن تكون سوريا ما بعد الاستبداد دولة القانون والمؤسّسات، لا الفوضى والاستئثار بالسلطة. دولة تكفل لمواطنيها حرّية الاختيار وحرّية النقد، وتتيح لهم المشاركة الفاعلة في صنع مستقبلهم. لا أريد أن تُستبدل ديكتاتورية بأخرى، ولا أن يُعاد إنتاج التهميش تحت مسمّيات جديدة. أريد لوطني أن يتخلّص من إرث الديكتاتوريّة والعنف، وأن ينطلق نحو حياة كريمة يعلو فيها صوت الإنسان فوق أصوات السلاح والتناحر.

أحلم بسوريا تتجاوز «ثأراتها» التاريخية، سوريا التي تتصالح مع ماضيها بدل أن تعيد إنتاجه، فلا يكون فيها مَن يتسلّط على قومية أو لغة أو مذهب، سوريا التي تُبنى بالشراكة لا بالإقصاء.

سوريا التي أنشدها هي تلك التي لا تُعامل فيها لغة على أنّها تهديد للدولة، ولا يُعتبر فيها الكردي أو الأرمني أو الآشوري أو أي أحد آخر ضيفاً في أرضه.

لقد حُرمنا لعقود طويلة من التعلّم بلغتنا الكردية، ومن كتابة أحلامنا وهواجسنا بتلك اللغة التي نحملها بصفتها جزءاً من كينونتنا. لا أريد أن يُحرم طفل سوري - أياً كان انتماؤه - من لغته، لا أريد أن يُضطرّ أحد إلى الانكماش على ذاته خوفاً من رقابة السلطة أو وصاية المجتمع.

لا أريد أن تُلغى الذاكرة الكردية أو تُهمّش، بل أن تُعاد إليها قيمتها من دون مِنّةٍ أو مساومة، أن تُعاد اللغة إلى أصحابها الحقيقيِّين، أن تُدرَّس الكردية والعربية والآشورية وغيرها من اللغات في سوريا، وأن تكون كلّ لغة جسراً للمحبّة لا سلاحاً للتمييز.

أحلم بوطن تُرفع فيه المظالم عن كواهل السوريّين، فلا أرى مشرَّدين بين الأنقاض، ولا أسمع أنين أمّهات يبحثن عن جثامين أبنائهنّ المفقودين في كلّ مكان.

أحلم بوطن يتنفّس أبناؤه جميعاً بحرّيَّة، وطن يضمّد جراحه التي خلّفتها أنظمة الاستبداد، ويُفسح مكاناً للكرامة والحرية لتكونا أساسَين صلبَين لعقد اجتماعيّ جديد.

آمل أن تكون سوريا الناهضة من ركام نظام الأسد - الذي أعتبره تنظيماً مافيوياً لا غير - فضاءً يتّسع لاختلافنا. أن نستطيع العيش بوصفنا مواطنين كاملين، لا غرباء في أرضنا.

ولا يخفى على أحد أنّه لا يمكن بناء سوريا جديدة دون مواجهة الماضي بشجاعة وشفافية. العدالة الانتقالية ستكون الخطوة الأولى نحو تضميد جراح السوريين، لا بدّ من محاسبة عادلة لكلّ من ارتكب انتهاكات في حقّ الإنسان والوطن.

في سوريا التي أحلم بها، ستكون الثقافة حرّةً ومستقلة، مسرحاً للحوار والاختلاف، وفسحة لتجسيد التنوع السوريّ بجماله وثرائه. أحلم بروايات ومسلسلات تُحكى بكلّ لغات سوريا، ومعارض فنية تعبّر عن هموم السوريين وأحلامهم، ومسرح يضيء بصدق على المآسي والأمل معاً. الثقافة ستصبح أداة بناءٍ لا هدم، وحافزاً لإعادة اكتشاف الهوية المشتركة.

أحلم بوطن يحترم يحترم المرأة كإنسان وكشريك فعّال في بناء الحاضر والمستقبل، حيث تكون القوانين الضامنة لحقوقها جزءاً أصيلاً من بنية الدولة الجديدة. المرأة السورية التي واجهت الحرب بصبرها وشجاعتها تستحقّ أن تكون في مقدمة صفوف التغيير والنهضة.

أحلم بدولة تُوظّف مواردها لخدمة المواطنين، وتعتمد على طاقات الشباب والكفاءات السورية لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية تعيد الأمل وتكفل حياة كريمة للجميع. أحلم بوطن يعيد احتضان أبنائه المهاجرين المتناثرين في الشتات، ويفتح لهم أبواب المشاركة الفاعلة في إعادة البناء.

سوريا التي أحلم بها هي وطن يليق بتضحيات شعبها، وطن تتجلّى فيه القيم الإنسانية العليا، ويُعاد فيه الاعتبار إلى العدل والحرية والسلام.

كروائيّ تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه، وحُرم معي ملايين من السوريين من أبسط حقوقهم في الوجود، من حرية اللغة، والهوية، والانتماء الذي لم يكن يوماً خياراً، بل قيداً مفروضاً.

قد تبدو أحلامي رومانسيّة وبعيدة المنال، لكنّ الأحلام هي بذور المستقبل، وهي الأسس التي سنبني عليها غدنا المنشود.

هل سيظلّ هذا كلّه حلماً مؤجّلاً؟ ربّما. لكن، على الأقلّ، صار بإمكاننا كسوريّين أن نحلم!

* روائي سوري