غياب الصدر قد يبدو ظاهريا في صالح المالكي.. لكن شعبيته ستبقى مؤثرة انتخابيا

قيادي في ائتلاف دولة القانون: جماهيره الأقرب إلينا من حيث مرجعية التقليد

غياب الصدر قد يبدو ظاهريا في صالح المالكي.. لكن شعبيته ستبقى مؤثرة انتخابيا
TT

غياب الصدر قد يبدو ظاهريا في صالح المالكي.. لكن شعبيته ستبقى مؤثرة انتخابيا

غياب الصدر قد يبدو ظاهريا في صالح المالكي.. لكن شعبيته ستبقى مؤثرة انتخابيا

رغم أن قرار الاعتزال الذي اتخذه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، كان مفاجئا من حيث التوقيت فإن مواقف الكتل السياسية العراقية حيال هذه الخطوة، على ضوء قرارات الصدر السابقة بالاعتزال ومن ثم العودة، تتراوح بين الصمت والمجاملة. فباستثناء ما أعلنه رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي من موقف رافض بقوة لخطوة الصدر لجهة كونه لم يعد يمثل نفسه، فإن الكتل الأخرى لم تعبر عن مواقف رسمية واضحة ومحددة من هذه الخطوة.
فالتيار الصدري ذو الجماهيرية الواسعة الذي التصق بمن تبقى وريثا لأسرة الصدر، الزعيم الشاب مقتدى الصدر، بات يعيش صدمة حقيقية رغم أن الصدر أبقى المكاتب الشرعية شريطة عدم تدخلها في الأمور السياسية. لكن المفارقة أن التيار الصدري تيار جماهيري سياسي ودخل كل الانتخابات التي جرت في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين، وحقق خلال انتخابات عام 2010 حضورا كبيرا في الانتخابات بحصوله على 40 مقعدا، كما شارك في الحكومة بـ6 وزراء.
واليوم فإن السؤال الحائر هو: من المستفيد من غياب الصدر في هذه المرحلة من تاريخ العراق؟ فبالإضافة إلى الأزمات الخطيرة التي يمر بها العراق حاليا فإنه مقبل بعد نحو شهرين ونصف الشهر على انتخابات يمكن أن تقرر مساره المستقبلي. وبالقياس إلى الخلافات التقليدية العميقة بين الصدر ورئيس الوزراء نوري المالكي يبدو الأخير المستفيد الأكبر من غياب الأول. ونظرا لتكرار الحديث عن الضغوط التي بدأت تمارس من أجل الولاية الثالثة للمالكي، فإن غياب الصدر عن الساحة السياسية يبدو حتى الآن سلاحا له حدان. فهو من ناحية لصالح المالكي لجهة كونه أزاح خصما عنيدا جدا. من ناحية ثانية، لا تزال جماهير الصدر الغفيرة موالية له وتنتظر أي إشارة منه لانتخاب من يقرره في الانتخابات المقرر إجراؤها في 30 أبريل (نيسان) المقبل.
وفي هذا السياق فإن علي الشلاه، عضو البرلمان عن ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن «القرار الذي اتخذه الصدر بالانسحاب وإن كان شجاعا لجهة ما قدمه أعضاء كتلته وفي مقدمتهم رئيس كتلته بهاء الأعرجي من معلومات مضللة، إلا أنه خسارة كبيرة لنا جميعا في مثل هذه الظروف». وعما إذا كان الصدريون سيتوجهون إلى انتخاب كتلة عمار الحكيم أكثر مما سيتوجهون لانتخاب المالكي، قال الشلاه إنه «رغم كل ما يبدو من خلافات بيننا وبين السيد الصدر فإن جماهير الصدر هم الأقرب إلينا من حيث مرجعية التقليد»، مشيرا إلى «دولة القانون هيأت نفسها للانتخابات المقبلة باعتبار التيار الصدري تيارا منافسا رغم أنهم قد يصطفون معنا في الظروف الصعبة».
لكن عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية، حامد المطلك، قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «المستفيد الأكبر من غياب السيد مقتدى الصدر هي إيران لأن الصدر عمل خلال السنوات الأخيرة على صنع قرار عراقي مستقل وعلى كل الأصعدة وهو ما لا يروق لجهات كثيرة خارجية وداخلية وفي المقدمة منها إيران». وأشار المطلك إلى أن «الصدر محبط مما يجري حاليا حتى داخل التحالف الوطني لأنه ذو توجهات وطنية عراقية خالصة»، داعيا «الجميع إلى التدخل من أجل حمله على العودة عن هذا القرار».
من جهتها، أكدت كتلة التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي أن «الصدر شريك أساسي في العملية السياسية وأن من الصعب إيجاد بديل له أو ملء الفراغ الذي سيتركه». وقال الناطق الرسمي باسم الكتلة مؤيد الطيب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «خروج الصدر وتياره من العملية السياسية ليس في مصلحة أحد في العراق على المستوى البعيد وإننا ندعوه إلى التراجع ونأمل أن يكون هذا القرار مؤقتا».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.