معالِم طبيعية تحظى بصفة «الشخص الاعتباري» من أجل حمايتها

متنزه «كانيون الكبير» قرب نهر كولورادو في ولاية أريزونا الأميركية أحد أبرز المعالم الطبيعية في العالم (شاترستوك)
متنزه «كانيون الكبير» قرب نهر كولورادو في ولاية أريزونا الأميركية أحد أبرز المعالم الطبيعية في العالم (شاترستوك)
TT

معالِم طبيعية تحظى بصفة «الشخص الاعتباري» من أجل حمايتها

متنزه «كانيون الكبير» قرب نهر كولورادو في ولاية أريزونا الأميركية أحد أبرز المعالم الطبيعية في العالم (شاترستوك)
متنزه «كانيون الكبير» قرب نهر كولورادو في ولاية أريزونا الأميركية أحد أبرز المعالم الطبيعية في العالم (شاترستوك)

تشير الدلائل العلمية إلى أن الأزمة البيئية العالمية تتسارع، وأن القوانين البيئية لم تكن قادرة على عكس هذا الاتجاه. وتُجادِل حركة الاعتراف بالطبيعة كصاحبة حقوق بأنّ القوانين الحالية تنظّم تدمير العالم الطبيعي بدلاً من إيقافه. وعوضاً عن الإصلاح التدريجي لمثل هذه القوانين، يقرّ عدد متزايد من السلطات التشريعية حول العالم بحقوق للطبيعة، وإن كانت هذه الخطوة لا تضمن تماماً سلامة المعالم الطبيعية.
في كيبيك (كندا)، يتعرّض نهر ماغبي، الذي يبلغ طوله نحو 300 كيلومتر، لتهديدات مختلفة ناجمة عن إنشاء سدّ جديد لتوليد الطاقة الكهربائية. ورغم الجهود المبذولة لحماية النهر، تخشى المجتمعات المحلية أن يؤدي هذا المشروع لإلحاق ضرر واسع بنظام النهر البيئي. ولذلك أعطت مجالس وبلديات محلية خلال العام الفائت نهر ماغبي صفة «شخصية اعتبارية»، لتوفير أكبر قدر من اليقين حول مستقبل النهر. ويُعد هذا الإجراء الأول من نوعه في كندا.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، وافق مجلس الشيوخ الإسباني على مشروع قانون يكرّس الحقوق الشخصية لبحيرة مار مينور، التي تقع في شرق إسبانيا. وتتعرض البحيرة المالحة، التي تُعدّ الأكبر في أوروبا، لأضرار ناتجة عن الازدهار الطحلبي الذي تغذّيه الأسمدة المتجمّعة في منصرفات الأراضي الزراعية القريبة. ويتسبب هذا التلوُّث بخسائر كبيرة في البلح المروحي، وفرس البحر، وسرطان البحر، وأنواع الحياة البحرية الأخرى، إلى جانب أضرار جمّة في قطاع السياحة.
ولا يَعتبر القانون الجديد البحيرة ومستجمعات المياه فيها بشريين بالكامل، لكنه يعطي النظام البيئي حقاً قانونياً في الوجود، والتطور بشكل طبيعي، والتعافي. ومثل أي شخص اعتباري، يوجد للبحيرة أوصياء قانونيون، بما في ذلك لجنة علمية ستمنح المدافعين عن البحيرة صوتاً جديداً.
وفيما تُعتبر بحيرة مار مينور أول نظام بيئي في أوروبا يحصل على مثل هذه الحقوق، فإنّ هذا النهج في الحفاظ على الطبيعة اكتسب شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم على مدار العقد الماضي. وعلى سبيل المثال، تمّ منح نهر الغانج وكل نهر في بنغلاديش صفة الشخصية الاعتبارية منذ عام 2019، وفي أماكن أخرى ساعدت مفاهيم بعض مجتمعات السكان الأصليين في الدفع بهذا الاتجاه.
ويرى كثيرون أن أبرز قصة نجاح في هذا الشأن هي نهر وانغانوي في نيوزيلندا، الذي تمّ منحه حقوقاً قانونية بموجب قانون صادر عن البرلمان عام 2017. ومثل أي شخص، يمكن لأوصياء النهر رفع دعاوى قانونية، وإبرام العقود، وحيازة الممتلكات. وفي هذه الحالة، لم يكن الهدف وقف التلوُّث، بل دمج علاقة الماوريين (السكان الأصليين لنيوزيلندا) مع الطبيعة في القانون الغربي.
ولا يُعدّ منح الحقوق القانونية لغير البشر ثورياً في حد ذاته، أو غير عادي. ورغم أن الاعتبارات الأخلاقية تؤثر غالباً على تطور الحقوق القانونية، والعكس صحيح، فإنه لا يلزم أن يكون للحقوق القانونية أساس أخلاقي. ويمكن للقانون أن يمنح الحقوق لجميع أنواع الكيانات، إذا وجد سبب للقيام بذلك، ومن ذلك مثلاً الشركات والنقابات والدول التي تتمتع بكيانات قانونية لها حقوق وعليها واجبات ينص عليها القانون. وفعلياً، لا يجِد النظام القانوني صعوبة في الفصل بين الحقوق غير الإنسانية.
وتقدّم حقوق الطبيعة مزايا تفتقر إليها أنواع أخرى من الحماية القانونية للبيئة. فعلى سبيل المثال، لن تحمي حقوق الإنسان في العيش ضمن بيئة صحية الأنواع التي يتعارض وجودها مع الأنشطة البشرية. ويمكن لقوانين الحفظ، مثل قوانين حماية الأنواع المهددة بالانقراض، أن توفّر حماية الأنواع ولكنها لا تمنحها الحق في الوجود، وبالتالي، يمكن إزالة هذه الحماية في أي وقت حسب رغبات المشرّعين.
إذا تم الاعتراف بحقوق الأنواع الحيّة ككيانات قانونية بدلاً من ذلك، يمكن لممثلي الأنواع طلب التعويض عند تعرضها للأذى، حتى عندما لا تكون محمية بشكل صريح بواسطة اللوائح، وعندما تتعارض احتياجاتها مع احتياجات الإنسان. يمكن تفسير ذلك على أنه محاولة من قبل مجموعة مصالح واحدة (البشر) لفرض إرادتها على الآخرين (الأنواع الحيّة). وكما هي الحال مع الأشكال الأخرى من الحقوق، يمكن أن تؤدي حقوق الطبيعة إلى تعويضات عندما تفشل اللوائح في تصحيح المظالم.
ولم تُسفِر محاولات الدفاع عن حقوق الطبيعة من خلال النظام القانوني سوى عن نتائج محدودة حتى الآن. ولعبت الإكوادور وبوليفيا دوراً رائداً في الاعتراف بحقوق الطبيعة، ومع ذلك لم ينجح أي منهما في إبطاء تدهور بيئتهما. ورغم أن بعض قرارات المحاكم استندت إلى حقوق الطبيعة، وأسفرت عن نتائج إيجابية للبيئة، فإن السياسات الضارة بالبيئة في البلدين لم تتوقف.
ومن ناحية أخرى، لم تنجُ بعض محاولات الاعتراف بحقوق الطبيعة من الطعون القانونية. وعلى سبيل المثال، تمّ اعتبار القانون المحلي الذي أصدرته بلدة غرانت تاونشيب في ولاية بنسلفانيا الأميركية للاعتراف بحقوق المجتمعات الطبيعية والنظم البيئية في الوجود والازدهار والتطور الطبيعي تشريعاً استباقياً لقوانين الولاية وانتهاكاً لحقوق الشركات. ويعزز هذا المثال المخاوف من استخدام حقوق الطبيعة كذريعة لتمرير مصالح أخرى تحت غطاء حماية الطبيعة.
إحدى الإشكاليات الأخرى في منح المعالم الطبيعية ومجتمعات الأنواع الحيّة صفة الكيان القانوني هي كيفية الفصل في النزاعات بين حقوق الطبيعة وحقوق ومصالح الشركات، أو حتى حقوق الإنسان. وتمثّل هذه الإشكالية المؤشر الحقيقي على فاعلية حماية حقوق الطبيعة.
ورغم أن حقوق الطبيعة لا تهدف عادة إلى وقف جميع الأنشطة البشرية، فإنها تسعى لجعل الأنشطة الأكثر تدميراً للبيئة غير شرعية من وجهة نظر قانونية. على سبيل المثال، إذا كان لقِطعان أبقار المها حقوق في موطنها الطبيعي، فيمكن للمحاكم اعتبار الاستيلاء على موائلها والرعي الجائر في مناطق انتشارها غير قانوني، حتى لو لم يكن محظوراً صراحة بموجب القوانين البيئية الحالية.
إن الفصل في النزاعات بين حقوق الطبيعة والأنشطة البشرية سيبقى مثار جدل، لأنها تنتشر على نطاق واسع ومنهجي. ولكن من الواضح أن الطبيعة تخسر أكثر عندما لا تملك حقوقاً إزاء مصالح الناس والشركات، وقد يساعد منح الطبيعة بعضاً من حقوقها في الإقلال من الخسائر.



بعد 30 عاماً من السكون... أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك نحو الشمال

بعد 30 عاماً من السكون... أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك نحو الشمال
TT

بعد 30 عاماً من السكون... أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك نحو الشمال

بعد 30 عاماً من السكون... أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك نحو الشمال

يتحرك أكبر جبل جليدي في العالم مرة أخرى، بعد أن حوصر في دوامة طوال معظم العام.

تبلغ مساحة الجبل الجليدي «إيه تو ثري إيه» 3800 كيلومتر مربع (1500 ميل مربع)، أي أكبر من ضعف مساحة لندن الكبرى، ويبلغ سمكه 400 متر (1312 قدماً). انفصل عن القارة القطبية الجنوبية في عام 1986؛ لكنه سرعان ما علق قبالة الساحل مباشرة. وأدى عمق الجبل الجليدي إلى انغماس قاعه في قاع بحر ويديل، وهو جزء من المحيط الجنوبي؛ حيث ظل ثابتاً لأكثر من 30 عاماً، ثم بدأ في التحرك شمالاً في عام 2020، ولكن منذ الربيع، كان يدور في مكانه، بعد أن حوصر في عمود دوار من الماء بالقرب من جزر أوركني الجنوبية، وفق هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».

وقالت هيئة المسح البريطانية للقطب الجنوبي، إن الجبل الجليدي «إيه تو ثري إيه» ينجرف الآن نحو الشمال.

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور أندرو مايجرز، عالم المحيطات في هيئة المسح البريطانية للقطب الجنوبي: «من المثير أن نرى الجبل الجليدي يتحرك مرة أخرى بعد فترات من التجمد. نحن مهتمون بمعرفة ما إذا كان سيسلك المسار نفسه الذي سلكته الجبال الجليدية الكبيرة الأخرى التي انفصلت عن القارة القطبية الجنوبية». ويُعتقد أن الجبل الجليدي «إيه تو ثري إيه» سيغادر المحيط الجنوبي في نهاية المطاف ويدخل المحيط الأطلسي؛ حيث سيواجه مياهاً أكثر دفئاً، ومن المرجح أن يتفكك إلى جبال جليدية أصغر حجماً ويذوب في النهاية.

ويقوم الدكتور مايجرز وهيئة المسح البريطانية بالقطب الجنوبي بفحص تأثير الجبال الجليدية على النظم البيئية المحلية، بعد مرورها من خلالها.

قبل عام، جمع الباحثون على متن سفينة الأبحاث الملكية «السير ديفيد أتينبورو» بيانات من المياه المحيطة بـ«إيه تو ثري إيه».

وقالت لورا تايلور، عالمة الكيمياء الحيوية الجيولوجية التي كانت جزءاً من الطاقم: «نعلم أن هذه الجبال الجليدية العملاقة يمكن أن توفر العناصر الغذائية للمياه التي تمر عبرها، مما يخلق أنظمة بيئية مزدهرة في مناطق أقل إنتاجية»، وتابعت: «ما لا نعرفه هو الفرق الذي يمكن أن تحدثه الجبال الجليدية المعينة، وحجمها وأصولها في هذه العملية».