في نقد النقد واستسهال الكتابة وإسهال الكُتّاب

في نقد النقد واستسهال الكتابة وإسهال الكُتّاب
TT

في نقد النقد واستسهال الكتابة وإسهال الكُتّاب

في نقد النقد واستسهال الكتابة وإسهال الكُتّاب

يعرّف النقد البنّاء بأنه «عملية تقديم آراء صحيحة ووجيهة حول عمل الآخرين، والتي تنطوي عادة على تعليقات إيجابية وسلبية ولكن بطريقة ليست جارحة. وفي الأعمال الأدبية، غالبًا ما يكون هذا النوع من النقد أداة قيمة للارتقاء بمعايير الأداء والمحافظة عليها».
ولكن واقع الحال الذي نلاحظه في الوطن العربي هو غياب منهجية النقد الحيادية غير المنفلتة من أي ضوابط على اختلاف أنواعها وتشعباتها، وتوجُّه معظم النقاد الحاليين إلى ما تمكن تسميته بالنفخ الأدبي أي النقد التلميعي أو المقاربة البِلاطيّة إذا ما أردنا أن نقولها صراحة وعلانية، كل ذلك كي يستحوذ الناقد على رضا كبار الأدباء والشعراء والمبدعين أو حتى المبتدئين منهم، مختبئًا وراء قناع الصيغة التمجيدية للكاتب، بعيدًا عن أي مصداقية أدبية.
وينحصر السؤال هنا أين هو النقد العربي الذي يتصدى للأعمال الأدبية الرديئة التي تنتشر كالفِطر على رفوف المكتبات وتقتحم كبريات معارض الكتب العربية وتذهب أحيانا إلى حجز مكانة مرموقة لها في الفعاليات الثقافية الضخمة، هذا إن لم تشق طريقها نحو الجوائز الأدبية العربية ذات الطابع والهوية العالميَّين.
نكاد نقف أحيانا عاجزين أمام إيجاد لقاح مواتٍ لفيروس مديح كاذب، ينتحل صفة النقدية، متفشيًا داخل منظومة ثقافية تحكمها أكليشيهات بالية، مؤطَّرة باعتبارات ومصالح وتبادل «النقديات الأدبية» أو «الإخوانيات النقدية». وشتّان هنا بين هذه اللامهنية وبين ما يعتمده كبار النقاد الغربيين من منهجية نقدية تحتّم عليهم دراسة كل عمل أدبي على حدة، بعيدًا عن الاختباء وراء ألاعيب التعويم ومفردات التعميم والإشادة التي تصلح لكل عمل أدبي.
ومن ثم يمكن القول إن «التلوث الفكري» ووفرة المعروض الأدبي كميا لا نوعيا في عالمنا العربي، يعود إلى أربعة أسباب رئيسة:
الأول هو أعمال أدبية سَيِّئَة بتعابيرها وأسلوبها ولغتها، أعمال تجنح نحو الابتذال المفرط. والثاني هو تبعات الاعتبارات والمصالح الشخصية المتبادلة التي تفتك بدائرتنا الثقافية المغلقة بإحكام لتشد الخناق عليها، وتخنقها بسيل أعمال رديئة تشكل خطرًا يداهم البناء الثقافي والتراكم المعرفي لدى الجيل الجديد وبالتالي يؤثر على ذائقته الأدبية.
الثالث هو دور النشر العربية التي تعتبر المتهم الأول في قضية استسهال معايير الكتابة وانتشار كتب قيمتها الوحيدة لا تتجاوز نوعية الورق والحبر الذي طبعت به. فكثير من هذه الدور هي من أصحاب مقولة «ادفع تطبع» أو النشر على الحساب الخاص.. لا لجان تقييم أو قراءة للأعمال الأدبية لديها، ولا مدققين لغويين يتعقبون الأخطاء.. والساحة متاحة أمام الجميع.
هذه الكارثة الأدبية تهدد ثقافتنا، وتهين تراثنا الأدبي والفكري وتسيء إلى الكتاب أنفسهم حين تتضخم ذواتهم أمام ما ينتجونه من ركام منَ الكتب أغلبها لا يَصلُح ولا يُصلِح ولا يفيد ولا جمالية بل لا أدب فيه.
ظاهرة الكتب السيئة هي الظاهرة السائدة في ثقافتنا العربية في ظل عدم وجود حركة نقدية قوية تقف لها بالمرصاد وتغربل الجيد من الرديء وتنصف المبدع الحقيقي وتكشف الزائف، ويمكن لمتابعي الحركة النقدية أن يلاحظوا بيسر أن النقاد الجادين قد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة في كل اختصاص أدبي.
ومن الجانب الآخر، يمكن أن يطرح هنا تساؤل أكبر: من يحمي الناقد الموضوعي، الذي يبني حكمه بما يمليه عليه ضميره المهني في تقييم المنجز الإبداعي، من «المحسوبيات الأدبية»، ومن «ميليشيا الأدب»، التي تلاحقه بسهامها النارية، إن أعلن رأيا سلبيا في عمل ما. إن عصابات الثقافة وشللها منتشرة للأسف في كل دول العالم العربي تقريبا.
وهنا يجد مسؤولو الصفحات الثقافية والنقاد أنفسهم أمام تحدي التعامل مع المنتجات الأدبية الموغلة في رداءتها، فإن كان العمل سيئًا إلى حد تصبح عملية النقد محض استهزاءٍ بثقافة القارئ وإساءة إلى البنى والأسس النقدية وتجنّيًا على الناقد بإقحامه في عمل لا يتناسب مع مهاراته ولا يرقى به إلى مستوى النقد الأدبي.
وربما من الأفضل أن تخصص الصحف عامودًا تحت مسمى «نفايات الأدب» يُنسب إليه كل عمل غير جدير بالقراءة، ليكون عبرة يقتدي بها كل متشاعر أو دخيل على الأدب، فيُلجَم.
الكتب السيئة داء قد يفتك بمجتمعنا العربي تدريجيا ككل المنتجات السيئة أو المسرطنة كما سبق وذكرنا، ولكن التأثير الأكبر أو الأذية الكبرى تقع على القراء المبتدئين الذين يمكن أن تتعرض ذائقتهم الأدبية الليّنة إلى التلوث والتشويه، بسبب عدم قدرتهم على التمييز بين الغث والسمين.
ولا يمكننا هنا أن نغفل آفة تحول المجتمع الثقافي إلى مجتمع مخملي استهلاكي يسعى فيه كل من له سلطة أو قدرة على إصدار كتاب وعمل «إبداعي» تماما كمن يعجبه معطف من الفرو أو حقائب ممهورة بالعلامات التجارية الباهظة أو بعض إكسسوارات يزين بها حضوره الاجتماعي لتصبح الكينونة الثقافية جزءًا من مجتمع يفرّغ ثقافة الإبداع من معناها ويحولها إلى أداة استعراضية تجمل شكله وصورته ولا تلتفت للمضمون أو تثريه في ظل سيول من إسهال الكلام واستسهال الكتابة. الفعل الأدبي عملية إبداعية جمالية شاقة، وممارسة مسؤولة لا مجرد استهلاك سريع للكلمات المجانية التي يجب أن تأخذ طريقها لسلة المهملات لا لرفوف المكتبات.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).