مصالح مصر في «شرق المتوسط»... ما الثوابت والمتغيرات؟

استقبال القاهرة لوزيري خارجية ودفاع اليونان اعتبر رسالة لأنقرة

صورة نشرها المتحدث باسم الرئاسة المصرية للقاء السيسي وإردوغان على هامش افتتاح المونديال
صورة نشرها المتحدث باسم الرئاسة المصرية للقاء السيسي وإردوغان على هامش افتتاح المونديال
TT

مصالح مصر في «شرق المتوسط»... ما الثوابت والمتغيرات؟

صورة نشرها المتحدث باسم الرئاسة المصرية للقاء السيسي وإردوغان على هامش افتتاح المونديال
صورة نشرها المتحدث باسم الرئاسة المصرية للقاء السيسي وإردوغان على هامش افتتاح المونديال

طرح أول لقاء مباشر بين الرئيسين المصري والتركي على هامش افتتاح كأس العالم بقطر، تساؤلات حول مدى تأثير هذا التقارب على طبيعة العلاقات والمصالح في منطقة شرق المتوسط، التي تشهد تحركات تركية حثيثة سواء فيما يتعلق بالتنقيب عن الغاز، أو التنافس مع الجارتين اليونان وقبرص.
وشهدت القاهرة عقب مصافحة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب إردوغان حضوراً يونانياً لافتاً، تمثل في زيارة وزيري الخارجية نيكوس ديندياس، والدفاع نيكولاوس بانايوتوبولوس، اللذين أجريا مباحثات منفصلة على مدى يومين متتالين مع نظرائهما في مصر، ووقعا اتفاقيات ثنائية لتعزيز التعاون بين البلدين.
وربط مراقبون بين الزيارتين وبين التقارب المصري التركي، إلا أن محللين استبعدوا أن تتأثر العلاقات بين القاهرة وكل من أثينا ونيقوسيا بالتقارب مع أنقرة، وأشاروا إلى أن «مصر حريصة على بقاء علاقتها المتميزة بالدولتين الأوروبيتين التي بلغتها خلال السنوات الأخيرة».
وفي أغسطس (آب) 2020، وقعت مصر واليونان اتفاقية لترسيم حدودهما البحرية، لكنها حذفت منطقة مثيرة للجدل إلى الجنوب من جزيرة كاستيلوريزو، وهي أبعد موقع يوناني تقول تركيا إنه يقع داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة.
ورغم الاحتجاج التركي على الاتفاق في حينه، فإن خلوصي أكار، وزير الدفاع التركي، ثمن لاحقاً احترام مصر في اتفاق ترسيم حدودها البحرية مع اليونان، للجرف القاري التركي مؤكداً أن «تركيا ومصر لديهما قيم تاريخية وثقافية مشتركة».
وأسست مصر وقبرص واليونان وإسرائيل والأردن وإيطاليا والسلطة الفلسطينية «منتدى غاز شرق المتوسط» دون دعوة تركيا، فيما كررت الأخيرة عمليات التنقيب عن الغاز في مناطق بحرية متنازع عليها مع اليونان وقبرص، وهو ما أدى إلى توتر الأوضاع في منطقة شرق المتوسط، وكاد الأمر أن يتطور إلى مواجهة عسكرية بحرية في أكثر من مناسبة، خاصة بين تركيا واليونان العضوين بحلف شمال الأطلنطي (الناتو).
ويرى السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن ثوابت العلاقات المصرية في منطقة شرق المتوسط تعتمد على اتفاقيات دولية وقواعد قانونية يصعب إخضاعها لرغبات أطراف سياسية، معتبراً أن أي حديث تركي في هذا الشأن «لا يمثل قيمة قانونية يعتد بها».
ويضيف بيومي لـ«الشرق الأوسط»، أن مصر استطاعت أن ترسي علاقات وطيدة مع العديد من جيرانها في شرق المتوسط، وتستضيف المقر الإقليمي لـ«منتدى غاز شرق المتوسط»، ويصعب تصور أن تضحي بأي إنجازات حققتها في هذا الشأن من أجل التقارب مع تركيا، لا سيما أن السياسة التركية، ورغم التقارب الأخير بلقاء رئيسي البلدين، «لا يمكن الوثوق بها، فهي سياسة مترددة ومتغيرة ومتضاربة أحياناً، وهي في هذا الصدد على عكس السياسة الخارجية التي تنتهجها القاهرة والتي تعتمد على مجموعة من الثوابت الأساسية التي تتعامل من خلالها».
ويعرب بيومي كذلك عن اعتقاده بإمكانية اتخاذ خطوات رمزية مستقبلاً، مثل قبول عضوية تركيا كمراقب في منتدى غاز شرق المتوسط، على غرار دول غير متوسطية وتحظى بصفة مراقب في المنتدى كالولايات المتحدة، إلا أن تلك الخطوة ستكون أيضاً مرهونة بقبول الدول الأعضاء في المنتدى، وهو ما يعتمد على تغير السياسة التركية في التعامل مع دول المنطقة في المرحلة المقبلة.
وبموازاة تمسك مصر بعلاقاتها الوطيدة التي طورتها خلال السنوات الثماني الماضية مع دول شرق المتوسط، يكتسب الملف الليبي أهمية كبيرة في مسار العلاقات مع تركيا، إذ كانت ليبيا، التي تملك أكبر احتياطي من النفط في أفريقيا، ساحة للصراع التركي المصري.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حذر في 20 يونيو (حزيران) 2020 من أن تقدم القوات الموالية لحكومة «الوفاق الوطني» التي كانت تسيطر على طرابلس حينها والمدعومة من تركيا، نحو الشرق سيدفع بلاده إلى التدخل العسكري المباشر في ليبيا.
وطالبت القاهرة في أكثر من مناسبة بسرعة خروج جميع المرتزقة والميليشيات من ليبيا، ومن بينها القوات التركية المتمركزة في الغرب، وترفض القاهرة الوجود العسكري لتركيا في ليبيا ضمن منطقة تعتبرها عمقاً استراتيجياً لأمنها الوطني، كما تتمسك بإدانة ما تعتبره «تدخلات أطراف إقليمية من بينها أنقرة في الملفات والأزمات العربية».
ووقعت حكومة «الوفاق الوطني» الليبية السابقة، برئاسة فائز السراج، مذكرتي تفاهم في عام 2019 مع أنقرة، تتعلق إحداهما بالتعاون العسكري والثانية وهي الأكثر إثارة للجدل، بترسيم الحدود البحرية وتؤكد تركيا بفضلها حقوقها في مناطق واسعة في المتوسط، ونددت مصر اليونان وقبرص سريعاً بها.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، عقب مصافحته نظيره المصري في تصريحات صحافية لدى عودته من قطر، إن «مطلبنا الوحيد» من مصر، لتطبيع العلاقات، أن تقول لمن يتخذ مواقف معادية ضدنا في البحر المتوسط: «نريد إرساء السلام في المنطقة».
ويعتبر كرم سعيد، الباحث في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، استقبال القاهرة لوزيري الخارجية والدفاع اليونانيين «رسالة مهمة لكل من اليونان وتركيا على السواء»، فحواها التأكيد على نهج القاهرة في تعزيز علاقاتها مع أثينا، وأيضاً رسالة إلى أنقرة بأنها لن تتخلى عن تلك العلاقات الوطيدة التي باتت تتجاوز مستويات التعاون، وتمثل شراكة متكاملة حالياً، من أجل إرضاء السياسة التركية.
ويضيف سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن ثوابت مصر في منطقة شرق المتوسط باتت واضحة، ولا مجال لإعادة طرحها مجدداً في سياق التقارب المرتقب مع تركيا، ومن تلك الثوابت الاتفاقيات التي جرى توقيعها مع كل من اليونان وقبرص، وقد راعت مصر فيها قواعد القانون الدولي والمصالح التركية أيضاً، ولم تتجاوز بحق تركيا رغم الخلاف السياسي في تلك الفترة.
ويشير إلى أن تركيا ستكون مطالبة بإبداء احترام أكبر لقواعد القانون الدولي، والانخراط في مباحثات بناءة مع جيرانها المتوسطيين، إذا ما أرادت تعزيز حضورها في منطقة شرق المتوسط، ووقف محاولاتها التي توصف بغير المشروعة والاستفزازية للتنقيب عن الغاز قبالة السواحل اليونانية والقبرصية.
ويعتقد الباحث بمركز «الأهرام» أن الملف الليبي سيكون هو الأكثر مركزية وحساسية عند طرح ملفات العلاقة مع مصر، وأن السلوك التركي في هذا الملف سيكون هو المحك الحقيقي لمدى مصداقيتها في مراجعة منهجها بشأن العلاقات مع مصر، والبناء على ما تحقق في لقاء رئيسي البلدين بالدوحة من انتهاء لمرحلة القطيعة، وإطلاق مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.