«الرئاسي» الليبي لـ«أوروبا»: «دول الساحل» اكتوت بالإرهاب... فساعدونا

«النواب» يعين رئيساً مؤقتاً للمصرف المركزي

الكوني خلال ترؤسه المؤتمر الإقليمي للتعاون الحدودي بين ليبيا ودول الساحل بتونس (المجلس الرئاسي)
الكوني خلال ترؤسه المؤتمر الإقليمي للتعاون الحدودي بين ليبيا ودول الساحل بتونس (المجلس الرئاسي)
TT

«الرئاسي» الليبي لـ«أوروبا»: «دول الساحل» اكتوت بالإرهاب... فساعدونا

الكوني خلال ترؤسه المؤتمر الإقليمي للتعاون الحدودي بين ليبيا ودول الساحل بتونس (المجلس الرئاسي)
الكوني خلال ترؤسه المؤتمر الإقليمي للتعاون الحدودي بين ليبيا ودول الساحل بتونس (المجلس الرئاسي)

دعا المجلس الرئاسي الليبي، الاتحاد الأوروبي إلى مساعدة «دول الساحل» في «تأمين حدودها الشاسعة، وحمايتها من الإرهابيين وعصابات الهجرة غير المنظمة»، يأتي ذلك فيما انفتح المشهد العام بالبلاد على توتر ملحوظ في شرق البلاد، بعد إقدام مجلس النواب، على تكليف مرعي مفتاح البرعصي، بمهام «محافظ ليبيا المركزي» مؤقتاً، بدلاً من علي الحبري، الذي أقاله مساء أمس.
واستهجن المصرف المركزي بمدينة البيضاء، القرار، الذي اتخذه النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري، صباح اليوم، بتكليف البرعصي، وإقالة الحبري، كما أعلن موظفو المصرف تعليق العمل إلى حين صدور ما يفيد بإنهاء الجدل الحاصل من السلطة التشريعية، «ورد اعتبار الحبري»، بحسب وصفهم.
والصديق الكبير، هو محافظ المصرف المركزي بطرابلس، لكن مجلس النواب، الذي سبق وأقاله مرتين من منصبه لا يعتد به رئيساً للمصرف، وظل يعتمد الحبري محافظاً للمركزي بشرق البلاد، إلى أن قرر إقالته على خلفية «شبهات مالية».
ويتغيب رئيس المجلس عقيلة صالح عن حضور الجلسات، لأسباب غير معلنة، ويترأس نائبه النويري، المجلس، ونص القرار الذي أصدره الأخير على تكليف البرعصي، نائباً لمحافظ مصرف ليبيا، قائماً بمهام المحافظ «حتى تسلم المحافظ مهامه»، وكذلك بمهام رئيس لجنة استقرار بنغازي ودرنة.
وأضاف أن المجلس «كلّف ديوان المحاسبة بمراجعة وفحص جميع المعاملات المالية والإدارية للجنتين منذ تاريخ إنشائها حتى الآن، وأيضاً «مخاطبة النائب العام لاتخاذ جميع الإجراءات القانونية حيال الجرائم المرتكبة ومباشرة إجراءات التحقيق الابتدائي في تلك الجرائم»، لكن مصرف البيضاء، طلب توضيحاً من رئاسة مجلس النواب حول الأمر حماية لما وصفه بـ«حصن مال الليبيين».
سياسياً، وفيما يتعلق بملف الاستحقاق الانتخابي المُنتظر، بحث رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح، بطرابلس، اليوم، مع الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أندري فرانشي، سبل دعم المجتمع الدولي للمفوضية في مجال إدارة وتنفيذ الانتخابات، وسط تأكيد فرانشي، على «استمرار الدعم الدولي لإنجاز الانتخابات في ليبيا».
كما التقى النائب بالمجلس الرئاسي عبد الله اللافي، وفداً دبلوماسياً سويسرياً بديوان المجلس اليوم، وتمت مناقشة آخر مستجدات ملف المصالحة الوطنية، وملف الهجرة غير المشروعة، والجهود التي تبذلها ليبيا للحد منها، بالتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي.
كما تطرق الاجتماع، بحسب المجلس الرئاسي، لملف حقوق الإنسان والخطوات التي اتخذتها ليبيا في هذا الشأن. وأكد الوفد السويسري أن التعاون مع الجانب الليبي «سيكون مثمراً في مجال حقوق الإنسان والهجرة غير المشروعة باعتبارهما من الملفات المهمة التي يعمل عليهما».
وضم الوفد رئيس قسم السلام وحقوق الإنسان بوزارة الخارجية ريا قيهرنغ، ومدير برنامج شمال أفريقيا في قسم السلام وحقوق الإنسان بالوزارة كيارا فوتيه، والمستشار الإنساني والتعاون في سفارة سويسرا لدى ليبيا جوناس غا.
في سياق آخر، قال النائب بالمجلس الرئاسي موسى الكوني، إن «دول الساحل» في حاجة إلى المساعدة الاقتصادية حتى تستطيع تأمين حدودها الشاسعة، التي قال إن السيطرة عليها «شبه مستحيلة».

وأضاف الكوني، الذي يترأس أعمال «المؤتمر الإقليمي للتعاون الحدودي بين ليبيا ودول الساحل» بتونس، خلال إفادة نقلتها اليوم نجوى وهيبة، المتحدثة باسم المجلس: «نحن في دول الساحل أحوج ما نكون لمساعدة الاتحاد الأوروبي بأن يمدنا بالتكنولوجيا لمراقبة الحدود الجنوبية في ليبيا، التي «لا يمكن تأمينها بسهولة، فهي مترامية الأطراف ولا يمكن السيطرة عليها».
ومضى الكوني يقول: «يجب أن نتحمل مسؤولياتنا جميعاً أمام شعوبنا بعدم السماح لأي مجموعة قليلة من الإرهابيين، ومن مهربي البشر ممن يحاولون أن يزرعوا عدم الاستقرار في هذه الدول مهما كان انتماؤهم، فالمهاجرون هم ضحاياهم الذين دفعت بهم الظروف القاسية لعبور الصحراء وتم استغلالهم واضطهادهم من قبل هذه المجموعات الإجرامية».
وتابع: «وفي أوروبا أيضاً توجد مجموعات إجرامية لديها تواصل مع شبكات تهريب البشر لاستغلال أبنائنا، من ضحايا الظروف التي يعيشونها، وأجبرتهم على الهجرة، لذا أطالب من الشركاء الأوروبيين أن يعاملوهم كضحايا وليسوا مجرمين».
وقال الكوني إن الإرهاب «الذي اكتوينا به جميعاً لا يعترف بالدول والحدود، والديانات، وإنما همهم هو القتل، والدمار واستباحة كل شيء»، منوهاً بأن الأمر «يحتاج إلى تكوين لجان مشتركة بغرفة عمليات موحدة لمتابعة ومراقبة أي تحركات لهم».
وانتهى الكوني قائلاً: «كل يوم نسمع بتكوين جديد لهذه المجموعات التي استهدفت كل مناطقنا، واكتوت بها أوروبا، وعدد من دول العالم، ولا تستطيع دولة بمفردها أن تقضي عليها، فالإرهاب عابر للحدود والقارات ولديه قيادات لا نعلم أين هم، ونحن بحاجة لوضع استراتيجية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والدول المعنية قابلة للتطبيق حتى نتحمل مسؤولياتنا».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.