يوم مقاتل «العمال الكردستاني» يبدأ في الرابعة فجرًا.. والنساء فيه بعدد الرجال

بعد أن قطعنا مسافة 30 كيلومترًا من آخر نقطة تفتيش تابعة لحكومة إقليم كردستان، وصلنا إلى أول نقطة تفتيش تابعة لقوات حماية الشعب، الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، تعتبر البوابة الجنوبية لمعقل الحزب.
رسم مقاتلو الحزب على رابية تسمى «كورتك» علم حزبهم وصورة لزعيمهم المعتقل في جزيرة إمرالي التركية عبد الله أوجلان، الذي اعتقلته تركيا في 15 فبراير (شباط) من عام 1999. وعند المدخل، وبعد استفسارات عن أسباب الزيارة والجهة التي نقصدها، التأكد من صحة معلوماتنا، سمح لنا بالتوجه إلى العمق، وكانت النقطة الأولى في رحلتنا إلى معقل العمال زيارة نصب قتلى الحزب. رافقنا في الجولة هفال لات، أي «الرفيق لات» إذ ينادي عناصر الحزب بعضهم بعضا بـ«هفال». تحدث هفال لات لـ«الشرق الأوسط» عن النصب وتاريخ إنشائه وأقسامه، وقال: «شيد هذا النصب عام 2006، ويسمى (مقبرة محمد قراسنكول) نسبة إلى أحد مقاتلينا الذي قتل عام 1983، إذ دفنه أحد القرويين في منزله، ومن ثم أبلغنا فنقلناه إلى هنا وتم تشييد هذا النصب الذي يتكون من خمسة أقسام؛ قسمان منه يضمان قتلى الحزب، وثالث مخصص كساحة لمراسيم إلقاء التحية الأخيرة على القتيل قبل دفنه، وقسم رابع عبارة عن متحف يضم صورا فوتوغرافية لغالبية قتلى الحزب منذ تأسيسه في عام 1974 إلى جانب عدد من أغراض المقاتلين التي كانت بحوزتهم لدى مفارقتهم الحياة. وهناك أيضا حديقة تحمل اسم أوجلان.
وتضم المنطقة 61 قرية تدار من قبل بلدية سفح قنديل، وتنعم هذه القرى الواقعة على جانبي الطريق الرئيسي بالخدمات الرئيسية من ماء وكهرباء وخدمات بلدية ومركز صحي ومدارس لأبناء القرى، إذ مدتها حكومة الإقليم بالطاقة الكهربائية والخدمات، وهي من الناحية الإدارية تابعة لقصبة «سنكسر» التابعة لقضاء رانيا.
وتُدار البلدية بنظام الرئاسة المشتركة، أي برئيسين؛ رجل وامرأة، وهذا النظام متبع في الأحزاب الكردية في تركيا. وأبلغ مسؤولو البلدية «الشرق الأوسط» بأن حزب العمال الكردستاني منع صيد الحيونات البرية في المنطقة الخاضعة له منعا باتا، كذلك منع قطع الأشجار ورمي النفايات وفرض مجموعة من العقوبات على المخالفين.
ويتوسط المنطقة مركز صحي يعمل فيه طبيب ألماني اختار لنفسه اسما كرديا هو «الدكتور ميديا»، الذي جاء إلى جبال قنديل في تسعينات القرن الماضي متطوعا لعلاج جرحى قوات حماية الشعب ومعالجة المواطنين في المنطقة، ولم يتوانَ ولو للحظة عن واجبه، فهو يواصل تقديم خدماته لمراجعيه ليل نهار، لكنه رفض الإدلاء بأي تصريح.
القرى التي مرت بها «الشرق الأوسط» خلال الرحلة كانت مهجورة، لكن سكانها بدأوا بالعودة إليها خلال العامين الماضيين، بعد توقف قصف الطائرات التركية لها في عام 2013، فبدأت الحياة تدب في ربوع الجبال، وتنتشر على أطراف الشارع الذي يمر بين هذه القرى الكثير من محلات البقالة، التي تعتمد على المنتجات الزراعية لسكان القرى الذين يعملون في الزراعة ورعي الحيوانات.
وقبل يومين من وصول مراسل «الشرق الأوسط» إلى المنطقة عاودت الطائرات الحربية التركية، ولأول مرة منذ عام 2013 قصفها على المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في منطقة آفشين الواقعة على الحدود بين العراق وتركيا. لكن مصدرًا في قوات حماية الشعب أكد لـ«الشرق الأوسط» عدم وقوع أي خسائر بشرية في صفوف مقاتليهم.
الجانب الآخر من الحياة في قنديل تتمثل بالحياة العسكرية لقوات حماية الشعب التي تضم تحت لوائها مقاتلين أكرادا من تركيا وسوريا وإيران والعراق، بالإضافة إلى عدد من المقاتلين العرب والأتراك والإيرانيين والأوروبيين. ويقول مسؤولو قسم الإعلام في حزب العمال الكردستاني، الذي عرف لنا نفسه بهفال روبار عن يوميات المقاتلين في جبال قنديل: «تبدأ التدريبات العسكرية للمقاتلين في الساعة الرابعة فجرا، وتشمل تدريبات بدنية مختلفة وتدريبات على كيفية خوض المعارك والخطط العسكرية لحرب الجبال والمدن، فنحن نعد أنفسنا لكل أنواع المعارك، وإضافة إلى التدريبات العسكرية يخضع المقاتل في قوات حماية الشعب إلى تدريبات فكرية وثقافية وسياسية تساهم في إعداد المقاتل من كل النواحي، وهذه التدريبات تستمر حتى نهاية اليوم».
وعن الاهتمام بتعليم المقاتلين، قال المسؤول: «قنديل مليئة بالمدارس التي ترفد المقاتل الكردي بالثقافة الحديثة من خلال الحلقات التعليمية، فكل مجموعة من المقاتلين تكون حلقة يبحثون فيها مايقرأونه من الكتب، بالإضافة إلى وجود مكتبة عامة في الجبل، فضلا عن أن لكل مقاتل مكتبة خاصة به تضم كل أنواع الكتب، من ضمنها كتب عبد الله أوجلان. كما نحرص على تثقيف مقاتلينا فكريا وفلسفيا عبر محاضرات مستمرة».
وتابع هفال روبار: «وهناك تدريبات خاصة أخرى، مثلا لدينا في إطار التدريبات السياسية تدريبات دبلوماسية».
وعن النشاطات الفنية والثقافية في جبال قنديل، أوضح هفال روبار: «لدينا منظمة خاصة بالثقافة والفن، تحت اسم مركز الثقافة الديمقراطية الذي يضم عددا من الفرق التراثية والفنية الخاصة به، ونشاطاتهم هي بحسب ما يحتاج إليه الشعب من هذه الفرق فرقة ألحان الجبل وفرق أخرى مسرحية وموسيقية، إضافة إلى الاهتمام بتأليف الكتب، إذ تؤلف سنويا في جبال قنديل العشرات من الكتب، التي تنشر في الجبال وداخل كردستان».
وعن كيفية استقبالهم لمقاتلين جدد، أوضح هفال روبار أن «المقاتل الجديد يتلقى تدريبا ابتدائيا لمدة ثلاثة أشهر، على كيفية استخدام السلاح ويعد إعدادا فكريا حسب فكر زعيم الحزب أوجلان، ويتلقى محاضرات في التنظيم وفي تاريخ الكرد وتاريخ حزب العمال الكردستاني وتاريخ المرأة، وهذه التدريبات تشمل الذكور والإناث، فتدريباتنا كلها مختلطة بين الجنسين، ثم نرى ما يمتلكه المقاتل من مهارات، فإن كانت مهاراته عسكرية حينها يتم تحويله إلى الجانب العسكري، أما إذا تمتع بمهارات سياسية فسيتم تحويله إلى الأقسام السياسية، وكذلك الحال بالنسبة للثقافية الفنية، فتوزيع المقاتلين على أقسام الحزب يكون حسب ما يمتلكونه من مهارات وقدرات، والمقاتل يقترح القسم الذي يتلاءم مع طاقته»، مؤكدا أن الحزب «لا يضغط على أي شخص للانضمام إليه».
وعن وسائل الاتصال، وتوفرها في الجبل، بيّن المسؤول الحزبي أن «وسائل الاتصال من إنترنت وهواتف جوالة ليست متاحة لكل المقاتلين، وهي فقط تتاح لأعضاء القسم الإعلامي لحاجتهم إليها في الرد على الصحافيين وإصدار البيانات الصحافية، أما التلفزيونات وأجهزة الاستقبال الأخرى فهي موجودة في جميع مناطقنا، حيث نتابع من خلالها الأخبار والأحداث في العالم».
وبخصوص كيفية إعداد الطعام ومصادره في الجبل، أوضح هفال روبار قائلا: «نحن نزرع الكثير من الخضراوات والفواكه في الجبل ونشجع على الزراعة، بالإضافة إلى أن أبناء شعبنا يتبرعون لنا بقسم مما نحتاجه من طعام، ونحن أيضا نشتري من السوق حاجاتنا الأخرى، هذا إلى جانب جمع النباتات البرية في الربيع وتجفيف جزء كبير منها لاستخدامها في إعداد الطعام في الصيف والشتاء»، نافيا في الوقت ذاته ممارسة الحزب لأي معاملات تجارية في المنطقة.
المقاتلة فيان تحدثت عن حياة المرأة ضمن صفوف مقاتلي قوات حماية الشعب في جبال قنديل، وقالت: «لدينا في حزب العمال الكردستاني منظمة خاصة بنا نحن النساء تسمى (منظومة نساء كردستان)، ولنا دور الريادة في نضال حزب العمال الكردستاني. أما نسبة النساء في صفوف الحزب فهي تساوي نسبة الرجال، وهن حاضرات في كل المجالات السياسية والعسكرية والفنية والثقافية والفكرية، ولنا دور بارز في الحرب ضد (داعش)، والدليل على دورنا هذا هو لقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لمقاتلاتنا في قصر الإليزيه، وتقديمه الشكر لهن».
بدوره، قال مقاتل آخر قدم نفسه باسم شورش، ويبلغ من العمر 25 عامًا: «أفتخر بأنني اليوم أنتمي إلى قوات حماية الشعب، فأنا الآن أناضل من أجل حرية الشعوب ومن أجل حرية رئيسنا أوجلان، وشاركت في الكثير من المعارك ضد (داعش)»، وأضاف: «الحرب ضد (داعش) ساهمت في تقوية الوعي القومي لدى الشعب الكردي، فما يجري حاليا في الشرق الأوسط من أحداث وتغييرات، ستنصب في النهاية في صالح الشعب الكردي، ورئيسنا أوجلان يقول إن القرن الحادي والعشرين هو قرن الكرد».