هكذا يزيد الأصوليون الإسرائيليون مخاطر التطرّف في الشرق الأوسط

في ضوء تنامي دور الجماعات التوراتية المتشدّدة

هكذا يزيد الأصوليون الإسرائيليون مخاطر التطرّف في الشرق الأوسط
TT

هكذا يزيد الأصوليون الإسرائيليون مخاطر التطرّف في الشرق الأوسط

هكذا يزيد الأصوليون الإسرائيليون مخاطر التطرّف في الشرق الأوسط

هل يزيد الأصوليون الإسرائيليون من مخاطر انتشار التطرّف والإرهاب في الشرق الأوسط عبر إغراقهم في التمترس حول روايات تاريخية دينية لا تقود إلا إلى إشعال العالم برمّته بنيران الكراهية والحقد العقائدي المتبادل؟
يبدو أن ذلك كذلك بالفعل، وليس أدلّ على ما نقول به من المخطّطات اليهودية الماضية قدمًا لجهة مستقبل المسجد الأقصى، ومحاولة إعادة بناء هيكل سليمان الذي دمّر في زمن احتلال الرومان لفلسطين في القرن الأول الميلادي.. لماذا الحديث مرة جديدة عن هذه الإشكالية؟
السبب المباشر، ولا شك، هو الدعوة التي أطلقتها منظمة «جبل الهيكل» اليهودية لاقتحام جماعي للمسجد الأقصى، في مناسبة «عيد نزول التوراة»، ولقد طلبت هذه المنظمات من قوات الاحتلال الإسرائيلي تأمين هذه الاقتحامات، واتخاذ إجراءات مشدّدة ضد المصلّين أو المرابطين في المسجد الأقصى في حال تصديهم لهذه الاقتحامات. من أين للمرء أن يبدأ في الحديث عن هذه المعضلة المرّة التي تهدّد سلام أتباع الأديان الإبراهيمية من جراء العنصرية اليهودية التي لا تزال في يقينها تؤمن بأنها «شعب الله المختار» بينما الآخرون هم «الغوييم» أو «الأغيار»؟

كتبنا غير مرة على صفحات «الشرق الأوسط» عن الأبعاد التاريخية للقضية، غير أن التذكير يفيد القارئ، ذلك أن الحلم الإسرائيلي القديم هو إعادة بناء الهيكل وتقديم الذبيحة حسب الطقوس الدينية اليهودية، والكارثة أن هذا لن يتحقق إلا في حال إخلاء منطقة الحرم القدسي من مسجد قبة الصخرة والأقصى المبارك، وتشييد مبنى الهيكل هناك.
في مذكراته الشخصية يسجل الجنرال عوزي ناركيس، قائد المنطقة الوسطى الإسرائيلية في «حرب 1967» ما نصه: «أنا وقفت بجوار الحاخامات وهم يتلون بعض الأدعية بصوت عالٍ وسط تزاحم ضباط وجنود من الوحدات جاءوا لمشاهدة الحائط وملامسته تبرّكًا».. كان ذلك بعد نصف ساعة تقريبًا من وقوف موشيه دايان وإسحاق رابين والجنرال ناركيس صباح السابع من يونيو (حزيران) 1967 أمام حائط البراق (الذي يسميه اليهود حائط المبكى).
في ذلك الوقت هرع كبير حاخامات الجيش الإسرائيلي الجنرال شلومو غورين، وأخذ ناركيس من يده جانبًا وهمس له قائلاً: «عوزي أليست هذه اللحظة الملائمة لوضع مائة كيلوغرام من المتفجّرات في مسجد عمر وقبة الصخرة لكي تتوقف دعاوى المسلمين بوجود حق ديني أو تاريخي لهم في القدس؟»..
ما الذي جرى لاحقًا؟
يضيف الجنرال ناركيس: «قلت لكبير الحاخامات: أرجوك، ذلك أمر لا داعي له وسوف يثير الدنيا علينا.. فسألني: أي دنيا سوف يثيرها؟ قلت: المجتمع الدولي، وعلى رأسه أميركا، فواشنطن لها صداقات كثيرة تحرص عليها في المنطقة، ونحن أيضا لنا أصدقاء في العالم الإسلامي، تركيا وإيران بالذات، وإندونيسيا وباكستان.. وغيرهم كثيرون».
هل يعني هذا أن المسألة «قضية توازنات دولية» أكثر من أي شيء أخر؟
يبدو أن المسألة بالفعل منتهية في عقول الإسرائيليين كجماعات وحتى كدولة، والدليل على ذلك ما قاله ذات مرة أحد المُرشدين السياحيين الإسرائيلين عام 1999 للمؤلفة والكاتبة الأميركية غريس هالسل وأوردته في كتابها «يد الله.. لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟» من أن كل الخطط اللازمة للهيكل قد أصبحت مُعدّة، حتى إن مواد البناء أصبحت جاهزة، ومحفوظة في مكان سرّي.
وثمة عدد من المحلات التي يعمل فيها الإسرائيليون لإعداد اللوازم التي ستستخدم في الهيكل الجديد، ويقوم أحد النسّاجين المتخصّصين بنسج قطع الكتان الصافي لاستخدامها في ملابس الكهنة الذين سيؤدون شعائر الصلاة في الهيكل.
ليس هذا فحسب، بل إن «هناك مدرسة دينية تدعى «ياشيفا إتريت كوهانيم» - أي «مدرسة تاج الكهنة» – التي تقع بالقرب من منطقة الحرم القدسي، والتي يعلّم الحاخامات فيها الشباب على مناسك التضحية بالحيوانات، والحديث هنا عن «البقرة الحمراء».
والشاهد أن الجوانب الفنية والتاريخية ونقد القصة دينيًا وتاريخيًا يطول، والغرض الرئيسي من المقال هو توضيح الخطر الحقيقي للأصولية اليهودية على حالة السلم الديني والاجتماعي الشرق أوسطي والعالمي، فماذا عن ذلك؟
قد يتحتّم علينا بدايةً أن نشير إلى أن كارثة الأصولية الدينية تتمثل في أنها نوع وطريقة خاصة لبناء الهويّات والفعل الاجتماعي، ويمكن أن يحدث ذلك على مستوى فردي أو جَمعي أو مؤسسي. هنا يعمل الدين من خلال بناء الهويّات، كما أنه ليس نتيجة حسابات نفع اقتصادية، على الرغم من أن مثل تلك الحسابات يمكن أن يكون لها دور في الممارسة الدينية. غير أن الدين يكتسب أهميته في الحقل السياسي من تحويله صراع المصالح إلى صراع هويّات.
يحدّثنا عالم الاجتماع الألماني الشهير هاينريش فيلهلم شيفر، عن تطبيقات هذا الصراع على الأرض في فلسطين، فقد كان شغل حركة فتح الشاغل حتى سبعينات القرن الماضي هو تطبيق قرارات منظمة الأمم المتحدة، وتحديد الفلسطينيين مصيرهم السياسي، وكذلك الاندماج الاقتصادي. ولكن لاحقًا بدا الأمر مختلفًا بالنسبة لحركة حماس والأصوليين اليهود، إذ تحوّل صراع المصالح إلى صراع هويّات دينية في إطار منطقة نفوذ ديني شاملة.
هنا يعنّ لنا أن نتساءل: هل الأمر في الداخل الإسرائيلي قاصرٌ على جماعات أصولية يهودية بعينها كـ«الحريديم» - على سبيل المثال - أم أن «آفة الأصولية» ضاربة جذورها في عمق أركان الدولة الإسرائيلية ذاتها مهما حاولت أن تُداري أو تواري المشهد؟
في الفترة الأخيرة نشر الكثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية فيديوهات وتصريحات لقادة إسرائيليين ويهود متطرّفين، سواءً على شاشات التلفزيون الإسرائيلي، أو على صفحات الصحف الإسرائيلية، يتحدّثون فيها عن هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل.
على سبيل المثال: كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بتاريخ 31 يناير (كانون الثاني) 2013 النقاب عن أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أنتجت فيلمًا وثائقيًا يبيّن عملية هدم قبة الصخرة وإعادة بناء الهيكل. ولفت إيتَمار آينخر، مراسل الشؤون السياسية في الصحيفة، إلى أن قنوات التلفزيون الإسرائيلي بثّت بناءً على طلب وزارة الخارجية أجزاءً من الفيلم المذكور. وأكد المراسل أن نجم الفيلم، هو نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، داني آيالون «(حينذاك) الذي ظهر في الفيلم الدعائي من أجل الترويج لعلاقة اليهود بمدينة القدس.
ويوم 24 يناير 2014 دعا أوري أريئيل، وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، إلى بناء ما سماه «الهيكل الثالث» مكان المسجد الأقصى، وصرّح ذلك اليوم بأن «الهيكل الأول قد جرى تدميره عام 586 قبل الميلاد، بينما هُدّم الهيكل الثاني عام 70م، ومنذ ذلك الحين والشعب اليهودي من دون هيكل. أما الكارثة الحقيقية في تصريحات المسؤول الإسرائيلي فهي قوله إن «مكان الهيكل يوحّد المسجد الأقصى، على الرغم من كون الهيكل أقدس منه بكثير، أما الأقصى فهو المسجد الثالث في الإسلام».
يحق لنا، إذن، أن نتساءل: «مَن الذي يتلاعب بالآخر، هل يتلاعب الأصوليون اليهود بالحكومات الإسرائيلية.. أم تتلاعب هذه الحكومات بشعبها؟
يبدو أن العلاقة مُتبادلة بين الطرفين. وفي كل الأحوال فإن المتطرفين اليهود قد باتوا اليد المتقدمة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من أجل السيطرة على القدس والمسجد الأقصى. وهؤلاء أضحوا اليوم يمثلون ما لا يقل عن 35 في المائة من المجتمع الإسرائيلي، منهم 20.4 في المائة من «الحريديم»، أي المتزمتين غير الصهاينة إلى حد ما، من الأشكينازيم (اليهود الغربيون أو الأوروبيون) والسفارديم (اليهود الشرقيون والمغاربة).
هل يولّد التطرّف الأصولي اليهودي بشقّيه الحكومي والشعبي ردّات فعل أصولية مُغايرة لا في الداخل الفلسطيني وحده، بل في عموم المنطقة الشرق أوسطية بداية، وحول العالم تاليًا؟
إذا بدأنا بالداخل الفلسطيني سيكون من اليسير القول إن الاقتراب من المقدّسات الإسلامية ومحاولة المساس بها على ذلك النحو من قِبَل متطرّفين من غُلاة الأصوليين اليهود، سيخلق تيارًا معاكسًا، مضادًا في الاتجاه مساويًا في القوة، وربما أكثر. وهذا ما تجلّى ويتجلّى في ثورات المَقدسيين ما جرت بها المقادير من قبل، وما هو منتظر أن يحدث، ولقد دفع الأمر الشاب الفلسطيني معتزّ حجازي - الأسير المحرّر - لمحاولة اغتيال كبير المتطرّفين الحاخام يهودا غليك، زعيم ما يعرف بحركة «أمناء جبل الهيكل»، وهي الحركة الدينية التي أسّست عام 1967، على يد المتطرف غيرشون سولومون.
هل يدفع هذا التطرف اليهودي الأصولي جماعات دينية تتستر بالإسلام إلى المزيد من التعصّب والعنف؟
مما لا شك فيه أن الصراع على هذا النحو ينحرف من «القومية» إلى «الدينية»، وهناك بعض الأصوات الإسرائيلية التي لفتت إلى تلك الحقائق منها تسيبي ليفني، وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة، التي أشارت إلى أن المنطقة ستشتعل عاجلاً أم أجلاً، وحذرت أخيرًا خلال مقابلة إذاعية لها من أن يؤدي الوضع المتأزّم في القدس إلى «تحول النزاع القومي مع الفلسطينيين إلى نزاع ديني مع العالم الإسلامي بأسره» مشدّدة على ضرورة «تجنب الاستفزازات من قِبَل الجانب الإسرائيلي».
هل تعمّق الأصوليات الدينية الصراعات القومية والعرقية؟ نعم، بالفعل، فهي تعمّق الخلافات وتجذرها، وخصوصًا من خلال التسويق لها على أنها صراعات هويّة، ولا نرى أمامنا سوى ذلك عندما يدعي البعض أن الصراعات في الشرق الأوسط وما يرتبط بها من إرهاب إنما هي صراع ثقافات أو صراع أديان.
في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2001، قال أسامة بن لادن لمراسل إحدى المحطات الفضائية العربية، الرائجة وقتها، «إن فرضية صراع الثقافات صحيحة، بلا شك، فالقرآن يرى هذا الصراع، وفكرة السلام العالمي ليست أكثر من أسطورة غربية».
ولعل المدهش في تصريحات بن لادن، أنها تتسّق طولاً وعرضًا، شكلا وموضوعًا، مع رؤى مماثلة لاثنين من أساطين التطرّف الديني اليميني المسيحي في الولايات المتحدة الأميركية، القس بات روبرتسون والقس جيري فالويل، وغيرهما من أعضاء النظام الأصولي اللاهوتي المحافظ في الولايات المتحدة، وكذلك مع منظّري اليمين الديني في السياسة الخارجية الأميركية.
أفعال التطرّف الأصولي اليهودي في فلسطين تدفعنا دفعًا إلى التساؤل عن العلاقة بين الإرهاب المتصاعد في المنطقة وبينها، وإلى أين تمضي؟
هنا يمكن للمرء أن يلاحظ علاقة واضحة وثابتة بدءًا من جماعة الإخوان المسلمين في مصر ونشأتها عام 1928، مرورًا بـ«القاعدة» ووصولاً إلى «داعش»، إذ تأخذ جميعها من فلسطين - سواءً بالحق أو بالباطل - تكأة لتبرير أعمالها العنيفة، والتذرّع بالدفاع عن المقدّسات لتعزيز وسائلها «الجهادية». وفي كل الأحوال، فكما أشار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في خطابه أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية بتاريخ 10 مارس (آذار) الماضي، فإن تعذّر حل القضية الفلسطينية يغذّي مشاعر الكره والتطرّف، وتأخر حلّها عامل بارز في انتشار الإرهاب في المنطقة.
لاحظ هنا أن الملك عبد الله يتناول القضية في شقيها القومي والإنساني. وعليه فالتساؤل: كيف سيكون المشهد حال الاقتراب من موقع وموضع يمثل قُدسيّة خاصة للعالم الإسلامي كالمسجد الأقصى؟
الجواب الصريح، غير المريح، ربما طفا على السطح في الفترة الأخيرة عبر بعض نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى زيادة التعاطف في قطاعات شبابية بعينها، وفي دول محددة، مع جماعات أصولية لها مسحة دينية منحولة. وفي هذا تتجلّى المخاطر الحقيقية في الحال والاستقبال، وتزداد المخاوف من اتساع رقعة حضورها الجغرافي، وقدرتها على استقطاب المزيد من المريدين والأتباع الذين يعزّزون أصوليتهم في مقابل الأصولية اليهودية في الأراضي المقدّسة.
هل نفوذ المتطرفين اليهود آخذ في التصاعد، لا سيما، في ضوء وجود حكومة بنيامين نتنياهو الحالية؟
خلال الانتخابات الأخيرة، حافظ متطرّفو المعبد على حجم كتلتهم السياسية المقدّرة بـ13 نائبًا، وحافظوا على توزيعهم داخل حزبي «الليكود» و«اليهودي»، كما أن ممثليهم داخل الليكود تمكّنوا من التقدم أكثر لينتقلوا من مواقع نواب وزراء ليتولوا مواقع وزارية، ثم إن ممثليهم ضمن «الليكود» باتوا شريكًا حكوميًا مع نتنياهو في اللحظة الأخيرة، مما أتاح لهم فرض الكثير من الشروط، من بينها تسليم وزارة العدل للمتطرّفة إيليت شاكيد.
ما المتوقع إذن والحالة الحكومية الإسرائيلية على هذا النحو؟ مؤكد استغلال هؤلاء نفوذهم الجديد وغير المسبوق، لجعل فكرة التقسيم الزمني للصلاة في الأقصى بين المسلمين واليهود، واقع حال، مدعوما بقوانين إسرائيلية رسمية، وإطلاق يد قوات الأمن لتسهيل دخول المتطرّفين اليهود ومنع المسلمين من الوصول للأقصى، عطفًا على تكثيف إجراءات الحفر أسفل الأقصى، وزخم الجماعات التي تمضي وراء مقولة ديفيد بن غوريون التاريخية «لا فائدة لإسرائيل من دون القدس، ولا معنى للقدس بغير الهيكل».
هل كانت «حرب يونيو 1967» أو «حرب الأيام الستة» نقطة فاصلة في ظهور وتصاعد المد الديني الأصولي اليهودي؟ هذا ما يشير إليه الكاتب الفرنسي إيمانويل هيمان في مؤلفه «الأصولية اليهودية.. فرنسا، إسرائيل، الولايات المتحدة»، وعنده أن اليهود الأرثوذكس في إسرائيل يستريحون في مهمتهم الخلاصية إلى الهوة المتزايدة بين المؤمنين والعلمانيين، لا سيما بعد «حرب الأيام الستة»، فالدينيون يعتبرون أنفسهم بعدها الحرّاس الوحيدين للتقاليد والمحاربين المخلصين دون غيرهم.
هذا الكلام يؤكده ما يذهب إليه البروفسور اليهودي الأرثوذكسي أفراهام رافيتسكي، الأستاذ من الجامعة العبرية بالقدس، والذي كتب في إحدى خلاصاته يقول: «قبل عام 1967 كان الصهاينة العلمانيون هم أهل السلطة، وكانت تتكون منهم الطبقة السياسية الحاكمة وكانوا على رأس الجيش، أما الأرثوذكس فكانوا حرّاس الشريعة والتوراة.. إلا أن الاستيلاء على حائط المبكى، جعل الدينيين حملة الراية لصهيونية تضمن استمرارها المستوطنات الدينية في الأراضي الفلسطينية قوامها اليهود من الأصوليين القدامى والمحدثين».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».