اليونان.. «ليمان براذرز» أم «راديو شاك»؟

ألمانيا ودول أوروبية عدة قللت من التأثير على باقي أوروبا حال خروجها من اليورو

اليونان.. «ليمان براذرز» أم «راديو شاك»؟
TT

اليونان.. «ليمان براذرز» أم «راديو شاك»؟

اليونان.. «ليمان براذرز» أم «راديو شاك»؟

سؤال واحد يطرح نفسه بقوة في الفترة الأخيرة من مفاوضات الحكومة اليونانية مع دائنيها: هل اليونان مثل «راديو شاك» أم «ليمان براذرز»؟
عندما تشهر شركة ما إفلاسها فإن ذلك يضر بموظفيها ومساهميها، إلا أن ذلك يعد أمرا مفيدا للتخلص من الديون، وضروريا لإعطاء الشركة الأمل في النهوض مستقبلا، إلا أن حالات الإفلاس ليست كلها متشابهة.
فمثلا عندما أشهرت متاجر «راديو شاك» إفلاسها بداية هذا العام لم يكن رد الفعل صادما، حيث كان لسان حال الناس يقول «انتظروا، أليست تلك المؤسسة مفلسة بالفعل؟»، في مثل تلك الحالات يغلق المتجر، ويفقد العاملون وظائفهم، وربما يعيد المتجر فتح أبوابه تحت ملكية جديدة وبشكل أكثر تواضعا ليبدأ العمل بنشاط أكبر.
بيد أن هناك بعض أنواع من الإفلاس تسير بشكل مختلف، وبشكل أقل دراماتيكية من الطريقة التي أشهرت بها «ليمان براذرز» إفلاسها عام 2008. على الرغم من أن «ليمان» ظلت تتوجع لشهور، فإن العالم لم يكن متأهبا لتقبل فكرة أن بنكا استثماريا كبيرا يمكن أن يعجز عن الوفاء بالتزاماته.
وكانت انعكاسات ذلك لا تعد؛ فقد تجمدت كل عمليات التمويل التي اعتمدت عليها البنوك الكبيرة، وأحاطت المخاطر بمؤسسات مالية شبيهة بـ«ليمان» مثل «مورغان ستانلي»، و«غولدمان ساكس»، و«فاكوفيا» و«سيتي غروب». وتسببت حالة التجميد المالي عالميا في أزمة مالية حادة في مناطق عديدة من العالم. ورغم مرور سبع سنوات فإننا لا نزال نعاني انعكاسات الأزمة.
يأخذنا ذلك إلى اليونان التي تترقب نتائج الاستفتاء على تمديد خطة الإنقاذ المالي. فقد طار رئيس الوزراء اليوناني أليكيس تسيبراس إلى بروكسل للقاء قادة الدول الأوروبية الأخرى المتشككين في إمكانية تحسن الوضع المالي في اليونان خلال الأسبوع الماضي، ولم تسفر المفاوضات عن أي شيء، مما أدى إلى تخلف الدولة عن السداد.
فخلال السنوات الخمس الماضية كان الانطباع السائد بين القادة الأوروبيين واليونانيين أن اليونان أكثر شبها بـ«ليمان براذرز» منها بـ«راديو شاك». فمثلا لو حذت اليونان حذو الشركات بأن أشهرت إفلاسها وتنصلت من ديونها وخرجت من منطقة اليورو وقللت من قيمة عملتها فسوف يمتد تأثير ذلك إلى كل أنحاء أوروبا.
ومع اعترافنا بأن الجميع أدرك الوضع متأخرا، يتضح جليا أن الدائنين الأوروبيين لم يحسنوا صنعا عندما طالبوا بإجراءات مالية تقشفية من دون استخدام صمام الأمان للتقليل من الضغط والمعاناة المالية على المواطنين اليونانيين. فعادة عندما يقرض صندوق النقد الدولي دولة ما تعاني من مشكلات مالية فإن الإجراءات التقشفية تتزامن مع تخفيض لقيمة العملة وشطب للديون، وهو ما لم يحدث في اليونان.
في كل مرة حدق فيها القادة الأوروبيون ونظراؤهم اليونانيون في الهاوية، لم يصلوا إلا لنتيجة واحدة مفادها أن اليونان هي «ليمان براذرز» أو ربما تشبهها.
كان الفكر السائد، خاصة منذ خمس سنوات ماضية عندما تفجرت الأزمة المالية في اليونان، أن السماح لليونان بإشهار إفلاسها سوف تكون له نتائج وعواقب وخيمة على باقي دول أوروبا وعلى اقتصاد العالم ككل، وأن البنوك الكبرى في فرنسا وألمانيا المثقلة بديون اليونان ربما تنهار، وأن باقي السندات في باقي دول جنوب أوروبا سوف تتهاوى أيضا مما يتسبب في أزمة ديون في البرتغال وإسبانيا وإيطاليا، وأن ستين عاما من التقدم تجاه أوروبا موحدة وآمنة قد تنهار بسبب فشل مفاوضات الديون. وفي أسوأ الأحوال كان سيبدو إفلاس «ليمان» أقل وطأة من حال اليونان.
تفسر كل تلك المخاوف أنه على الرغم من المفاوضات الشاقة على مدار خمس السنوات للوصول لخطة الإنقاذ المالي، حتى وإن وصل اليونان والاتحاد الأوروبي لحافة الانفصال، فإنه كان هناك دوما حل متاح في الأفق.
يقودنا كل ذلك إلى عام 2015، حيث شعر الجميع بالتململ بعدما اشتدت الأزمة عما كانت عليه عند بدايتها عندما تخلفت اليونان وهمت بالمغادرة لتكون أقرب شبها لـ«راديو شاك» منها لـ«ليمان».
تمسك الحكومات الأوروبية وبنكها المركزي، وليس بنوكا خاصة، الآن بديون اليونان، وعليه فلن يتسبب تخلف اليونان في حدوث أزمة في القارة بأكلمها. وتعهد البنك المركزي الأوروبي «بفعل كل ما يمكن فعله» لمنع حدوث أزمة ثقة في ديون الدول الأعضاء بمنطقة اليورو، مما يعني أن البنك سوف يمد يد العون للبرتغال وإسبانيا وإيطاليا حتى لا تفقد الأسواق ثقتها.
لك أيضا أن تتخيل حتى أنه في حال تخلفت اليونان وتركت منطقة اليورو، فقد تتطور الأمور سياسيا بحيث تتحد باقي الدول وتتحرك باتجاه المزيد من الاندماج بين بنوكها وسياساتها المالية.
ربما كان هذه صحيحا، وربما كان ذلك مجرد أمنيات من أناس أضنتهم محاولات إنقاذ العلاقات اليونانية الأوروبية، وآخرين يعتقدون أنه كان من الأفضل لو أن انفصالا نظيفا قد حدث منذ خمس سنوات.
أرسل القادة الألمان على وجه الخصوص بإشارات في الشهور الأخيرة مفادها أنهم يعتقدون أن خروج اليونان، إن لم يكن مثاليا، فإنه سوف يكون طيعا مقارنة بالوضع منذ سنوات قليلة مضت، ويرى محللون أن الجو العام الآن بات مناسبا أكثر من الوضع خلال الفترة من 2010 إلى 2012.
إذا أردت نظرة أكثر قتامة اقرأ عمود لاري سامرز الأخير في صحيفة الـ«فاينانشيال تايمز»، الذي حذر فيه من أن استقلال اليونان قد يجعل منها دولة فاشلة قد تكلف أوروبا في النهاية ثمنا يفوق بكثير أي عملية إنقاذ مالي. وإذا أردت نظرة أقل تشاؤمية، فاقرأ رأي بول كروغمان الذي قال فيه إن خطورة خروج اليونان قد تمثل سابقة للبرتغال التي ربما تتسبب في حالة من عدم الاستقرار في منطقة اليورو.
بيد أن هناك خيطا مشتركا يجمع عمل هؤلاء المحللين وعمل الكثير من المعلقين الذين حاولوا أن يستشفوا ما سوف يحدث لأوروبا لاحقا، حيث يرون فشلا في المحادثات وخروج اليونان الذي سوف يجلب احتمالات قاتمة، حتى وإن كان تخمين وضعية كل دولة على حدة يبدو أمرا مستحيلا. فنحن لا نعرف بالضبط ماذا سوف يعني انهيار محادثات اليونان، إلا أن النتائج السيئة سوف تكون قاتمة بما يكفي لجعل الفوضى تبدو أفضل الاحتمالات.



سندات لبنان الدولارية تعزز مكاسبها بعد انتخاب رئيس للجمهورية

نائب لبناني يدلي بصوته لانتخاب رئيس جديد للدولة في مبنى مجلس النواب وسط بيروت (أ.ب)
نائب لبناني يدلي بصوته لانتخاب رئيس جديد للدولة في مبنى مجلس النواب وسط بيروت (أ.ب)
TT

سندات لبنان الدولارية تعزز مكاسبها بعد انتخاب رئيس للجمهورية

نائب لبناني يدلي بصوته لانتخاب رئيس جديد للدولة في مبنى مجلس النواب وسط بيروت (أ.ب)
نائب لبناني يدلي بصوته لانتخاب رئيس جديد للدولة في مبنى مجلس النواب وسط بيروت (أ.ب)

واصلت سندات لبنان الدولارية مكاسبها بعد انتخاب قائد الجيش، العماد جوزيف عون، رئيساً للجمهورية بعد أكثر من عامين من الفراغ الرئاسي، في خطوة يعدّها كثيرون بداية للانفراج السياسي بالبلاد.

يأتي هذا التحول بعد 12 محاولة فاشلة لاختيار رئيس، مما عزز الأمل في أن لبنان قد يبدأ معالجة أزماته الاقتصادية العميقة.

ومنذ الإعلان عن فوز عون، شهدت «سندات لبنان الدولارية (اليوروباوندز)» ارتفاعاً ملحوظاً، مما يعكس التفاؤل الحذر حيال استقرار البلاد.

ومع ذلك، تبقى أسعار السندات اللبنانية من بين الأدنى عالمياً، في ظل التحديات الاقتصادية المستمرة التي يواجهها لبنان نتيجة الانهيار المالي الذي بدأ في عام 2019. وفي التفاصيل، انتعش معظم سندات لبنان الدولية، التي كانت متعثرة منذ عام 2020، بعد الإعلان عن فوز عون، لترتفع أكثر من 7 في المائة وبنحو 16.1 سنتاً على الدولار. منذ أواخر ديسمبر (كانون الأول)، كانت سندات لبنان الدولارية تسجل ارتفاعات بشكل ملحوظ.

وتأتي هذه الزيادة في قيمة السندات خلال وقت حساس، فلا يزال الاقتصاد اللبناني يترنح تحت وطأة تداعيات الانهيار المالي المدمر الذي بدأ في عام 2019. فقد أثرت هذه الأزمة بشكل عميق على القطاعات المختلفة، مما جعل من لبنان أحد أكثر البلدان عرضة للأزمات المالية في المنطقة.