خبير تربوي عالمي يتحدث عن «محفزات» القراءة لدى الأطفال

أكد أن غالبية «الصورة الذاتية» تنبع من المقارنة

غلاف كتاب «تربية أطفال يقرأون» للبروفسور دانيال ويلينغام
غلاف كتاب «تربية أطفال يقرأون» للبروفسور دانيال ويلينغام
TT

خبير تربوي عالمي يتحدث عن «محفزات» القراءة لدى الأطفال

غلاف كتاب «تربية أطفال يقرأون» للبروفسور دانيال ويلينغام
غلاف كتاب «تربية أطفال يقرأون» للبروفسور دانيال ويلينغام

استنادا إلى كتابه الأخير بعنوان «تربية الأطفال على القراءة: دور الآباء والمعلمين»، لأستاذ العلوم المعرفية، البروفسور دانيال ويلينغام، كتب ويلينغام خمسة مقالات كلها تدور حول القراءة، استند في المقال الأول وأجاب عن تساؤل ما إذا كانت المعايير الأساسية والمشتركة للحالة يمكنها تعزيز القراءة والفهم. وطرح المقال الثاني وأجاب أيضا على إمكانية تدريس موضوع القراءة لأجل الفهم. أما المقال الثالث فكان يدور حول السبب وراء فقدان الأطفال للاهتمام في القراءة لأجل الاستمتاع مع تقدمهم في العمر. وطرح المقال الرابع وأجاب عن سؤال ما إذا كان ينبغي على الطلاب في المدارس القراءة لأجل الاستمتاع.
والبروفسور دانيال ويلينغام هو أستاذ علم النفس في جامعة فيرجينيا، ومؤلف عدد من الكتب، ومن بينها: «لماذا يكره الطلاب المدرسة؟»، وأيضا كتاب: «متى يمكننا الثقة في الخبراء؟ التفرقة بين العلوم الجيدة والسيئة في التعليم». وقد نشر هذا المقال على مدونة العلوم والتعليم الخاصة بالبروفسور.
بدأ السيد ويلينغام التدريس بجامعة فيرجينيا عام 1992، حينما كانت أبحاثه تتمحور حول الأساس الدماغي للتعلم والذاكرة. ولكن بعد عام 2000 تمركزت أبحاثه حول تطبيقات علم النفس المعرفي على مرحلة «K-16» من التعليم. وقد كتب خلال السنوات الأخيرة عددا من المقالات المعروفة في مدونته الخاصة، ومن بينها: «نظرية الدماغ الأيمن - الأيسر.. نظرية فارغة»، وأيضا «المهارات التي يفتقر إليها طلاب القرن الحادي والعشرين».
ويقول البروفسور ويلينغام في مقاله: «لاحظت في وقت سابق من هذا الأسبوع انخفاض التوجهات حيال القراءة مع تقدم الطلاب في العمر، حيث تكون التوجهات القرائية في أوجها حينما يكون الأطفال في أولى مراحل تعلمهم للقراءة. والأسوأ من ذلك فإن التوجهات الإيجابية ليست كافية، حيث إنني لدي توجه إيجابي أكيد حيال التمرين. وأعتقد أنه يجلب أيضا فوائد صحية مهمة، كما أعرف أنني أشعر بحالة أفضل حينما أمارس التمرينات. ومع ذلك فإنني لا أمارسها فعلا. تلك هي الحقيقة، وجزء منها يرجع إلى أنني لا أرى نفسي كإنسان يمارس التمرينات. فالصورة الذاتية مهمة. لا يتعين على الأطفال أن يمتلكوا التوجهات الإيجابية نحو القراءة فحسب، بل عليهم أن يروا أنفسهم كذلك النوع من الأطفال المحبين للقراءة».
من أين تنبع صورتنا الذاتية؟ إن جزءا كبيرا من مقياس الصورة الذاتية ينبع من المقارنة. فإنك لا ترى نفسك كقارئ لأنك تمارس القراءة بصورة متكررة فحسب، ولكن لأنك تلاحظ أنك تمارسها بوتيرة أكثر من أقرانك. بعد كل شيء، فأنت تتناول الغداء يوميا، ولكن «متناول الغداء» ليس جزءا أصيلا من صورتك عن ذاتك. لكنك إذا لاحظت (كما يلاحظ أقرانك) أنك تطلب السلاطة في كل مرة تذهبون جميعكم لتناول الغداء، فإن ذلك التوجه يصير جزءا من صورتك الذاتية. فأنت «متناول السلاطة» بين مجموعة الأصدقاء.
يبدو وكأننا صرنا أسرى لمتلازمة التناقض. فإذا أردنا من طفلة ما أن تقرأ، فعليها أن ترى نفسها أولا كقارئة. ولكن حتى يتسنى لها أن تفكر في نفسها كقارئة فعليها أولا ملاحظة أنها تقرأ أكثر مما يقرأ باقي الأطفال.
لحسن الطالع، فإن صورة الطفل الذاتية تخضع كذلك لتأثيرات العائلة. يدرك الطفل أن لعائلته قيمها، كما يدرك أن تلك القيم تتباين مع قيم العائلات الأخرى، ومن واقع عضويته في تلك العائلة فإن ذلك يمنحه (تلقائيا) إحساسا بملكيته لتلك القيم.
بطبيعة الحال، لا يؤثر المعلمون على القيم العائلية بصورة مباشرة، ولكن من المهم بقاء تلك الآلية عالقة في الأذهان، حتى يتسنى لهم تحفيزها بمجرد إتيان الفرصة لذلك. ولكن ما الذي يعنيه أن تكون العائلة قارئة؟
إن القراءة بصوت عال للأطفال إلى جانب وجود الكثير من الكتب في المنزل هي من بين المحفزات الواضحة. ولكن ما هي المساهمات الأخرى في ذلك؟ يمكننا توسيع طرحنا في ذلك عبر التركيز ليس على أن نكون عائلة قارئة فحسب، ولكن بأن نكون عائلة متعلمة أيضا، تلك التي تسعى للاستفادة من الفرص السانحة لتعلم الأشياء الجديدة. والقراءة من المكونات المهمة في ذلك، غير أنها ليست السبيل الوحيد في التعبير عن تلك القيمة داخل العائلة.
كيف تنقل للطفل أن قيمة التعلم هي من بين قيم عائلته؟ يصف عالم النفي الاجتماعي غيرت هوفستيد السمات التي تعزز من الثقافات المؤسسية، واعتقد أن تلك السمات توفر سبيلا مفيدا في التفكير حول غرس القيم العائلية.
ما هي تقاليد عائلتك؟ حيث تكشف التقاليد للأطفال كيف أننا نثمن قيمنا من خلال الإعادة والتكرار. إن تقليدا عائليا مثل «أن تكون الكتب هي هدايا أعياد الميلاد لمختلف أفراد العائلة» يبعث برسالة حول قيمة القراءة وأهميتها.
من هو البطل في نظر العائلة؟ ومن الذي نتحدث عنه بمنتهى التبجيل والاحترام؟ أهو ممثل، أو مفكر معروف، أو لعله مدرس؟
ما هي القصص التي تدور بين أفراد العائلة؟ لكل عائلة أساطيرها، وبكونها أسطورة فهي تخبر الطفل الناشئ بأن هناك معنى معينا في تلك القصة يستلزم تكرارها. أهي تستحق التكرار لأن شخصا ما بدا سعيد الحظ، أو صار غنيا، أو سعى لتعلم شيء معين؟
ما هي الرموز التي تحيط بنا؟ هناك الكثير من الفراغ على جدران منازلنا وطاولات غرفنا لتحتلها الأعمال الفنية، أو التذكارات الأسرية، أو ما شابه ذلك. يمكن ترجمة تلك الأعمال كرموز لما يعد مهمًا من قبل العائلة. هل يشاهد الطفل الناشئ مختلف أنواع الكتب في المنزل.. أم أن التلفاز هو بؤرة اهتمام الجميع في غرفة المعيشة؟ ما المعاني التي تحملها الأعمال الفنية أو الصور المعلقة على الجدران؟
على الرغم من الأهمية الكامنة في كل عامل من العوامل سالفة الذكر فإنني لا أعتقد بوجود عصا سحرية بأيدي الآباء يوصلون من خلالها لأطفالهم أهمية القراءة والتعلم في حياتهم. بدلا من ذلك فإنني أرى أنها ملايين الأشياء الصغيرة التي تشتبك مع تفاصيل حياتنا اليومية تلك التي تشكل الفارق. وهي أشبه بزيارة أحد المطاعم التي تقدم أكلات غير مألوفة، فقط لأنه جديد. وهي ليست ملاحظة إحدى الحشرات الساعية على الطريق، ولكن التقاط صورة لها والبحث لاحقا عن معلومات بشأنها. وهي الاحتفاظ دائما بأحد القواميس في مكان قريب بالمنزل حتى يسهل البحث عن الكلمات الجديدة حال معرفتها لأول مرة.
بعبارة أخرى، إن التعلم ليس من الأنشطة المجزأة، وهو ليس من الأنشطة التي تستغرق الوقت والحياة، بل إنه زيارة بسيطة إلى متحف العلوم. وهو ذلك الشيء الذي نفعله من خلال كل أنشطتنا اليومية، ولأنه يعبر عن كينونتنا.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.