حول الفلسفة والمستويات المتفاوتة

TT

حول الفلسفة والمستويات المتفاوتة

في منتصف القرن الـ20 راجت بقوة «أحاديث النهايات»، مثل نهاية الفلسفة، ونهاية الجغرافيا، وصولاً إلى أطروحة فوكوياما عن «نهاية التاريخ». لم تكن أطروحة نهاية الفلسفة تعني «بالخط العريض» انتهاء معناها، وإنما كانت تمهيداً لإعلان إعادة تشكّل الفلسفة بأنماطٍ جديدة وطرق فريدة. أخذت الفلسفة خطوطاً أخرى في تدخلها وفضولها وتجسسها على المجالات الأخرى، وبفضلٍ من طفرات مفهومية فجّرتها البنيوية وما بعدها استطاعت أن تتدخّل في مجالات «أنثروبولوجية» متجاوزة التحديدات الميتافيزيقية التي كادت تحصر بها، ومنهية الموضات والصرعات التي طرأت مثل «الوضعية المنطقية». دخلت الفلسفة في «المطبخ - السينما - الأزياء - الموسيقى - الكليبات»، كان هذا التدخّل الصارخ بمثابة إعلان بدء حقبة جديدة من علاقة الفلسفة بالبشرية. لم تكن فكرة نهاية الفلسفة إلا إعلان بدئها... كسرت الفلسفة جُدُر التقليد، لتجعل من أطرافه شلالاً لها، لم تسلم من مدّها وجزرها الأرجاء.
كان من اللافت دخول الفلسفة على السينما بأسماء فلاسفة كبار...، وعلى رغم عمر السينما القصير، الذي لا يتجاوز 100 عام، ظلت بمنأى عن درس معناها وتمظهراتها وتمدداتها في مجالات التفكير والحياة. وإذا كانت الفلسفة لم تستوعب بعد بشكل عام هذا الفن بالشكل نفسه الذي استوعبت به الفنون الأخرى، كالموسيقى والفن التشكيلي، فإن الفلسفة الحديثة نشطت على مستويات متفاوتة في رصد هذا الفن واللحاق بآثاره درساً وتحليلاً، هذا مع سبق برغسون وجيل دلوز لميشيل فوكو في استيعاب هذا الفن المدهش، ووجود تحليلات سريعة من فاتيمو وجاك دريدا، لكنها لا تصل إلى عمق اشتغال الفرنسي جيل دلوز.
لم يكن الانشغال الفلسفي بالسينما ذا هدف «سينمائي»، وإنما جاء كعمل فلسفي داخل «المفاهيم»، فهو يعمل داخل الصورة التي تنتج مفاهيم جديدة، وهو صلب تنظير جيل دلوز الفلسفي، الذي اعتبر الفلسفة كلها «تشكلات المفاهيم»، كما اعتبر الفيلسوف «صديق المفاهيم»، وتلك المفاهيم التي تنتجها السينما لا توجد بشكل مباشر، وإنما «ينحتها الملاحظ»، إذ يستقل الفيلسوف عن العمل السينمائي ليصبح «شغّيلاً» داخل المفاهيم التي يستخلصها من شريط طويل من المشاهد والصور، ولهذا يقول جيل دلوز: «المفاهيم التي تلحق بخصوصية السينما هي من أمر الفلسفة».
في يونيو (حزيران) 2012، ترجَم إبراهيم العريس كتاب الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، الذي عنونه بـ«نجوم السينما»، وفيه مراجعة لمعنى النجم السينمائي ولشرط صناعته، كما يشرح العوامل «السيكولوجية» و«السوسيولوجية» التي تحدد هذه العلاقة، وبذل العريس جهداً واضحاً في ترجمة هذا العمل الذي أصبح كلاسيكياً في هذا المجال، وحين يكتب الفيلسوف عن «النجم السينمائي» إنما يعبّر عن تحوّل دور الفلسفة من جهة، ويعبّر عن اكتساح تاريخي للسينما التي باتت غذاءً يومياً للبشرية.
في الكتاب يتساءل عن خفوت اسم المخرج على حساب اسم النجم، فهو يرى أن «السينما فقط هي التي اخترعت النجم وسلّطت الضوء عليه، وفي هذا المجال تناقضٌ أوّلي، فالنجم يبدو متمركزاً في الفلك الشمسي للسينما».
من المثير للشغف هذا التداخل بين السينما والفلسفة، إذ للأصدقاء عبارة مغرية تحضّ على مشاهدة الفيلم حين يوصف بأنه «فيلم فلسفي»، وبطبيعة الحال ثمة مخرجون سينمائيون لديهم أعمال فلسفية، منهم مثلاً المخرج الأميركي من أصل لبناني ترينس مالك، الذي أخرج فيلم «شجرة الحياة - The Tree Of Life»، فهو حاصل على درجة في الفلسفة من جامعة هارفارد للتكنولوجيا، وله أطروحات وترجمات عن هيدغر.
الفلسفة تتغذى على المجالات الحيّة، فهي ليست مرتبطة بدرس مجال واحد. الفلسفة آلية وفضاء، وليست موضوعاً. الفلسفة ليست فكرة أو تياراً، إنها أداة سبر أغوار، وتمنح قارئها ترسانة من أدوات التدخل، ومعاول التجسس، وديناميت النقد، الفلسفة لم تنتهِ، وإنما تبدأ، وتبدأ... إلى ما لا نهاية.
مع كل حالٍ من الخراب يجترحها الإنسان تعود الأسئلة إلى فضاء الفلسفة بحثاً عن التعليل لكل هذا التوحش وإرادة التخريب. كان نيتشه حاضراً في حروبٍ خاضتْها بلده ورأى الدماء والأشلاء كما رأى القوة والبطش، من عمق ذلك الحدث صاغ نظريته في إرادة القوة وإدانة الضعف ومحاكمة الأديان المحرّضة على التسامح والصمت، لهذا نجده في كتابه «عدو المسيح» ينتقد المسيحية والبوذية بحدّة، بينما يمتدح الإسلام لما فيه من فضاءٍ للقوة ومن مدح القتال في مواضعه اللازمة. وحين نشبت الحرب الأهلية الإنجليزية، كتب توماس هوبز نظريته في الدولة التي بناها على أصالة الشر في الإنسان.
وفي العصر الحديث، تساءل الفيلسوف الألماني المعاصر يورغن هابرماس عن قيمة الفلسفة في معضلات الإنسان. وحين ضرب تنظيم «القاعدة» أميركا في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 أُجري مع هابرماس لقاء صحافي، قال فيه إن هذه الصدمة جعلته يدرك مستويات التفاؤل في نظريته الشهيرة في «التواصل».
مع كل هذه الأحداث التي تشاهد حالياً، واستمراء حالات القتل وبرك الدم، سواء في سوريا، التي يمارس فيها النظام قتلاً، ذكّر البشرية بما مارسه هتلر ضد اليهود، يعاد السؤال نفسه... سؤال الإنسان. قبل أيام، صدر كتاب للمفكر اللبناني علي حرب، بعنوان «لعبة المعنى - فصول في نقد الإنسان». جاء كتابه في سياق إدانة أفعال الإنسان تجاه الإنسان، إذ يكتب: «نحنُ الوحيدون الذين نلوّث الطبيعة ونُفسد في الأرض ونسفك الدماء، جُرحت كبرياؤنا وقامت قيامتنا عندما تجرأ أحدنا على القول إن القرد هو سلفنا، بل من أبناء عمومتنا، مع أن جماعة القردة أقل عدوانية من جماعة الناس، إن لم نقل أكثر مسالمة... نحنُ من صنفٍ يستهويه الملك قبل الدعوة، ويستوطن الخلق لا الحق، نحن من نوعٍ لا يتخلى عن الدنيا إلا إذا وُعد بالفردوس، ولا يزهد بالشيء إلا من فرط الرغبة فيه».
يأتي نقد علي حرب هذا شبيهاً بالنقد الذي وجّهه فلاسفة أوروبا ضد ممارسات الإنسان في بحر سني الحروب الأهلية والحربين العالميتين، وعلى الأخص في القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20.
نادى هوسرل الفلاسفة في القرن الـ19 أن العبوا دور «موظّفي الإنسانية» من خلال البدء بـ«ممارسة تهدف إلى تربية الإنسانية انطلاقاً من معايير الحقيقة بكل أشكالها»، ليأتي هابرماس بعده في كتابه «الفلسفة الألمانية والتصوف اليهودي»، قائلاً: «إن الفكر الفلسفي لا يرى نفسه في مواجهة ما يضعه أمامه الوعي التكنوقراطي من عوائق فقط، بل أيضاً في مواجهة أفول الوعي الديني. إننا نشهد داخل المجتمعات الصناعية المتقدمة للمرة الأولى فقدان الأمل بالخلاص والنعمة».
تأتي ورطة الإنسان بذاته أو وجوده، وورطته بمجموع علاقاته، لتجعله سجين أسئلة متناسلة من الصعب إيقاف طفراتها. وحين شاهد هوبز «الفلتان» في شوارع مدينته أعاد النظر في مفهوم الشعب نفسه ليجعل من الحاكم واحداً تفرّغت فيه إرادة المجموع، بل رأى «أنه بما أن الجسم السياسي خيالي، فإن إرادته وقدراته هي أيضاً خياليّة». أراد هوبز أن يفرّغ الفرد سلطته بيد الحاكم، لأن السلطة حين تتوزّع في جموع الناس يأتي الخطر، هكذا فكّر هوبز. بقيت أسئلة فشل الإنسان في بناء عالم قائم على التواصل والتحاور، أو على التجاور والتفاهم، وأصبحت القوة هي البديلة. لم يكن نشدان «السلام الدائم» لدى كانط إلا الرضا الذي يأتي بعد أن يبلغ السأم منتهاه. وجوه الخراب هذه ستبقى ما بقيت القوّة والسلطة والسيطرة والهيمنة، ولعل جنون «النووي» وبقاء سلطة الحرب قائمان ضمن خصائص الإنسان نفسه، ولا تسأل عن تلوّث الطبيعة وخيانة الأرض.



السعودية تؤكد إدانتها الشديدة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس جلسة مجلس الوزراء (واس)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس جلسة مجلس الوزراء (واس)
TT

السعودية تؤكد إدانتها الشديدة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس جلسة مجلس الوزراء (واس)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس جلسة مجلس الوزراء (واس)

شدّدت السعودية على رفضها وإدانتها الشديدة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وانتهاكاته المستمرة للقانون الدولي الإنساني، وذلك خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في الرياض الثلاثاء.

وأوضح وزير الإعلام سلمان الدوسري، أن المجلس تابع تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمساعي الدولية المبذولة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، كما اطّلع المجلس على مجمل أعمال الدولة خلال الأيام الماضية، لا سيما المتصلة بمجالات التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، والتنسيق في شأن الجهود المشتركة الرامية إلى مواجهة التحديات ومعالجتها، والإسهام في تحقيق التطلعات نحو مستقبل أفضل للمنطقة والعالم أجمع.

تابع المجلس تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمساعي لوقف إطلاق النار بقطاع غزة (واس)

وأشاد المجلس في هذا السياق، بنتائج المحادثات التي جرت بين كبار المسؤولين في المملكة والوفد رفيع المستوى من الإدارة الجديدة في سوريا، مجدداً الموقف السعودي الداعم لأمن هذا البلد واستقراره، والتأكيد على مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوري الشقيق.

وفي الشأن المحلي استعرض مجلس الوزراء التقدم المحرز في تنفيذ عدد من البرامج والمبادرات والمشاريع التنموية الهادفة إلى الاستمرار في الارتقاء بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين والزائرين، وتنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل، بالإضافة إلى استثمار الإمكانات والطاقات والثروات المتوافرة.

واطّلع المجلس، على الموضوعات المدرجة على جدول أعماله، من بينها موضوعات اشترك مجلس الشورى في دراستها، كما اطّلع على ما انتهى إليه كل من مجلسي الشؤون السياسية والأمنية، والشؤون الاقتصادية والتنمية، واللجنة العامة لمجلس الوزراء، وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء في شأنها.

وقرّر المجلس خلال الجلسة تفويض وزير الرياضة - أو من ينيبه - بالتباحث مع الجانب الأوروغواياني في شأن مشروع مذكرة تفاهم بين وزارة الرياضة السعودية والأمانة الوطنية للرياضة في جمهورية الأوروغواي الشرقية للتعاون في مجال الرياضة، والتوقيع على ذلك.

أشاد المجلس بنتائج المحادثات التي جرت بين كبار المسؤولين في السعودية والوفد رفيع المستوى من الإدارة الجديدة بسوريا (واس)

كما وافق المجلس على مذكرة تفاهم في مجال الشؤون الإسلامية بين وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية والرئاسة الإسلامية العليا في جمهورية مقدونيا الشمالية، وعلى مذكرة تفاهم للتعاون بين وزارة العدل بالمملكة ووزارة القانون بجمهورية سنغافورة، وعلى اتفاقية بين السعودية ومركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا (سيداري) في شأن توفير الدعم المالي للمركز بالمساهمة في صندوق الوديعة (الوقفي) الاستثماري للمركز، وعلى مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة السعودية ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية في المملكة المغربية للتعاون في المجالات الصحية.

ووافق المجلس أيضاً على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الحكومة الرقمية بين هيئة الحكومة الرقمية في السعودية ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دولة قطر، وعلى اتفاقية الخدمات الجوية بين السعودية ومملكة إسواتيني، على مذكرة تفاهم بين هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية وجامعة «نايف العربية للعلوم الأمنية» للتعاون في التدريب بمجال مكافحة الفساد، وعلى مذكرة تفاهم بين الديوان العام للمحاسبة في المملكة ومكتب المراقب والمراجع العام في جمهورية الهند للتعاون في مجال العمل المحاسبي والرقابي والمهني، وعلى مذكرة تفاهم بين الإدارة العامة للتحريات المالية برئاسة أمن الدولة في السعودية ووحدة الاستخبارات المالية في هيئة الإشراف على مديري البنوك والتأمين وصناديق التقاعد الخاصة في جمهورية البيرو بشأن التعاون في تبادل التحريات المتعلقة بغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والجرائم ذات الصلة.

وقرّر المجلس تعديل نظام المرور بإلغاء المادة (الحادية والسبعين)، وإضافة فقرة في جدول المخالفات بالنص الآتي: «قيادة المركبة في الطرق برخصة سير منتهية»، والموافقة على نظام المواد البترولية والبتروكيماوية، وعلى أن تتولى جامعة «الملك عبد الله للعلوم والتقنية» مهمات استكمال بناء وتأسيس المركز السعودي للقاحات والعلاجات البروتينية، وإدارته وتشغيله والإشراف عليه.

كما اطّلع مجلس الوزراء، على عدد من الموضوعات العامة المدرجة على جدول أعماله، من بينها تقارير سنوية لوزارتي (الرياضة، والحج والعمرة)، والهيئة العامة لعقارات الدولة، والهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين ومن في حكمهم، والهيئة السعودية للسياحة، والمركز الوطني لإدارة الدَّيْن، ومجمع الملك عبد العزيز للمكتبات الوقفية، وجامعة «طيبة»، والمكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة جازان، وقد اتخذ المجلس ما يلزم حيال تلك الموضوعات.