قلوب المتبرعين المصابين بـ«كوفيد ـ 19» آمنة للزراعة

لا تختلف نتائج زراعتها مع القلوب المتبرعة غير المصابة

قلوب المتبرعين المصابين بـ«كوفيد ـ 19» آمنة للزراعة
TT

قلوب المتبرعين المصابين بـ«كوفيد ـ 19» آمنة للزراعة

قلوب المتبرعين المصابين بـ«كوفيد ـ 19» آمنة للزراعة

قد يكون القلب المأخوذ من متبرع متوفى وفي الوقت نفسه مُصابٌ بـ«كوفيد - 19»، قلباً آمناً للزراعة Heart Transplantation في صدر مريض يُعاني من المراحل المتقدمة لفشل القلب... هذا ما طرحته نتائج دراسة أميركية حديثة، هي الأولى من نوعها حول هذا الجانب.
الدراسة الجديدة المدعومة من قِبل قسم جراحة القلب والأوعية الدموية بجامعة بنسلفانيا، تم تقديمها ضمن فعاليات الجلسات العلمية لمؤتمر رابطة القلب الأميركية 2022 الذي عُقد في الفترة ما بين 5 إلى 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وفي عرضها الإخباري لهذه الدراسة، وضعت رابطة القلب الأميركية AHA العنوان «تبدو قلوب المتبرعين المصابين بفيروس (كوفيد – 19) آمنة للزراعة». وأضافت، أن «ذلك آمن تماماً مثل قلوب الأشخاص الذين لا يعانون من ذلك (المرض)، وفقاً لتحليل قصير المدى لأول عمليات زرع من هذا القبيل تم إجراؤها في الولايات المتحدة». وأن هناك حاجة إلى دراسات تبحث في الآثار الصحية المحتملة «طويلة المدى» للقلوب من المتبرعين المصابين بفيروس «كوفيد - 19».
- التعايش مع «كورونا»
تأتي هذه الدراسة لتعطي مزيداً من الدعم العلمي للتوجهات الطبية في التعايش مع مرض «كوفيد - 19»، وذلك بمحاولات تخطي حاجز اعتبار المصابين بهذا المرض غير ملائمين للتبرع بالأعضاء. كما تأتي بعد دراسة سابقة، وأولى من نوعها أيضاً، حول زراعة الكلى Kidney Transplantation من متبرعين مُصابين بـ«كوفيد - 19»، وهي دراسة باحثين من مركز زراعة الأعضاء في كليفلاند كلينيك، وتم نشرها ضمن عدد مايو (أيار) الماضي من مجلة جراحة المسالك البولية Journal of Urology. وكانت بعنوان «زراعة الكلى من المتبرعين الإيجابيين لـ(كوفيد – 19) - سلسلة من 55 حالة». وأشارت تلك الدراسة إلى أن خطر نقل عدوى «كوفيد - 19» من متبرعين متوفين يحملون هذا الفيروس، هو «صفر». وأن من بين 55 مريضاً تلقوا هذه الكلى من مرضى «كوفيد - 19» متوفين، لم يُصب أي منهم بـ«كوفيد - 19» جراء عملية زراعة الكلى.
وفي الدراسة الجديدة حول زراعة القلب، قال الباحثون «تشير هذه النتائج إلى أننا قد نكون أكثر قوة في الإقدام بشأن قبول المتبرعين الذين يوجد لديهم فيروس (كوفيد – 19)، وذلك عندما يكون ثمة مرضى في حاجة ماسة إلى زراعة عضو القلب». وهذه النتائج اللافتة للنظر، والمشجعة بشكل مبدئي، والتي تم تقديمها يوم 6 نوفمبر في مؤتمر الجلسات العلمية لرابطة القلب الأميركية، تعدّ نتائج أولية حتى يتم نشر النتائج الكاملة في مجلة علمية.
ووفق الإرشادات الطبية لعام 2022 الصادرة عن رابطة القلب الأميركية والكلية الأميركية لأمراض القلب ACC وجمعية فشل القلب الأميركية Heart Failure Society of America، يُوصى بإجراء زراعة القلب للأشخاص الذين تتطور حالة فشل القلب لديهم إلى ضعف القلب المتقدم Advanced Heart Failure، أي المرحلة دي Stage D. ويعاني مرضى المرحلة «دي» لفشل القلب، من أعراض شديدة تعيق وتتداخل مع قدراتهم على التعايش مع متطلبات وراحة عيش الحياة اليومية، مثل ضيق التنفس والتعب والتورم في الساقين أو الكاحلين أو القدمين أو البطن. وحتى مع تلقي أحدث ما هو متوفر اليوم من أدوية ومعالجات، يمكن أن يؤدي قصور القلب المتقدم إلى دخول المستشفى بشكل متكرر نتيجة تراكم السوائل في أماكن مؤثرة من الجسم، كالرئتين على وجه الخصوص، ما يُعيق القدرة على التنفس وبذل الجهد البدني والنوم براحة، بما يُشبه الشعور بالغرق.
وأفادت رابطة القلب الأميركية، بأن قائمة الانتظار لزراعة القلب، تشمل اليوم أكثر من 3 آلاف مريض. ينتظرون توفر قلب من متبرعين متوفين حديثاً. وأن الطلب على زراعة القلب ارتفع بأكثر من الضعف، خلال ما بين أعوام 1988 و2020.
- زراعة ناجحة
وقام الباحثون في الدراسة الجديدة، بتحليل البيانات حول 3289 عملية زراعة قلب أُجريت في الولايات المتحدة في الفترة ما بين فبراير (شباط) 2021 إلى مارس (آذار) 2022. وتضمنت أول 84 حالة زراعة قلب من أشخاص ثبتت إصابتهم المرافقة بـ«كوفيد - 19» حال أخذ قلوبهم للزراعة. وفيما بين منْ تلقوا قلباً للزراعة من شخص مُصاب بـ«كوفيد - 19» وشخص غير مُصاب به، قارن الباحثون المضاعفات بعد الجراحة، مثل رفض الجسم للقلب المزروع Organ Rejection، والسكتة الدماغية بعد الجراحة، والحاجة إلى غسيل الكلى نتيجة الفشل الكلوي ما بعد العملية، إلى جانب معدل حول الوفاة خلال فترة الـ30 يوماً التالية لإجراء عملية زراعة القلب. ونظر الباحثون على وجه التحديد في الوفيات الناجمة عن الالتهابات الميكروبية في الرئة والمضاعفات المرتبطة بذلك، وهي مخاوف معروفة لدى الأشخاص الذين أصيبوا بـ«كوفيد - 19».
ولكن بالنتيجة لهذه المقارنات الدقيقة والشاملة، لم يجد التحليل فروقاً ذات «دلالة إحصائية» في النتائج بين المجموعتين، وفق ما أفاد الباحثون. وسواء كان القلب قد أُخذ من شخص إيجابي (أي مصاب) لـ«كوفيد - 19» أم لا، فإن كلتا المجموعتين من مُتلقي الزراعة لديهم معدلات وفاة مماثلة في المستشفى وخلال 30 يوماً من عملية الزراعة للقلب. كما كان لديهم أيضاً معدلات مماثلة من المضاعفات المتعلقة بالعملية الجراحية ذاتها، وكذلك المضاعفات الأخرى المتعلقة بما بعد زراعة القلب.
ونقلت رابطة القلب الأميركية في نشرتها الإخبارية عن الدراسة، تعليق الدكتور إلدرين ف. لويس، رئيس قسم طب القلب والأوعية الدموية في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا ورئيس لجنة النشر العلمي بالرابطة والمتخصص في قصور القلب المتقدم وزراعة القلب، بقوله «تقدم هذه النتائج دليلاً على أن النتائج كانت متشابهة في الـ30 يوماً بعد الزراعة بين المرضى الذين تلقوا قلوب متبرعين إيجابية لـ(كوفيد – 19). لذلك؛ يبدو أن المخاطر المحتملة أقل من المتوقع. وفي المقابل، قد يساعد هذا في معالجة النقص في قلوب المتبرعين للزراعة، وتقليل أوقات الانتظار؛ لأن الناس غالباً ما يصابون بالمرض مع تقدم قصور القلب، أثناء انتظار توفر قلب المتبرع».
- انتقاء المرضى الملائمين لتلقي زراعة القلب وواهبيه
> يمكن إجراء عمليات زراعة القلب للأطفال والبالغين حتى سن 70 عاماً، وربما حتى سن 75 عاماً في بعض الظروف.
ولأنها عملية جراحية كبرى، وعلى درجة عالية من التعقيد، ومع ندرة توفر قلوب يُتبرع بها وملائمة للزراعة، فإن عملية زراعة القلب لا تُجرى إلا عندما يتحتم اللجوء إليها حفاظاً على سلامة حياة المريض، ولا تتوفر أي إمكانية له للعيش إلا بزراعة قلب سليم في صدره. وذلك عندما تكون العلاجات الأخرى لمشكلات فشل القلب غير مجدية بالفعل. أي أن زرعة القلب هي العلاج الأخير للأشخاص الذين يعانون من فشل القلب في مرحلته النهائية.
ولدى البالغين، يمكن أن يحصل فشل القلب المتقدّم نتيجة لأي من الأسباب التالية:
- ضعف عضلة القلب، الناجم عن أسباب عدة. أي مرض أصاب عضلة القلب نفسها بالضرر، كالعدوى الميكروبية، أو أحد الأمراض الوراثية، أو دون سبب واضح.
- مرض الانسداد المتقدّم في شرايين القلب التاجية. ما أدى إلى نوبات قلبية تسببت بضرر لا يمكن إصلاحه في القلب.
- مرض صمام القلب المتقدّم.
- عيوب خِلْقية في القلب لا يمكن معالجتها، وأدت إلى فشل القلب في مراحله الأخيرة، الأمر الذي قد يتطلب عملية زرع قلب.
- عدم انتظام ضربات القلب الخَطِرة المتكررة، بما لا يمكن التحكم فيه بواسطة علاجات أخرى.
- عدم نجاح عمليات زراعة القلب السابقة.
وزراعة القلب ليست ملائمة لجميع مرضى فشل القلب، نتيجة أسباب عدة، كوجود أمراض أخرى متقدّمة، أو المرضى الذين ليس لديهم استعداد أو غير قادرين على إجراء تغييرات في نمط الحياة اللازمة للحفاظ على صحة قلب الجديد، أو وجود أمراض ميكروبية مزمنة. ولذا؛ يتم إجراء تقييم شامل لمرضى فشل القلب المتقدّم، قبل وضعهم على قائمة الانتظار لزراعة القلب مستقبلاً. كما يُجري طاقم فريق زراعة القلب تقييماً نهائياً قبيل الزراعة، لتحديد إذا ما كان قلب المتبرِع مناسباً للمريض، وإذا ما كان المريض مستعداً لإجراء الجراحة.

- زراعة القلب... أعقد العمليات الجراحية
> تعدّ عملية زراعة القلب «الأعلى تعقيداً» من بين جميع أنواع العمليات الجراحية الكبرى التي يتم إجراؤها على مستوى العالم.
وعمليات زرع القلب نادرة. وفي عام 2020، تم إجراء أقل من 8200 عملية زراعة قلب في جميع أنحاء العالم. وعمليات زراعة القلب غير شائعة لسببين:
- نقص وفرة قلب المتبرعين، وضرورة أن يكون المتبرع والمتلقي «متطابقين».
- عمليات زراعة القلب هي عمليات جراحية معقدة للغاية. وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة، يوجد أقل من 150 مستشفى تمتلك القدرة على إجراء جراحة زراعة القلب من بين أكثر من 6 آلاف مستشفى.
وجوانب التعقيد فيها لا تتضمن فقط جانب التحدي الجراحي، والتقنيات المتقدمة المستخدمة في استئصال القلب المريض من صدر المريض، ووضع المريض على جهاز القلب الصناعي، ثم استئصال القلب السليم من صدر المتوفى، والحفاظ على حيويته، وبعدها زراعة هذا القلب السليم في صدر المريض. بل ثمة تعقيدات إكلينيكية في التعامل مع حالة المريض نفسه، الذي وصل إلى المراحل المتقدمة جداً في ضعف القلب، وتداعياته ومضاعفاته على الأعضاء الأخرى في جسمه، لتهيئته للدخول في هذه العملية الجراحية الكبرى.
ثم ثمة تعقيدات تتطلب متابعة طبية دقيقة في التعامل مع حالة المريض بعد زراعة القلب السليم في صدره، من نواحي بدء هذا القلب المزروع في العمل، ومتابعة نشاطه وأي مضاعفات قلبية فيه، وتقبّل جسم المريض للقلب المزروع بداخله، وتأثيرات الأدوية الخافضة لنشاط جهاز المناعة لديه كي لا يرفض جسم المريض هذا القلب الجديد، وتعقيدات الوقاية من الإصابة بأي عدوى ميكروبية نتيجة إضعاف جهاز المناعة لديه، وجوانب أخرى من التعقيدات الاكلينيكية في عمل الأعضاء الأخرى في الجسم، ناهيك عن الجوانب النفسية وعودة قدرات ممارسة النشاط البدني والتغذية وغيره.
وعلى الرغم من الخطورة الجراحية لعملية زراعة القلب، وعلى الرغم من جميع جوانب تعقيدات المعالجة الطبية قبلها وخلالها وبعدها، وعلى الرغم من عدم ضمان حصول احتمالات المفاجآت في الانتكاسات الإكلينيكية، فإن فرصة تخطي ونجاة المريض هي بالفعل جيدة، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى لعمل الطاقم الطبي في المراحل التي تسبق العملية، وخلالاها، والفترة التالية لها، إلى حين خروج المريض من المستشفى.
ثم بعد ذلك، ثمة مخاطر إكلينيكية أخرى لنجاح استمرار كفاءة عمل القلب المزروع لاحقاً، كرفض الجسم للقلب المزروع بعد حين، وفشل القلب المزروع، والتطور السريع لأمراض الشرايين القلبية في القلب المزروع، والعدوى الميكروبية لأن الأدوية الكابتة للمناعة تجعل الجسم أكثر عُرضة للعدوى، والآثار الجانبية لأنواع من الأدوية التي يتعين على المريض تناولها للحفاظ على سلامة وكفاءة عمل القلب المزروع.
ويفيد أطباء القلب في مايو كلينك بالقول «تختلف معدلات البقاء على قيد الحياة بعد زراعة القلب بناءً على عدد من العوامل. وتستمر معدلات البقاء على قيد الحياة في التحسن على الرغم من زيادة الخطورة لدى مَن أَجروا زراعة القلب من كبار السن. وقد بلغ المعدل الإجمالي للبقاء على قيد الحياة في جميع أنحاء العالم نحو 90 في المائة بعد سنة واحدة، ونحو 80 في المائة بعد خمس سنوات للبالغين».


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.