«الوادي الملوّن» في سيناء... سياحة بالألوان

وِجهة مثالية للمغامرين وهواة المشي والاستكشاف

الوادي مغناطيس هواة المغامرة والتسلق (الشرق الأوسط)
الوادي مغناطيس هواة المغامرة والتسلق (الشرق الأوسط)
TT

«الوادي الملوّن» في سيناء... سياحة بالألوان

الوادي مغناطيس هواة المغامرة والتسلق (الشرق الأوسط)
الوادي مغناطيس هواة المغامرة والتسلق (الشرق الأوسط)

إذا زرت من قبل مدينة طابا المصرية جنوب سيناء، وانبهرت بجبالها التي تغلف منتجعاتها السياحية، وعشت رفاهية الإقامة في فنادقها الفخمة، واستمتعت بخصوصية ساحلها المطل على البحر الأحمر، فإنه لا يزال هناك مكان آخر غير تقليدي وغير معروف ينتظرك، ولا سيما لو كنت من محبي المغامرة والمتعة والإثارة؛ إذ يمكنك أن تشد الرحال وتعيش لحظات لا تُنسى داخل متاهة من الصخور الرملية المصبغة بالألوان تُعرف باسم «الوادي الملون» أو «الأخدود الملون»، ويصفها الزائرون بأنها من عجائب الطبيعة!

ستشعر وكأنك تسير فى مجرى نهر جاف

عندما تتجول داخل الوادي سيبهرك تكوينه وستكتشف بنفسك سبب تسميته، ذلك كما يقول الرحّالة المصور سعيد جمال الخولي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «تستقبلك جدرانه المكسوة بالألوان مع عروق الأملاح المعدنية، التي ترسم خطوطاً على أحجاره الرملية والجيرية، تكسبها ألواناً فضية وذهبية وقرمزية وبرتقالية وأرجوانية وحمراء، وغير ذلك».
الوادي كما يشرح الخولي، عبارة عن «متاهة من الصخور يصل ارتفاعها في بعض الأماكن إلى ما بين 40 و80 متراً، ويُعد من عجائب الطبيعة في محمية طابا، ويتكون من صخور ملونة على شكل منحدرات تشبه مجرى نهر جاف، يبلغ طوله نحو 800 متر، ومن المعروف أنه تشكل بفعل مياه الأمطار والسيول الشتوية التي حفرت لها قنوات وسط الجبال».
ويمثل «الوادي الملون» وجهة مثالية للمستكشفين والمغامرين ومحبي التصوير وهواة المشي في البرية (hikers)، يقول الخولي: «عندما نقوم بزيارة الوادي نستقل عربات الدفع الرباعي، في طريق مليء بـ(مدقات) غير ممهدة لمسافة نحو 40 كيلومتراً، لذلك على كبار السن أو المصابين بأمراض العمود الفقري والظهر الامتناع عن خوض المغامرة».

الوادي الملون من عجائب الطبيعة

وتكتسب زيارة الوادي جانباً كبيراً من متعتها انطلاقاً من أنها تعيدنا إلى الحياة البسيطة الفطرية؛ إذ نجلس على الأرض لتناول الطعام الخفيف واحتساء الشاي، لذلك على المتمسكين بالحياة داخل الفنادق الفخمة والذين لا يرضون لها بديلاً الامتناع أيضا! ويواصل الخولي: «عند بداية الأخدود الملون ننزل إلى أسفل نحو 50 متراً، ثم نسير داخل أخدود ضيق لمسافة كيلومتر واحد، يلي ذلك الصعود إلى هضبة عالية تصل إلى نحو 100 متر، وبعد انتهاء الزيارة تكون عربات الدفع الرباعي في انتظارنا».
وينصح الرحّالة المصري هواة المغامرة بزيارة «الوادي الملون»، «في كل الأحوال»، فليس من الضروري أن تكون مقيماً في فندق فخم كي تتمتع بزيارته، فعند سفرك إلى مدينة دهب أو نويبع لا تردد في ترك حقائبك في مكان إقامتك، للتوجه لخوض مغامرة لن تنساها في «الوادي الملون»، حيث يقع الوادي على بعد 90 كم شمال مدينة دهب، ونحو 3 كم من مدينة نويبع.
ومن المهم للغاية الاستعداد للرحلة بارتداء ملابس مريحة ومناسبة للسير على الأقدام طويلاً (hiking)، وأن تكون كذلك مناسبة لطبيعة الطقس وقت الزيارة، إلى جانب اختيار حذاء ملائم للصخور، وحمل زجاجة مياه أو أكثر بحسب حرارة الطقس، علاوة على غطاء للرأس، وكاميرا من أجل التقاط صور لمشاهد نادرة وساحرة؛ إذ ستجد نفسك أمام نهر من الجمال يمثل متحفاً مفتوحاً للطبيعة الخلابة، التي أبدعت لوحات فنية طبيعية ليس لها مثيل؛ إذ ستخطف الحوائط الضيقة الملونة والمنحدرة عيونك، وستشعر وكأنك تسير في مجرى نهر جاف، برعت الطبيعة في تشكيله على مدى آلاف السنين.

متاهة أخرى من الصخور الرملية المصبغة بالألوان

ويتميز الوادي بمجموعة من الصخور متنوعة الأشكال والأحجام، لكل منها طبيعة خاصة بها، مما يجعلها صالحة للتسلق، سواء لهواة التسلق أو محترفيه، بشرط وجود مرافق متخصص، ومن الضروري أن يختار كل متسلق نوعية الصخور التي هي أكثر ملاءمة له؛ إذ هناك تسلق سهل إلى حد ما، وذلك عند اختيار الصخور العادية، في حين يكون التسلق خطراً فيما يتعلق بصخور أخرى صعبة، وفي الحالة الأخيرة سيتطلب الأمر الاستعانة بالمعدات الخاصة بتسلق المرتفعات. وعند زيارة الوادي يُنصح باصطحاب مرشد أو صديق رحّالة يحفظ تفاصيل المكان جيداً للمحافظة على أمن الزائرين، ولكي لا يضل أحدهم الطريق.
ورغم أن الوادي وجهة سياحية استثنائية تجمع بين الجمال والمغامرة والتشويق طوال السنة، فإنه من الأفضل زيارته بعد موسم الأمطار، نهاية الشتاء أو الربيع؛ لأن المياه تساعد على إبراز الألوان، كما يفضل زيارته في الفجر أو الصباح الباكر؛ للاستمتاع بمنظر الشروق ووضوح ألوانه. ومن ضمن الأنشطة التي يمكن ممارستها هناك، الشواء في البرية، والاستمتاع بجلسات السمر... فأنت في حضرة محمية، ولا ينبغي ترك أي مخلفات، فقط «ما يمكن تركه هو الذكرى الجيدة عنا وبعض آثار الأقدام»، كما يقول الخولي.
لا يتمتع المكان بعدُ بشهرة تلائم سحره؛ ربما لصعوبة الوصول إليه، بل إن زيارته من الممكن أن تقودك إلى زيارة أماكن أخرى رائعة الجمال، غير معروفة أيضاً بالنسبة للكثيرين، ومنها «عين خضرة»، وهي الواحة الوحيدة من نوعها في جنوب سيناء، تقع على بعد نحو 70 كيلومتراً في الطريق من سانت كاترين إلى نويبع. وهي عبارة عن واحة خضراء في وسط بحر من الرمال بها عين مياه طبيعية، ويستطيع الزائر لها رصد نباتات وآثار الحيوانات والطيور، والتعرف على التكوينات الجيولوجية وعيون الماء.
ويمكنك أن تتوجه من «الوادي الملون» أيضاً إلى «الكانيونات الملونة» في «الجيبي»، يقول الجيولوجي فادي أسعد حولها لـ«الشرق الأوسط»: «(الكانيون) هو عبارة عن شق عميق في باطن الأرض أو ممر ضيق بين جبلين، يضيق تدريجياً كلما توغلنا فيه، حتى يصل في بعض المناطق إلى أقل من المتر. ويتكون بسبب عوامل التعرية».

يستطيع الزائر رصد نباتات وآثار الحيوانات والطيور

وعلى هواة المغامرة ممن سيزورون «الوادي الملون» ألا يفوتهم شراء المنتجات اليدوية والأعشاب البرية من المحليين في المنطقة، التي تمت صناعتها من خامات البيئة، مثل صوف الأغنام ووبر الإبل وشعر الماعز، وتضم مجموعة متنوعة من أشكال الزينة والستائر والمفارش واللوحات الفنية، والحقائب والإكسسوارات التراثية، التي لا تقل روعة عن المنتجات الغذائية هناك، مثل زيت الزيتون وعسل النحل الجبلي.


مقالات ذات صلة

«قارب أجرة» كهربائي ذاتيّ القيادة

علوم «قارب أجرة» كهربائي ذاتيّ القيادة

«قارب أجرة» كهربائي ذاتيّ القيادة

بمرور السنوات، تحولت الممرات المائية في المناطق الحضرية، مثل الأنهار والقنوات من ممرات أساسية للسفر والتجارة، إلى مجرد عناصر ثانوية داخل هذه المناطق.

نيت بيرغ (واشنطن)
يوميات الشرق سانتوريني تُعد واحدة من الوجهات الشهيرة للعطلات التي تواجه اكتظاظاً هذا الصيف (رويترز)

«مثلما فعلت البندقية»... اليونان تكشف عن خطط لمكافحة «السياحة المفرطة»

كشف عمدة إحدى الجزر الأكثر زيارة في اليونان عن خطط للقضاء على السياحة المفرطة؛ حيث يتجاوز عدد السياح أعداد السكان يومياً خلال موسم الذروة.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
آسيا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يشرف على مشروع بناء في مدينة سامجيون (رويترز)

كوريا الشمالية تخطط لتفتح أبوابها مجدداً... هل ستستقطب السياح؟

قررت كوريا الشمالية استقبال السياح الدوليين مرة أخرى في نهاية العام، وفقاً لوكالات السفر، لكن الخبراء حذروا من أن الانفتاح الذي طال انتظاره قد يقع ضحية للتوترات

«الشرق الأوسط» (بيونغ يانغ)
يوميات الشرق قطار «كاليدونيان سليبر» يعمل ستة أيام في الأسبوع من لندن إلى أسكوتلندا (سي إن إن)

داخل أقدم «قطار نوم» في بريطانيا: عمره 150 سنة ويوفر تجربة فريدة

تهديك رحلة على متن قطار «كاليدونيان سليبر» الذي يعمل ستة أيام في الأسبوع من لندن إلى اسكتلندا، تجربة فريدة من نوعها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)

كهوف الباحة... وِجهة سياحية سعودية بمواصفات عالمية

قبل سنوات عدة كانت الكهوف المنتشرة في السعودية والتي تزيد عن 300 كهف حالة قائمة بذاتها لمعرفة التاريخ وتوابعه من عمليات التكوين واختلاف هذه الكهوف من موقع لآخر.

سعيد الأبيض (جدة)

كهوف الباحة... وِجهة سياحية سعودية بمواصفات عالمية

أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)
أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)
TT

كهوف الباحة... وِجهة سياحية سعودية بمواصفات عالمية

أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)
أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)

قبل سنوات عدة كانت الكهوف المنتشرة في السعودية والتي تزيد عن 300 كهف، حالة قائمة بذاتها لمعرفة التاريخ وتوابعه من عمليات التكوين واختلافها من موقع إلى آخر، دون الغوص في تفاصيل كثيرة مثل كيفية الاستفادة منها في المسارات السياحية الاقتصادية، خاصة تلك الكهوف القابعة في جنوب السعودية لما تحتويه من امتيازات مرتبطة بالطبيعة.

ومع مرور السنوات اختلفت الحال، حتى أخذت الكهوف منحى آخر خاصة في منطقة الباحة، لتخرج من المفهوم التقليدي إلى أنماط جديدة في عالم السياحة الريفية التي يقبل عليها الزوار من مختلف دول العالم، وعلى وجه الخصوص أوروبا والصين للاستمتاع بها وبالخدمات اللوجستية التي تقدم لزوار هذه المواقع، بخلاف الطبيعة في المنطقة واعتدال مناخها في فصل الصيف.

كهوف الباحة تجد رواجاً وإقبالاً من السياحة لما تحتويه من آثار وخدمات (الشرق الأوسط)

يشكل «جبل شدا» في الأسفل، إحدى أبرز الوجهات السياحية لما يعرف بـ«الكهوف» في منطقة الباحة؛ لأنه يتيح للزائر والسائح فرصة التعرف على الكهوف القديمة التي كانت مساكن السكان الأصليين منذ آلاف السنين، كما أن «جبل شدا» بتشكيلاته الجيولوجية التي تعود لطلائع التكوينات المبكرة في الأرض، يُعد نمطاً جديداً من أنماط السياحة الجيولوجية التي تجد إقبالاً كبيراً من مختلف طبقات المجتمع لتحقيقها الكثير من أهداف الزائر من نواحٍ معرفية وثقافية ورياضية.

وينقسم هذا الجبل إلى قسمين «الأسفل»، و«الأعلى»، ويقع بين مدينتي قلوة والمخواة، ويقدر ارتفاع قمة الجبل عن مستوى سطح البحر بـ2200 متر، وتغلب على تضاريس الجبل الصخور الملساء، كما أنه يشكل أهمية تاريخية لينضم فيما بعد إلى قائمة المحميات الطبيعية في المملكة؛ كونه مسكناً لعدد من الكائنات الحية النادرة والطيور المهاجرة.

ومع هذا التنامي والتنسيق الدائم بين الجهات المعنية، تكون الكهوف في السعودية دخلت منعطفاً جديداً مع زيادة أعمال الاكتشاف؛ إذ يترقب المجتمع السعودي والأوساط العالمية المهتمة بعلوم الجيولوجيا وزيارة الكهوف، المزيد من الاكتشافات في عالم الكهوف والأحافير التي ستسهم في نمو هذا النوع من السياحة على المستويين الداخلي والخارجي.

كهف أبو الوعول الذي اكتُشف مؤخراً من قبل هيئة المساحة الجيولوجية (هيئة المساحة)

وتقوم هيئة المساحة الجيولوجية بدور بارز في هذا الاتجاه، ولعل من أبرز الكهوف المكتشفة التي تضاف إلى 300 كهف، كهف أم جرسان، وكهف عين الهيت، وكهف شغفان حيث بلغ طوله كيلومترين وارتفاعه ثمانية أمتار، وهي كهوف تمتاز بعمقها وطولها مع اختلاف درجات الحرارة فيها، وهذه المقومات يبحث عنها المختصون ومحبو المغامرات، وخاصة أن الكهوف عُرفت من قديم الزمن وتستهوي الكثير للاكتشاف والبحث للمعرفة العلمية ولجماليات الكهف.

العناية بالكهوف وترميمها جعلاها هدفاً للزوار (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى كهوف تهامة، فيبدو أنها أخذت مساراً مختلفاً في عملية الترويج لزيارة هذه الكهوف، من خلال تهيئة الموقع وتوفير كافة المتطلبات فيه، مع اختيارها بعناية ودقة عالية بهدف توفير حالة متفردة للراغبين في الإقامة والاستمتاع بالنقوش داخل الكهف والطبيعة من كل الاتجاهات.

توفير البنية التحتية لكهوف الباحة أسهم في قيمتها السياحية (الشرق الأوسط)

في حديث لـ«الشرق الأوسط» قال ناصر الشدوي، الباحث في التاريخ والمهتم بالسياحة، إن سياحة الكهوف في تهامة بدأت في الظهور قبل 10 أعوام وارتفعت وتيرتها والإقبال عليها في الآونة الأخيرة، وأصبحت تشكل هدفاً للراغبين في السياحة الريفية والإقامة داخل الكهوف، لما تتمتع به من خصائص طبيعية. وساعد موقعها الجغرافي في نمو هذا النوع من السياحة.

وتكلم الشدوي عن تجربته في هذا القطاع حيث جاء إلى مسقط رأسه «جبل شدا» في الباحة بعد رحلة طويلة لإحياء مزارع العائلة خاصة تلك التي تنتج البن، ليقوم فيما بعد بترميم منزله ويتبعه بترميم وتوسيع المساكن الكهفية، موضحاً أن هذا العمل كان له ردة فعل إيجابية لدى العامة، ومن ثم بدأ يفد إلى المكان العديد من الشخصيات والسياح، ما انعكس على باقي السكان الذين قاموا بإعادة إحياء مزارعهم ومساكنهم بعد أن هُجرت تماماً ورحل الناس من الجبل برمته.

تزيين الكهوف في جبل شدا ورفع الخدمات زادا من إقبال السياح عليها (الشرق الأوسط)

ومن تلك الواقعة، ومن طلب الكثير من قاطني الجبل تحويل وترميم تلك الكهوف والاهتمام بالأراضي الزراعية، اختلف مفهوم ونوع السياحة في المنطقة، كما يقول الشدوي، الذي وصف جبل «شدا الأسفل» في منطقة الباحة بأنه إحدى أجمل الوجهات السياحية في المملكة، وأنه يستقبل الوفود السياحية من مختلف دول العالم، بل بدأ يلقى اهتماماً كبيراً من المكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة الباحة كغيره من مناطق الجذب في المنطقة؛ كونه يصلح للكثير من جوانب التنمية السياحية طبيعية كانت أو علمية أو رياضية، وغير ذلك من أنماط السياحة المختلفة.

ويجد السائح غايته وهو يتنقل بين «جبل شدا»، خاصة عشاق ممارسة رياضة الهايكينغ؛ إذ يعد الجبل من أهم الوجهات المناسبة لهذه الرياضة، وذلك لجمال الموقع واعتدال المناخ في فصلي الخريف والشتاء، إضافة إلى توفر العديد من المغامرات التي تقام وتكون عاملاً مضافاً لعملية جذب السياح للكهوف بشكل عام ومكونات الجبل الذي يشتهر بزراعة البن وأنواع مختلفة من المحاصيل الزراعية.