«أدراج بيروت».. دروب العاصمة الثقافية والفنية

يقصدها السياح لرؤية الشوارع من فوق

درج مار مخايل في بيروت (الشرق الأوسط)
درج مار مخايل في بيروت (الشرق الأوسط)
TT

«أدراج بيروت».. دروب العاصمة الثقافية والفنية

درج مار مخايل في بيروت (الشرق الأوسط)
درج مار مخايل في بيروت (الشرق الأوسط)

وأنت تسير في أزقة بيروت وشوارعها، لا بد أن تلفتك كمية الأدراج التي تتفرع منها. فهي كانت بمثابة طرقات مختصرة تعرف بـ«القادومية» فتشكل جسر تواصل بين حي وآخر. وإذا ما جلت بمنطقة الرميل والجميزة ومار نقولا ومار مخايل، تكتشف أدراجاً طويلة وأخرى قصيرة تربط تلال منطقة الأشرفية بشوارعها السفلية. وتشكل هذه الأدراج وجهة معروفة عند السياح الأجانب الذين يزورون بيروت. فهم يسألون عنها بالاسم ويستعلمون عن كيفية الوصول إليها كي يجلسوا على أدراجها الحجرية العريضة أو الضيقة. ومن فوقها يلتقطون الصور لشوارع العاصمة النابضة بالحياة والمزدحمة بالسيارات. ومرات أخرى يدققون في حيطان هذه الأدراج المزينة برسوم فن الغرافيتي. أما البنايات السكنية القديمة التي تحيط بمجملها فتشكل بدورها مشهدية خاصة. هندستها المعمارية ترتبط ارتباطاً مباشراً بتراث بيروت العمراني العريق الذي اشتهرت به على مر الزمن.
تطول أسماء الأدراج التي تعم بيروت عامة والأشرفية خاصة، ومن بينها «درج الجامعة الأميركية» الذي استخدمه سكان المنطقة كطريق مختصر يوصلهم إلى شاطئ البحر، و«درج مسعد» في منطقة مار مخايل، ويعود بناؤه إلى أوائل القرن العشرين.
ومن الأدراج المعروفة أيضاً في بيروت «درج مار باسيليوس» و«درج كرم الزيتون» و«درج البرباري» وغيرها.
لكل درج قصة واسم وجيران وزوار، وهو ما يميز كل واحد منها عن الآخر. وإليكم أشهر ثلاثة منها التي تحولت مع الوقت إلى مواقع سياحة ودروب ثقافية وفنية.

- درج الجميزة
هذا الدرج الواقع في شارع غورو في الجميزة يربط ما بينها وشارع السراسقة الواقع على كتفه. أسماؤه كثيرة، إذ يعرف أيضاً بـ«درج مار نقولا» و«درج الفن». وهذا الأخير اكتسبه مع الوقت، بعد أن أصبح مركزاً سياحياً يستضيف معارض فنية وثقافية وعروضاً سينمائية.
يلقبونه بـ«مونمارتر» بيروت لما له من شبه مع تلك المنطقة الفرنسية الشهيرة بأجوائها الفنية. فـ«درج الجميزة» يعد قبلة السياح العرب والأجانب ومحطة ثقافية شبه دائمة تنبض في قلب بيروت.
على أدراجه يمكنك أن تلتقي برسام كاريكاتير يسألك إذا كنت تحب أن يقوم برسمك. مرات على فسحات تفصل بين أقسامه تتعرف على أنواع المونة اللبنانية.
ومرات أخرى يكون فارغاً من أي حركة، إلا من خطوات الأولاد والزوار الذين يجدون فيه استراحة حقيقية، فيتفرجون على شارع الجميزة النابض بالحركة وهم يرتشفون فنجان قهوة.

من الأدراج السياحية المعروفة في العاصمة اللبنانية

- درج غلام
يستوقفك «درج غلام» وسط منطقة مار مخايل والواقع بمحاذاة المحلات والدكاكين الصغيرة القديمة الموزعة في أرجاء هذا الشارع العريق. وهو يربط ما بين المنطقة المذكورة وأخرى تعرف بمستشفى مار جاورجيوس ومدرسة الحكمة الواقعين في أعلاه.
أطلق عليه هذا الاسم تيمناً بأحد المخاتير البيروتيين من آل غلام الذي اختار أن يكون مكتبه متفرعاً من هذا الدرج. «درج غلام» الذي كان يتألف في الماضي من جلال زراعية متدرجة تحولت مع الوقت إلى طريق «قادومية»، أي يقصدها الناس سيراً على الأقدام لاختصار المسافات. ومن بعدها تم تلبيس هذه الدرجات بالحجر الصخري، ليصبح هذا الدرج واحداً من أقدم أدراج بيروت، ولكن ما لبث أن لامسته الحداثة بعدما تم ترميمه وتغطيته ببلاط السيراميك.
لحق بهذا الدرج دمار كبير إثر انفجار مرفأ بيروت، إلا أنه تم بعدها إصلاحه وإعادته إلى الحياة، تماماً كما كان في السابق. يتألف من أكثر من 100 درجة، ويطل «درج غلام» على شارع مار مخايل المكتظ بالمارة وبزحمة السيارات، وتتوزع فيه أيضاً المقاهي والمطاعم ومحلات الألبسة. ويحلو لرواد هذه الأماكن الجلوس على أدراجه بعد جولة طويلة يقومون فيها في أسواق الجميزة أو في محلاتها المنوعة، فيرتشفون فنجان قهوة وهم يتأملون بيروت القديمة من فوق والمشرفة على منطقة المرفأ.

- درج جعارة
يعد هذا الدرج الأطول بين أدراج بيروت القديمة، تصل عدد درجاته إلى نحو 200 درجة، وهو يعد الطريق المختصر الذي يربط ما بين منطقتي مار مخايل والجعيتاوي في الأشرفية. يعرف هذا الدرج أيضاً بـ«درج الفاندوم» نسبة إلى الصالة السينمائية التي كان يحتضنها بين الثمانينات حتى أواخر التسعينات.
فقد هذا الدرج جزءاً من رونقه مع إقفال أبواب السينما الواقعة فيه وقيام ورشة بناء كبيرة مكانها. أما البيوت الأخرى التي تحيط به، فهي لا تزال موجودة ويتهافت الأجانب على السكن فيها لما تحمل من آثار العمارة البيروتية القديمة.
تم إنعاشه في السنوات الأخيرة من خلال «جمعية كهربا». فصار ينظم على أدراجه سنوياً مهرجان «نحن والقمر جيران».
ويعد «درج جعارة» واحداً من الأدراج الذائعة الصيت، فهو المحطة الأكثر استقطاباً للسياح، يرتاح فيها المارة ويستمتعون باكتشاف حركة المدينة التي لا تهدأ ليلاً ونهاراً. غالبية المارة تستهويهم جلسات السمر الطويلة هناك، خصوصاً أن منهم من يهوى ترك دليل يؤكد مروره من هناك، فيكتب شعاراً على الحائط أو يخط رسماً بسيطاً يوقعه باسمه. وفي كل مرة يعود إلى زيارته يتفقد الأثر هذا الذي تركه كي يستعيد ذكرى تحفر في ذهنه. أما رسوم الغرافيتي الغريبة والملونة التي تنتشر على حيطان الدرج، فتعكس أذواق زواره، فهي تبرز رغبتهم في الاستمتاع بحرية التصرف في المساحات العامة المشتركة والمفتوحة أمام الجميع. وتشكل بذلك ملتقى حوارات فنية وثقافية، درجاته شاهدة عليها.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».