أفلام من كل مكان... وجمهور متحمس

«الشرق الأوسط» في مهرجان القاهرة السينمائي (3)

النجم حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع المنتج محمد حفظي في ليلة الافتتاح (أ.ف.ب)
النجم حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع المنتج محمد حفظي في ليلة الافتتاح (أ.ف.ب)
TT

أفلام من كل مكان... وجمهور متحمس

النجم حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع المنتج محمد حفظي في ليلة الافتتاح (أ.ف.ب)
النجم حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع المنتج محمد حفظي في ليلة الافتتاح (أ.ف.ب)

هناك مهرجانان يُقامان في وقت واحد لكنهما على اختلاف كبير كل واحد عن الآخر.
هناك القاهرة، وهو مهرجان لسينما العالم. كبير ومليء بالحضور ومتمتع بميزانية عالية (40 مليون جنيه إسترليني) ويعرض أفلامه في عدد كبير من الأقسام داخل وخارج المسابقة الدولية.
ومهرجان أصغر حجماً من كل ما سبق من هذه المزايا يُقام في مدينة لوس أنجليس ويتخصص بعرض الأفلام القادمة من آسيا.
الفارق ليس فقط بالحجم بل كذلك بالاختصاص، لكنّ المهرجانين يلتقيان عند نقطة واحدة: حب العطاء في سبيل إتقان الجهد المبذول. أفلام مهرجان آسيا وصلتني جميعاً، وبذلك أتابع في الواقع مهرجانين معاً. الأول في صالات السينما الموزعة في دار الأوبرا في الزمالك، والآخر على شاشة الكومبيوتر. ويا لها من متعة مزدوجة!

ترحيب وتقدير
اليوم (الأربعاء)، يدخل مهرجان القاهرة يومه الثالث. عارضاً ما مجموعه 29 فيلماً روائياً طويلاً، والمجموعة الأولى من الأفلام القصيرة المشاركة. وكان المهرجان عرض في يومه الثاني 24 فيلماً في صالات ممتلئة أو شبه ممتلئة ما يدل، مرة أخرى وكما الحال في الدورات السابقة، على أن الجمهور المصري شغوف لاستقبال أفلام لا توزعها شركات التسويق الحالية، ولا توجد هناك فرص أخرى لمشاهدتها.

من فيلم «شاطئ بعيد»

والترحيب الذي استقبل به رئيس المهرجان حسين فهمي خلال كلمته في حفل الافتتاح يمكن أخذه كإشارة على رغبة مصر الدولة ومصر المجتمع في تطوير المهرجان ودفعه بعيداً عن بعض تلك السنوات التي تعرض فيها لمشاكل إدارية كُتب عنها في حينها.
الذين سارعوا لانتقاد إسناد مهمة رئاسة المهرجان للممثل حسين فهمي على أساس توقعاتهم بأن ليس كل ممثل جيد بالضرورة سيكون مسؤولا سينمائيا صالحا لمهمة كهذه، أخطأوا في حكمهم المسبق هذا. فالرجل لم يكن ليصل لهذه المكانة دون ثقافة سينمائية كبيرة. التمثيل كان التعبير عن حبه للسينما وهذا الحب لا يمكن أن يتجزأ، بل هو آيل للتطور دوماً.
كلمة حسين فهمي في الافتتاح كانت تلقائية وعفوية وموجزة. هو شخصية محببة وجذابة، وله حضور يختلف عن حضور معظم من تولوا الرئاسة إلى الآن. في تلك الكلمة أثنى على الجهود المبذولة، وتحدث عن السينما المصرية التي أحبها منذ أيام الأبيض والأسود.
ترجمة كل ذلك إلى برنامج العروض، تبرر الحماسة التي يشعر بها الجميع حيال المهرجان هذا العام.
بالأمس تم عرض «جلال الدين» للمخرج المغربي حسن بنجلون. دراما حول الصوفي منسوجة بأحداث يمتزج فيها الواقع مع الروحانيات. كان خسر زوجته التي أحبها فاعتزل الحياة الاجتماعية، وأمضى سنوات عديدة في صومعة الأفكار والبحث عن الذات، إلى أن قرر العودة كرجل صوفي يريد أن ينقل الصفاء الذي في داخله إلى سواه.
فيلم عربي آخر تم عرضه يوم أمس (ويعاد عرضه اليوم) هو «بعيداً عن النيل». هذا فيلم تسجيلي موشح بموسيقى فولكلورية بديعة صورها المخرج كعروض مسرحية حية. الرسالة التي يحملها الفيلم هي المساهمة في إحياء تلك الموسيقى الثرية، والمخرج شريف القطشة يستفيد من الموضوع المختار على أفضل وجه تتيحه الإمكانيات التي اشتغل بها.


«كلوندايك»  امرأة على الحدود

على جبهة القتال
في قسم «عروض رسمية خارج المسابقة» عرض المهرجان كذلك فيلم «كلوندايك» الأوكراني. يحمل بالطبع دلالة خاصة بسبب ما يقع هناك اليوم، ولو أن المخرجة مارينا إر غورباش تستعيد أحداثاً وقعت خلال الحرب السابقة (سنة 2014) بطلتها عائلة صغيرة تعيش على خط النار بين الجانبين الروسي والأوكراني.
الفيلم مروي من وجهة نظر امرأة اسمها إركا (أوكسانا شركاشينا) تعيش في بيت يقع عند خطوط التماس بين فريقي القتال. قنبلة يطلقها الوطنيون الأوكرانيون بالخطأ تهدم جدار البيت وتنشر الخراب داخله. لا أحد يعتذر عن هذا «الخطأ» بل يجد الزوجان نفسيهما في دوامة ليسا مسؤولين عنها.
إركا حامل وتنتظر الوضع قريباً. علاقتها مع زوجها توليك (سيرغي شادرين) مضطربة وتزداد توتراً بعد هذا الحادث. يحاول إرضاءها لكنها تعزف عنه وتنتقده غالب الأحيان. هي لا تريد المساومة على مسألة تركهما المنزل بل تصر على البقاء. في لحظة لاحقة تسقط طائرة مدنية في الأفق وهي اللحظة التي تبدأ فيها إركا مراجعة موقفها. في الواقع الطائرة هي تلك الماليزية التي أصيبت بصاروخ خلال مرورها في سماء المنطقة في السابع عشر من يوليو (تموز) سنة 2014، لا يقترب الفيلم منها أو يحكي شيئا عنها. فقرار المخرجة بتصوير بعيد جداً لسقوط الطائرة يفي مشهدياً وفكرياً بالمقصود.
يحثها شقيقها يوريك (أولغ شربينا) على ذلك، ويعتقد أن توليك هو من يمنعها من ذلك. عندما يكتشف أن الزوج متطوع لحساب الروس يشهر مسدسه يريد قتله، لكنه يمتنع واصفاً الزوج بأنه خائن. هناك العديد من الأحداث التي تختار المخرجة وقوعها خارج الكادر، ومن بينها قيام الزوج بسجن شقيق زوجته في كوخ تابع للبيت. كل ذلك والوضع العام يسوء. الوطنيون الأوكرانيون جائعون وعلى الزوج ذبح البقرة الوحيدة التي لديه لإطعامهم. يستعيرون سيارته التي يريد نقل زوجته بها إلى المستشفى. كل ذلك وسواه قبل أن يصل الجنود الروس إلى المكان، بينما تشهد إركا آلام وضع مبكر ومؤلم. هذا لا يهم الجنود وحين يكتشفون وجود شقيقها يطلبون من الزوج قتله. أمر لا يستطيع أن يقوم به.
ترقب إركا كل ما يحدث من بداية الفيلم بيأس شديد ونرقب الوضع البائس الذي تعيشه. هي المحور لفيلم تعمد مخرجته إلى سرده بهدوء وتروٍ وبلقطات طويلة سارحة. هناك دوماً شيء ما يقع في الخلفية. دخان بعيد. رجال يقتربون. سيارات تمر. أخرى تتوقف... إلخ. في كل ذلك، تحسن المخرجة فعل التأمل، ويحسن الجميع فعل الأداء وبإحساس عميق.

حكاية يابانية
أما اليوم فمن بين ما سيعرض من مشاركات عربية الفيلم الأخير للمخرج رضا الباهي «جزيرة الغفران» الذي يدور حول عائلة مسيحية تعيش فوق جزيرة تونسية (أيام الاحتلال الفرنسي)، وتشهد وضعاً يهددها بالرضوخ لمتغيرات غير متوقعة.
نقد الفيلم (الذي شوهد مسبقاً) غداً لكن الناتج، في إيجاز هو دراما آسرة وذات إيقاع هادئ ربما أكثر مما يجب بقليل.
من العروض التي تنتمي إلى برنامج العروض الرسمية خارج المسابقة هو الفيلم الياباني «شاطئ بعيد» (A Far Shore). دراما موجعة في أكثر من مكان من المخرج ماساكي كودو.
تتمحور الدراما هنا حول زوجة شابة تعمل في الحانات كمضيفة للزبائن الذين يودون الجلوس مع الإناث (على الأقل). تصد عن نفسها رغبة بعضهم في التمادي، وتتقاضى أجرها من تلك الحانات التي تعمل فيها مع أخريات.
خلف ابتسامتها للجميع وبث الشعور بالألفة والمودة، هناك حياة أخرى بائسة تعيشها الزوجة التي لديها طفل ترعاه وزوج سكير لا يعمل. حين تتمنع عن منحه المال لشراء ما يشرب، يضربها. وبعد حين تقرر أن تتحول إلى مومس لكي تستطيع أن تعيل عائلتها. الحال بعد ذلك يتحدر ويواصل انحداره والنهاية شبه السعيدة لا تغير الكثير مما يختزنه المُشاهد من شعور بالأسف.
هذا هو ثالث فيلم للمخرج الشاب (سبق عرضه في مهرجان لوكارنو) لكن معالجته ليست ميلودرامية أو ساذجة. يضع الكاميرا في مواجهة ما يحدث من دون إلهاء يخفف من حدة الموضوع. ويباشر عمله بأسلوب مبني على سرد داكن الصورة (عموماً) كحال الحياة الداكنة التي تعيشها بطلة الفيلم كوتوني هناسي.



«النواب» الأميركي يعاقب «الجنائية الدولية» بسبب إسرائيل

خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ب)
خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ب)
TT

«النواب» الأميركي يعاقب «الجنائية الدولية» بسبب إسرائيل

خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ب)
خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ب)

صوّت مجلس النواب الأميركي، الخميس، على فرض عقوبات على «المحكمة الجنائية الدولية»؛ احتجاجاً على إصدارها مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، بسبب الحملة الإسرائيلية في قطاع غزة.

وجاء التصويت بأغلبية 243 صوتاً مقابل 140 لصالح «قانون مكافحة المحكمة غير الشرعية»، الذي يقضي بفرض عقوبات على أي أجنبي يُحقق مع مواطنين أميركيين أو مواطنين من دول حليفة غير أعضاء في المحكمة، بما في ذلك إسرائيل، أو يعتقلهم أو يحتجزهم أو يحاكمهم.

وانضم 45 عضواً ديمقراطياً في مجلس النواب إلى 198 جمهورياً في دعم مشروع القانون، ولم يُصوّت أي جمهوري ضده.

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت يواجهان أوامر اعتقال يريد الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية إصدارها بحقهما على خلفية حرب غزة (رويترز)

وقال النائب برايان ماست، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب: «تقر أميركا هذا القانون لأن هناك محكمة صورية تسعى إلى اعتقال رئيس وزراء حليفتنا العظيمة إسرائيل»، وذلك خلال كلمة ألقاها في المجلس قبل التصويت.

وكان التصويت، وهو من بين أولى عمليات التصويت في مجلس النواب منذ بدأ الكونغرس الجديد مهامه الأسبوع الماضي، تأكيداً للدعم القوي بين رفاق الرئيس المنتخب، دونالد ترمب، الجمهوريين للحكومة الإسرائيلية، بعد أن سيطروا على مجلسي الكونجرس.

وفرضت إدارة ترمب في ولايته الأولى عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية في 2020، ردّاً على تحقيقات في مزاعم جرائم حرب بأفغانستان، منها التعذيب على يد مواطنين أميركيين.

ورفعت إدارة الرئيس جو بايدن تلك العقوبات، رغم أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قال في مايو (أيار) الماضي إنه على استعداد للعمل مع الكونغرس لفرض عقوبات جديدة على «الجنائية الدولية»؛ بسبب طلب المدعي العام للمحكمة إصدار أوامر اعتقال لقادة إسرائيليين.

مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 16 يناير 2019 (رويترز)

وقبل 5 سنوات، تم تجميد بطاقات الائتمان والحسابات المصرفية للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك، فاتو بنسودا، وموظفين آخرين، إضافة إلى منعهم من السفر إلى الولايات المتحدة.

وتُمكن العقوبات الجديدة، التي صوّت عليها مجلس النواب الأميركي، الولايات المتحدة من استهداف الأفراد الذين يساعدون المحكمة.

رئيسة المحكمة: العقوبات قد تقوّض الجنائية الدولية

في ديسمبر (كانون الأول)، قالت رئيسة الجنائية الدولية، القاضية توموكو أكاني، للدول الأعضاء في المحكمة، البالغ عددها 125 دولة: «تلك التدابير من شأنها أن تقوّض بسرعة عمليات المحكمة في جميع الحالات والقضايا، وتُعرض وجودها للخطر».

ومن المقرر تنصيب ترمب رئيساً لولاية ثانية في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي.

ووعد جون ثون، زعيم الأغلبية الجمهورية المعين حديثاً في مجلس الشيوخ، بالإسراع في نظر القانون في المجلس ليتمكن ترمب من التوقيع عليه، ليصبح قانوناً بعد فترة وجيزة من توليه منصبه.

و«الجنائية الدولية» هي محكمة دائمة، يمكنها محاكمة الأفراد في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجريمة العدوان في الدول الأعضاء أو من قِبَل مواطنيها.

وقالت المحكمة إن قرارها إصدار أوامر اعتقال بحق المسؤولين الإسرائيليين يتسق مع نهجها في جميع القضايا؛ استناداً إلى تقييم المدعي العام بكفاية الأدلة للمضي قدماً، والرأي القائل بأن إصدار أوامر اعتقال على الفور قد يمنع الجرائم الجارية.

وندّد الجمهوريون في الكونغرس بالمحكمة منذ أن أصدرت مذكرتي الاعتقال بحق نتنياهو، وغالانت، لاتهامهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الصراع الدائر منذ 15 شهراً في غزة، وترفض إسرائيل الاتهامات.