على مدى العقود القليلة الماضية، تحول دور النقاد على شاشات التلفزيون وعبر موجات الأثير، إلى شكل من أشكال الفن، وأصبح اللاعبون السابقون يجلسون يومياً في استوديوهات التحليل ويشاركون في التعليق على المباريات، من أجل التعبير عن آرائهم والكشف عن خبراتهم لتوضيح كل الأمور بالشكل المطلوب إلى المشاهدين. وكان الرجال هم من يسيطرون تماماً على مجال تحليل المباريات، لكن هذا الأمر تغير الآن، وأصبحنا نرى محللات مثل أليكس سكوت، وسو سميث، وراشيل براون، وغيرهن كثيرات كل يوم. وقد نما هذا الأمر وتطور بالتزامن مع زيادة نسب مشاهدة مباريات كرة القدم للسيدات، التي أصبحت الآن تذاع بشكل منتظم على شاشات التلفزيون على مدار الأسبوع.
عندما اعتزلت جينا سكيلاتشي كرة القدم في عام 2020، لم تكن تعرف على وجه التحديد ما هو المجال الذي ستعمل فيه بعد ذلك. وبعد الحديث مع وكيل أعمالها، عُرض على القائدة السابقة لنادي «توتنهام» أن تشارك في التعليق على إحدى المباريات بدوري أبطال أوروبا، ووافقت على العرض. والآن أصبحت تشارك بانتظام في تحليل المباريات، وتقول عن ذلك: «أنا أعمل في هذا المجال؛ لأنني لاعبة سابقة على المستوى الاحترافي، وقد أرى أشياء ربما لا يراها المعلق على المباراة».
وتضيف: «أصبحت هناك الآن مهنة أخرى أمام اللاعبات بعد نهاية مسيرتهن في الملاعب. وكلما زاد عدد النساء اللائي يحللن المباريات على شاشة التلفزيون ويعلقن على المباريات ويعملن في هذه الوظائف التي كانت حكراً على الرجال، كان ذلك ملهماً ومحفزاً للاعبات اللائي يقتربن من نهاية مسيرتهن الكروية».
ومن بين اللاعبات اللائي يفكرن الآن في العمل بعد الاعتزال أويف مانيون، لاعبة «مانشستر يونايتد». صحيح أنها ما زالت قادرة على الاستمرار في الملاعب لعدة سنوات أخرى، لكن بعد تعرضها للإصابة بقطع في الرباط الصليبي الأمامي للمرة الثانية في شهر مارس (آذار) الماضي، انتهزت الفرصة وحللت العديد من المباريات على شاشة التلفزيون، وهو الأمر الذي جعلها تدرك جيداً ما هي المهارات المطلوبة للعمل في هذه المهنة.
تقول مانيون: «العنصر الأساسي هو المحتوى الذي تريدين تقديمه. يتعين عليّ أن أدرك أنني ألعب دور اللاعبة الحالية، وهو الأمر الذي ينطوي على بعض التوقعات. ثانياً، فإنني أعتقد أن الجزء الأصعب في الأمر ربما يتمثل في توصيل ما تريدين قوله للجمهور - أشياء صغيرة حتى يكون من السهل على المشاهد الاستماع إليك». وتضيف: «طريقي إلى الرياضات المختلفة كان من خلال المعلقين والنقاد. وبصفتي لاعبة كرة قدم، فأنا دائماً ما أهتم بكل شيء يتعلق باللعبة؛ لذا أعتقد أن عملي كمحللة للمباريات لا يتطلب مني المزيد من الجهد؛ لأنني أعشق اللعبة من الأساس وأتابع كل ما يتعلق بها، لكن بالنسبة للرياضات الأخرى غير كرة القدم التي أشارك في تحليلها، فإن كل ما يدور حولها ويتعلق بها هو الذي يجعلها تنبض بالحياة ويضيف قصة لها».
هناك شيء واحد لا يزال يتعين علينا رؤيته حقاً من النقاد في كرة القدم للسيدات، وهو «النقد»، الذي ينتقل من وسائل الإعلام الرئيسية إلى وسائل التواصل الاجتماعي. لقد أصبحت الناقدات والمحللات بطبيعة الحال أكثر قدرة على توجيه الانتقادات، لكن ربما بشكل بنّاء أكثر من بعض نظرائهن من الرجال. وترى مانيون أن السبب في ذلك يعود إلى أن هذه المهنة لا تزال جديدة نسبياً على السيدات، وتقول: «أعتقد أن السبب في ذلك يعود بصورة جزئية إلى أنه ليس لدينا عدد كافٍ من اللاعبات السابقات (ممن هن أكبر سناً) اللائي يعملن في اللعبة».
وتضيف: «لذا، فإن الناقدات الآن ربما لا يزلن قريبات للغاية من اللاعبات. وثانياً، لا أعرف ما إذا كانت هذه الانتقادات مرغوبة بالفعل أم لا. من الواضح أنني أميل إلى جانب اللاعبات، وأرى أن هذه الانتقادات يمكن أن تؤثر كثيراً على الحالة النفسية للاعبات، لذلك لا أعرف ما إذا كانت هذه هي أفضل طريقة للتعليق على المباريات وتحليلها أم لا».
وتتفق جينا سكيلاتشي مع هذه الرؤية، وتؤكد أنها تتحرى الصدق تماماً في تحليلها للمباريات، وتقول: «كرة القدم للسيدات هي لعبة استثنائية، وقد ظلت كذلك لأنها لا تحاكي الأجواء المسمومة للعبة كرة القدم للرجال. بالنسبة لي، أرى أنه يتعين على المرء أن يحلل المباريات بكل صدق، وأعتقد أن اللاعبات الآن في وضع أفضل للتعامل مع الانتقادات. وكلما أصبحت اللعبة أكثر احترافية، أصبح هذا الأمر جزءاً لا يتجزأ منها»، لكن من المؤكد أن التوازن مطلوب.
وكما هو الحال مع اللعبة نفسها، فإن تغطية مباريات كرة القدم للسيدات لديها فرصة لتشكيل نفسها بالطريقة التي تريدها. لقد قطعت هيئات بث المباريات خطوة كبيرة إلى الأمام نحو المساواة بين الجنسين، سواء فيما يتعلق بإنتاج المحتوى المتعلق بهذه الرياضة، أو في الوظائف التي تخلقها، لكن هذا لا يعني أن العناصر السيئة الموجودة في اللعبة يجب أن تستمر بشكل تلقائي!