قيود الصين تهز أسعار الإنتاج

سيارات جديدة جاهزة للتصدير من ميناء يانتاى بمقاطعة شاندونغ بشرق الصين (أ.ب)
سيارات جديدة جاهزة للتصدير من ميناء يانتاى بمقاطعة شاندونغ بشرق الصين (أ.ب)
TT

قيود الصين تهز أسعار الإنتاج

سيارات جديدة جاهزة للتصدير من ميناء يانتاى بمقاطعة شاندونغ بشرق الصين (أ.ب)
سيارات جديدة جاهزة للتصدير من ميناء يانتاى بمقاطعة شاندونغ بشرق الصين (أ.ب)

شهدت أسعار الإنتاج في الصين في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أول انخفاض منذ 2020، وفق ما أظهرت أرقام رسمية الأربعاء، في مؤشر على تراجع الطلب في ثاني أكبر اقتصاد في العالم بسبب القيود الصحية المفروضة لمكافحة الجائحة.
والصين التي كانت أول البلدان المتضررة بجائحة كوفيد-19، هي آخر اقتصاد كبير ينتهج استراتيجية صارمة لمكافحة الوباء، خصوصا بسبب انخفاض معدل التلقيح بين المسنين. وتقضي هذه السياسة الصحية بإجراء فحوص شبه يومية للسكان، وفرض حجر صحي إلزامي على الأشخاص الذين تثبت إصابتهم بالوباء، أو حتى العزل بمجرد ظهور إصابات.
وهذه التدابير التي تتسبب بكلفة اقتصادية وتولّد حالة كبيرة من عدم اليقين، تعتبر عائقا أمام النشاط الاقتصادي والاستهلاك. وتشهد الصين كذلك أزمة غير مسبوقة في قطاع العقارات الذي كان تاريخيا محركا مهما للنمو.
وفي هذا السياق، انخفض مؤشر «بي بي آي» الذي يقيس كلفة السلع عند خروجها من المصنع، الشهر الماضي بنسبة 1.3 بالمائة على أساس سنوي، وفق المكتب الوطني للإحصاء.
وهذه المرة الأولى منذ ديسمبر (كانون الأول) 2020 التي يتراجع فيها هذا المؤشر إلى المنطقة السلبية. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، ارتفعت الأسعار مجددا بنسبة 0.9 بالمائة على أساس سنوي، لكن بأضعف وتيرة لها منذ عام 2021. وعندما يكون هذا المؤشر في المنطقة السلبية، فإنه يعكس عموما ضعف الطلب وانخفاض هوامش الشركات.
وحذّر المحلل جوليان إيفانز- بريتشارد من كابيتال إيكونوميكس من أن «أسعار الإنتاج ستبقى سلبية خلال الأشهر القليلة المقبلة ومعظم عام 2023». وعزا ذلك إلى أن أسعار السلع الأساسية العالمية آخذة في الانخفاض، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وللتوضيح، انخفضت كلفة استخراج الفحم بنسبة 16.5 بالمائة على أساس سنوي في الشهر الماضي وفق المكتب الوطني للإحصاء. وتعتمد الصين بشكل كبير على هذا الوقود الأحفوري لتشغيل محطات الطاقة الخاصة بها... ويتناقض هذا الوضع بشكل كبير مع ما حدث الخريف الماضي، عندما شهدت تكاليف الإنتاج في الصين أكبر زيادة منذ 25 عاما بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
من جانب آخر، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك، المقياس الرئيسي للتضخم، في أكتوبر الماضي بنسبة 2.1 بالمائة على أساس سنوي، بعدما كان 2.8 بالمائة في الشهر السابق. ويعزى هذا التوجّه جزئيا إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، خصوصا أسعار لحم الخنزير التي قفزت في أكتوبر الماضي بنسبة 51.8 بالمائة على أساس سنوي. ومن شهر إلى آخر، ما زال سعر هذا النوع من اللحوم الأكثر استهلاكا في الصين مرتفعا بنسبة 9.4 بالمائة، رغم تدخل السلطات في السوق لكبح الأسعار.
وعموما، تراجع الارتفاع في أسعار المواد الغذائية الشهر الماضي و«حدّ ضعف الاقتصاد من التضخم» وفق إيفانز- بريتشارد. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، نجت الصين نسبيا من ارتفاع أسعار الغذاء العالمية... لكنّ السلطات تراقب أسعار لحوم الخنازير من كثب منذ تسبب وباء حمى الخنازير في القضاء على القطعان الصينية في 2019.


مقالات ذات صلة

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )
الاقتصاد لافتة إلكترونية وملصق يعرضان الدين القومي الأميركي الحالي للفرد بالدولار في واشنطن (رويترز)

غوتيريش يعيّن مجموعة من الخبراء لوضع حلول لأزمة الديون

عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجموعة من الخبراء البارزين لإيجاد حلول لأزمة الديون المتفاقمة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الاجتماع السنوي الرابع والخمسون للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (رويترز)

المنتدى الاقتصادي العالمي: قادة الأعمال يخشون من الركود وارتفاع التضخم

أظهر استطلاع للرأي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي يوم الخميس أن قادة الأعمال على مستوى العالم يشعرون بالقلق من مخاطر الركود ونقص العمالة وارتفاع التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص مدير «مبادرة الأراضي العالمية» في «مجموعة العشرين» الدكتور مورالي ثوماروكودي (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 02:36

خاص مسؤول في «مجموعة الـ20»: التزام دولي باستعادة 1.1 مليار هكتار من الأراضي هذا العام

نبّه مدير «مبادرة الأراضي العالمية» في «مجموعة العشرين» الدكتور مورالي ثوماروكودي، إلى مدى خطورة تدهور الأراضي.

آيات نور (الرياض)

الصين تدرس خفض اليوان في 2025 لمواجهة رسوم ترمب الجمركية

ورقة نقدية صينية (رويترز)
ورقة نقدية صينية (رويترز)
TT

الصين تدرس خفض اليوان في 2025 لمواجهة رسوم ترمب الجمركية

ورقة نقدية صينية (رويترز)
ورقة نقدية صينية (رويترز)

يدرس القادة والمسؤولون الصينيون السماح بانخفاض قيمة اليوان في عام 2025، في وقت يستعدون فيه لفرض الولايات المتحدة رسوماً تجارية أعلى، في ظل رئاسة دونالد ترمب الثانية.

وتعكس هذه الخطوة إدراك الصين أنها بحاجة إلى تحفيز اقتصادي أكبر، لمواجهة تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية مرتفعة، وفقاً لمصادر مطلعة على المناقشات. وكان ترمب قد صرح سابقاً بأنه يخطط لفرض ضريبة استيراد عالمية بنسبة 10 في المائة، إضافة إلى رسوم بنسبة 60 في المائة على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة.

وسيسهم السماح لليوان بالضعف في جعل الصادرات الصينية أكثر تنافسية، مما يساعد على تقليص تأثير الرسوم الجمركية ويساهم في خلق بيئة نقدية أكثر مرونة في الصين.

وقد تحدثت «رويترز» مع 3 مصادر على دراية بالمناقشات المتعلقة بخفض قيمة اليوان؛ لكنهم طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لعدم تفويضهم بالحديث علناً حول هذه المسألة. وأكدت المصادر أن السماح لليوان بالضعف في العام المقبل سيكون خطوة بعيدة عن السياسة المعتادة التي تعتمدها الصين في الحفاظ على استقرار سعر الصرف.

وبينما من غير المتوقع أن يعلن البنك المركزي الصيني عن توقفه عن دعم العملة، فإنه من المتوقع أن يركز على منح الأسواق مزيداً من السلطة في تحديد قيمة اليوان.

وفي اجتماع للمكتب السياسي، الهيئة التي تتخذ القرارات بين مسؤولي الحزب الشيوعي، هذا الأسبوع، تعهدت الصين بتبني سياسة نقدية «ميسرة بشكل مناسب» في العام المقبل، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها الصين تخفيفاً في سياستها النقدية منذ نحو 14 عاماً. كما لم تتضمن تعليقات الاجتماع أي إشارة إلى ضرورة الحفاظ على «استقرار اليوان بشكل أساسي»، وهو ما تم ذكره آخر مرة في يوليو (تموز)؛ لكنه غاب عن البيان الصادر في سبتمبر (أيلول).

وكانت سياسة اليوان محوراً رئيسياً في ملاحظات المحللين الماليين ومناقشات مراكز الفكر هذا العام. وفي ورقة بحثية نشرتها مؤسسة «China Finance 40 Forum» الأسبوع الماضي، اقترح المحللون أن تتحول الصين مؤقتاً من ربط اليوان بالدولار الأميركي إلى ربطه بسلة من العملات غير الدولارية؛ خصوصاً اليورو، لضمان مرونة سعر الصرف في ظل التوترات التجارية المستمرة.

وقال مصدر ثالث مطلع على تفكير بنك الشعب الصيني لـ«رويترز»، إن البنك المركزي يدرس إمكانية خفض قيمة اليوان إلى 7.5 مقابل الدولار، لمواجهة أي صدمات تجارية محتملة، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 3.5 في المائة تقريباً عن المستويات الحالية البالغة 7.25.

وخلال ولاية ترمب الأولى، ضعُف اليوان بنسبة تزيد على 12 في المائة مقابل الدولار، خلال سلسلة من إعلانات الرسوم الجمركية المتبادلة بين مارس (آذار) 2018، ومايو (أيار) 2020.

اختيار صعب

قد يساعد ضعف اليوان ثاني أكبر اقتصاد في العالم على تحقيق هدف نمو اقتصادي صعب بنسبة 5 في المائة، وتخفيف الضغوط الانكماشية عبر تعزيز أرباح الصادرات، وجعل السلع المستوردة أكثر تكلفة. وفي حال تراجع الصادرات بشكل حاد، قد يكون لدى السلطات سبب إضافي لاستخدام العملة الضعيفة كأداة لحماية القطاع الوحيد في الاقتصاد الذي لا يزال يعمل بشكل جيد.

وقال فريد نيومان، كبير خبراء الاقتصاد في آسيا، في بنك «إتش إس بي سي»: «من الإنصاف القول إن هذا خيار سياسي. تعديلات العملة مطروحة على الطاولة كأداة يمكن استخدامها لتخفيف آثار الرسوم الجمركية». وأضاف أنه رغم ذلك، فإن هذا الخيار سيكون قصير النظر.

وأشار نيومان إلى أنه «إذا خفضت الصين قيمة عملتها بشكل عدواني، فإن هذا يزيد من خطر فرض سلسلة من الرسوم الجمركية، ويُحتمل أن تقول الدول الأخرى: إذا كانت العملة الصينية تضعف بشكل كبير، فقد لا يكون أمامنا خيار سوى فرض قيود على الواردات من الصين بأنفسنا». وبالتالي، هناك مخاطر واضحة من استخدام سياسة نقدية عدوانية للغاية؛ حيث قد يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف من الشركاء التجاريين الآخرين، وهو ما لا يصب في مصلحة الصين.

ويتوقع المحللون أن ينخفض اليوان إلى 7.37 مقابل الدولار بحلول نهاية العام المقبل. ومنذ نهاية سبتمبر، فقدت العملة نحو 4 في المائة من قيمتها مقابل الدولار.

وفي الماضي، تمكن البنك المركزي الصيني من احتواء التقلبات والتحركات غير المنظمة في اليوان، من خلال تحديد معدل التوجيه اليومي للأسواق، فضلاً عن تدخل البنوك الحكومية لشراء وبيع العملة في الأسواق.

وقد واجه اليوان -أو «الرنمينبي» كما يُسمَّى أحياناً- صعوبات منذ عام 2022؛ حيث تأثر بالاقتصاد الضعيف، وتراجع تدفقات رأس المال الأجنبي إلى الأسواق الصينية. كما أن أسعار الفائدة الأميركية المرتفعة، إلى جانب انخفاض أسعار الفائدة الصينية قد ضاعفت من الضغوط على العملة.

وفي الأيام القادمة، ستناقش السلطات الصينية التوقعات الاقتصادية لعام 2025، بما في ذلك النمو الاقتصادي والعجز في الموازنة، فضلاً عن الأهداف المالية الأخرى، ولكن دون تقديم استشرافات كبيرة في هذا السياق.

وفي ملخصات مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي CEWC)) لأعوام 2020 و2022 و2023، تم تضمين التعهد بـ«الحفاظ على الاستقرار الأساسي لسعر صرف الرنمينبي عند مستوى معقول ومتوازن». إلا أنه لم يُدرج في ملخصات المؤتمر لعامي 2019 و2021.

ويوم الثلاثاء، انخفضت العملة الصينية بنحو 0.3 في المائة إلى 7.2803 مقابل الدولار. كما انخفض الوون الكوري، وكذلك الدولار الأسترالي والنيوزيلندي الحساسان للصين، في حين لامس الدولار الأسترالي أدنى مستوى له في عام عند 0.6341 دولار.