مجدل شمس

TT

مجدل شمس

وسط المجازر الجارية في سوريا والعراق، ووسط التضاغط الشديد بين أطراف وتحالفات كثيرة في المشرق العربي كله، وبعد عام من الهم والغم الذي أعقب ميلاد «دولة الخلافة» المزعومة في العراق والشام، وبعد خمس سنوات من بداية الدراما السورية ساعة نشوب «الثورة» في درعا تيمنا بما دار في بلاد عربية أخرى فيما سمي الربيع العربي؛ بعد كل ذلك، فإن كثيرا من الأحداث «الصغيرة» لا تبدو ذات أهمية تذكر. ويوم يكتب تاريخ الصراع على المشرق العربي كله، أو حتى الإقليم العربي بكامله، فإن حادثة مثل تلك التي جرت في قرية مجدل شمس ربما لن يرد لها ذكر، ومن الجائز أنها سوف تحصل على ملاحظة في هامش. برز اسم مجدل شمس فجأة حينما اعتدى جمع من أهلها على عربة إسعاف إسرائيلية تحمل جرحى سوريين من جراء المعارك الدائرة في الجوار السوري القريب إلى المستشفيات الإسرائيلية فقتل جريح وأصيب آخر جرحا على جرح.
لمزيد من المعرفة فإن مجدل شمس من القرى العربية القليلة الباقية على مرتفعات الجولان السورية، الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ نهاية حرب يونيو (حزيران) 1967. عدد سكان القرية 15 ألف نسمة يمثلون تقريبا نصف عدد السكان العرب الذين استمروا في مواقعهم بعد الحرب، رافضين للجنسية الإسرائيلية، ومتمسكين بالجنسية العربية السورية. ولكن السمة المميزة للقرية أن سكانها من «الدروز»، الذين هم من الطوائف العربية والإسلامية أيضا، ولكن مع خصائص «مذهبية» تعطيهم ذاتية خاصة، مثلهم مثل العلويين وأنصار الطائفة الإسماعيلية وغيرهم من الملل والنحل التي يجمعها أمران: أولهما أنهم أقليات بمعنى أنهم من الناحية العددية ظلوا جماعات صغيرة؛ وثانيهما أنهم طوائف حافظت على وجودها المتميز رغم مئات السنين من العيش وسط أغلبيات كاسحة سواء كانت من السنة أو الشيعة. ببساطة نجحت هذه الطوائف في معركة البقاء في محيط تراوح ما بين الاضطهاد والتسامح.
نعود إلى الواقعة مرة أخرى لكي نجدها كاشفة بحيث تظهر كثيرا من أبعاد الكارثة السورية، التي سوف نجدها فورا تحتوي على كم هائل من الكوارث الأخرى. الكارثة الأولى أن قرية عربية، بسكانها العرب، قاموا بالاعتداء على جرحى عرب، أصيبوا خلال معارك بين عرب وعرب، وحتى سوريين وسوريين. الموقف لا بد أنه كان حرجا للغاية، المستشفيات السورية على الأغلب لم تعد تتحمل جرحى جددا، أو أنه جرى تأميمها لصالح جماعة من الجماعات المتحاربة، وحرمت منها جماعات أخرى لم تجد إلا إسرائيل لكي تعالج جرحاها. الكارثة الثانية أن عربات الإسعاف لا تدخل وتخرج من مناطق قتال حاملة لجرحى، إلا إذا كان هناك تفاهم مع طرف ما، لأن إسرائيل لا تعرض جنودها وأفرادها لأخطار مجانية. نتفهم أنه من الممكن أن تسعى إسرائيل للحصول على دعاية عالمية مجانا حين تكون القلب الرحيم الذي يأخذ الجرحى العرب ويداويهم في المستشفيات الإسرائيلية. ولكن الرحمة الدعائية لها جانب، والنفاذ إلى صميم سوريا والتلاعب بأطراف الصراع فيها جانب آخر. ولحسن الحظ أن كثيرا من المعلومات التاريخية قد ظهرت الآن عن الدور الإسرائيلي في الحرب الأهلية اليمنية الأولى، وهو دور لم يكن هامشيا، بل إنه كان فعالا في إرهاق الجيش المصري وتجهيزه لهزيمة يونيو 1967. ومن يريد معرفة التفاصيل عليه أن يقرأ كتاب يوسي ألفر «شد الأطراف أو Perifery Diminsion علاقات إسرائيل المضطربة مع إيران وتركيا». قارن المسافة ما بين إسرائيل واليمن، وبينها وبين سوريا، وساعتها سوف يمكنك إدراك الحد الذي وصلت إليه إسرائيل في الانشغال بالشأن السوري. الأمر هنا ليس فيه مؤامرة من أي نوع، ولكنه مجرد إدراك دولة لمحيطها الاستراتيجي وكيفية تعظيم المكاسب والمصالح الخاصة بها في منعطف تاريخي بعينه.
الكارثة الثالثة أن الواقعة تكشف للمرة الألف القناع الزائف للدولة «الوطنية» العربية المعاصرة، والتي لم تنجح أبدا في جعل «المواطنة» والمساواة أمام القانون أساسا لوجودها. فبعد عقود من «الاستقلال» الوطني انكشف الحال عن أشكال من الدول الطائفية، التي إما تستبد بها أقلية تجعل الأغلبية مواطنين من الدرجة الثانية؛ أو تستبد بها أغلبية تعرف جيدا كيف تنكل بكل الأقليات العرقية والدينية والمذهبية. جماعة مجدل شمس التي هجمت على سيارة الإسعاف الإسرائيلية لكي تضرب الجرحى فيها فتقتل واحدا منهم، وتصيب آخر إصابة قاتلة كان لديها اعتقاد جازم أن الجرحى من جماعة «النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة الذي يرى في «الدروز» جماعة «كافرة»، ومن ثم فإنه يسعى لإبادتهم. ساد هذا الظن بعد أن شاع قيام جبهة النصرة بمذبحة كبرى في قرية «الحضر» في منطقة السويداء بجبل الدروز. الأعصاب هنا وصلت إلى حافتها، ولا يوجد نقص إطلاقا في إعلانات ودعايات التطرف التي تتباري فيها جبهة النصرة مع غريمها «داعش».
هكذا تكتمل الحلقة، ولم تعد قصة مجدل شمس واحدة من قصص الحرب الدامية والبشعة، وإنما قصة الخروج من الأزمة العربية الراهنة والتي تدخل مباشرة في صميم تركيبة «الدولة» التي تستطيع بث الطمأنينة في قلوب الأغلبية والأقلية على السواء. النظرة على المسرح العسكري السوري العراقي سوف تجد معسكرات للسنة والشيعة والعلويين والدروز والأكراد وما بينهما وداخلهما من فرق وتحالفات عرضية ورأسية، وكلها موجودة في الحلبة في قلبها في الرقة والرمادي والموصل، أو عند الأطراف في مجدل شمس. وبالمناسبة فإن الصورة لن تختلف كثيرا ساعة الوصول إلى اليمن أو ليبيا، ومن ثم فإن العلاج الناجع لبعد من أبعاد المرض ربما يكون واحدا في كل الحالات. لقد سبق أن قدمنا اقتراحا للدول العربية الرئيسية، أو لقمة عربية خاصة، أن يخرج إعلان يؤكد على السلامة الإقليمية لكل دول المنطقة في ظل الحدود القائمة، ومن ثم يغلق الباب للانفصال خاصة لو تم التأكيد على هذا الإعلان في مجلس الأمن فيكون هناك ضمان دولي إضافي. مجدل شمس تضيف بندا آخر في الإعلان لا يقل أهمية عن الأول، وهو ضمان حقوق الأقليات في المواطنة والمساواة التي سيطرت عليها مخاوفها إلى درجة ارتكاب الجرائم العظمى التي لا تقرها ديانة أو مذهب أو تقاليد حرب وهي قتل جرحى عزل. مثل ذلك يخلق أساس المواطنة في الدولة، وهي الفكرة المضادة لأفكار الإرهابيين من أمثال «داعش» و«النصرة» و«بيت المقدس» و«الإخوان المسلمين».



بريست يتألق أوروبياً ويعاني محلياً

فرحة لاعبي بريست بالفوز الأخير أوروبياً على آيندهوفن (رويترز)
فرحة لاعبي بريست بالفوز الأخير أوروبياً على آيندهوفن (رويترز)
TT

بريست يتألق أوروبياً ويعاني محلياً

فرحة لاعبي بريست بالفوز الأخير أوروبياً على آيندهوفن (رويترز)
فرحة لاعبي بريست بالفوز الأخير أوروبياً على آيندهوفن (رويترز)

شعار «أحلم بشكل أكبر» الخاص بنادي باريس سان جيرمان الفرنسي لكرة القدم يناسب غريمه في الدوري الفرنسي بريست بشكل أفضل على أكبر مسرح كروي في أوروبا.

مع إحدى أصغر الميزانيات في الدوري الفرنسي، يحقق فريق بريست نجاحا كبيرا في النسخة الحالية بدوري أبطال أوروبا، التي تقام بشكلها الجديد بمشاركة 36 فريقا، وذلك في مشاركته القارية الأولى.

ورغم الكثير من الإصابات، عزز بريست من فرصه في إنهاء مرحلة الدوري بالبطولة الأوروبية في المراكز الثمانية الأولى بعد فوزه على آيندهوفن الهولندي بهدف نظيف يوم الثلاثاء الماضي.

ومع تبقي مباراتين فقط على إنهاء مرحلة الدوري يوجد بريست في المركز السابع متساويا مع خمسة فرق، من بينها فريق آرسنال الإنجليزي.

في الوقت نفسه يقبع فريق سان جيرمان في المركز الخامس والعشرين، وأصبح مهددا بالخروج المبكر من البطولة.

ويعد هذا إنجازا مذهلا لفريق بريست، الذي يتسع ملعبه لـ15 ألف متفرج، مقارنة بملعب باريس سان جيرمان (الأمراء) الذي يتسع لنحو 49 ألف مشجع، في حين أن الميزانية السنوية المقدرة لباريس سان جيرمان هي 860 مليون يورو مقارنة بـ 48 مليون يورو لبريست.

وقال إريك روي، مدرب بريست، بعد مشاهدته سلسلة من التصديات الحاسمة لحارس الفريق ماركو بيزوت وتسجيل جوليان لو كاردينال هدف الفوز على آيندهوفن: «هذا عمل بطولي لناد مثل نادينا. اللاعبون قدموا كل ما عندهم. كانت أمسية رائعة ستكتب في تاريخ هذا النادي».

ولأن ملعب بريست لا يلبي متطلبات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، يخوض الفريق المباريات التي تقام على أرضه في دوري أبطال أوروبا على ملعب رودورو الذي يبعد 114 كيلومترا.

ومع اقتراب الفريق من التأهل للأدوار الإقصائية في البطولة الأوروبية، أشارت تقارير إعلامية إلى أن بريست، الذي سيواجه ريال مدريد في آخر مباراة له بمرحلة الدوري على ملعبه المؤقت، يبحث عن ملعب أكبر لمبارياته المستقبلية.

ووفقا لصحيفة «ليكيب»، تواصل مسؤولو بريست مع مسؤولي ملعب ستاد دو فرنس، للتحقق مما إذا كان يمكن للفريق استخدام الملعب الموجود في باريس، والذي يتسع لـ80 ألف مشجع، خلال مباريات الأدوار الإقصائية.

في الموسم الماضي، تمكن بريست من التأهل مباشرة لدوري أبطال أوروبا بعدما احتل المركز الثالث في الدوري الفرنسي.

ولكن نتائج الفريق المحلية هذا الموسم لم تكن جيدة مثل الموسم الماضي، حيث يوجد بريست حاليا في المركز الحادي عشر قبل مواجهة نانت الأحد.

وتفرض بطولة دوري أبطال أوروبا عبئا ثقيلا على الفريق، كما أن الإصابات تراكمت في الأسابيع الأخيرة.

وكان بيير ليس ميلو، لاعب الوسط المخضرم، والذي يغيب عن الفريق حتى العام المقبل، من بين سبعة لاعبين غابوا عن مواجهة آيندهوفن، وسوف يفتقد الفريق العديد من اللاعبين عندما يواجه نانت.

ومع تراكم المباريات، حاول روي تدوير لاعبيه بقدر المستطاع، ولكن مع ازدياد عدد اللاعبين الغائبين عن المباريات، لا يملك المدير الفني الكثير من الحلول المتبقية.

وقال روي عقب الفوز على آيندهوفن: «بمرور الوقت لن نتمكن من المنافسة في أعلى المستويات إذا كان لدينا الكثير من الإصابات. بالكاد يوجد لدينا لاعبون جاهزون. من لعبوا في مباراة آيندهوفن سيبدأون مباراة الأحد. لا يوجد لدينا خيار».

وقال المدرب إن المدافع السنغالي عبد الله نداي كان ضحية لتدخل أسفر عن جرح في قدمه في وقت مبكر من المباراة أمام آيندهوفن. لكنه استمر في اللعب، وكان الجرح بحاجة إلى سبع غرز في استراحة الشوطين. وقال روي: «لقد تحامل على نفسه».